تأملات_قرآنية من الآية الرابعة والثلاثين من #سورة_فاطر

وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34)

التأمل الأول :
للشُكر مراتب وأشكال ، ولكل شكل مرتبة ومقام ، إذ لا يمكن أن نساوي بين من يشكر بالكلمة عن من يشكر بالفعل كأن يكافئ المشكور على عمل يعمله ، رغم عِظَم مكانة الشكر بالكلمة ، وقد يكون الشكر بالكلمة أفضل وأعلى مرتبة من الشكر بالمكافئة أو ما شابهها ، وذلك إعتماداً على إمكانية الشاكر وقدرته على الشكر وعلى مدى الانتفاع المعنوي من ذلك الشُكر ، فقد تكون المكافأة مُهينة ومُذلّة للمشكور ، مما يسبب له الحزن والهمّ والانكسار ، وبدل أن تشجعّه على زيادة العطاء فإنها ستضطره الى التراجع عن تقديم العطاء .
ومن علامات الشكر النافع هو تقدير المشكور للشاكر ، أما إذا لم يكن هناك تقدير فذلك مؤشر (محتمل) على أن الشكر مؤذي للمشكور .

التأمل الثاني:
إن المعاصي والآثام تكون معوقاً ومعرقلاً لأي مسعى من مساعي الخير التي قد تنال شُكر الله عليه ، كما في دعاء كميل ( اللهم اغفر لي الذنوب التي تغيّر النِعم اللهم اغفر لي الذنوب التي تحبس الدعاء ) باعتبار النِعم والدعاء من مصاديق الخير ، وبالتالي فإن هذا الساعي يحتاج الى غفران ذنوبه كي يرتقي سعيه الى مرتبة يستحق فيها الشُكر .
وهذا ما تعلمناه من علماء الأخلاق الذين قسّموا مراتب الرقي الى ثلاثة : التخلي والتحلي والتجلي ، فأول خطوة هي التخلي عن الذنوب من خلال التوبة ليحصل على المغفرة ، وبالتحلي بالصفات الطيبة والمحمودة يشكره الله سبحانه ، عند ذلك يتجلى بزوال همومه فيعرف حقيقة الحمد .

التأمل الثالث:
إن ثقافة الحمد ثقافة متجذرة ومتأصلة في قلوب المؤمنين وبالخصوص المصلين ، لأنهم يحمدون الله تعالى يومياً على الأقل عشر مرات ، وذلك في صلاتهم الخمسة ، وأجواء الصلاة تلقي بظلالها على تجذر تلك الثقافة ، ومن جانب آخر فإن ما يحزن المؤمن عموماً – والمصلي بشكل خاص – الذنوب التي تجعله من المغضوب عليهم ، إضافة الى أن يكون من الضالين ، إلا أن ثقافته التي تشرّبت فيه من خلال صلاته تجعله مطمئناً بأن من يُذهب عنه هذا الحزن هو رب العالمين الرحمن الذي وسعت رحمته جميع مخلوقاته والرحيم الذي خصّت رحمتُه عبادَه المستعين به فسبقت غضبه ، فتكون عند ذلك مغفرته إحدى ثمار تلك الرحمة ، بل وأكثر من ذلك إذ تُثمِر هذه الرحمة عن شُكرِ مَن يملك يوم الدين لمن لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً ، وهذا شرف عظيم.

التأمل الرابع:
من الناحية العملية قد يصعب شُكرُ شخصٍ لشخصٍ آخرٍ من دون أن يتجاوز عن تقصيره وأخطائه إن وجدت ، فيمكن اعتبار الشكر دليل بمستوى معين على أن أخطاء المشكور قد تم التجاوز عنها وإسقاطها حتى وإن لم يبدِ الشاكر ذلك ، خاصة إذا كان شُكر الشاكر يكشف عن رضاه تجاه المشكور ، وخصوصاً إن أخذنا بنظر الاعتبار أن الشاكر إذا كان ذا مقام عالٍ ومكانة أفضل من مكانة المشكور فإن الشكر يكون طبيعياً ومتوقعاً لأنه يدل على سمو ورفعة الشاكر ، باعتبار أن علو الشأن لم يمنع من شُكر من هو أدنى ، فضلاً عن التجاوز عن أخطائه وسيئاته وتقصيره، وربما يكون الحزن والهمُّ الذي دخل على المقصّر بسبب تقصيره مؤشراً على صفاء قلبه ونقاوته ، وهذا يرفع من مقامه ، فيجعل العفو عنه مكافأة ممن هو أعلى منه شأناً ، كرماً منه وفضلاً .

للمزيد من التأملات القرآنية انضموا الى قناة ( تأملات قرآنية ) على التلغرام :
https://t.me/quraan_views

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M