تجاذُبات الحرب والسياسة: مستقبل العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة بعد الهُدنة

  • اضطرت الحكومة الإسرائيلية قبول الهدنة وصفقة تبادل الأسرى والرهائن مع حركة حماس بعد فشل العملية العسكرية في إطلاق سراح الرهائن، والضغط من قبل عائلات الرهائن والمجتمع الإسرائيلي والولايات المتحدة للقبول بالهدنة. ومن الراجح أن تُمدَّد الهدنة في غزة بضعة أيام إضافية.
  • من المتوقع أن تستمر إسرائيل في عملياتها العسكرية بعد الهدنة، فهي لن تستطيع وقف الحرب مادامت لم تحقق أهدافها العسكرية المعلنة، وستحاول في المرحلة المقبلة من الحرب تثبيت سيطرتها على شمال قطاع غزة، والتقدم نحو جنوبه وتركيز العمليات في منطقة خان يونس. 
  • ستواجه إسرائيل تحديات مهمة في المرحلة الثانية من عملياتها العسكرية في غزة، أهمها تآكل الدعم الدولي لإسرائيل وصعود المَطالب الدولية بوقف الحرب، وسيكون الضغط الدولي أكبر لغياب مناطق آمنة للمدنيين الفلسطينيين بعد نزوحهم إلى الجنوب وغياب إمكانية عبورهم للأراضي المصرية، وهذا الأمر سيُعقد العمليات العسكرية، فضلاً عن إطالة مدتها، وهو أمر سيؤدي إلى تراجع المناعة الوطنية في المجتمع الإسرائيلي وإمكانية تحمُّله إطالة الحرب.

 

نجح تنفيذ الهدنة التي شملت صفقة تبادل أولى لأسرى ورهائن بين حركة حماس وإسرائيل على مدى أربعة أيام (من 24 إلى 27 نوفمبر 2023). ومع نجاح الهدنة، بدا أن ثمة احتمالية راجحة لتمديدها أربعة أيام إضافية لإطلاق مزيد من المحتجزين الإسرائيليين لدى حماس والأسرى الفلسطينيين لدى إسرائيل. ومن الواضح أن هذه الصفقة قد تنطوي على تداعيات على مستقبل العمليات العسكرية في قطاع غزة، وقدرة إسرائيل على المضيّ بها وتحقيق أهدافها من الحرب.

 

تتناول هذه الورقة تداعيات صفقة الرهائن-الهدنة على مستقبل العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة.

 

صفقة الرهائن-الهدنة في سياق الأهداف الإسرائيلية

وفق الصفقة الأولى التي جرى التوصل إليها بوساطة قطرية-مصرية ودعم أمريكي، والتي أقرتها الحكومة الإسرائيلية بمعارضة وزراء حزب “عظمة يهودية” فقط، تُطبَّق هدنة بين “حماس” وإسرائيل لمدة أربعة أيام يُطلَق خلالها 50 من المحتجزين من النساء والأطفال لدى حركة حماس مقابل إطلاق 150 من الأسرى الفلسطينيين من النساء والأطفال على دفعات. كما شملت الصفقة زيادة عدد الشاحنات التي تحمل المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، بما فيها عدد من شاحنات الوقود، وإدخال جزء من هذه المساعدات إلى الشمال. ومنذ البداية، انطوت الصفقة على إمكانية تمديد الهدنة من أجل تبادل المزيد من المحتجزين والأسرى لدى الطرفين، وهو ما حصل بالفعل.

 

اعتبرت إسرائيلُ الصفقةَ صعبةً ومؤلمة ولكنها أفضل خيار لتحرير الرهائن الإسرائيليين لدى حركة حماس وباقي الفصائل الفلسطينية. ويمكن الإشارة إلى ثلاثة أسباب دفعت الحكومة الإسرائيلية إلى قبول صفقة الرهائن والهدنة:

 

أولاً، ازدياد الضغط الشعبي الداخلي في الفترة الأخيرة على الحكومة الإسرائيلية لتحرير الرهائن الإسرائيليين بكل ثمن، حيث توسع الاحتجاج وأدواته ضد الحكومة، وازداد التعاطف الشعبي مع مطلب العائلات الإسرائيلية، وكان هذا الاحتجاج قد دفع الحكومة الإسرائيلية إلى جعل تحرير الرهائن والأسرى أحد الأهداف المركزية للحرب، وتحوَّل لدى شرائح اجتماعية هدفاً مركزياً للحرب.

 

ثانياً، إخفاق العمليات العسكرية في تحرير الرهائن والأسرى، فبعد مرور نحو 45 يوماً من الحرب على غزة لم تنجح إسرائيل في تحرير رهائن من خلال العمليات العسكرية كما وعدت بذلك، وَعُدَّ احتلال مشفى الشفاء والسيطرة عليه نقطة فارقة في هذا الشأن، فقد عوّلت إسرائيل، وهكذا سوقت على الأقل للجمهور الإسرائيلي، على أنها ستجد رهائن إسرائيليين داخل المستشفى، أو تبرر رفض الهدنة بالقضاء على قادة حركة حماس في المشفى بعد أن سوّقت أيضاً فكرة أن غرفة عمليات حماس موجودة في نفق أسفل المستشفى. وكان الإخفاق في ذلك عاملاً في قبول إسرائيل الصفقة/الهدنة.

 

ثالثاً، الدعم الأمريكي لجهود الوساطة المصرية-القطرية من جهة، والضغط الأمريكي على إسرائيل لقبول جهود الوساطة لهدنة تتضمن تبادل الأسرى والرهائن من جهة ثانية. فقد جعلت الولايات المتحدة مسألة تحرير الرهائن أولوية محورية في الحرب، حتى قبل أن تفعل ذلك الحكومة الإسرائيلية، التي اعتبرت هذا الملف محورياً بعد مرور أسبوعين من الحرب بسبب الضغط الشعبي الداخلي.

 

وتسعى الوساطة القطرية-المصرية إلى تمديد أيام الهدنة للإفراج عن المزيد من المحتجزين الإسرائيليين والأسرى الفلسطينيين، وتم الإعلان أن جميع الأطراف لديها ميل للموافقة على ذلك. وقد ألمح الرئيس الأمريكي جو بايدن في تعقيبه على الهدنة إلى أنه يرى أهمية في تمديد الهدنة للإفراج عن المزيد من الرهائن، ما يُمثّل موافقة أمريكية ضمنية على تمديد الهدنة.

 

المشهد السياسي والموقف من الصفقة-الهدنة

لم تحظَ الصفقة-الهدنة بإجماع داخل المشهد السياسي في إسرائيل، فقد تباينت المواقف حولها بين مؤيد ومعارض. فقد أيدت الحكومة، وتحديداً مجلس الحرب الثلاثي (المشكَّل من بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت وبيني غانتس) والمؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية الهدنة، لأسباب عديدة، أهمها:

 

أولاً، المصلحة العسكرية؛ فلم يأت تأييد المؤسسة العسكرية للهدنة عبثاً، وهي المؤسسة الباحثة عن إعادة هيبتها ومكانتها في المجتمع الإسرائيلي، وترميم قوة الردع أمام البيئة الإقليمية، إذ إن إغلاق ملف الرهائن سيمنح المؤسسة العسكرية مساحة أوسع للعمل العسكري دون ضغط الشارع الإسرائيلي المُطالِب بتحرير الرهائن، والذي قد يتهم المؤسسة العسكرية بالتخلي عنهم من أجل العمليات العسكرية، وربما تهديد حياتهم جراء هذه العمليات، لذلك أيّدت المؤسسة العسكرية صفقة الرهائن الحالية، وربما صفقات مقبلة. كما أن المصلحة العسكرية تتمثل في إعادة تنظيم الجيش، وإنعاش الجنود، ومراجعة الخطط العسكرية، والاستعداد للمرحلة الثانية من العمليات دون وطأة الميدان وظروفه المتسارعة والضاغطة.

 

ثانياً، المصلحة السياسية، التي تتمثل في محاولة بنيامين نتنياهو إعادة مكانته السياسية، والأمر سيان بالنسبة لغانتس الذي يرى نفسه رئيساً للحكومة المقبلة، إذ إن تحرير الرهائن المدنيين، وإن كان عليه خلاف فإنه لا يزال يحظى بتأييد من المجتمع الإسرائيلي المتعاطف مع عائلات الرهائن، لاسيّما أن الرهائن أغلبهم من القواعد التي تُعارض نتنياهو سياسياً، وترى في غانتس عاملاً سياسياً مهماً في طرح ملف الرهائن هدفاً أساسياً للحرب. في المقابل يحاول نتنياهو من خلال الصفقة إثبات بأنه لا يقود الحرب لأهدافه السياسية فقط، بل يأخذ في الاعتبار المطالب الشعبية، حتى لو كانت مُعارِضةً له، وتخفيف الضغط الشعبي عليه الذي يزداد يوماً بعد يوم.

 

ثالثاً، المصلحة الدولية والدعائية، التي تتمثل في حرص إسرائيل على إظهار نفسها أنها تأخذ في الاعتبار العامل الإنساني في الحرب، إما من خلال موافقتها على الهدنة لإدخال مساعدات إنسانية، أو وضعها لقضية الرهائن هدفاً أساسياً للحرب، وبخاصة بعد أن تصاعد الاحتجاج الشعبي والرسمي الدولي ضد الحرب على غزة، ورفض إسرائيل تسهيل إدخال المساعدات الإنسانية للقطاع. وترى إسرائيل أن إدخال المساعدات الإنسانية للقطاع سوف يحفظ شرعية الحرب لدى أوساط الحلفاء في الغرب، وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، التي تؤيد الحرب ولكنها تطالب في الوقت نفسه بإدخال مساعدات للمدنيين.

 

أما التوجه الذي عارض الهدنة، فقد انطلق من الاعتبارات نفسها، ولكن من تفسيرات مختلفة عن التوجه الأول:

 

أولاً، الأسباب العسكرية، إذ ينطلق هذا التوجه من اقتناع بأن الهدنة سوف تساعد حركة حماس على إعادة ترتيب صفوفها، فضلاً أنها قد تقطع الضغط العسكري الذي يمارسه الجيش منذ بدء الحرب عليها. والأهم من كل ذلك يخشى هذا التوجه من أن الهدنة سوف تتبعها هُدن أخرى قد تكسر الرفض الإسرائيلي الذي كان في بداية الحرب لوقف إطلاق النار، إذ إن الهدن المتتالية سوف تزيد الضغط على إسرائيل لوقف الحرب في نهاية المطاف قبل تحقيق الهدف المركزي المتمثل بالقضاء على حركة حماس. ويشير المحلل العسكري الإسرائيلي المعروف رون بن يشاي، إلى أن هدف حماس من الهدنة هو الوصول إلى وقف إطلاق النار بشكل تدريجي من خلال اللعب على أعصاب الإسرائيليين في مسألة المحتجزين، وبذلك لن تستطيع إسرائيل تحقيق الهدف المركزي من الحرب وهو القضاء عليها.

 

ثانياً، الأسباب السياسية، إذ ينطلق الموقف المعارض للهدنة سياسياً -وهُم في الأغلب من صفوف اليمين- من أن الهدنة سوف تُضعف مكانة الحكومة واليمين عموماً، لأن الجمهور اليميني يُعارضها، ففي استطلاع للرأي أُجري عشية موافقة الحكومة على اقتراح الهدنة، أشار 49% من الجمهور المؤيد للحكومة إلى أنهم يعارضون الهدنة، مقابل 30% يؤيدون الصفقة. وفي المقابل فإن 76% من مُصوِّتي المعارضة يؤيدون الصفقة مقابل معارضة 11% منهم، كما يبين الاستطلاع أن 52% من الجمهور العام يؤيد الصفقة مقابل معارضة 32%، والباقي لا رأي لديهم بالموضوع. لذلك يعتقد هذا التوجه أن المستفيد من الهُدَن هي المعارضة، وخاصة بيني غانتس الذي يؤيد جمهوره هذه الصفقات، مما يزيد من شعبيته من جهة، ويضعف تأييد أحزاب اليمين بين جمهورها من جهة أخرى.

 

ثالثاً، الأسباب الدولية. ينطلق التوجه المعارض للهُدن من أنها سوف تزيد الضغط الدولي على إسرائيل للموافقة على مزيد من الهدن، وربما الموافقة على وقف دائم لإطلاق النار؛ فعودة الغزّيين إلى بيوتهم ومشاهد الدمار الواسع، والبحث عن الجثث تحت الأنقاض سيُصعِّد الحراك والاحتجاج الشعبي الدولي ضد الحرب وضد إسرائيل، ما سيدفع العالم إلى المطالبة بوقف إطلاق النار، وهذا الأمر سيُضر -بحسب هذا التوجه- بمساعي إسرائيل لتحقيق أهدافها العسكرية. ويعتقد أصحاب هذا التوجه أن الهدن سوف تدفع حتى الدول المؤيدة لإسرائيل إلى مراجعة موقفها من استمرار الحرب، وجعل ملف الرهائن والمسألة الإنسانية في القطاع قضايا مركزية بدل القضاء على حركة حماس.

 

اقرأ أيضاً:

 

العوامل التي ستؤثر في العمليات العسكرية بعد الهدنة

أعلنت الحكومة الإسرائيلية والمؤسسة العسكرية أن الهدنة لن تُوقف العمليات العسكرية، وأن إسرائيل ستستمر في الحرب حتى تحقيق أهدافها، وبخاصة القضاء على حركة حماس. ولكن مرور أكثر من 50 يوماً على الحرب، سوف تُظهر اعتبارات جديدة، أو ستزيد حدّة الاعتبارات القائمة، وأهم هذه الاعتبارات هي الآتي:

 

أولاً، المناعة الوطنية الداخلية؛ فقد كانت هجمات “حماس” في السابع من أكتوبر عاملاً مركزياً في الإجماع الداخلي على الحرب وتأييد المجتمع لها. ولكن بعد مرور زهاء 50 يوماً فإن قضية المناعة الوطنية المتمثلة في استمرار الدعم الاجتماعي لها ستكون محل شك. ففي ورقة أعدها معهد دراسات الأمن القومي عن المناعة وتماسكها، هناك إشارة إلى مجموعة من العوامل التي ستؤثر فيها، مثل إطالة مدة الحرب وعدم تحقيق أي أهداف مباشرة ومحسوسة، التي من شأنها أن تؤدي إلى تآكل الدعم الشعبي للحرب، فكلما “غرقت” القوات الإسرائيلية في مستنقع غزة من دون إنجاز يُذكر ومباشر فإن الدعم الشعبي للحرب سيتراجع. كما أن عدم حلّ مشكلة الرهائن سوف يُضعف الدعم الشعبي للحرب، فضلاً عن أن فتح جبهة على الجبهة الشمالية سوف يُضعِف الدعم الشعبي للحرب. لذلك فإن مسألة المناعة الوطنية الداخلية، وقدرة المجتمع الإسرائيلي على تحمل الحرب لمدة طويلة سوف تتآكل مع الوقت.

 

وفي هذا الصدد، لا يزال المجتمع الإسرائيلي مؤيداً للحرب واستمرارها، ويضع ثقة كبيرة في الجيش على تحقيق الأهداف. ففي استطلاع لمعهد دراسات الأمن القومي عبّر 76% من الإسرائيليين عن ثقتهم من أن الجيش سيحقق الأهداف العسكرية للحرب كلياً أو جزئياً، لذلك فلا تزال المناعة الوطنية في إسرائيل موجودة حتى الآن، ولكنها لن تطول مع إطالة الحرب.

 

ثانياً، وعطفاً على النقطة الأولى، فإن استمرار الهُدَن وتراكمها من أجل إطلاق المحتجزين الإسرائيليين سوف تؤدي إلى كسر إيقاع الحرب أو “اندفاعتها”، وبخاصة أن إسرائيل ستكون مضطرة لقبولها بسبب ما ذُكر آنفاً. والقبول بالهدن سوف يوقع إسرائيل فيما يُطلق عليه إسرائيلياً “فخ الهدنة”؛ فحركة حماس سوف تطلق سراح الرهائن على دفعات وليس مرة واحدة، من أجل استنزاف المجتمع الإسرائيلي في هذه المسألة حتى وقف الحرب. وفي هذا الصدد، يشير رئيس الموساد ومجلس الأمن القومي السابق، إفرايم هليفي، إلى أن الصفقة سوف تصعّب مهمة تحقيق القضاء على حركة حماس، مؤكداً أن الاستمرار في مسار تبادل الرهائن والأسرى سيُصعب استئناف العمليات العسكرية في قطاع غزة. ويضيف هليفي أن الولايات المتحدة لا ترى في هذه الصفقة مجرد صفقة لتبادل الأسرى والرهائن وإنما مسار لوقف إطلاق النار وإنهاء الحرب. ولا يمكن لإسرائيل أن تصمد أمام الضغط الأمريكي في هذا الشأن بعد المساعدات والدعم الأمريكيَّين لها، مُضيفاً أنه يتعين على إسرائيل أن تأخذ في الاعتبار المصالح الأمريكية، فالأخيرة “لم توقِّع على تأييد أعمى لإسرائيل”.

 

ثالثاً، الوضع الاقتصادي، فقد تفاقمت الأزمة الاقتصادية في إسرائيل جراء الحرب، وتعطلت الكثير من المرافق الحيوية، وتُنذر الحرب بدخول إسرائيل في أزمة اقتصادية مزمنة، وهذا الأمر سيكون عاملاً مهماً لدى الشارع الإسرائيلي ولدى الحكومة الإسرائيلية في قدرتها الاستمرار لشهور حتى تنجز الأهداف العسكرية من الحرب، والتي بعد مرور أكثر من 50 يوماً لم تحقق أياًّ منها.

 

رابعاً، فشل مشروع تهجير الفلسطينيين من القطاع؛ فقد بات واضحاً أن إسرائيل راهنت على تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة نحو مصر، وحاولت إسرائيل بدايةً تهجير الفلسطينيين إلى جنوب القطاع لدفعهم للخروج إلى مصر، أو الضغط على مصر لفتح معبر رفح لخروج الفلسطينيين، وقد نزح مئات آلاف الفلسطينيين من الشمال إلى الجنوب، ولكن الموقف المصري الرافض للسماح للفلسطينيين بالعبور لسيناء أفشل هذا الهدف. وهذا الأمر سيضع إسرائيل أمام معضلة عسكرية ودولية في حال نقلت الحرب إلى جنوب القطاع، إذ إن الخسائر البشرية سوف تكون كبيرة جداً في صفوف المدنيين، كما أن تقدم القوات الإسرائيلية نحو الجنوب، وخاصة خانيونس، سيكون عسيراً ومعقداً، وبات واضحاً أن مركز الثقل لحماس انتقل إلى الجنوب، وربما المحتجزين الإسرائيليين أيضاً.

 

تُشير تقديرات إسرائيلية إلى أن إيقاع الحرب لن يكون كما كان قبل الهدنة، وعلى ما يبدو فإن الولايات المتحدة تدفع نحو إيقاع مختلف للحرب يتمثل في تنفيذ عمليات عسكرية محددة في الجنوب تستهدف حركة حماس من دون استعمال القوة المفرطة في المرحلة المقبلة، وهذا الأمر يتطلب تعريفاً جديداً لمعنى القضاء على حركة حماس، فبحسب الولايات المتحدة فإن حماس لم تعد تستطيع العودة كما كانت في السابق، حتى في هذه المرحلة من الحرب، لذلك فإن العمليات يجب أن تركز على استهداف دقيق للحركة، والبدء بالتفكير بالأفق السياسي لوضع قطاع غزة.

 

العوامل التي ستدفع إسرائيل إلى الاستمرار في الحرب بعد الهدنة

هناك عوامل تدفع إسرائيل نحو الاستمرار في الحرب، من أهمها:

 

  1. إدراك الحكومة الإسرائيلية والمؤسسة العسكرية أن وقف إطلاق النار في هذه المرحلة يعني هزيمةً لإسرائيل، بعد الفشل في تحقيق الأهداف المعلنة من الحرب.
  2. استمرار الدعم الأمريكي لاستمرار الحرب على حركة حماس، وكان الرئيس الأمريكي جو بايدن قد قال إن الضغط العسكري هو ما دفع حماس إلى قبول صفقة تبادل الرهائن، وهي إشارة منه إلى دعمه لاستمرار الحرب.
  3. لم تحقق إسرائيل الأهداف المركزية من الحرب أو حتى جزءاً منها مثل القضاء على القدرات العسكرية لحماس، فقد أثبتت الهدنة أن حماس لا تزال تسيطر على الأوضاع في قطاع غزة من خلال فرضها وقف إطلاق النار في الشمال والجنوب، وتنسيق الإفراج عن الرهائن المنتشرين في القطاع، واستمرار إطلاقها الصواريخ والاشتباك العسكري مع قوات الجيش الإسرائيلي حتى الدقيقة الأخيرة قبل الهدنة، ما يعني أن إسرائيل ستضطر إلى الاستمرار في الحرب لتحقيق أهم هدف منها وهو تدمير البنية العسكرية لحركة حماس.
  4. الوضع السياسي الداخلي لا يحتمل وقف الحرب، والمقصود مكانة الحكومة الإسرائيلية التي ستسقط في حالة توقفت الحرب، فضلاً عن الوضع الاجتماعي الداعم لاستمرار الحرب حتى الآن والمُطالب بإنجاز المهمة في القضاء على حركة حماس.

 

استنتاجات

من المتوقع أن تستمر إسرائيل في عملياتها العسكرية ضد حركة حماس في غزة بعد الهدنة، سواء بقيت على حالها أو مُدِّدَت لبضعة أيام. وكما تُظهِر التفاعلات والمواقف الإسرائيلية الداخلية، لن تستطيع إسرائيل وقف الحرب مادامت لم تحقق أهدافها العسكرية، وستسعى في المرحلة المقبلة من الحرب إلى تثبيت سيطرتها على شمال القطاع، والتقدم نحو جنوبه وتركيز العمليات في منطقة خان يونس. ستواجه إسرائيل تحديات في المرحلة الثانية من العمليات العسكرية، وأهم هذه التحديات: تآكل الدعم الدولي لإسرائيل وصعود المَطالب الدولية بوقف الحرب، وسيكون الضغط الدولي أكبر لغياب مناطق آمنة للمدنيين الفلسطينيين بعد نزوحهم إلى الجنوب وغياب إمكانية عبورهم للأراضي المصرية، وهذا الأمر سيُعقِّد العمليات العسكرية، فضلاً عن إطالة مدتها، وهو أمر سيؤدي إلى تراجع المناعة الوطنية في المجتمع الإسرائيلي وإمكانية تحمُّله إطالة الحرب.

 

من جهة أخرى، ستُسهِم الهدنة في تعزيز شعبية غانتس، في حين ستُضعِف مكانة نتنياهو في صفوف اليمين الغاضب على قبول الصفقة-الهدنة، والتي يَعتبرها انتصاراً لحركة حماس، وتعبيراً عن ضعف نتنياهو الذي لم يُوفِ بأي وعد من وعوده حتى الآن، وكان آخرها تصريحه بأن الصليب الأحمر سيزور الأسرى والرهائن الإسرائيليين لدى حماس، وهو أمر لم يكن أصلاً ضمن شروط الهدنة، وغيرها من الوعود مثل أنه لن يسمح بدخول الوقود لقطاع غزة قبل الإفراج عن جميع المحتجزين الإسرائيليين.

المصدر : https://epc.ae/ar/details/scenario/mustaqbal-alamaliat-alaskaria-fi-gaza-baed-alhudna

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M