تحركات الدول لاستخدام عملاتها المحلية كوسيط في التجارة البينية

لا تزال فكرة استخدام العملات المحلية أو ابتكار عملة مشتركة للمعاملات التجارية بين الدول محل بحث بين العديد من الدول وخاصة تلك التي تواجه أزمة في توفر العملات الأجنبية، فقد بدأت كل من البرازيل والأرجنتين في محادثات بشأن إصدار “عملة مشتركة” لتكون بمثابة نواة لعملة موحدة لدول أمريكا اللاتينية، خاصة أن كلا الدولتين شركاء مؤسسون لتكتل دول “الميركوسور” التجاري القائم.

هناك العديد من الأسباب لاستخدام العملات المحلية في التبادل التجاري بين الدول، منها: تقليل تكلفة التحويلات المصرفية؛ حيث لا يلزم تحويل العملات إلى العملة العالمية المتداولة (وهي الدولار الأمريكي أو اليورو)، كما يمكن أن يؤدي استخدام العملات المحلية إلى تعزيز التجارة بين الدول وتسهيلها.

 وبناءً عليه تسعى مصر حاليًا لتفعيل آلية تطبيق التبادل التجاري بينها وبين عدد من الدول بالعملات المحلية، منها الإمارات والسعودية، والصين؛ لذا يهتم هذا المقال بشكل رئيسي بتسليط الضوء على محاولات الدول المختلفة لإيجاد عملات بديلة للدولار كوسيط للتجارة فيما بينها، كما تبحث في الإيجابيات والسلبيات المترتبة على هذا النوع من المعاملات، والفرص المتاحة أمام مصر للاستفادة من هذا التوجه العالمي.

هناك العديد من الأسباب لاستخدام العملات المحلية في التبادل التجاري بين الدول، منها: تقليل تكلفة التحويلات المصرفية؛ حيث لا يلزم تحويل العملات إلى العملة العالمية المتداولة (وهي الدولار الأمريكي أو اليورو)، كما يمكن أن يؤدي استخدام العملات المحلية إلى تعزيز التجارة بين الدول وتسهيلها.

 وبناءً عليه تسعى مصر حاليًا لتفعيل آلية تطبيق التبادل التجاري بينها وبين عدد من الدول بالعملات المحلية، منها الإمارات والسعودية، والصين؛ لذا يهتم هذا المقال بشكل رئيسي بتسليط الضوء على محاولات الدول المختلفة لإيجاد عملات بديلة للدولار كوسيط للتجارة فيما بينها، كما تبحث في الإيجابيات والسلبيات المترتبة على هذا النوع من المعاملات، والفرص المتاحة أمام مصر للاستفادة من هذا التوجه العالمي.

يهيمن الدولار الأمريكي على النصيب الأكبر من إجمالي حركة التجارة البينية بين مختلف دول العالم، بنسب تتجاوز 79% وخاصة في الأمريكتين كون أن ٩٦٪ من الصادرات في الأمريكتين تُحصل بالدولار الأمريكي بينما وصلت النسبة إلى ٧٤٪ في آسيا ونحو 79% في باقي مناطق العالم. كما يهيمن اليورو الأوربي على التعاملات التجارية البينية في أوروبا ليمثل نحو ٧٠٪ من متحصلات الصادرات في أوروبا باليورو بينما يتم تحصيل حوالي ٥٪ من الصادرات في آسيا باليورو وحوالي ١٥٪ في باقي مناطق العالم.

 يعزز نظام سويفت العالمي هيمنة الدولار؛ حيث احتل الدولار المرتبة الأولى بحوالي ٤٢٪ من عملات الدفع العالمي في نظام سويفت في ديسمبر ٢٠٢١ بينما احتل اليورو المرتبة الثانية بحوالي ٣٧٪، واستحوذ الين الياباني المرتبة الثالثة بأقل من ٥٪، كما جاء الرينمنبي الصيني في المرتبة الرابعة بأقل من ٥٪، وبناءً عليه فإن الدولار الأمريكي هو أهم العملات التي تستعمل كأداة دفع في التجارة الدولية أو التحويل المالي عالميًا بالمقارنة مع العملات الأخرى.

ولكن على الرغم من هذا نجد أن هناك محاولات من الدول وخاصة دول الجنوب لإيجاد بدائل للتجارة الدولية نتيجة لصعوبة تدبير الدولار في ظل ارتفاع أسعاره عالميًا، سواء عبر طرح نظام الصفقات المتكافاة وبحث عدد من الدول لاستخدام عملتها الوطنية كوسيط تجاري، والبعض الآخر لجأ لفكرة استحداث عملة بينية جديدة تكون وسيط للتبادل التجاري على غرار اليورو، بين مجموعة من الدول.

 بدأت كل من البرازيل والأرجنتين محادثات بشأن إصدار عملة مشتركة والتي تأتي كجزء من استراتيجية أوسع لتعزيز التجارة وإعادة نفوذ البرازيل التقليدي في المنطقة؛ لذا يُعتبر ذلك جزءًا من خطة أوسع نطاقًا لتبسيط التجارة بين المُصدِّرين البرازيليين والمورِّدين الأرجنتينيين، الذين يواجهون مشكلات في الحصول على الدولار الأميركي بسبب قيود رأس المال.

وقد سبق لكلا الدولتين بحث إصدار عملة مشتركة، فقد أعلنت الدولتان في 1987 عن “غاوتشو” (gaucho)، وهي وحدة حسابية مشتركة لقياس التجارة بين الدولتين، لكن الأمر باء بالفشل وسط التضخم المفرط وانخفاض قيمة العملة بشكل كبير.

وقد عادت تلك الفكرة للظهور مرة أخرى في الوقت الحالي، وتكون تلك الدول أمام خيارين، الأول: استخدام الدولار الأميركي كمؤشر سعري؛ يعني ذلك أن دفع السلع الأرجنتينية الواردة من البرازيل يتطلب من المستورِد أولًا تحويل السعر بالريال البرازيلي إلى الدولار الأميركي، ثم تحويل البائع هذا السعر بالدولار إلى البيزو الأرجنتيني. ولكن هذا يضيف عبئًا إضافيًا على المصدرين، كما قد يعرضهم لمخاطر تقلبات سعر الصرف أمام الدولار.

أما الخيار الثاني: يتم عبر تحديد قيمة عملة حسابية مشتركة مقابل “سلة” قياسية من العملات، وهو ما يتم عبر خطوة واحدة لحساب السعر بدلًا من خطوتين، وقد يقلص التقلبات في سعر الصرف، إلى جانب عدم الاحتياج للدولار كوسيط في العملية. وهي تشبه في فكرتها الأساسية وحدة العملة الأوروبية، المعروفة باسم “إي سي يو” (ECU)، وهي العملة الحسابية التي استُخدمت كوحدة نقدية للدول الأوروبية بين 1979 و1999 قبل بدء التعامل باليورو.

هناك العديد من التحديات التي تواجه استخدام العملات المحلية في التبادل التجاري بين الدول، منها: عدم قبول العملات المحلية: قد لا يتم قبول العملات المحلية في جميع البلدان، خاصةً في البلدان النامية، كما تمثل صعوبة التحويلات المصرفية بالعملة المحلية أكثر صعوبة وتكلفة من التحويلات بالعملة العالمية المتداولة. إلى جانب عدم استقرار أسعار العملات المحلية، والذي قد يؤدي إلى زيادة المخاطر المرتبطة بالتبادل التجاري.

تسبب تطبيق هذا الأسلوب في خلق فوائض من عملات الدول المستوردة -غير المرغوب بها- لدى الدول المصدرة، فعلى سبيل المثال بعد تطبيق الهند وروسيا نظام تبادل تجاري بالعملات المحلية، لتصبح الهند خلال العام الماضي أحد أهم مشترٍ للنفط الخام الروسي بعد أن دفعت العقوبات الغربية موسكو إلى بيع النفط الخام بأسعار مخفضة وبالعملة المحلية؛ الأمر الذي ترتب عليه تراكم فوائض من الروبية الهندية لدى البنك المركزي الروسي.

لذا أعلنت وزارة الخارجية الروسية أن الهند تسعى لحل مشكلة الأموال المتراكمة في حسابات المصدرين الروس بالعملة الهندية الروبية عبر طرح مجالات واعدة يمكن من خلالها استثمار مليارات الروبيات العالقة في حسابات الشركات الروسية.

الأمر الذي تكرر مع السعودية والأرجنتين، والتي صدرت النفط السعودي بالبيزو الأرجنتيني؛ الأمر الذي عرض السعودية لمخاطر انخفاض قيمة العملة الأرجنتينية، وتراكم فوائض من البيزو الأرجنتيني لدى المملكة.

مما سبق يتضح أن التبادل التجاري بالعملات المحلية قد يصبح له منافع للدول المستوردة بينما يتسبب في تهديدات لدى الدول المصدرة، ومع ذلك، هناك أيضًا العديد من المزايا لاستخدام العملات المحلية في التبادل التجاري بين الدول؛ مما يجعلها خيارًا جذابًا للعديد من الدول.

وبناءً عليه تسعى مصر نحو تطبيق هذا الأسلوب في التبادل التجاري بينها وبين عدد من الدول والتي تربطها علاقات تجارية وسياسية متميزة، فقد تم توقيع اتفاقية بين مصر والإمارات في أغسطس 2023، والتي تسمح باستخدام العملات المحلية لكلا البلدين في التبادل التجاري بينهما. وقد يستهدف هذا الاتفاق تقليل تكلفة التحويلات المصرفية بين البلدين، مما قد يؤدي إلى زيادة حجم التجارة بينهما.

وأخيرًا: نخلص إلى أنه من المتوقع أن يزداد استخدام العملات المحلية في التبادل التجاري بين الدول في المستقبل، خاصةً مع استمرار اضطرابات الأسواق المالية العالمية. إلا أن الدولار لا يزال هو المهيمن على حركة التجارة الدولية وخاصة في ظل تسعير عدد من السلع الاستراتيجية بالدولار الأمريكي مثل البترول فيما يعرف بالبترودولار

المصدر : https://ecss.com.eg/39393/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M