تداعيات تصنيف مجلس الأمن الدولي لـ”الحوثيين” كجماعة إرهابية

علي عاطف

 

أعلن مجلس الأمن الدولي الأسبوع الماضي عن اعتماد قرار ينص على فرض عقوبات على جماعة “الحوثيين” وتصنيفها كجماعة إرهابية، وذلك طبقًا للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. واشتمل القرار على فرض حظر توريد أسلحة إلى “الحوثيين” ليشمل جميع عناصرهم بعد أن كان مقتصرًا في الماضي على شركات وأفراد بعينهم، وذلك إلى جانب حظر سفر، وتجميد أصول وممتلكات. وقد جاء هذا القرار لأول مرة من مجلس الأمن الدولي بتصنيف هذه الجماعة إرهابية. وتطرق القرار إلى الهجمات الإرهابية للحوثيين التي تشنها ضد المدنيين والبنية التحتية أيضًا في الدول المجاورة مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، مطالبًا هذه الميليشيات بالتوقف الفوري عن الأعمال العدائية.

وبعد سنوات من الدعم الذي تلقته هذه الجماعة المدعومة من إيران، خاصة في مجال الأسلحة، يجئ القرار بعد شنها العديد من العمليات العدائية ضد الدول المجاورة وتكرار الهجمات ضد عمليات الشحن التجارية في البحر الأحمر، علاوة على عمليات العنف المحلية الواسعة التي تقوم بها. فكيف سينعكس القرار على أوضاع الجماعة؟  

ماذا يعني قرار مجلس الأمن الدولي؟

مجلس الأمن يدين محاولات الحوثي استهداف السعودية

اشتمل القرار الأممي على تجديد حظر الأسلحة المفروض على اليمن لمدة عام كامل، وحظر السفر وتجميد الأصول المملوكة لأولئك الذين يهددون السلام في اليمن. فطبقًا لنص القرار رقم (2624) لعام 2022، والذي اعتمد بأغلبية 11 صوت من بينهم الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن مقابل امتناع المكسيك والبرازيل والنرويج وأيرلندا، مدد أعضاء مجلس الأمن التدابير المفروضة لأول مرة بموجب القرار رقم (2140) لعام 2014 فيما يتعلق بحظر السفر وتجميد الأصول وكذلك القرار رقم (2216) لسنة 2015 والخاص بحظر توريد الأسلحة.

وقد أشار القرار الأممي الأخير إلى نتائج أحدث تقرير لفريق الخبراء المعني بالأزمة اليمنية والذي تطرق إلى أن الحوثيون يتلقون أسلحة من الخارج، داعيًا الدول الأعضاء إلى تعزيز الجهود من أجل مكافحة تهريب الأسلحة عبر الطرق البحرية والبرية. ومرة أخرى، أعاد القرار الأخير لمجلس الأمن التأكيدَ على متن بيانه الصادر في 21 يناير الماضي والذي تطرق إلى الهجمات الإرهابية التي شنها الحوثيون ضد العاصمة الإماراتية أبو ظبي. ورحب العديد من المندوبين باعتماد القرار الأممي الذي سلّط مجددًا الضوءَ على الدعوة لإنهاء معاناة المدنيين اليمنيين الخاضعين لسيطرة الحوثيين.

كيف سيؤثر القرار على مسار الأزمة اليمنية؟

إن قرار مجلس الأمن الدولي الأخير يبعث أملًا كبيرًا في إمكان حلحلة الأزمة اليمنية وإيقاف تصعيد الحوثيين، ليس فقط داخل الأراضي اليمنية، بل وخارجها أيضًا في ظل تصعيد الحوثيين لهجماتهم الإرهابية ضد الدول المجاورة. وارتباطًا بهذا المسار، سيقود القرار إلى انفراجة في الأزمة الإنسانية في اليمن التي سببتها ميليشيات الحوثيين داخل اليمن خلال السنوات الماضية. وفي هذا الإطار، يمكن القول إن قرار (2624) الصادر عن مجلس الأمن سيقود في المستقبل القريب إلى ما يلي: 

1- تعزيز مسارات التسوية السياسية وإيقاف تصعيد الحوثيين إقليميًا: 

سيقود القرار الأممي الأخير إلى خضوع عمليات توريد الأسلحة إلى “الحوثيين” لمراقبة مشددة من قِبل الجهات المعنية والمجتمع الدولي، أي أن مساحة تصدير الأسلحة إلى الحوثيين سوف يتم محاصرتها. وإذا نظرنا إلى الوسائل والمعابر التي يجري من خلالها تصدير الأسلحة إلى الحوثيين، سنجد أنها تشمل طرقًا برية ممثلة في أماكن تمركز وكلاء لإيران مثل “حزب الله” اللبناني أو الوكلاء الإيرانيين في العراق، حيث تنتقل هذه الأسلحة من أيدي هذه الجماعات من إيران، ثم يجري حملها إلى الداخل اليمني.

ويتم تهريب هذه الأسلحة بحريًا عبر استخدام غطاء السفن التجارية في المياه، خاصة في المواقع البحرية التي لا تشهد رقابة مشددة. خاصة وإن الطرق البحرية تُعد الأكثر شيوعًا في نقل الأسلحة إلى ميليشيات الحوثيين في اليمن مقارنة بالطرق البرية، ولذلك فإن قرار مجلس الأمن (2624) قد ركز كثيرًا على هذا الملف.

ولكن، تظل هنالك شكوك حول مواصلة إيران تهريب الأسلحة إلى الحوثيين؛ إذ أن هذه المعدات يتم تصديرها بالأساس سرًا عبر وسائل مختلفة إلى الجماعة، وعليه فإن ما سيحدث سيكون محاصرة وتقييد تصدير الأسلحة إلى الحوثيين على أمل قطعها بشكل كامل، في الوقت الذي لا يزال فيه “الحوثيين” يسيطرون على بعض المناطق داخل اليمن.

ومع ذلك، يعني حظر تصدير الأسلحة إلى “الحوثيين” فرض المزيد من القيود على هذه الوسائل المُشار إليها، ما يعني أن حجم الأسلحة الواردة إلى الجماعة سينخفض في ظل المحاصرة المقبلة لأي شركات أو مؤسسات أو دول يثبت مشاركتها أو تورطها في تهريب أو توريد السلاح للحوثيين. وسينعكس ذلك في تراجع قدرة الحوثيين الحركية على الأرض وسيمثل أيضًا نجاحًا في سبيل استعادة الاستقرار في اليمن، حيث سيقود القرار إلى تزايد فرص الحوار السياسي بعد تقييد فرص توظيف الجماعة لحصولها على الأسلحة في السيطرة على أي بقعة جغرافية جديدة. وذا، فإن القرار يُعد صفعة قوية للحوثيين وانتصارًا للدبلوماسية الإماراتية.

ولم تقتصر تبعات القرار على الداخل اليمني فقط، بل إن القرار الأممي الأخير سيحد من العمليات الإرهابية التي تقوم بها جماعة الحوثيين خارج الأراضي اليمنية بمهاجمتها للدول المجاورة، خاصة المملكة العربية السعودية والإمارات بعد أن تفاقمت حدةُ هذه الهجمات خلال الأشهر الأخيرة. إذ أن هذا التحرك الدبلوماسي الأخير سيدفع باتجاه إيقاف تصعيد الحوثيين في الداخل والخارج اليمني والتحرك العاجل لإيقاف هجماتهم التي تستهدف الملاحة الدولية. ولذا، فإن هذا القرار الأخير لمجلس الأمن الدولي يبعث برسالة تفاؤل بشأن تنامي احتمالات حلحلة الأزمة اليمنية.

2- المساهمة في إيقاف عرقلة الحوثيين للمساعدات الإنسانية: 

وليس ببعيد عن هذا، سيعزز قرار مجلس الأمن، الذي تم باقتراح دولة الإمارات، من جهود الإغاثة الإنسانية في اليمن في ظل تعثر وصول هذه المساعدات بفعل ممارسات ميليشيا الحوثيين الذين قاموا خلال السنوات الماضية تكرارًا بنهب مؤسسات الدولة الاقتصادية والإنتاجية والامتناع عن صرف المرتبات وسرقة المساعدات الإنسانية، علاوة على عرقلتهم عمل المنظمات الدولية وابتزازها، وهو ما أدى في النهاية إلى تردي القطاعات الخدمية وبروز معضلات اقتصادية جمة أدت إلى انكماش الناتج القومي، إلى جانب انتشار البطالة في المناطق التي يسيطرون عليها.
ولعل القرار يبشر بانتصار آخر أيضًا للمدنيين في اليمن بعد أن تسببت هذه الممارسات الحوثية في أن يشهدوا أزمة إنسانية حادة جعلت الملايين بحاجة إلى مساعدات. فعلى سبيل المثال، تمنع ميليشيا الحوثيين فرق برنامج الغذاء العالمي من القيام بدوره، ما عرّض آلاف الأطنان من المواد الغذائية للتلف والتي تكفي لإطعام ملايين اليمنيين. وعليه، فإن القرار الأخير لمجلس الأمن سيساعد بلا شك في إيصال المساعدات الخارجية إلى اليمن بعد تأكيده على ضرورة إنهاء الأزمة الإنسانية هناك.

 الخلاصة، يأتي قرار مجلس الأمن في توقيته المناسب بعد أن صعّدت ميليشيا الحوثيين من هجماتها الإرهابية في الخارج وتسببت في بروز أزمة إنسانية في الداخل اليمني نتج عنها نزوح وتشريد الملايين من المدنيين. وسيعمل القرار على محاصرة تهريب السلاح للحوثيين وتشجيع القيام بالمزيد من الهجمات ضد مواقع هذه الجماعة، ما يعني في النهاية تراجع قدرتهم الحركية على الأرض.
وفي النهاية، سيزيد القرار من فرص الحوار السياسي والخروج من الوضع الحالي في اليمن؛ خاصة في ظل دعوة مختلف دول الإقليم إلى تعزيز فرص عودة الاستقرار والأمن في أنحاء منطقة الشرق الأوسط، بعد المستجدات التي عانى منها خلال الأعوام الماضية خاصة ما سببته أزمة جائحة فيروس كورونا.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/68085/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M