تداعيات قرار الرئيس الأمريكي بحظر الواردات النفطية الروسية

أسماء فهمى

 

مثلت الأزمة الجيوسياسية بين روسيا وأوكرانيا تحديًا كبيرًا أمام الولايات المتحدة والدول المعترضة على تهديدات روسيا لأوكرانيا، وهو الأمر الذي دفع الولايات المتحدة وحلفاءها إلى اتخاذ عدة إجراءات اقتصادية منذ اعتراف روسيا بمنطقتين انفصاليتين في شرق أوكرانيا. وردًا على تطور الأزمة وبدء العمليات العسكرية قامت الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي وبريطانيا بفرض عدة عقوبات على روسيا، وعلى رأسها عقوبات مالية طالت البنوك الروسية، وعقوبات استهدفت قطاع الطاقة، والتي انتهت بقرار الرئيس الأمريكي جو بايدن بحظر كافة واردات النفط والغاز لبلاده.

يعد قرار بايدن أكثر تحرك اتخذته الولايات المتحدة منذ بداية الأزمة وحتى الآن صرامة، وأعلنت بريطانيا كذلك أنها ستتوقف عن استيراد النفط والمنتجات البترولية الروسية بشكل تدريجي حتى نهاية العام الحالي، وهو الأمر الذي ترك أثره على أسعار النفط لتقفز إلى أعلى مستوياتها منذ عام 2008، بجانب التقلبات في أسواق الطاقة العالمية والتخوفات من حدوث نقص في إمدادات النفط والغاز الطبيعي في الأسواق العالمية، خاصة وأن روسيا تعد ثاني أكبر منتج للنفط في العالم، وتصدر نحو سبعة ملايين برميل أي ما يعادل سبعة في المئة من الإمدادات العالمية.

حجم ورادات الولايات المتحدة من المنتجات البترولية والنفط الروسي

بحسب ما نشرته بيانات وكالة معلومات الطاقة، فإن الولايات المتحدة استوردت العام الماضي 199 ألف برميل نفط خام روسي بما نسبته (30%)، واستوردت 473 ألف برميل يوميًا من المنتجات البترولية المكررة، أي بإجمالي 672 ألف برميل يوميًا من النفط الخام والمنتجات المكررة الروسية. وتقوم الولايات المتحدة بمعالجة ما يقرب من 75٪ من المنتجات الروسية التي تم استيرادها العام الماضي، والتي تشمل زيوتًا غير مكتملة، مثل النفتا، وبعض أنواع زيت الوقود، ومواد أولية لمصافي النفط الخام الثقيل، ثم تُستخدم بعد ذلك في السلع المكررة المصدرة إلى حد كبير إلى المكسيك وأمريكا الجنوبية، ويمكن متابعة تطور واردات الولايات المتحدة من النفط الخام والمنتجات البترولية الروسية من خلال الشكل التالي:

يبين الشكل السابق تراجع واردات الولايات المتحدة من النفط والمنتجات البترولية خلال العام الماضي من 20.1 مليون برميل خلال شهر يناير 2021 لتصل إلى 12.5 مليون برميل خلال شهر ديسمبر 2021 وهي أقل كمية مستوردة من روسيا خلال العام الماضي. وأظهرت بيانات إدارة معلومات الطاقة أن الواردات الأسبوعية للولايات المتحدة من الخام الروسي بلغ متوسطها حتى الآن هذا العام نحو 57 ألف برميل يوميًا، بانخفاض عن الأحجام في 2021، ويذهب زيت الوقود الروسي في الغالب إلى مصافي التكرير في ساحل الخليج الأمريكي، بينما تستحوذ مصافي الساحل الشرقي على النفط الخام بشكل أساسي.

تداعيات القرار على العالم

مع اتخاذ الولايات المتحدة قرار حظر الواردات الروسية والذي تزامن مع إعلان روسيا وقف إطلاق النار لحين خروج المدنيين من أوكرانيا، بجانب تصريحات الرئيس الأوكراني في وقت سابق بعدم رغبة بلاده في الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، فإنه قد لا يزيد من حدة نقص المعروض في أسواق الطاقة العالمية؛ ففي بداية التعاملات النفطية أمس ارتفعت أسعار النفط لتتجاوز مستوى 131دولار للبرميل، وبنهاية التعاملات تراجعت الأسعار لتبلغ حوالي 122 دولار للبرميل، ثم لتتراجع بعد ذلك لتصل إلى 111 دولار للبرميل.

إلا أنه إذا قام الاتحاد الأوروبي باتخاذ قرار بحظر الغاز الروسي سيؤدي ذلك إلى هزة عنيفة في أسواق الطاقة العالمية ونقص المعروض، وبالتالي ارتفاع أسعار الطاقة لتبلغ ذروة لم تشهدها من قبل، ويمكن متابعة تطور أسعار النفط من خلال الشكل التالي:

بالنسبة للولايات المتحدة نجد أن قيامها بمنع واردات النفط والمنتجات البترولية الروسية سيؤدي إلى تراجع احتياطي البترول الاستراتيجي بالولايات المتحدة والتي تعاني من شح في مخزوناتها من قبل قرار الحظر، وأدى القرار إلى ارتفاع أسعار البنزين بالولايات المتحدة ليصل متوسط سعر غالون البنزين 4.17 دولار، وبالتوازي مع قرار الحظر ستقوم الولايات المتحدة بالإفراج عن 30 مليون برميل من مخزونها النفطي.

وتعول الولايات المتحدة على استبدال النفط الروسي عن طريق رفع إنتاج النفط الصخري الأمريكي، بجانب احتمالية التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران ومن ثم تدفق النفط الإيراني للسوق الأمريكية. وتأمل الولايات المتحدة كذلك أن تقوم أوبك+ بتنفيذ تعهدها بالإفراج عن 60 مليون برميل لتوفير الإمدادات من الخام، مما سيعوض النقص في النفط من جراء القرار، ومع ذلك فإنه لا تزال التخوفات قائمة بشأن نقص الإمدادات.

وفيما يتعلق بالاتحاد الأوروبي، فإن ألمانيا التي تستورد 18% من الصادرات الروسية من الغاز الطبيعي و11% من صادرات النفط الروسية، قد أعلنت رفضها للقرار، وأعلن عدد من دول الاتحاد الأوروبي رفضها للقرار، والبعض الآخر شهد تخبطًا في توقيت تقليل الاعتماد على موارد الطاقة الروسية، نظرًا لما سيترتب على هذا القرار من خسائر لا يمكن أن تعوضها أوروبا لاعتمادها بشكل كبير على النفط والغاز الروسي وعدم ثقتها في وجود بديل حالي لوارداتها من روسيا.

فروسيا توجه 35% من صادراتها من الغاز الطبيعي و26% من صادراتها من النفط إلى الاتحاد الأوروبي. وإن كانت الدول الأوروبية تعمل على التوجه نحو موارد الطاقة المتجددة لتقليل تبعيتها لروسيا، وبشكل خاص لأن روسيا من وقت للثاني تستخدم صادراتها للنفط والغاز لأوروبا كورقة ضغط في سياستها الخارجية مع الاتحاد الأوروبي، وهو ما أعلن عنه المتحدث باسم الكرملين بأن روسيا قد تعيد التفكير في استمرار الوفاء بالتزاماتها المتعلقة بإمدادات الطاقة؛ إلا أن تحولها عن النفط والغاز الروسي وتقليل الاعتماد عليها سيتطلب وقتًا حتى تتمكن دول الاتحاد الأوروبي من سد احتياجاتها ببدائل الطاقة النظيفة.

تداعيات الأزمة على مصر

يعد تعطيل الإمداد العالمي للقمح والحبوب الأساسية أبرز التهديدات منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في 24 فبراير 2022، فالصدمات الاقتصادية للحرب سوف يتردد صداها خارج أوروبا الشرقية، خاصة بالنسبة للمحاصيل الحيوية مثل القمح، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار المحصول الحيوي بشكل متسارع وإطلاق أجراس الإنذار فيما يتعلق بالأمن الغذائي وبشأن تأثيره المضاعف على البلدان التي تعتمد على الاستيراد في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وارتفعت أسعار القمح بالفعل إلى مستويات قياسية؛ إذ يخشى التجار أن تتباطأ الصادرات من أوكرانيا المعروفة باسم سلة الخبز في أوروبا إلى حد كبير، أو حتى تتوقف تمامًا، بينما تدمر القوات الروسية الموانئ الأوكرانية. وفي روسيا أكبر منتج للقمح في العالم، تتعطل الصادرات حيث تخلت الشركات الدولية عن العلاقات التجارية طويلة الأمد وتخرج نفسها من البلاد وسط عقوبات غربية واسعة النطاق.

وبالمثل فإن مصر تعد أكبر مستورد للقمح ومن بين أكبر 10 مستوردين لزيت عباد الشمس في العالم، إذ استوردت القمح من روسيا 1.2 مليار دولار خلال عام 2021 وبكمية بلغت 4.2 مليون طن بنسبة 69.4% من إجمالي كمية واردات مصر من القمح، وجاءت أوكرانيا في المرتبة الثانية بقيمة 649,4 مليون دولار، وبكمية 651,4 ألف طن بنسبة 10,7%، ويمكن متابعة أهم الدول المصدرة للقمح لمصر من خلال الشكل التالي:

من الشكل السابق نجد أن مصر تعتمد على وارداتها من القمح على روسيا وأوكرانيا ورومانيا وعدد من الدول الأخرى، إلا أنه حتى وإن تعطلت الإمدادات من السلع الاستراتيجية كالقمح من روسيا وأوكرانيا، تظل هناك بدائل تستطيع مصر أن تحصل على الإمدادات منها، وبالتالي ينتفي هنا التخوف من نقص الإمدادات من تلك السلع، بجانب أن لدى مصر من المخزون الاستراتيجي خلال الأشهر القادمة ما يكفيها، إلا أنه تظل مشكلة ارتفاع الأسعار بسبب الحرب والتي تركت بظلالها على الدول جميعها.

هذا وبصفة عامة فقد تركت التقلبات الكبيرة والقفزات السريعة للأسعار منذ بداية الأزمة الروسية الأوكرانية آثارًا كبيرة على الاقتصاد العالمي من حيث تعديل التوقعات بشأن النمو العالمي، بجانب ارتفاع معدلات التضخم عالميًا، وهو ما أثر على أسعار السلع الاستراتيجية كالنفط والغاز وبالتبعية على أسعار السلع الغذائية.

وكذا، ساهمت الأزمة في اضطرابات متتالية بأسواق وأسعار الطاقة العالمية، وتلك الآثار ليست فقط على الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وإنما أيضًا على دول العالم، وهو ما أدى إلى توجه أسعار البنزين والغاز للارتفاع مرات متتالية في عدد من الدول كتونس والسودان وبريطانيا والولايات المتحدة وغيرها، ونأمل ألا تحمل الأزمة في طياتها خلال الفترة القادمة المزيد من التقلبات.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/68095/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M