سايمون هندرسون
حين يكون الأسلوب الدبلوماسي الذي تعتمده دولة ما تصادمياً، تكون المواجهات نتيجة حتمية. وقد أصبحت هذه السمة تميّز أسلوب تركيا. لكن الفوز في المواجهات، أو الإيحاء بذلك، يمكن أن يشكل تحدياً. وربما تكون أنقرة قد وجدت نفسها في وضع صعب وسط الأزمة المتفاقمة بوتيرة سريعة بسبب بدء فصل جديد في الحرب الأهلية الليبية.
وقبل أسبوعين، بدا التحوّل الجديد في مسار الأزمة وكأنه شجار حول مطالب متنافسة على احتياطيات بحرية محتملة من الغاز الطبيعي في البحر المتوسط. وكانت أنقرة وطرابلس قد وقعتا اتفاقاً يرسم حدوداً بحرية. وحتى ذلك الحين، لم يعرف الكثيرون أساساً أن مثل هذه الحدود تفصل بين البلدين – فجزيرة كريت اليونانية كانت تعترضها. لكن تركيا لا تعتبر أن الجزر تتمتع بخصوصية اقتصادية تمتد لمسافة تصل إلى 200 ميل خارج المياه الإقليمية.
والآن تتشارك طرابلس وجهة النظر هذه، رغم أن الإدارة المتمسكة بالسلطة في العاصمة الليبية تسيطر على أقل بكثير من نصف الأراضي الليبية في الوقت الراهن، ولا تسيطر حتى على أي جزء من الخط الساحلي للبحر المتوسط المستخدم لتبرير هذا المطلب.
وفي وقت بروز هذه المفاجأة الخرائطية، تكهن البعض بأن تركيا ترغب في إزعاج اليونان – مرة أخرى – للمطالبة بما تعتبره حصتها من احتياطيات الغاز الطبيعي المحتملة المربحة في الجهة الشرقية من البحر الأبيض المتوسط. أما جنوباً، فمصر هي أساساً دولة منتجة عريقة. وبالنسبة لإسرائيل، فإن حقل “ليفياثان” (“لفيتان”)، الذي تبدأ العمليات فيه هذا الشهر، سيعني أن هذه الأخيرة أصبحت الآن مكتفيةً ذاتياً ويمكنها تصدير الفائض، مبدئياً عبر محطات تسييل الغاز المصرية. هذا وتستمر أعمال التنقيب قبالة سواحل قبرص، اليونانية عرقياً ولكنها دولة مستقلة، على الرغم من أن قسمها الشمالي هو كيان تركي مُعلن عنه ذاتياً، غير معترف به من قبل أي دولة باستثناء تركيا. كما من المحتمل أن تبدأ أعمال الحفر قبالة السواحل اللبنانية في أوائل عام 2020.
وخلال نهاية الأسبوع المنصرم، انتشرت تفاصيل بشأن اتفاق عسكري منفصل بين تركيا وليبيا: فقد وعدت أنقرة عملياً بحماية الحكومة في ليبيا. غير أن هذه الخطوة قد تكون متأخرة للغاية؛ فقد أُرغمت “حكومة الوفاق الوطني” المعترف بها دولياً في ليبيا على العودة إلى خطوط الدفاع في الضواحي الخارجية لطرابلس. ووفقاً لصحيفة “الإيكونومست“، يتعين عليها [الآن] مواجهة سلاح جديد تستخدمه قوات تساعد “الجيش الوطني الليبي” بقيادة خليفة حفتر – بنادق قناصة عالية الدقة في أيدي مرتزقة روس تم تجنيدهم حديثاً. ويعجز حفتر عن الحصول على عائدات النفط الليبية، ولكنه يتلقى التمويل والمعدات، فضلاً عن الضربات الجوية العرضية التي تشنها مصر والإمارات العربية المتحدة.
لذا، وبعد عدة أشهر من الجمود، ربما نشهد الجولة الأخيرة من الحرب الأهلية الليبية. وظاهرياً، كان يجب أن يكون حفتر – جنرال في عهد القذافي وثروة سابقة لـ “وكالة الاستخبارات المركزية” الأمريكية – قد سيطر على الحكومة في غضون أسابيع، لكن نجاحه في ذلك الآن يعتمد على سرعة وصول الجيش التركي إلى أرض ليبيا في شمال أفريقيا.
وفي عام 2017، عندما اندلع خلاف دبلوماسي بين قطر والسعودية، بدعم من دولة الإمارات والبحرين ومصر، كانت هناك مخاوف في الدوحة من أن المرتزقة الإماراتيين قد يحاولون القيام باجتياح بري والإطاحة بالأمير تميم بن حمد آل ثاني. ولم يحدث ذلك، لكن القوات الأمريكية كانت قلقة للغاية لدرجة أنها أطلقت طائرة بدون طيار لمراقبة المنطقة الحدودية.
وفي غضون أيام، وصل مئات الجنود الأتراك، بالإضافة إلى عربات مدرعة ودبابات، واتخذوا مواقع دفاعية. وربما كانت صفوف القوات القطرية لتزخر بالمرتزقة، لكن وجود الجيش التركي غيّر الحسابات. ومنذ ذلك الحين، بنى القطريون قاعدة دائمة للأتراك وحسّنوا جيشهم كثيراً.
وفي الوقت الحاضر، تدعم واشنطن الحكومة الشرعية في ليبيا، علماً بأن الولايات المتحدة خسرت طائرة بدون طيار في الآونة الأخيرة، كان قد أسقطها عملاء روس متحالفون مع حفتر. ولكن هل ستنخرط الولايات المتحدة بشكل أكبر في ليبيا؟ ربما يعتمد ذلك على أي تفاهمات توصل إليها الرئيس ترامب مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان في وقت سابق من هذا الشهر.
رابط المصدر: