تطور نوعي: رسائل “كينجال” الروسي للناتو

أحمد عليبة

 

في تطور نوعي لأدوات وقواعد الاشتباك في الحرب الروسية على أوكرانيا، أعلنت وزارة الدفاع الروسية عن قصف مخزن أسلحة في قرية “ديلاتين” في منطقة إيفانو فرانكيفسك غرب البلاد بصاروخ “كينجال” الفرط صوتي للمرة الأولى في عملياتها العسكرية على الإطلاق، وفي المقابل لم تؤكد تقارير الدفاع الغربية عملية الاستخدام، فالصور التي بثتها روسيا في الإعلان تضمنت فقط عملية التجهيز لتحميل طائرات “ميج31” للصاروخ لم تحدثها بموقع الاستهداف، كما توالت العديد من التقارير الغربية التي تشكك في دقة تصويب الصواريخ الروسية بشكل عام دون التطرق إلى هذا الصاروخ على وجه التحديد، فيما اعتبرت أنه يحمل رسائل استراتيجية تتجاوز حدود الحرب الروسية التي تدور رحاها في أوكرانيا.

ومنذ انطلاق الحرب الروسية على أوكرانيا (24 فبراير 2022) استخدمت روسيا قوتها الصاروخية بشكل موسع لاستهداف أكبر عدد ممكن من منظومات الدفاع الأوكرانية تمهيدًا للسيطرة الجوية، إلا أنها لم تكن في حاجة إلى استخدام صواريخ استراتيجية مثل “كينجال” حتى بالنظر إلى الهدف المعلن عنه، حيث كان بالإمكان الاستعاضة عن ذلك باستخدام صواريخ مثل صواريخ كاليبر الأرضية، وهي صواريخ دقيقة التصويب وسبق استخدامها في الكثير من المعارك الروسية وليس فقط في أوكرانيا، لكن موقع الهدف في أقصى الغرب الأوكراني وتوقيت إطلاقه ينطوي على الرسائل التي أشارت إليها التقارير الغربية، وفي المقام الأول حلف الناتو.

قبل أن تنطلق الحرب الأوكرانية بنحو أسبوع، وبينما كانت روسيا تنفي أنها ستخوض تلك الحرب، أعلن الرئيس فلاديمير بوتين أن روسيا تمتلك قدرات صاروخية قادرة على الوصول إلى مقرات القيادة في أوكرانيا في خمس دقائق، وسارعت وزارة الدفاع الروسية إلى بث تقارير عن تجارب لتلك الصواريخ ومن بينها كينجال في المناورة الاستراتيجية الروسية في بيلاروسيا، لكن عملية الاستخدام الفعلية لم تستهدف مركز القيادة، على النحو الذي أشارت إليه موسكو، وإنما وصل إلى هدف أقل بكثير من الناحية الاستراتيجية إذا ما قورن باستهداف مركز قيادة العمليات الرئيسي في أوكرانيا، وهو أحد مخازن الأسلحة في الغرب الأوكراني.

من الناحية الميدانية أيضًا تواجه موسكو تحديًا واضحًا في نقل قواتها البرية إلى غرب أوكرانيا، حيث تتباطأ حركة هذه القوات في الحدود الشرقية والجنوبية والعاصمة “كييف”، بينما تقصف من آن لآخر بعض المواقع في الغرب دون سيطرة ميدانية، بدعوى استهداف مسارات الإمدادات العسكرية من الخارج عبر بولندا وبعض المطارات العسكرية، كما تشير تقارير غربية إلى أنها توسعت في استهداف البنية التحتية المدنية على الشريط الغربي الممتد من “لوتسك” و”لفيف” باتجاه الحدود الجنوبية مع أوديسا. الأمر الذي يزيد من التساؤل بشأن دوافع استخدام الصواريخ الفرط صوتية.

لكن دلالة التوقيت ربما تزيح الغموض حول هذه الدوافع، فقد تم إطلاق الصواريخ، مساء 19 مارس 2022 وصباح اليوم التالي، بالتزامن مع إعلان القوى الغربية عن حزمة أسلحة نوعية إلى أوكرانيا. صحيح أن أغلبها أسلحة أفراد كمنظومات “سويتش بيلد” الأمريكية و”ستار سترايك” البريطانية، لكن هذه المنظومات يمكنها تغيير مسار العمليات في مواجهة المقاتلات الروسية، وهي أعلى في قدراتها من صواريخ “ستينجر” و”جافلين” المضادة للدروع أو الطائرات التي تحلق على مستوى منخفض، يُضاف إلى ذلك أن واشنطن ربما سمحت -وفق تقارير إعلامية- بتسليم دول أوروبا الشرقية لا سيما سلوفاكيا منظومة S-300 الروسية إلى القوات الأوكرانية. كما أشارت التقارير ذاتها بأن الولايات المتحدة حثت تركيا على إمداد أوكرانيا بمنظومات S-400 الروسية، مقابل إعادة أنقرة إلى برنامج مقاتلات إف-35، وهي تقارير تلت الاستخدام الروسي لصاروخ كينجال الذي يمكنه تفادي هذه المنظومات، لكن يعتقد أن القوى الغربية ربما تراهن على إحباط هذه المنظومات لصواريخ مثل كاليبر.

الرسالة الروسية الأخرى، التي توقفت عندها التقارير الغربية، هي أن عملية استخدام الصواريخ الفرط صوتية يحمل رسائل للناتو بجاهزية روسيا لتطوير قواعد الاشتباك أكثر مما هو متوقع، خاصة وأن الناتو لا يمتلك قدرات معادلة، وقد أعلنت بعض دول الناتو عن مخاوفها من أن عدم الاستخدام الدقيق للصواريخ الروسية ربما يتجاوز الحدود الغربية لأوكرانيا باتجاه دول الناتو مثل بولندا، وإن كان من المعتقد أن الإشارة إلى عدم الدقة هي مسألة يجانبها الصواب، لكنها ربما تبرر نقل منظومات نوعية إلى تلك الدول، مثل سلوفاكيا التي حازت بالفعل –وفق صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية– منظومة باتريوت الأمريكية في الأيام الماضية، عوضًا عن S-300 التي ستحول إلى الجانب الأوكراني.

ومن غير المعروف مخزون ترسانة هذه الصواريخ لدى روسيا، لكن هناك إشارات واضحة إلى أن لدى روسيا الكثير من المنظومات التي قد تعمل كبدائل مختلفة، مثل إسكندر-إم، وتسركيون، لكن الوصول إلى هذه المرحلة ربما يعني إبداء نوايا روسية على استخدام أسلحتها الاستراتيجية وغير التقليدية، وهو اتجاه متنامٍ أيضًا في التقديرات الاستخبارية الغربية، حيث أُشير على نطاق واسع إلى المخاوف من استخدام الأسلحة الكيماوية والبيولوجية، ورغم تراجع الحديث بشأن الأسلحة النووية إلى درجة التأكيد على عدم اللجوء لاستخدامها لكن حسابات الردع وتطوير معادلات الاشتباك إذا ما خرجت عن السيطرة من الحدود الأوكرانية إلى عمق دول الناتو لا تضمن عدم الاستخدام لأية أسلحة مهما كان مستواها أو درجة خطورتها.

كذلك فإن الاستخدام المحدود أو ربما النادر لصاروخ كينجال لحمل هذه الرسائل إلى الناتو يأتي قبل أربعة أيام تقريبًا من اجتماع مرتقب لحلف الناتو (24 مارس 2022) والجولة المتزامنة للرئيس الأمريكي جو بايدن للقاء أعضاء من الحلف ثم التوجه لبولندا التي يعول عليها في حل الملفات العالقة داخل الناتو سواء ما يتصل بالإمدادات النوعية إلى أوكرانيا، أو التسريع في عملية تقديم طلبات جديدة لعضوية الحلف من جانب السويد وفنلندا، والتي تحذر روسيا من تداعياتها، ويتوقع أن تعود روسيا إلى تجديد تلك الرسائل، إما عبر تسريع عملية التوغل في العاصمة “كييف” أو استخدام أسلحة جديدة كورقة ضغط سياسي على الحلف للتراجع عن سياسية الباب المفتوح وضم أعضاء جدد إلى الحلف.

في الأخير، يمكن القول إنه لا توجد دوافع ميدانية لاستخدام صواريخ فرط صوتية من جانب روسيا في مسرح العمليات الأوكرانية، بقدر ما أن استخدام هذه الأسلحة الاستراتيجية يحمل رسائل متعددة إلى دول الناتو، والدول التي تفكر في الانضمام إليه، ومحاولة إحباط الإمدادات النوعية التي تلجأ إليها القوى الغربية لتحسين وضع القوات الأوكرانية في معادلة الاشتباك في الفترة المقبلة إذا ما قررت روسيا الاتجاه إلى الانتشار ميدانيًا في الغرب الأوكراني.

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/18985/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M