تعد التجارة البينية بين الدول الأفريقية أحد العوامل الأساسية لتعزيز التنمية الاقتصادية والازدهار في القارة الأفريقية. وفي هذا السياق، يأتي المعرض الأفريقي للتجارة البينية كمنصة مهمة لتعزيز التجارة وتعزيز التعاون الاقتصادي بين الدول الأفريقية. وتم تنظيم النسخة الثالثة من المعرض الأفريقي للتجارة البينية بنجاح في القاهرة، والتي تسلط الضوء على الجهود المبذولة لتعزيز التجارة الأفريقية وتعزيز التكامل الاقتصادي.
ملامح العلاقات الاقتصادية بين مصر ودول الاتحاد الأفريقي
حرصت مصر على التعاون مع عدد من الدول الأفريقية في المجال الاقتصادي، بهدف زيادة الاستثمارات المصرية وفتح الأسواق الأفريقية أمام المنتجات المصرية، واستكمال اتفاقية إنشاء منطقة التجارة الحرة القارية، وكذلك المساعدة في تطوير البنية التحتية في عدد من الدول الأفريقية. ووصلت الاستثمارات المصرية في أفريقيا عام 2021 إلى 10.2 مليارات دولار، كما وقعت شركة مصر للطيران مذكرة تفاهم لتأسيس شركة طيران وطنية غانية باستثمارات مشتركة.
كما تشهد العلاقات المصرية الأفريقية تطورًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، حيث تسعى مصر إلى تعزيز التعاون والتواصل مع دول القارة الأفريقية في مجالات مختلفة. يتمحور هذا التعاون حول البنية التحتية، والزراعة، والصحة، ويعكس التزام مصر بتعزيز التنمية ومواجهة التحديات الأمنية المشتركة بروح التعاون والشراكة. وتهدف بعض الاتفاقيات التي تمت بين مصر ودول أفريقية في مجال البنية التحتية، مثل الربط الكهربائي ومشروعات السكك الحديدية. إلى تعزيز التواصل والتجارة بين الدول الأفريقية وتحسين البنية التحتية لتسهيل حركة الأشخاص والبضائع وتعزيز التكامل الاقتصادي، ويُعد مشروع الربط بين مصر ودول القارة الأفريقية من أهم وأكبر المشروعات التنموية المصرية في القارة. ويستهدف هذا المشروع قطاعات النقل والمواصلات والكهرباء، ويتضمن عدة مشاريع رئيسية تهدف إلى تعزيز التواصل والتجارة بين مصر ودول القارة الأفريقية. كما يُعد مشروع “القاهرة – كيب تاون” أحد أبرز المشاريع في هذا السياق، حيث يهدف إلى إنشاء طرق برية تربط بين تسع دول إفريقية تمتد من القاهرة في مصر حتى كيب تاون في جنوب أفريقيا. يهدف هذا المشروع إلى تيسير حركة الاستثمار والتجارة بين هذه الدول، وسيمر الطريق البري العملاق عبر دول مثل مصر، والسودان، وكينيا، وإثيوبيا، وتنزانيا، وزامبيا، وزيمبابوي، والجابون، وينتهي في كيب تاون. وبالنسبة إلى مشروع الربط الكهربي بين أفريقيا وأوروبا، فيهدف إلى ربط مصر بدول القارتين الأفريقية والأوروبية عبر إمداد الكهرباء لهذه الدول. يتم ذلك من خلال إنشاء أبراج معدنية تعبر الحدود وتمر بين الدول، ومن المتوقع أن يتحول دور مصر إلى أن تصبح نقطة مهمة في نقل الكهرباء بين القارتين بحلول عام 2035. كما يُعد مشروع الربط المائي بين مدينة الإسكندرية المصرية وبحيرة فيكتوريا جزءًا من هذه المشاريع التنموية. ويهدف إلى تعزيز التعاون في قطاع الموارد المائية وتأمين إمدادات المياه بين الدول المعنية وتعزيز الاستدامة البيئية.
وتشهد العلاقات المصرية الأفريقية تعاونًا وثيقًا في قطاعات الزراعة والموارد المائية. يشمل التعاون القضايا المتعلقة بحفر الآبار ومكافحة الفيضانات والجفاف وبناء السدود. تهدف هذه المبادرات إلى تحسين الإنتاجية الزراعية وتأمين الموارد المائية وتعزيز الأمن الغذائي في القارة الأفريقية، كما أطلقت مصر مبادرة مهمة في سبتمبر 2019، وهي فحص مليون مواطن أفريقي للكشف عن فيروس التهاب الكبد الوبائي. تهدف هذه المبادرة إلى التصدي لتحديات الصحة العامة في القارة الأفريقية وتعزيز التعاون الطبي والتبادل المعرفي في مجال الرعاية الصحية. كما تعكس العلاقات المصرية الأفريقية التواصل والتعاون المستدام بين مصر ودول القارة. يتمحور التعاون حول تحقيق التنمية المشتركة ومواجهة التحديات الأمنية بروح التعاون المشترك. تركز مصر على تعزيز العلاقات الثنائية مع دول حوض النيل ومنطقة القرن الأفريقي، وتعزيز التكامل للعلاقات الاقتصادية والتجارية وتعزيز التكامل الإقليمي.
ولتعزيز التجارة الحرة بين الدول، وتحقيق التكامل الاقتصادي، وتعزيز النمو الاقتصادي، وتنمية البنية التحتية في المنطقة، وتعزيز التعاون الاقتصادي والمالي والاستثماري، وتعزيز التنمية المستدامة وتعاون القطاع الخاص، وتعزيز التعاون في المجالات الاجتماعية والثقافية، فتتعدد المزايا الاقتصادية الناجمة عن تحقيق التكامل الإقليمي ونشء اتحاد الكوميسا (السوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا) فيما بين دول القارة السمراء، خاصة كونها قارة كبيرة المساحة، يزيد عدد سكانها على 1.4 مليار نسمة، وناتج محلي إجمالي يتعدى 3.1 تريليونات دولار أمريكي عام 2023، كما تمتلك موارد طبيعية هائلة أبرزها (النفط والغاز والمعادن والأراضي الخصبة)، وبالتركيز على الكوميسا، فإن مساحة دول التكتل تشكل نحو ثلثي مساحة القارة، وعدد سكانها يفوق 583 مليون نسمة، وهو ما يجعل احتمالية أن يكون تكتل الكوميسا أحد أكبر الأسواق في العالم إذا تم الدفع به نحو مراحل التكامل المختلفة، خاصة في ضوء توجه معظم دول الإقليم نحو الاستثمار في مشروعات البنية التحتية ، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات ، وتبذل الكوميسا الجهود لدعم إنشاء الممرات الإقليمية ، واتباع استراتيجية للتحول نحو الصناعة منذ عام 2019.
كما أوضحت الأرقام والبيانات الاقتصادية التقارب في الرؤى بين مصر ودول أفريقيا في الملفات الاقتصادية، وقد انعكس ذلك على مستوى العلاقات الاقتصادية بين الجانبين؛ إذ سجل إجمالي التبادل التجاري بين مصر ودول أفريقيا عام 2022 ارتفاعًا بنسبة 16٪. وبلغت قيمة إجمالي الصادرات إلى دول الاتحاد الأفريقي 6.3 مليارات دولار عـام 2022 مقابل 5.5 مليارات دولار عام 2021 بنسبة زيادة قدرها 15.5%.
استضافة “النسخة الثالثة” لمعرض التجارة البينية الأفريقية
تعتبر استضافة مصر لهذا المعرض فرصة مهمة لتعزيز العلاقات التجارية وتعزيز التكامل الاقتصادي بين الدول الأفريقية. وشارك في المعرض العديد من الشركات والمؤسسات والحكومات من دول القارة الأفريقية وخارجها، حيث يعرضون منتجاتهم وخدماتهم وفرص الاستثمار المتاحة. كما يعد معرض التجارة البينية الأفريقية فرصة مناسبة لتعزيز التبادل التجاري وتوسيع قاعدة العملاء وتطوير الشراكات التجارية. وتم تناول مختلف القطاعات الاقتصادية مثل الزراعة، والصناعة، والتكنولوجيا، والبنية التحتية، والنقل، والسياحة، والخدمات المالية.
ونتج عنه التوقيع على العديد من البروتوكولات والاتفاقيات التي وصلت إلى ما يقرب من 3 مليارات دولار وما تلاها من فرص للتبادل التجاري تقدر بنحو 10 مليارات دولار؛ مما يعكس عمق التعاون التجاري بين مصر ودول القارة.
كما تم التوقيع على أكثر من 11 مذكرة تفاهم وصفقات تمويل بين شركات قطاع خاص ومؤسسات إقليمية بقيمة إجمالية تقدر بـــــ 4.2 مليارات دولار.
بالإضافة إلى توقيع عقدين بـ 500 مليون دولار لصالح شركتين مصريتين، إحداهما توقيع اتفاق تمويل بـ 200 مليون دولار لصالح شركة المقاولون العرب بالتعاون مع شركة السويدي إلكتريك، لتمويل إنشاء سد روفينجي ومحطة توليد الطاقة الكهرومائية بدولة تنزانيا. وعقد بـ 300 مليون دولار مع شركة السويدي المصرية لدعم مشروعات الطاقة في 9 دول أفريقية من بينها «غانا، جنوب السودان، الكاميرون، النيجر، توجو، إثيوبيا، أنجولا، زامبيا، تنزانيا»، كما تم توقيع عقد تمويل بــ 300 مليون دولار لإعادة التأمين على البضائع وضمانها بالتعاون مع شركة زد إي بي.
وتوقيع مذكرة تفاهم مع الاتحاد الأفريقي لدعم التجارة والتنمية والاقتصادية في مجالات التعدين والسياحة والصناعة، وبما ينعكس على تنفيذ استراتيجية الاتحاد الأفريقي 2063. كما وقع البنك اتفاقية تمويل بـ 1.2 مليار دولار لصالح نيجيريا، منها صفقة تمويل بـ 200 مليون دولار لمشروع إيكنجا للصناعة ومدينة أوموتيف أكوايهيدي أونوبي الصناعية، وعقد آخر بقيمة مليار دولار لتمويل صندوق أنمبرا للمغتربين ودعم مشروع السكة الحديد بالمدينة.
كما تم توقيع مذكرة تفاهم لتقديم خدمات استشارية في مجال الجمارك والإفراج عن البضائع والسلع العابرة للخدود مع شركة سمارت تكنولوجي وضمان العبور للحاويات من الولايات المتحدة الأمريكية لدول أفريقية وتحديدًا منطقة شرق أفريقيا «أوغندا، جنوب السودان، زامبيا، تنزانيا، كينيا» بقيمة تمويل تصل 1.8 مليار دولار.
ووقع البنك اتفاقية ريد سي إنكريج في جيبوتي لدعم استيراد المواد البترولية وتمويل احتياجات التجارة ودعم تزويد السفن بالوقود خلال الممرات البحرية بتكلفة 35 مليون دولار، وتوقيع اتفاق آخر بقيمة 40 مليون دولار لتمويل مصانع الكاكاو وتوريد 900 طن من الكاكاو في أفريقيا. بالإضافة إلى اتفاق تمويل بـ 30 مليون دولار لضمان نقل البضائع إلى الولايات المتحدة الأمريكية مع شركة سمارت تكنولوجي في أوغندا لدعم التجارة في أفريقيا.
وتوقيع اتفاق ب 200 مليون دولار في صور قرض لحكومة الكونغو لدعم التجارة والتنمية الاقتصادية والتعدين والصناعة وفتح فرص لأسواق جديدة في القارة السمراء، بخلاف توقيع اتفاق بـ 30 مليون دولار في أنجولا لدعم التجارة البينية في أفريقيا، وتم توقيع اتفاق لدعم التجارة والصناعة والصادرات بما يعزز اتفاقية التجارة الحرة القارية مع مفوضية الاتحاد الأفريقي.
كما تم الإعلان عن إطلاق أول مشروع دراسة يقوم البنك بإعدادها لصالح نيجيريا في مجال إنتاج النفط ويوفر هذا المشروع 650 ألف برميل من النفط يوميًا، بما يقدر بنحو 4٪ من الناتج المحلي بنيجيريا.
ختامًا، تعزيز العلاقات المصرية الأفريقية يستدعي بذل الجهود المشتركة والتعاون المستمر بين مصر والدول الأفريقية. كما يجب تعزيز الحوار والتفاهم المتبادل والاستفادة من الفرص المشتركة لتعميق التعاون في مختلف المجالات. كما يمكن أيضًا توسيع الشبكات الدبلوماسية وإقامة روابط أكثر قوة بين المؤسسات والمنظمات الحكومية وغير الحكومية في مصر والدول الأفريقية.
المصدر : https://ecss.com.eg/38559/