العنف ضد المرأة: النساء الفلسطينيات تحت وطأة الحرب في غزة

كما هو الحال في كل عام، يحتفل العالم باليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة في الخامس والعشرين من نوفمبر الجاري في إطار الشعار العالمي الذي حددته الأمم المتحدة “اتحدوا! استثمروا لمنع العنف ضد النساء والفتيات”.

ويقام الاحتفال لهذا العام في ظل الحرب القائمة على قطاع غزة من قِبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي، وتزايد أعداد الضحايا يومًا تلو الآخر، لا سيما الفئات الأكثر عرضة للخطر من النساء والأطفال والتي وصلت إلى الآلاف وتم وصفها بجرائم الحرب والإبادة الجماعية. ومع استمرار الصراع تزداد المخاوف بشأن تعرضهن لنقص الغذاء والرعاية الصحية والاستبعاد من فرص التعليم وغيرها من كافة أشكال الحماية الاجتماعية، وفي هذا الصدد تلقي الدراسة الضوء على تلك المعاناة المركبة والمعقدة وما تلاقيه النساء من أهوال في ظل الحرب والنزوح الإجباري.

عرضت الأمم المتحدة تقريرًا حول أوضاع النساء والأطفال في غزة وأفاد التقرير بأن الاعتداء على كرامة المرأة الفلسطينية وحقوقها اتخذ “أبعادًا جديدة ومرعبة” منذ السابع من أكتوبر 2023، حيث أصبح الآلاف منهن ضحايا “لجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية التي تتكشف”.

 وأشار التقرير أنه حتى الثالث من نوفمبر كان هناك ما يقدر بنحو 67% من القتلى في غزة من النساء والأطفال، من بينهن صحفيات وطواقم طبية وموظفات في الأمم المتحدة وعضوات في منظمات المجتمع المدني. وعلى الرغم من أن جميع النساء والفتيات قد عانين من هذا الصراع، إلا أن الأثر كان مدمرًا بشكل خاص بالنسبة للأمهات اللاتي قتل العديد من أطفالهن أو تم تشويههم أو إصابتهم بجروح خطيرة أو لا يعرفن مكان وجودهم حتى الآن.

كما أفادت التقارير الصادرة عن منظمة الصحة العالمية ووكالات الأمم المتحدة، بوقوع 117 هجومًا على البنية التحتية الصحية في غزة، منذ السابع من أكتوبر، مما أدى إلى توقف نصف مستشفيات غزة عن العمل وإغلاق 64% من مراكز الرعاية الصحية الأولية. ومن المتوقع، وفقًا للتقارير، أن تلد ما يقدر بنحو 50 ألف امرأة حامل في غزة في ظروف مزرية على نحو متزايد، بما في ذلك 5,500 امرأة من المقرر أن تلد خلال الثلاثين يومًا القادمة، مما يؤدي إلى إجبار أكثر من 183 امرأة يوميًا على الولادة في ظروف غير إنسانية ومهينة وقاسية وخطيرة. حيث تواجه النساء الحوامل احتمال الولادة دون تخدير أو احتياطات صحية أو تدخل جراحي إذا لزم الأمر، في ظل التناقص السريع في الوقود والأدوية والمياه وإمدادات المستشفيات أو نفادها.

وتشير التقديرات إلى أن ما لا يقل عن 15% من هذه الولادات تواجه مضاعفات تتطلب رعاية توليدية أساسية أو شاملة. مما يؤدي إلى وفاة العديد من النساء أثناء الولادة أو بعدها كما تعرض العديد منهن إلى الإجهاض ومضاعفاته. وعلى نطاق آخر، ووفقًا لصندوق الأمم المتحدة، فإن أكثر من 690 ألف امرأة وفتاة في فترة الحيض لا يحصلن إلا بشكل محدود على منتجات النظافة الخاصة بالدورة الشهرية.

ولا يختلف سوء وتردي الأوضاع عن الأطفال أيضًا فقد أشارت منظمة الصحة العالمية بأن هناك 420 طفلًا فلسطينيًا يقتلون أو يصابون يوميًا في غزة “أي طفل واحد كل 10 دقائق”.

قدمت المديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة بمناسبة احتفال الأمم المتحدة باليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة، طلب إحاطة إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة حول ” الوضع في الشرق الأوسط، بما في ذلك قضية فلسطين”.

وقد أفاد طلب الإحاطة بأن النساء والفتيات يدفعن الثمن الأعلى في النزاعات. حيث قتلت آلاف النساء والأطفال جرّاء الأوضاع في غزة وأصيبت آلاف أخريات، كما فقدت الغالبية منهن منازلهن حيث دُمرت 45% من المساكن في غزة أو تضررت بشكل كامل، وطال الصراع فقدان أكثر من 100 من العاملين في هيئة الأمم المتحدة، خلال شهر واحد منذ بدء الأزمة. وفي هذا الواقع المرير أدى تواصل القصف إلى إغلاق الملجأين الوحيدين للنساء في غزة. واللذان كان لهما دور مهم في تقديم مستلزمات الطوارئ وتوزيعها وتوثيق الشواغل المتعلقة بالحماية والاستجابة لها.

وعلى سياق متصل فقد سلط طلب الإحاطة الضوء على التقارير الخاصة بمعدلات العنف القائم على النوع الاجتماعي ضد النساء الفلسطينيات، والتي تشير إلى تزايد تلك المعدلات بما فيها العنف الجنسي. وشدد الطلب في هذا الصدد على ضرورة احترام القانون الدولي الإنساني، وقانون حقوق الإنسان، والالتزام بهما.

نصت اتفاقية جينيف الرابعة في موادها “16، 17، 18، 19 ” على الالتزام بتوفير الحماية والاحترام الخاصين للجرحى والمرضى والعجزة والحوامل، وإقرار الترتيبات اللازمة لنقلهم من المناطق المحاصرة أو المطوقة. ولا يجوز بأي حال الهجوم على المستشفيات المدنية المنظمة لتقديم الرعاية لتلك الفئات، وعلى أطراف النزاع احترامها وحمايتها في جميع الأوقات. كما تنص المادة السابعة والعشرون بحق الاحترام للشرف والعقائد الدينية والعادات والتقاليد وحق النساء في حمايتهن بصفة خاصة ضد الاعتداء على شرفهن، لا سيما الاغتصاب والإكراه على الدعارة أو أي هتك لحرمتهن.

كما نص إعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن حماية النساء والأطفال في حالات الطوارئ والمنازعات المسلحة لعام 1974، بحماية المدنيين خاصة النساء والأطفال إذ حثت مواده الستة على حظر حرمان النساء في حالات الطوارئ ومناطق النزاعات من المأوى أو الغذاء أو المعونة الطبية أو غير ذلك من الحقوق الثابتة وفقًا لأحكام الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي أدان في مادته السادسة جرائم الإبادة الجماعية بكافة أشكالها، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وإعلان حقوق الطفل، وغير ذلك من الصكوك الدولية.

وكان لقرارات مجلس الأمن أيضًا دور مهم جدًا في فهم الأفعال المنتهكة لحقوق المرأة باعتبارها أفعالًا تهدد الأمن والسلم في المجتمعات الدولية، فصدر القرار رقم 1325، حول المرأة والسلام والأمن عام 2000، والذي يدعو إلى عدم منح الحصانة لمرتكبي جرائم الحرب كما حثّ القرارُ الدولَ الأعضاء لأخذ التدابير اللازمة في المسائل المتعلقة بزيادة مشاركة المرأة في جميع مستويات صنع القرار، وفي عمليات حل الصراعات والمشاركة بقوات حفظ السلام وفي المفاوضات وحماية المرأة من العنف الجسدي والتمييز لا سيما المرأة في مناطق النزاع.

وأشار القرار رقم 1888 لعام 2009، إلى أن القانون الإنساني الدولي يشمل النساء والأطفال بحماية عامة باعتبارهم من السكان المدنيين خلال النزاعات المسلحة ويشملهم بحماية خاصة نظرًا لإمكانية تعرضهم للخطر بشكل خاص، وسلم القرار بـأن النـهوض بـالمرأة وتمكينـها ودعـم المنظمـات والـشبكات النـسائية أمـر أساسي لتوطيـد الـسلام في سـبيل تعزيـز مـشاركة المـرأة مـشاركة كاملـة وعلـى قـدم المـساواة، وشجع القرار الــدول الأعــضاء والجهــات المانحــة والمجتمع المــدني، بمــا في ذلــك المنظمــات غــير الحكومية، على تقديم الدعم في هذا الصدد.

كما كان القرار رقم 2106 لعام 2013، بمثابة تعزيز للجهود الرامية إلى إنهاء الإفلات من العقاب عن جرائم العنف الجنسي المرتبطة بالصراع المسلح وعدم التسامح مع مرتكبي هذه الجرائم، ويعتبر القرار داعمًا لقرارات سابقة متعلقة بالأمن والسلام ويؤكد على أن الخطوات الفعالة لمنع وقوع العنف الجنسي والرد على مرتكبيها تساهم بشكل كبير في صون السلم والأمن الدوليين. وأقر المجلس حينها بضرورة توفير المعلومات الموضوعية والدقيقة والموثقة وترتيبات الإبلاغ وإعداد التقارير بشأن جرائم العنف الجنسي المرتبطة بالصراع. ويشهد قرار مجلس الأمن رقم 2122، الذي اتخذ في الجلسة 7044 المعقودة في 18 أكتوبر 2013. على المساءلة في تنفيذ القرار 1325، وأهمية إشراك المرأة في جميع مراحل منع الصراعات وحلها والانتعاش منها.

إذن مع وجود كافة القوانين والمعاهدات الدولية التي تؤكد حماية حقوق النساء في جميع أنحاء العالم وتضمن مستقبلًا آمنا لهن. إلا أننا لا نجد صدى مسموعًا لتلك القوانين على الواقع الذي تعيشه المرأة الفلسطينية؛ وذلك لافتقار تلك القوانين إلى آليات التنفيذ والمساءلة بشأن كافة الانتهاكات الإنسانية التي تمارس ضد المرأة الفلسطينية من قِبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، بالإضافة إلى ازدواجية المعايير وإخفاق المجتمع الدولي في تحقيق العدالة وتأمين الحماية واحترام حقوق الإنسان.

أخيرًا، وخلال الأيام الـ16 القادمة لمناهضة العنف ضد النساء، والتي تبدأ في الخامس والعشرين من نوفمبر وتنتهي في العاشر من ديسمبر، وهو اليوم الذي يحتفى فيه باليوم العالمي لحقوق الإنسان، هناك فرصة مواتية لدعوة الأطراف الدولية إلى تبني مواقف جادة وواضحة في إطار التزاماتها القانونية والسياسية بأحكام القانون والاتفاقيات الدولية لوقف الحرب في قطاع غزة. والحد من الأوضاع الإنسانية المتردية في قطاع غزة، التي يتعرض لها المدنيون الفلسطينيون، لا سيما النساء والأطفال وإيصال المساعدات الإنسانية والإغاثية للقطاع بشكل كامل ومستدام وآمن.

المصدر : https://ecss.com.eg/38607/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M