تنافس المحاور.. موسكو وطهران نحو تغيير قواعد اللعب باتفاق استراتيجي

مروة عبد الحليم

 

في إطار تنافس المحاور على منطقة الشرق الأوسط، وزيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى المنطقة؛ يبعث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين برسالة إلى الغرب مفادها أن الحرب الطويلة والمكلفة في أوكرانيا لم تقلل من مكانة موسكو على المسرح العالمي، وأن الدور الروسي في المنطقة لا يقل أهمية عن الدور الأمريكي، فيزور طهران في ثاني رحلة له خارج روسيا بعد زيارته لطاجيكستان وتركمانستان في يونيو 2022، ليعقد قمة ثلاثية في طهران تجمعه بنظيريه الإيراني إبراهيم رئيسي والتركي رجب طيب أردوغان.

موسكو وطهران اللتين خاضتا خمس حروب ضد بعضهما واشتبكا مرارا وتكرارا منذ عام 1651 يشتركان في نظرتهما العدائية للولايات المتحدة التي يعدناها التهديد الرئيس لحكمهما ولجهودهما الفردية لإحياء الإمبراطوريتين الروسية والفارسية. ويشتركان في رؤيتهما لمناطق النفوذ التي اكتسبتها موسكو في الشرق الأوسط منذ عام 2015 بإرسال قواتها إلى سوريا حيث قامت هي وإيران بدور رئيس في دعم الرئيس بشار الأسد في الحرب الأهلية في الوقت الذي تنسحب فيه الولايات المتحدة.

وظلت العلاقات بين البلدين تشهد تطورًا ملحوظًا، حتى مع مجيء الرئيس الأصولي إبراهيم رئيسي، والتي تكللت بكثرة الزيارات المتبادلة بين المسؤولين الإيرانيين والروس، وتمت بالفعل زيارات مهمة في إطار التعاون الروسي الإيراني في عام 2022. أولًا، رحلة الرئيس الإيراني إلى موسكو في يناير 2022، والتي أصبحت انفراجة واضحة في دبلوماسية الرئيس الجديد للحكومة الإيرانية. وثانيًا، زيارة نائب رئيس وزراء الاتحاد الروسي ألكسندر نوفاك إلى إيران في مايو، والتي جرت على خلفية العقوبات الصارمة غير المسبوقة التي فرضها الغرب في ضوء الأحداث الأوكرانية. وثالثًا، زيارة وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في يونيو الماضي، قبل يومين من انعقاد جولة جديدة من المفاوضات الاتفاق النووي في الدوحة، والتي انتهت بالفشل وتبادل للاتهامات بين إيران والولايات المتحدة.

وفي التقارب بين البلدين، تأخذ موسكو في الحسبان الموقف التوفيقي الذي اتخذته إيران بعد بدء العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا: لم تنضم طهران إلى موجة الإدانة الدولية لموسكو، على الرغم من أنها لم تدعم تصرفات الجانب الروسي، بينما تضع اللوم الرئيس على ما يحدث على الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي.

وتأخذ روسيا في الحسبان كذلك أن إمكانات إيران كشريك اقتصادي لروسيا تتجاوز بشكل كبير المستوى الحالي للعلاقات. ومن شأن زيارة بوتين إلى طهران أن توفر فرصة لكل من روسيا وإيران لتعزيز التعاون العسكري والاقتصادي بينهما، والتأكيد للغرب بأنهما ليسا في عزلة رغم العقوبات الغربية القاسية المفروضة سواء على طهران بسبب برنامجها النووي أو موسكو بسبب الحرب في أوكرانيا.

ورغم إعلان موسكو أن مباحثات بوتين في طهران ستتمحور حول الملف السوري، إلا أن الزيارة تحمل في طياتها عددًا من من الإشكاليات:

تأرجح الاتفاق النووي الإيراني: تقف كل من إيران وروسيا على مفترق طرق فيما يتعلق باستراتيجياتهما الجغرافية الإقليمية. في 8 فبراير الماضي، عاد الوفد الإيراني إلى فيينا لإجراء الجولة الثامنة وربما الأخيرة من المحادثات للتفاوض على إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة. وعلى عكس الاتفاقات التقليدية، تم النظر إلى الاتفاق من منظور انعدام الثقة المتبادل. وتسعى إيران إلى الحصول على ضمانات بأن واشنطن لن تتراجع عن التزاماتها كما فعلت في عام 2018، ورفع جميع العقوبات مقابل الامتثال النووي، ورفع اسم الحرس الثوري الإيراني من القائمة الأمريكية للمنظمات الإرهابية، وهي مطالب تراها الولايات المتحدة مفرطة. إلا أن المساعي الأوروبية الأخيرة دفعت نحو العودة إلى طاولة التفاوض ثانية ولكن هذه المرة في الدوحة.

خلال جولة بايدن في الشرق الأوسط، اتخذ موقف صارم حيال إيران، وأكد على عدد من الأمور منها إبقاء الحرس الثوري الإيراني على قائمة الإرهاب، واستخدام القوة كملاذ أخير لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي. وخلال حديثه في مؤتمر صحفي مشترك بعد اجتماعه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد، قال الرئيس الأمريكي إن الولايات المتحدة حريصة على إحياء الاتفاق النووي الإيراني، “لكننا لن ننتظر إلى الأبد”.

سيكون من المناسب هنا الإشارة إلى أنه خلال رحلة بايدن إلى الشرق الأوسط، كان التوجه نحو إعادة العلاقات السعودية الأمريكية إلى مسارها الصحيح وأيضًا العلاقات الإسرائيلية السعودية يؤكد أن نهج بايدن تجاه الشرق الأوسط شهد تغييرًا كبيرًا. في مثل هذه الحالة، تحتاج إيران إلى استكشاف الخيارات والتركيز على ما أطلقت عليه سياسة “المحور نحو الشرق”. وفي ظل توقف المفاوضات النووية، قد ترغب إيران في إرسال رسالة إلى الغرب مفادها أن لديها البديل، وأن نفوذها قد يتجاوز الشرق الأوسط.

تزويد روسيا بالأسلحة الإيرانية: أكد مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان أن المعلومات الاستخباراتية التي رفعت عنها السرية مؤخرًا تشير إلى أن طهران تستعد لتزويد روسيا بـ”مئات” من الطائرات بدون طيار لاستخدامها في الحرب في أوكرانيا. وأن إيران تستعد لتدريب القوات الروسية على استخدام هذه الطائرات، مع تحديد جلسة تدريب أولية في أقرب وقت.

تناقضت التحليلات حول مدى قدرة إيران على تزويد روسيا بالطائرات المسيرة، فهناك من رأى أنه من غير المحتمل أن تمتلك إيران هذا العدد من الطائرات بدون طيار العاملة في أسطولها الخاص، وليست لديها خبرة في تصدير الطائرات بدون طيار. أما الاتجاه الآخر، فقد أكد أن لدى طهران خطوط إنتاج لـ 15 نوعًا من الطائرات المسيرة، على أساس مسيرات أمريكية وإسرائيلية، تم الاستيلاء عليها وتفكيكها. وقال اللواء حسين سلامي، قائد الحرس الثوري الإيراني، العام الماضي، إن بلاده تمتلك طائرات بدون طيار يبلغ مداها 7000 كيلومتر (4300 ميل).

إذا كانت إيران تخطط بالفعل لبيع أسلحة لروسيا لاستخدامها في حربها ضد أوكرانيا، فإنها ستدخل بذلك في حرب بالوكالة بين روسيا والغرب. وستكون الرسالة الموجهة إلى إدارة جو بايدن هي أن طهران يمكنها نشر نفوذها في مناطق الصراع البعيدة حيث تمتلك الولايات المتحدة مصالح. وسيكون وصول الأسلحة الإيرانية إلى أكبر صراع في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية علامة فارقة في صناعة الأسلحة الإيرانية ومكانتها كدولة مصنعة للأسلحة.

لقد كانت الطائرات بدون طيار الإيرانية جزءًا لا يتجزأ من استراتيجية إيران العسكرية ولفتت انتباه المسؤولين الأمريكيين. ففي العام الماضي، قال الجنرال كينيث ماكنزي، قائد القيادة المركزية الأمريكية في الشرق الأوسط، للكونجرس، إن الطائرات بدون طيار المرتبطة بإيران “تمثل تهديدًا جديدًا ومعقدًا لقواتنا وقوات شركائنا وحلفائنا”، وأضاف أنه “لأول مرة منذ الحرب الكورية، نعمل بدون تفوق جوي بشكل كامل”.

ولن تغير الطائرات بدون طيار قواعد اللعبة، لكنها قد تخفف من ضعف روسيا في استغلال الطائرات بدون طيار؛ فمن المحتمل أن تحلق الطائرات بدون طيار الإيرانية المتوسطة والكبيرة لمدة تصل إلى 20 ساعة بينما تحمل أجهزة استشعار متطورة إلى حد ما، ومجموعة من الأسلحة، وبعض الطائرات المسيرة، مثل تلك التي يستخدمها حزب الله اللبناني، يمكن أن تحمل حمولة تصل إلى 150 كيلوجراما. وتم استخدام الطائرات بدون طيار الإيرانية خارج حدودها من قبل، في مناطق الصراع في الشرق الأوسط، فقد كانت فعالة في العراق واليمن والمملكة العربية السعودية، وتعتقد الولايات المتحدة أنها استُخدمت في هجوم على منشآت نفطية سعودية في عام 2019.

إحياء ممر النقل بين الشمال والجنوب: إدراكًا منه أنه لا يوجد مستقبل مع الغرب في الوقت الراهن، تتمثل أحد أهداف زيارة بوتين لطهران في تحسين العلاقات الاقتصادية بين البلدين المتضررين من العقوبات الأمريكية. فقد قرر البلدان خلال زيارة رئيسي إلى موسكو في يناير الماضي، إحياء ممر النقل بين الشمال والجنوب بشكل مشترك. وأصبح هذا القرار ذا أهمية خاصة على خلفية سياسة العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة وحلفاؤها ضد روسيا وإيران، ورغبة طهران وموسكو في إنشاء طرق تجارية غير مرتبطة بالغرب.

ولتنفيذ هذا القرار، تسعى السلطات الإيرانية إلى إحياء مشروع ممر النقل بين الشمال والجنوب الذي توقف مؤخرًا، والذي يمر عبر الأراضي الروسية والإيرانية ومياه البلدين للتواصل مع أسواق التصدير الآسيوية. وذكرت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية (إرنا) في 11 يونيو الماضي، من أجل تنفيذ ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب، بدأت الخطوط الملاحية لجمهورية إيران الإسلامية (IRISL) في نقل البضائع عبر هذا المشروع من روسيا إلى الهند أو إلى جنوب آسيا باستخدام بوليصة شحن واحدة فقط لطريق العبور بأكمله.

يسلط ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب الضوء على ميناء أستراخان الروسي وشابهار الإيراني كقاعدة لمزيد من النقل إلى أوراسيا، حيث يتم تطويره، فضلًا عن بناء مجمع كبير للبتروكيماويات ومحطة تصدير بالقرب من ميناء جاسك، من المشاريع التي تنفذها الحكومة الإيرانية كجزء من استراتيجية تطوير ساحل مكران. ووفقًا للدستور الإيراني، يحظر إقامة قواعد أجنبية في البلاد، لكن تشغيل مرفأي بندر عباس وشابهار سيساعد القوات البحرية الروسية الموجودة في المحيط الهندي، ولا يُستبعد تأجير روسيا أراضي إيرانية بالقرب من هذين المرفأين.

تأكيد التحالف رغم الخلاف: إن العلاقات الثنائية بين موسكو وطهران، تبدو أكثر تعقيدًا بسبب إنتاج البلدين الكبير من النفط؛ إذ تؤثر روسيا على قدرة إيران على بيع النفط وإيجاد مشترين جدد ولا سيّما بعد الحرب على أوكرانيا والعقوبات الغربية على روسيا خاصة قطاع الطاقة الذي يعد عماد الاقتصاد الروسي.

وفي هذا السياق، فإن روسيا وإيران في تنافس تجاري خاصة في سوق الطاقة والنفط. ويبدو أن بيع روسيا صادراتها من النفط بسعر منخفض منذ الحرب في أوكرانيا يضر بإيران؛ إذ نقلت وكالة أنباء العمال الإيرانية (إيلنا) عن رئيس اتحاد مصدري النفط والغاز والبتروكيماويات الإيراني، حميد حسيني، قوله في يونيو الماضي: إن صادرات إيران من المنتجات النفطية الثانوية انخفضت على نحو شهري من 430 ألف طن إلى 330 ألف طن خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة. وذكرت صحيفة إيرانية في مايو الماضي أن الصين وكوريا الجنوبية والدول الأخرى التي تعد من بين أكبر المشتريين للصلب الإيراني قد تحولوا مؤخرا إلى شراء الصلب الروسي منخفض السعر.

وفي ظل العقوبات الأمريكية على إيران، تعد الصادرات بمثابة شريان حياة اقتصاد البلاد، خاصة مع ارتفاع معدلات التضخم بنسبة تقترب من 50%. فيما ذكر مسؤولون إيرانيون أنهم اضطروا إلى خفض الأسعار لمواجهة قيام روسيا بتخفيض أسعار صادراتها. ومع ذلك، فإن دافع إيران للتعاون مع روسيا يعود بشكل كبير إلى احتياجاتها الاقتصادية الملحة وغياب البديل؛ إذ لا يمكن أن ترفض إيران تعزيز علاقاتها مع روسيا، طالما لا توجد خيارات بديلة في الغرب

اتفاقية التعاون بين موسكو وطهران

بعد توقيع إيران والصين “اتفاقية التعاون الاستراتيجي” مدتها 25 عامًا، تقترب روسيا وإيران من التوقيع على معاهدة للتعاون الأمني والاقتصادي على مدى السنوات العشرين المقبلة، عبر العديد من الصفقات التجارية والتبادلات المالية والاستثمارات الروسية، وإعطاء الجانب الأمني والعسكري أولوية بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان واستيعاب التغيير الحاصل في منطقة آسيا الوسطى.

بعد العضوية الكاملة لإيران في “منظمة شنغهاي للتعاون”، أصبحت استراتيجية إيران نحو الشرق حقيقة واقعة. وعندما تولى “رئيسي” منصبه أوضح أنه على عكس الرئيس السابق “حسن روحاني” لن يسعى إلى التفاوض مع الغرب، وبدلًا من ذلك سيواصل علاقات أوثق مع الصين وروسيا. وقدم الرئيس الإيراني، مسودة اتفاق التعاون خلال زيارته إلى موسكو في يناير 2022 لتقليل الاعتماد على الغرب والاتجاه نحو الشرق حيث الحليفين الشريكين روسيا والصين، وقد أشير إلى هذا الاتجاه باسم سياسة “المحور نحو الشرق” الإيرانية.

واكتسب هذا النهج زخمًا لأول مرة خلال فترة ولاية الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد قبل نحو 16 عامًا. ويحظى هذا التوجه بدعم قوي من المرشد الأعلى آية الله “علي خامنئي”، وأيده خلال حديث مع نخب الدولة العام الماضي، قائلًا: “يجب أن ننظر إلى الشرق؛ فالنظر إلى الغرب وأوروبا ليس له تأثير علينا سوى المماطلة والمتاعب. هناك دول في الشرق يمكنها مساعدتنا ويمكننا التفاعل معها على قدم المساواة. نحن نساعدهم وهم يساعدوننا”.

ويقترح الاتفاق الذي يهدف إلى تحديث اتفاقية التعاون الاقتصادي السابقة منذ عام 2001 إلى زيادة التعاون في مبادرات الأمن والنقل والتجارة بين طهران وموسكو. ولا يزال الاتفاق قيد التفاوض، وتؤكد الحكومة الإيرانية أنه يجب أولًا نشر محتوياته والموافقة عليها من قبل البرلمان. ويعد الاتفاق المرتقب ذا أهمية استراتيجية كذلك لأنه يشير إلى قناعات كل من موسكو وطهران في مفاوضاتهما مع الغرب.

وسيحقق الاتفاق بالنسبة لإيران عددًا من المكاسب الرئيسة:

مكاسب اقتصادية: على وقع الحرب في أوكرانيا وعقب قطع الغرب علاقاته مع روسيا، تزايد التعاون والتبادل التجاري بين روسيا وإيران؛ فخلال لقاء جمعه مع الرئيس الإيراني على هامش “قمة بحر قزوين” في عاصمة تركمانستان عشق أباد أواخر يونيو الماضي، أشار بوتين إلى ازدياد التبادل التجاري بين روسيا وإيران بنسبة 81% خلال العام الماضي.

وقد ركزت الحكومة الإيرانية على الإعلان عن الفوائد الاقتصادية والأمنية التي قد تعود من الاتفاق الإيراني الروسي. وتشكل روسيا حاليا 4% و2% من واردات وصادرات إيران على التوالي. وتعتزم طهران زيادة حجم تجارتها مع روسيا إلى 25 مليار دولار. وقد يبدو هذا الهدف طموحًا للغاية، ولكن في عام 2007، تصورت إيران أن تصل تجارتها مع روسيا إلى 200 مليار دولار في غضون العقد المقبل. ومع ذلك، بلغت التجارة الثنائية ذروتها عند ما يزيد قليلًا عن 3.5 مليار دولار في عام 2021.

وقد يؤدي تعزيز العلاقات التجارية مع روسيا إلى تخفيف الضغوط على الاقتصاد الإيراني الذي يئن تحت وطأة عقوبات نفطية ومالية من قبل الولايات المتحدة منذ سنوات. ولكن تشكل العقوبات الأمريكية عائق رئيسي أمام هذا التعاون، مما يحد من الآفاق التجارية لطهران ويعقد أي التزامات طويلة الأجل من شركائها التجاريين. وإلى جانب مصالحها التجارية المباشرة مع روسيا، تسعى إيران أيضا إلى تأمين التزامات اقتصادية أوسع نطاقا تجاه الاتحاد الاقتصادي الأوراسي.

مكاسب أمنية: تنظر إيران إلى الاتفاق المرتقب على أنه وسيلة لترسيخ تعاونها الأمني مع روسيا وتأمين صفقات أسلحة جديدة. وبعد أن أجرت أيران مناورات بحرية ثلاثية مع البحريتين الروسية والصينية في 21 يناير الماضي، تسعى إيران إلى زيادة التعاون العسكري مع محور الشرق لإظهار ما يشبه التضامن الدفاعي مع داعميها روسيا والصين.

وتسعى الإدارة الإيرانية الجديدة لشراء طائرات مقاتلة روسية الصنع من طراز Su-35 لتعزيز القوات الجوية الايرانية. وتهتم إدارة رئيسي بشراء نظام الدفاع الصاروخي S-400. ومع ذلك، امتنعت روسيا عن عقد أي صفقات عسكرية مع إيران على الرغم من انتهاء الحظر الذي فرضه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والذي منع تصدير الأسلحة إلى إيران في أواخر عام 2020. وذلك بسبب عدم امتلاك طهران الأموال اللازمة لمثل هذه الصفقات وانخفاض الاحتياطي من العملات الأجنبية والذهب بعد انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة في عام 2018.

وقد يرى بوتين في هذه الزيارة الوقت المناسب للإعلان عن صفقة أسلحة كبيرة، الأمر الذي من شأنه أن يسمح له ولرئيسي بتأكيد تحالفهما الناشئ وتحديهما المشترك للولايات المتحدة. وقد يناقش الزعيمان أيضًا مبيعات الأسلحة التي تسير في الاتجاه الآخر. وبالتالي، قد يساعد اتفاق التعاون طهران في تحقيق شروط مواتية بشأن قطاعي النفط والغاز مقابل تخفيضات كبيرة على الأسلحة الروسية.

مكاسب دبلوماسية: بالنسبة إلى إيران، فإن أحد الشواغل الرئيسة التي تنعكس في أهمية الاتفاق الاستراتيجي مع موسكو هو دعمها لمصالح طهرن في مجلس الأمن، حيث تشغل روسيا أحد مقاعد الأعضاء الدائمين الخمسة، بينما تشغل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا والصين المقاعد الأخرى. وبالنظر إلى سعي إدارة “بايدن” للحد من النفوذ الصيني والروسي في الساحة الدولية، يأمل “رئيسي” في الاستفادة من التنافس بين الكتلتين وأن يلعب أحدهما ضد الآخر لصالح إيران.

ولطالما لعبت روسيا لعبة مزدوجة مع إيران بشأن هذه القضية، باستخدام الوعود بحماية مصالح إيران في مجلس الأمن مقابل الحصول على صفقات في حقول النفط والغاز. على سبيل المثال، حصلت شركتا غازبروم وترانسنفت الروسيتان مؤخرًا على أكبر حصة في حقل شالوس الإيراني للغاز الذي تم الكشف عنه حديثا، وقدرت روسيا أن حقل الغاز يمكن أن يوفر 52% من احتياجات أوروبا على مدى العشرين عاما المقبلة.

ختامًا، رغم الفوائد الاقتصادية والأمنية والدبلوماسية التي سيوفرها الاتفاق المرتقب بين موسكو وطهران، ولكن التكلفة ليست مالية فقط، حيث تحتفظ روسيا بعلاقات وثيقة مع المنافسين الإقليميين لإيران، بما في ذلك إسرائيل والسعودية. ولن يخاطر بوتين باختلال التوازن في علاقاته مع أقوى القوى في الشرق الأوسط. ولا يرى الجميع في الكرملين فائدة أمنية مباشرة من اتفاق طويل الأمد مع طهران. ولكن حتى لو كان من المتوقع أن يكون للاتفاق فوائد ملموسة قليلة لأي من الجانبين، فإن هذا الاحتمال يمكن أن يمنح طهران وموسكو النفوذ السياسي الذي تبحثان عنه في مفاوضاتهما مع الغرب. العامل المشترك بين هذين البلدين هو حوارهما المستمر مع الولايات المتحدة وحلفائها؛ فإذا تفاقم الوضع في أوكرانيا، قد يستخدم الكرملين التهديد بمبيعات الأسلحة إلى إيران كوسيلة ضغط سياسية في المفاوضات بشأن أوكرانيا. وبالمثل، يمكن لإيران استخدام الاتفاق للإشارة إلى أنها لن تخجل من الاستراتيجيات البديلة إذا استمرت الولايات المتحدة في فرض عقوبات اقتصادية عليها.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/71516/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M