دلالات وأهداف زيارة بايدن إلى الشرق الأوسط

د. عدنان أبو عامر

 

مقدمة

تتحضر الأوساط السياسية في المنطقة، الإسرائيلية والعربية على حد سواء، لزيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للمنطقة خلال الفترة من 13 إلى 16 يوليو/ تموز 2022، وسط أجندة مزدحمة يحملها، بين إعلان التطبيع الإسرائيلي السعودي، والطلب من الأخيرة ضخ مزيد من النفط في السوق العالمية، وإنشاء حلف عسكري لمواجهة النفوذ الإيراني، وبين كل ملف وملف هناك ملفات أخرى.

من الواضح أن زيارة بايدن التي تشمل إسرائيل والسعودية، وربما دولا أخرى، تعكس اهتمامه بها، فبينما تهدف زيارته لإسرائيل لتأكيد التزامه بأمنها، فإن وصوله للسعودية يهدف لتعزيز المصالح الأمريكية الفورية معها، سواء التأثير على أسعار النفط، أو استعادة مكانتها في الشرق الأوسط، وتوسيع التنسيق الأمني ​​الإقليمي لمواجهة إيران، أما عند زيارته للسلطة الفلسطينية، فسوف تعيد الإدارة تأكيد التزامها بحل الدولتين، دون توقعات بحدوث انفراج سياسي.

أجندات الزيارات

حفلت المراكز البحثية ووسائل الاعلام الإسرائيلية في الأيام الأخيرة بسيل من المقالات والأوراق التي ناقشت حجم الفوائد العائدة على إسرائيل من الزيارة، وقائمة الطلبات التي يتم تحضيرها للضيف الأمريكي الكبير، لاسيما في ظل ما تحياه المنطقة من تطورات متلاحقة، وعلى شتى الأصعدة: سياسيا واقتصاديا وأمنيا وعسكريا.

يدرك الإسرائيليون جيدا أن زيارة بايدن القادمة لها مغزى سياسي داخلي، لا يقل أهمية عن الجوانب الخارجية والدولية، ففي نوفمبر 2022 ستجرى الانتخابات النصفية لمجلسي الشيوخ والنواب في الولايات المتحدة، ووضع بايدن والديمقراطيين ليس جيداً، حيث تبلغ نسبة شعبيته 40% فقط، وهذه درجة غير كافية، ويشير تاريخ الانتخابات في الولايات المتحدة أن الحزب الذي يمثل البيت الأبيض يخسر مقاعد في انتخابات التجديد النصفي، وهي نوع من الاستفتاء على أداء الرئيس في أول عامين من ولايته.

في الوقت ذاته، تتداول الأوساط الإسرائيلية نظرية مفادها أن فشلا كبيرا في انتخابات الكونجرس المقبلة قد يؤثر على الانتخابات الرئاسية لعام 2024، وبالتالي فإن بايدن لديه اهتمام كبير بزيارة إسرائيل قبل الانتخابات النصفية لتعزيز دعم المرشحين الديمقراطيين، وستساعد زيارته بإيصال رسالة لإسرائيل والشرق الأوسط مفادها أن الولايات المتحدة لا تنوي مغادرة المنطقة، وأنها ملتزمة بحماية حلفائها، سواء وقعت الولايات المتحدة والغرب اتفاقية نووية جديدة مع إيران أم لا.

يرصد الإسرائيليون عدة أهداف أساسية لزيارة بايدن، أولها القضية الفلسطينية، وإعلان استئناف الدعم المالي للفلسطينيين لمنع انهيار السلطة الفلسطينية، وثانيها العلاقات الثنائية بين واشنطن وتل أبيب، وتقديم مساعدات عسكرية نوعية، وثالثها أزمة الطاقة ومستقبل العلاقة مع السعودية، وسط توقعات منخفضة في هذه الملفات مجتمعة، بسبب التعقيدات الكامنة في كل واحد منها على انفراد، ورابعها إقامة تحالف دفاع جوي عربي إسرائيلي يضم مصر والأردن والعراق ودول الخليج ضد خطر الصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار الإيرانية، وسيشمل مجموعة من التعاون الاستخباراتي، وإنذارا مبكرا لتحديد واعتراض صواريخ البحر الإيرانية.

مع العلم أن كثيرا من الشكوك الإسرائيلية تحيط بنجاح زيارة بايدن بتحقيق أهدافها، فالفلسطينيون ربما لن يكتفوا باستئناف الدعم المالي فقط، على أهميته، في ظل إخفاق بايدن في إجبار إسرائيل على الدخول في مسار سياسي، أو على الأقل يوقف جنون الاستيطان الذي تشهده الضفة الغربية، حتى عشية الزيارة، ودون توقف، في حين أن الإسرائيليين أنفسهم لديهم من المشاكل الداخلية المتفاقمة التي تجعلهم لا يتفرغون لإدارة أي ملف باستثناء الانتخابات القادمة.

تأتي زيارة بايدن عشية استقالة رئيس الحكومة الإسرائيلية، مما يخفض من سقف التوقعات بإبرام أي اتفاقيات مع حكومة تسيير أعمال، باستثناء القضايا المتفق عليها بين المستويات الأمنية والعسكرية، بغض النظر عمن يحكم إسرائيل، مع العلم أن أكثر ما يهم الإسرائيليين من الزيارة أن ينجز بايدن اتفاق التطبيع الكامل مع السعودية، رغم أن الطريق ما زالت طويلة لإنجاز ذلك، لأسباب كثيرة، دون أن يحول ذلك من إبرام اتفاقيات أمنية وعسكرية سعودية إسرائيلية، تحت الطاولة، وبإشراف أمريكي، لمواجهة النفوذ الإيراني المتصاعد في المنطقة.

محطة السعودية

صحيح أن بايدن سيفتتح جولته الشرق أوسطية بزيارة إسرائيل، لكن محور اهتمامه هو السعودية ودول الخليج، خاصة وأن مجيئه لهذه المنطقة يتزامن مع التغييرات العالمية التي أحدثتها الحرب في أوكرانيا، حيث يتم إعادة تشكيل النظام العالمي، والعالم على شفا الركود الاقتصادي والتضخم وأزمة الطاقة، وقيادة أمريكا وبايدن شخصياً أمام اختبار الناخب الأمريكي في الداخل، والحلفاء في الساحة الدولية.

بايدن واجه انتقادات كثيرة لخطوته بزيارة المملكة، ولقائه المزمع مع ولي العهد السعودي، لكن الواقع الاستراتيجي الناشئ عقب حرب أوكرانيا ربما أجبره على اتباع نهج واقعي بعيدا عن الالتزام الحرفي بالقيم الأخلاقية، في ظل ما يشهده العالم من أزمة اقتصادية، ناجمة عن الحرب المستمرة بين أوكرانيا وروسيا، مما ترك آثاره بشكل مباشر على الولايات المتحدة، وأدت لارتفاع التضخم فيها، وبلوغه الذروة، وتعزز المخاوف من حدوث ركود حاد فيها.

في ظل كل هذه الظروف، أصبح الشرق الأوسط مرة أخرى ساحة مهمة في تنافس القوى وخريطة مصالح الولايات المتحدة، بعد أن سعت إدارات أوباما وترامب وبايدن لتقليص مشاركتها في المنطقة عبر انسحابها التدريجي منها تفرغاً لتحديات أكثر خطورة من وجهة النظر الأمريكية، وتتعلق أساساً بمواجهة الصين.

يرغب بايدن بالعودة لواشنطن وبيده الإنجاز الرئيسي بالاتفاق مع السعودية على زيادة إنتاج النفط بشكل كبير، وتدفقه للأسواق العالمية، وهو يعلم أن السعودية والإمارات تتمتعان بقدرة إنتاجية إضافية تبلغ عدة ملايين برميل يومياً، حيث يسعى لخفض سعر برميل النفط، وتقليل اعتماد أوروبا على روسيا، وتقويض النفوذ الاقتصادي لموسكو وقوتها المالية، وتقليل عائدات إيران في محاولة للمساعدة في دفع المفاوضات بشأن الاتفاق النووي.

تتحدث المحافل الإسرائيلية أن السعودية تسعى للحصول على ضمانات قوية للتدخل الأمريكي العميق في الخليج، وحفظ أمنها في مواجهة ما تصفه التهديد المتزايد من إيران، ومبعوثيها، ولا زالت في الخلفية تلك “الصدمة” السعودية من الهجوم الإيراني على بنيتها التحتية النفطية الحيوية في سبتمبر 2019، وإحجام إدارة ترامب في حينه عن الرد عليها.

في الوقت ذاته، يترقب الإسرائيليون نتائج زيارة بايدن إلى السعودية، وما قد تسفر عنه، في ضوء تأثيرها المباشر على مستقبل علاقتهم معها، ورغبتهم بأن تطوي واشنطن صفحة التوتر مع المملكة، خشية أن يؤثر استمرار الجمود في علاقاتهما على مستقبل التطبيع معها، لأنه سيكون صعبا إعلان هذا التطبيع دون أن تكون واشنطن في قلبه، وهو ما تسعى إليه إسرائيل، دون توفر ضمانات بحدوث ذلك، مع تضارب بعض المصالح السعودية الأمريكية، خاصة بسبب أسعار النفط، مع العلم أن التفاؤل الإسرائيلي من زيارة بايدن، يغلب عليه الحذر، لأنه لن تكون هناك قفزة مثيرة نحو اتفاق تطبيع كامل، بل خطوات صغيرة تراكمية.

التحالف الدفاعي

مع تواصل التحضيرات الإسرائيلية لزيارة بايدن للمنطقة، تزداد التقديرات بسعيه جاهدا من أجل التعاون الاستراتيجي، وإقامة تحالفات إقليمية جديدة يمكنها التعامل مع التهديدات القديمة والجديدة، وكبح جماح المنافسين، وتقوية الحلفاء، ومنهم إسرائيل والدول العربية “المعتدلة”، انطلاقا من فرضية إسرائيلية، مفادها أن الإدارات الأمريكية الثلاثة الأخيرة مقتنعة أنه بعد الحربين الفاشلتين في أفغانستان والعراق، لم تعد الولايات المتحدة قادرة على العمل بمفردها “شرطياً” للعالم.

تستعد إسرائيل لاستقبال نوايا بايدن بتأسيس تحالف دفاعي إقليمي في مؤتمر سيعقد في جدة بالسعودية، تحضره الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى، بينها جميع دول الخليج ومصر والأردن والعراق، وبهذا المعنى، فإن التقدير الإسرائيلي يعني أن الولايات المتحدة لا تنوي مغادرة الشرق الأوسط، وستستمر بالمشاركة في العمليات الرئيسية، لكن العامل الرئيسي في التحالف المخطط له هو السعودية، وليس من قبيل المصادفة أن يزورها أولا، ويعقد التحالف التأسيسي على أرضها.

مع أن بايدن يصل المنطقة في وقت حساس بشكل خاص، يتضمن جملة من التطورات المتلاحقة، أولها الجمود في المحادثات النووية مع إيران، وثانيها التوتر بين حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة حول سياساتها الإقليمية، وثالثها الموقف من مجريات الحرب في أوكرانيا، ورابعها والأهم، كيفية تأثير هذه الزيارة على انتخابات الكونغرس القادمة، انطلاقا من معرفة كيف ستبدأ الزيارة، وكيف ستنتهي، ورغم التحمس الإسرائيلي لزيارة بايدن، فإن التوقعات لا تبدو مرتفعة جدا، مع ظهور مزيد من التحديات والعقبات التي قد تحول دون تنفيذ وتحقيق ما تتطلع إليه إسرائيل، لاسيما على صعيد التحالف الإقليمي ضد إيران.

ينوي بايدن الإعلان عن تحالفه الدفاعي الجديد في المنطقة، بعد إقامة تحالفات إقليمية حول العالم للتعامل مع التهديدات القديمة والجديدة، فقد شكّل تحالفات دفاعية مهمة في آسيا: أولاها التحالف الناطق باللغة الإنجليزية AUKUS، وهو اختصار لأستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، وثانيها التحالف الرباعي ويضم الولايات المتحدة وأستراليا واليابان والهند، وثالثها مجموعة رباعية أخرى من الولايات المتحدة وإسرائيل والإمارات والهند، ويُطلق على التحالف باللغة الإنجليزية I2U2، وهو مسعى أمريكي واضح مع الهند لربط التحالفات الآسيوية بتحالف الشرق الأوسط، على أن يكون لإسرائيل مكانة مركزية فيها، وقد تم تصميم التحالفات لتطوير تعاون هادف في مختلف المجالات العسكرية والأمنية، ولم تخف الصين تخوفها من أن هذه التحالفات موجهة ضدها، وانتقدتها بشدة.

أمن إسرائيل

عشية انتخابات التجديد النصفي، يحتاج بايدن لزيارة إسرائيل، وتعزيز تطبيع علاقاتها مع دول الخليج لتهدئة انتقادات الديمقراطيين في واشنطن بشأن إذابة العلاقات مع ولي العهد السعودي من جهة، ومن جهة أخرى تحقيق إنجاز ما في سياسته الخارجية بزعم توسيع دائرة السلام في الشرق الأوسط.

إسرائيل من جهتها تبدو معنية أكثر من سواها في كيفية الاستفادة من الفرص الاستراتيجية التي تأتي مع زيارة بايدن، لأنه في ظل هذه الظروف قد لا تكتفي بخطوات ترى أنها بسيطة، تتمثل بالسماح لطيرانها باستخدام أجواء السعودية مقابل موافقتها على اتفاق الأخيرة مع مصر على نقل ملكية جزيرتي تيران وصنافير.

تدرك إسرائيل أن لديها مصلحة عميقة في الاستفادة من زيارة بايدن لإيجاد تحرك سياسي واسع النطاق، قد يشمل إنجازات ملموسة من وجهة نظرها، خاصة في مجال التطبيع، وإنشاء الحلف الإقليمي لمواجهة النفوذ الإيراني، والعلاقات الثنائية مع الإدارة الأمريكية، وهذه يمكن وصفها بأنها أهداف استراتيجية مهمة، لكن إسرائيل ذاتها تعلم أنه “لا توجد وجبات مجانية”، وسيُطلب من جميع الأطراف “دفع” الفوائد التي سيحصلون عليها، مما يستدعي منها مبادرة لتعزيز التحركات المهمة لـ”زيادة حجم الكعكة” التي ستحصل عليها.

يمكن هنا الحديث عن سلة إنجازات تسعى إسرائيل لتحقيقها:

أولها، على المستوى الدبلوماسي، السعي لإنجاز اتفاق تطبيع مع السعودية، ولكن إذا لم تنضج شروط التطبيع الكامل بعد، فقد تسعى إسرائيل على أقل تقدير، لتحقيق تقدم واضح في العلاقات بينهما، بما يتجاوز تعاونهما الأمني ​​والاستخباراتي العميق بينهما وراء الكواليس.

ثانيها، على المستوى القانوني الرسمي، زيادة الاتفاقات الأمنية، والاعتراف المتبادل بين الدول.

ثالثها، المستوى العملي، من حيث تمكين الحجاج المسلمين من فلسطينيي 48 من السفر مباشرة من مطار بن غوريون إلى مكة المكرمة، وتوفير ضمانات لحرية الملاحة الإسرائيلية في مضيق تيران.

وهناك إنجاز رابع يشكل مصدر طموح لإسرائيل يتمثل في حاجتها للتأكد من أن بايدن يكرر التزامه المعلن بأن إيران لن تمتلك أبداً أسلحة نووية، ووضع خطة عملية لضمان ذلك؛ والمبادرة لصياغة اتفاقية لتحقيق ذلك، وضمان أن تكون إسرائيل شريكاً كاملاً في التحالفات التي تبنيها الولايات المتحدة كجزء من منافسة القوى الأخرى.

السؤال الذي يبدو مطروحا على طاولة صناع القرار الإسرائيلي يتعلق بالأثمان المطلوب دفعها للولايات المتحدة لتحقيق هذه الفوائد الاستراتيجية، وأهمها منح الرياض وواشنطن إشعارا بحدوث تغيرات إيجابية على صعيد القضية الفلسطينية، وهي “الغائب الحالي” في العملية برمتها، في ضوء حساسية هذه القضية للإسرائيليين في هذه المرحلة الحساسة من حيث الانتخابات المبكرة واستقالة الحكومة الحالية، مما يشمل مخاطرة سياسية ترتبط بتقديم تنازلات إسرائيلية توصف بأنها “مؤلمة” خاصة بالانسحابات من الأراضي الفلسطينية المحتلة.

في الوقت ذاته، يمكن لإسرائيل الشروع في تجديد الحوار مع السلطة الفلسطينية، ليس بالضرورة كمفاوضات سياسية، ولكن كخطوة شاملة لتعزيز حكمها، وتحسين نسيج الحياة على غرار “خطة مارشال” لإنعاشها، مع أن التنمية الاقتصادية المتسارعة في الضفة الغربية ستفيد إسرائيل أيضاً، لأنها ستسمح بمشاركة السعودية والخليج في تطوير بناها التحتية ومشاريعها الكبيرة، بزعم أنها ستساعد على استقرار الوضع الأمني.

أثمان أخرى مطلوب من إسرائيل دفعها للولايات المتحدة تتمثل بوقف نقل التكنولوجيا والابتكار إلى الصين، لأنه مصلحة أمنية أمريكية عليا، فضلا عن موقف أكثر وضوحا انحيازا للجانب الغربي ضد روسيا في الحرب على أوكرانيا.

لا تخفي إسرائيل مصلحتها الواضحة في الاستمرار بالحفاظ على العلاقة الحميمة مع الإدارة الأمريكية، الحريصة على عدم انتقادها، وإدارة خلافاتهما بخطاب رصين وأسلوب هادئ يمكنهما من عرض المواقف بحرية، حتى لو كانت متناقضة، على صعيد مصالحهما المشتركة والمختلفة، مع قدرتها على تجسير الخلافات، وصياغة سياسة مشتركة باعتبارها مصلحة لإسرائيل.

أكثر من ذلك، فإن صناع القرار الإسرائيليين يتحضرون لأن تتوفر لديهم صورة واضحة لمصالح وأولويات الإدارة الأمريكية خلال الزيارة، خاصة في سياق التنافس مع الصين، والحرب في أوكرانيا، وأن تأخذ السياسة الإسرائيلية بعين الاعتبار هذه المصالح بعين الاعتبار قدر المستطاع لتقوية الإدارة الأمريكية، حليفتها الأساسية حول العالم.

النووي الإيراني

ترى المحافل الإسرائيلية أن لديها فرصة للتأثير على أجندة زيارة بايدن فيما يتعلق بقضية إيران التي ستكون في قلبها، في ضوء أن مستقبل الاتفاق النووي لا يزال غير واضح، وإدارة بايدن مدركة لضرورة الاستعداد لحقيقة عدم وجود اتفاق، واستمرار وجود برنامج نووي نشط في إيران، مما يستدعي التنسيق الوثيق بين الولايات المتحدة وإسرائيل، ويتطلب من الأخيرة السعي جاهدة لتحديد الخطوط الحمراء أمام الإدارة، وكشف تدابير الرد السياسي والاقتصادي والعسكري أمام إيران لعدم تجاوزها.

من الواضح للإدارة الأمريكية أنه في مواجهة حقيقة الاحتمال الضئيل لتجديد الاتفاق النووي مع إيران، فإن الأخيرة ستواصل التقدم في برنامجها، ولكن حتى لو كان هناك اتفاق، فإن دول المنطقة، وعلى رأسها إسرائيل، تتوقع من الولايات المتحدة تقديم خطة عمل من شأنها تأمين مصالحهم، رغم أنه ليس لدى بايدن ما يقدمه لها، لأنه في هذه المرحلة يواجه صعوبة في التوصل لاتفاق مع إيران، لكنه لا يريد أن يغلق الباب أمام إمكانية إنجازه، ولا متحمسا للمواجهة معها.

في الوقت ذاته، ترى دوائر صنع القرار الإسرائيلي أهمية استخدام الزيارة لتعزيز التنسيق الإقليمي في مواجهة جهود إيران المستمرة لترسيخ مكانتها في المنطقة، وضمان توفير الدعم الأمريكي المستمر للأمن الإسرائيلي، وبالتنسيق مع الدول العربية، والتأكيد على أهمية الوجود الأمريكي في العراق وسوريا، فضلا عن استعداد الجانبين الإسرائيلي والأمريكي لتعزيز التخطيط المشترك لحملة ضد إيران، حتى لو تمكنت إسرائيل من تطوير قدرة مستقلة على العمل، لكن تشديد “التوأمة” مع الولايات المتحدة في مجال العمليات والدعم الأمريكي للتحركات الإسرائيلية لهما أهمية كبيرة.

مع العلم أن الحرب الروسية في أوكرانيا أظهرت أن هناك عدم تسامح في الساحة الدولية مع عدوان عسكري أحادي الجانب، وبالتالي فإن أي عملية عسكرية إسرائيلية ضد إيران ستظهر على هذا النحو، خاصة وأن إيران ترسخ نفسها في جميع أنحاء المنطقة، وتوسع استخدام الصواريخ والطائرات بدون طيار، مما يستدعي من إسرائيل ضمان استمرار الدعم الأمريكي، وبالتنسيق مع الدول العربية، وصولا الى إنشاء تحالف إقليمي على غرار حلف الناتو، وفي حال كانت فرصه منخفضة، فإن صياغة “خارطة طريق” لتعزيز العلاقات بين إسرائيل السعودية لها أهمية استراتيجية لجميع الأطراف، وفق الرؤية الإسرائيلية.

خاتمة

لقد رصدت الأوساط الإسرائيلية جملة من أهداف الزيارة، وأجندتها المتعددة في مختلف المجالات، ومن أهمها تحقيق انخفاض في أسعار النفط من خلال التزام واضح من السعودية بزيادة الإنتاج مع مرور الوقت، لأن من وجهة نظر الإدارة، فإن مثل هذا الالتزام، حتى لو لم يكن له تأثير فوري على الأسعار، لكنه سينقل الاستقرار الذي سيكون له تأثير طويل المدى.

مع العلم أن إسرائيل تتفهم جيدا توجهات الإدارة الأمريكية بتقاسم أعباء التعامل مع إيران مع دول المنطقة، ومنعها من التوجه نحو اتجاهات لا تتفق مع المصالح الأمريكية، وتعزيز إجراءات التطبيع الإقليمي، خاصة بين السعودية وإسرائيل، من خلال عملها على “خارطة طريق للتطبيع” بينهما، مع أحاديث إسرائيلية مؤخرا عن اجتماع مسؤولين عسكريين كباراً من إسرائيل والسعودية التقوا في مصر برعاية الولايات المتحدة، على أن يناقش بايدن مع مضيفيه خلال زيارته رؤية لإنشاء نظام دفاعي مشترك ضد الصواريخ والسفن، وهو يرى أن من المهم له في الفترة التي تسبق انتخابات التجديد النصفي، منحه هذا الإنجاز.

لكن الخلاصة الإسرائيلية اللافتة لزيارة بايدن أنها تتزامن مع التحضيرات الإسرائيلية لخوض جولة خامسة من الانتخابات المبكرة خلال أربع سنوات في نوفمبر القادم، في ذات توقيت الانتخابات النصفية للكونغرس، وهذا تزامن قد لا يكون لمصلحة بايدن، الذي حدد موعد زيارته قبيل استقالة نفتالي بينيت من رئاسة الحكومة الاسرائيلية، وهو لا يريد أن يرى البتة بنيامين نتنياهو في مقعد رئاسة الحكومة بعد نوفمبر لأنه يعني قضاء العامين المتبقيين من ولايته الأولى في مناكفات مع إسرائيل هو في غنى عنها.

وقد دفعت هذه المعطيات المقلقة دوائر البحث والتفكير الإسرائيلية لطرح فرضية مفصلية وخطيرة مفادها “قد نخسر أمريكا”، والاستنتاج الفوري لطرح هذه الفرضية أن إسرائيل هي المسؤولة عن الخسارة، لأنها لا تتغير، ولا تعيد تموضع سياستها في المنطقة، ولا تريد التخلص من كونها دولة قومية للشعب اليهودي، والتحول لأن تصبح دولة لجميع مواطنيها، مع العلم أن إسرائيل بحاجة لأمريكا، والرأي العام الأمريكي مفتاح مهم لاستمرار دعمها.

 

.

رابط المصدر:

https://eipss-eg.org/%d8%af%d9%84%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%aa-%d9%88%d8%a3%d9%87%d8%af%d8%a7%d9%81-%d8%b2%d9%8a%d8%a7%d8%b1%d8%a9-%d8%a8%d8%a7%d9%8a%d8%af%d9%86-%d8%a5%d9%84%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%b1%d9%82-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%88%d8%b3%d8%b7/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M