توظيف مكاسب اللحظة الراهنة.. لماذا قرر أردوغان تقديم موعد الانتخابات؟

ماري ماهر

 

أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 22 يناير الماضي، تبكير موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقرر انعقادها خلال العام الجاري ليصبح يوم 14 مايو المقبل بدلًا عن يوم 18 يونيو، مستخدمًا بذلك صلاحياته الدستورية بموجب الاختصاصات المخولة له في ظل النظام الرئاسي المعمول به، ومنهيًا بذلك حالة الجدل والتكهنات التي أثارتها وسائل الإعلام التركية بشأن اعتزام أردوغان إجراء انتخابات مبكرة حسبما ألمح مسؤولون بحزب العدالة والتنمية، ولتبقى الخطوة الأخيرة تقديم طلب رسمي لتغيير تاريخ الانتخابات إلى المجلس الأعلى للانتخابات في 10 مارس، وموافقة مجلس الأمن القومي، وهي خطوات بروتوكولية مضمون نتائجها، وبذلك يستعد الرئيس التركي وحزبه لانتخابات مهمة وحاسمة.

دوافع التقديم

اجتمعت جملة من العوامل التي حفزت قرار الرئيس التركي بتقديم موعد الانتخابات شهرًا، نذكر منها:

1. الالتفاف على القيود الدستورية: تحدد المادة 101 من الدستور التركي فترة الرئاسة بخمس سنوات مع إمكانية انتخاب المرشح لفترتين كحد أقصى، وقد استنفد أردوغان الفرصتين المسموحتين بموجب الدستور عندما تم انتخابه رئيسًا للمرة الأولى في أغسطس 2014 وأُعيد انتخابه خلال انتخابات يونيو 2018 المبكرة، وبالتالي فإنه نظريًا لا يحق له الترشح مجددًا وإجراء الانتخابات في موعدها سوف يثير مناقشات بشأن أهلية أردوغان للترشح لولاية رئاسية ثالثة، لكن هناك مسار وحيد يُمكن من خلاله إيجاد مصوغ دستوري لتجديد ولاية أردوغان وهو عقد انتخابات مبكرة، فبموجب المادة 116 من الدستور إذا قرر البرلمان بأغلبية ثلاثة أخماس الدعوة إلى انتخابات مبكرة فهذا يعني أن الولاية الحالية لرئيس الجمهورية غير محسوبة وأنه يمكن أن يترشح لولاية أخرى إذا كانت ولايته هي الثانية. ولما كان تحالف الشعب الحاكم لا يتمتع بأغلبية ثلاثة أخماس – فالأحزاب الثلاثة لديها 335 مقعدًا من أصل 600 ما يعني الحاجة لـ 35 صوتًا لبلوغ أغلبية 360 صوتًا المطلوبة – فإن الخيار الوحيد أمام أردوغان هو اتخاذ القرار بناءً على صلاحياته.

2. استغلال تحسن مؤشرات الاقتصاد: ستسمح الانتخابات المبكرة للائتلاف الحاكم بالاستفادة من الآثار الإيجابية للانتعاش الاقتصادي، بما في ذلك تدفق رأس المال الأجنبي في الأشهر الأخيرة، وانخفاض التضخم على المدى القصير حيث سجل 57.7% خلال يناير 2023 نزولًا من 64% قبل شهر واحد، وإدخال برامج اجتماعية طموحة مثل رفع الحد الأدنى للأجور بنسبة 55% إلى 8500 ليرة شهريًا (453 دولارًا)، ورفع رواتب موظفي الخدمة المدنية العاملون ومعاشاتهم التقاعدية بنسبة 30%، وزيادة دعم الوقود والكهرباء والغاز الطبيعي، وإلغاء قاعدة سن التقاعد مما سمح لأكثر من مليوني تركي بالتقاعد على الفور، وإسقاط الديون، وكلما تأخر موعد الانتخابات كلما كانت هذه القرارات أقل فائدة وتأثيرًا حيث ستفقد الزيادة في الرواتب والمعاشات تأثيرها في غضون بضعة أشهر في مواجهة ارتفاع تكاليف المعيشة.

3. استدعاء المدلولات التاريخية: يوافق يوم 14 مايو الذكرى الثالثة والسبعين لفوز عدنان مندريس، أيقونة اليمين المحافظ، على رأس الحزب الديمقراطي الذي أسسه عام 1946 بعد انشقاقه عن حزب أتاتورك، خلال أول انتخابات حرة في تركيا عام 1950، ليصبح أول رئيس وزراء ينتصر على الكماليين في انتخابات حرة ويضع بذلك حدًا لثلاثة عقود من حكم حزب الشعب الجهوري العلماني الذي أسسه مصطفى كمال أتاتورك، ويبعث أردوغان – الذي لطالما شبه نفسه بمندريس، واستخدم العبارات الرنانة والمفاهيم التي استخدمها الحزب الديمقراطي مثل تحقيق الرخاء لسكان الريف المتدينين واحترام القيم الدينية للبلاد وتمكين الناس – برسالة إلى قاعدة الانتخابية القومية المحافظة مفادها استطاعتهم هزيمة حزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيس المنضوي ضمن أحزاب الطاولة السياسية. ففي خطاب أمام برلمانيي حزب العدالة والتنمية يوم 18 يناير، قال أردوغان: “في 14 مايو 1950، قال عدنان مندريس كفى، سيكون للناس كلمتهم، وخرج منتصرًا في صناديق الاقتراع، والشعب التركي سيضع أنصار الانقلاب في مكانهم مرة أخرى، بعد 73 عامًا من انتهاء عهد الحزب الواحد”.

4. ضمان مشاركة شعبية واسعة: يتزامن الموعد السابق للانتخابات مع بعض المواسم السنوية الدينية والدراسية التي يُخشى تأثيرها على إضعاف إقبال الناخبين على صناديق الاقتراع، كونه يتزامن مع عيد الأضحى وموسم الحج السنوي، كما أنه يتزامن مع انتهاء فترة الامتحانات الجامعة وبدء الإجازة الصيفية في 16 يونيو وانطلاق الكثير من الأشخاص إلى مدنهم الأصلية في الريف والقرى لقضاء العطلات، لذلك جاء التأجيل لضمان أوسع نسبة مشاركة ممكنة للناخبين، لاسيمَّا أنه في حال عدم وجود فائز منذ الجولة الأولى، فستعقد جولة ثانية بين المرشحين الأعلى تصويتًا بعد أسبوعين.

5. إرباك المعارضة واستغلال انقساماتها: يسعى أردوغان لتقليل هامش المناورة أمام المعارضة (أحزاب الطاولة السداسية – تحالف العمل والحرية)، بالنظر لعدم تقديمهم مرشحهم الرئاسي التوافقي حتى الآن في ظل الحديث عن خلافات بينيه تُبطئ عملية الاختيار. يضاف إلى ذلك عمليات التضييق بحق المعارضة لتقويض قدرتها على استقطاب قاعدة انتخابية واسعة؛ فقد سبق وحكمت محكمة تركية على رئيس بلدية إسطنبول والمرشح بقوة لمنافسة أردوغان، أكرم إمام أوغلو، بالسجن عامين وسبعة أشهر و15 يومًا بتهمة إهانة أعضاء المجلس الأعلى للانتخابات في قضية قديمة تعود لعام 2019 عندما وصف مسؤولي الهيئة العليا للانتخابات بـالبُلهاء، ويُنذر رفض الاستئناف المُقدم منه بعدم أهليته للترشح خلال الانتخابات المقبلة، وبالتزامن بدأت وزارة الداخلية في قضيتين جنائيتين أخريين ضده بما في ذلك واحدة بتهمة دعم الإرهاب.

كذلك وافقت المحكمة الدستورية في 5 يناير المنصرم، على طلب من المدعي العام لمحكمة النقض بإجراء مؤقت لتجميد الحسابات المصرفية لحزب الشعوب الديمقراطي، والتي تضم أموال من خزينة الدولة يحق للكتل الحزبية السياسية في البرلمان الحصول عليها (باعتباره ثاني أكبر أحزاب المعارضة في البرلمان)، بسبب صلات مزعومة بحزب العمال الكردستاني، بما يحرمه من وسائل تمويل حملته الانتخابية، وبالتوازي يُحاكم 108 من السياسيين الموالين له بتهم تتعلق بالإرهاب، وفي حال إدانتهم يمكن منع المئات من أعضاء الحزب من ممارسة السياسة، وتسعى الحكومة التركية لاستصدار حكم من المحكمة الدستورية بإغلاق الحزب.

6. توظيف تحركات السياسة الخارجية: يُمكن تحليل السياسة الخارجية لتركيا خلال الفترة الأخيرة من عدسة الانتخابات المقبلة، فبالنسبة لأردوغان تعمل السياسية الخارجية – بخلاف وظائفها التقليدية – كأداة لتعظيم الذات وتعزيز المكانة، وبالتالي لا يُمكن قراءة الاتجاه الانفتاحي التصالحي مع منطقة الشرق الأوسط والتحركات المثيرة للجدل تجاه الغرب بعيدًا عن الحسابات السياسية لأردوغان في الانتخابات المقبلة، فعلى سبيل المثال، أتاحت رغبة السويد وفنلندا الانضمام إلى الناتو لأردوغان فرصة لانتزاع التنازلات من كلا البلدين، مقابل الدعم التركي ولإظهار موقفه المتشدد ضد الغرب أمام قاعدته الانتخابية، كما استغل الرئيس التركي المشاعر القومية التي أذكتها التوترات مع اليونان بشأن الحدود البحرية وحقوق التنقيب في شرق المتوسط، والعمليات العسكرية ضد ما تصفه أنقرة بأوكار حزب العمال الكردستاني في كردستان العراق وشمال سوريا، وأيضًا وظف أردوغان الحرب الروسية الأوكرانية لتوسيع نفوذه بإظهار بلده باللاعب الرئيس الذي يستعد الطرفان المتحاربان وحلفائهم الدوليين للتحدث معه، كذلك أتاحت الخطوات التي حققتها أنقرة نحو إنهاء التوترات مع المنطقة العربية تخفيف حدة الأزمة الاقتصادية عن طريق ضمان تدفق الاستثمارات والودائع وتعزيز التبادلات التجارية، وولدت رغبة أردوغان في التقارب مع الحكومة السورية بيئة مواتية لإعادة اللاجئين السوريين. ونجد أن المعارضة تماهت مع معظم تصريحات أردوغان الأخيرة المتعلقة بالسياسة الخارجية، سواء كانت بشأن منطقة بحر إيجة والبحر المتوسط ​​أو الولايات المتحدة وسوريا والأكراد، ولم تطعن في تحولات العلاقات مع دول الشرق الأوسط مثل مصر والسعودية والإمارات وإسرائيل، أو العلاقات الحميمة مع روسيا.

خريطة التحالفات الانتخابية

يُمكن بلورة المشهد الانتخابي التركي ضمن ثلاثة تحالفات رئيسة هم تحالف الشعب، وتحالف الأمة، وتحالف العمل والحرية، وفيما يلي نبين ملامح تلك التحالفات:

• تحالف الشعب الحاكم: يتكون بشكل رئيس من حزبي العدالة والتنمية وشريكه الأصغر في الحكومة الحركة القومية اليميني، ورغم إظهار نتائج استطلاعات الرأي التي جرت على مدار العام الماضي انخفاض شعبيته، أظهرت نسخها الأحدث نجاحه في سد الفجوة لصالح تحالف الشعب المعارض محققًا نحو 44% من التأييد. ويمتلك التحالف العديد من المزايا الانتخابية أهمها قدرته على توظيف موارد ومقدرات الدولة في الحملة الانتخابية، والوصول بشكل أفضل لوسائل الإعلام، والاستفادة من مميزات النظام الرئاسي التي تجعل الرئيس معفيًا من القواعد التي تحظر على الوزراء وأعضاء البرلمان استخدام موارد الدولة أثناء جولات الحملة الانتخابية، وتوظيف نجاحات السياسة الخارجية الأخيرة.

• تحالف الأمة (الطاولة السداسية): يضم أحزاب الشعب الجمهوري والجيد والسعادة والديمقراطية والتقدم والمستقبل والديموقراطي، ولا يزال مرشحهم الرئاسي غير معروف. وكانت الترشيحات المحتملة تدور بين ثلاثة أسماء؛

– الأول، أكرم إمام أوغلو وهو يتمتع بقبول بين الجماعات الكردية والسنية والعلوية والناخبين من جميع الفئات العمرية، كونه يظهر كرئيس بلدية ديمقراطي اجتماعي معتدل استطاع تقديم العديد من المشروعات التنموية لإسطنبول ذات الثقل الاقتصادي والديموغرافي الكبير، ويمتلك خلفية سياسية كرئيس لبلدية بيليك دوزو ثم إسطنبول، وهي خلفية مشابهة لخلفية أردوغان، لكن استمرار القضية المثارة ضده تقوض فرص ترشحه.

– الثاني، منصور يافاش رئيس بلدية أنقرة، ويحظى بدعم الناخبين القوميين واليمينيين نظرًا لامتناعه عن التعليق على القضايا الخلافية مع العدالة والتنمية وإبقاء نفسه فوق الصراع السياسي، وكونه عضوًا سابقًا في حزب الحركة القومية، وحفاظه على مسافة من حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد، لكنه لا يحظى بدعم حزب الشعوب الديمقراطي كمرشح مشترك للمعارضة.

– الثالث، كمال كيليجدار أوغلو رئيس حزب الشعب الجمهوري، ويريد ترشيح نفسه رغم إظهار استطلاعات الرأي عدم قدرته على الإطاحة بأردوغان وتراجع فرص انتخابه لعدة أسباب منها؛ انتماؤه للأقلية الدينية العلوية ما يجعله مرشحًا غير مفضل للناخبين السنة، وقد استغل أردوغان في الماضي الخلفية الدينية لكيليجدار أوغلو لتحفيز الناخبين المحافظين ضد حزب الشعب الجمهوري، وعدم فوزه قبلًا بأي انتخابات، وافتقاره إلى الخبرة في مجالات الاقتصاد والسياسة الخارجية والقانون، وفشله في وضع أجندة سياسية شاملة أو فريق سياسي قوي، وبالتالي فهو غير قادر على اجتذاب كتلة مرجحة من القاعدة الشعبية لحزب العدالة والتنمية. ومع ذلك، تجلت تطلعات كيليجدار الرئاسية بعد الحكم الصادر بحق إمام أوغلو، عندما أعلن صراحةً تفضيله بقاء رئيس بلدية إسطنبول في منصبه، وموافقته على خوض الانتخابات الرئاسية لعام 2023 كمرشح وحيد من تحالف المعارضة.

ولم يتفق التحالف على مرشح توافقي لعدة أسباب أهمها؛ شعور الأحزاب الصغيرة في التحالف بالقلق من التهميش بعد الانتخابات المقبلة، وبالتالي التردد بشأن الاستقرار على أحد المرشحين، والخلافات بشأن التنسيق أو التواصل مع حزب الشعوب الديموقراطي بسبب الموقف المتشدد لحزب الجيد. ويبدو حتى الآن ضعف قدرة التحالف على تنظيم حملة فعالة لجذب الناخبين المحبطين من ملفات إدارة الاقتصاد واللاجئين، فقد قدم التحالف برنامجًا يمتد إلى 2300 نقطة، تشمل الإصلاح السياسي والإدارة العامة والقانون والعدالة ومكافحة الفساد والتوظيف والسياسة الاجتماعية والتعليم والعلوم والتكنولوجيا والسياسة الخارجية والأمن، ويتمحور البرنامج بشكل رئيس حول العودة للنظام البرلماني وتعزيز ضمانات تداول السلطة واستقلال القضاء وإنشاء آليات رقابة على النفقات العامة، وجعل قانون الموازنة خاضعًا لتدقيق برلماني قوي، لكن دون إبراز آليات تنفيذية واضحة أو تحديد مصادر مالية لتمويله، مع وجود تباينات بشأن سُبل معالجة المشكلات القائمة، فيبدو أن كل طرف من أحزاب الطاولة السداسية لديه أجندة خاصة به فيما يتعلق بالمخرج من الأزمة الاقتصادية ومشكلة اللاجئين، وكل حزب يتناول قضايا إعادة استقلال البنك المركزي ومحاربة المحسوبية والفساد على حدة.

علاوة على استمرار الخلافات بشأن القضية، حيث تتبنى بعض الأطراف داخل تحالف الأمة موقفًا متشددًا من التواصل أو التنسيق أو التحالف مع حزب الشعوب الديموقراطي خشية اتهامه بالعمل مع حزب العمال الكردستاني، وذلك رغم قدرته على تأمين حوالي 12% من الأصوات ما يجعله مصدر قوة كبير لأي تحالف أو مشرح. إلى جانب العوامل الخارجية المتمثلة على سبيل المثال في مشروع قانون التضليل الإعلامي الذي تم إقراره في أكتوبر 2022، ويجرم نشر المعلومات المضللة على النحو المحدد من قبل الحكومة، مع إقرار أحكام بالسجن تصل إلى أربع وخمس سنوات حال نشر معلومات غير دقيقة، بغرض خلق الخوف والذعر أو الإخلال بالأمن الداخلي والخارجي لتركيا أو النظام العام أو الصحة العامة، وتخشى المعارضة توظيفه ضدها. وظهور حزب جديد مناهض للاجئين (حزب النصر) مما قد يتسبب في تفتيت الأصوات.

وبالتالي فإن التحالف السداسي يحتاج خلال المرحلة المقبلة إلى تجاوز الخلافات الأيديولوجية والتباينات السياسية، وتسمية مرشح مشترك يمتلك سمات شخصية وتنفيذية تؤهله لاستقطاب قاعدة جماهيرية عريضة وإقناع الناخبين المترددين والمقاطعين بالتصويت له، وامتلاك القدرة على اجتذاب بعض المؤيدين لتحالف الشعب لضمان منافسة حقيقية لأردوغان وتحالفه الانتخابي، فضلًا عن إيجاد وسائل دعائية مبتكرة توظف جميع القنوات الممكنة لتعبئة الجماهير خلف هذا المرشح المشترك.

• تحالف العمل والحرية: يأخذ طابع يساري ويضم ستة أحزاب، هم حزب الشعوب الديمقراطي، وحزب العمال التركي، وحزب الحركة العمالية، وحزب العمل، وحزب الحرية الاجتماعية، واتحاد المجالس الاشتراكية. ويدعو التحالف في برنامجه المكون من 12 صفحة إلى تبني نظام اقتصادي يعمل فيه الناس ويعيشون فيه بشكل إنساني، والتأكيد على بناء نظام ديمقراطي يقوم على حكم الشعب، وإيجاد حل سلمي وديمقراطي للقضية الكردية، وصيانة قيم العدالة والمساواة، وضمان حرية للمرأة، وتقديم الدعم لذوي الإعاقة والفئات المحرومة، وحماية الطبيعة والبيئة والأصول الثقافية، وتحسين ظروف العمل والمعيشة للعمال والجماهير. ويتعهد التحالف بوقف الزيادات في الأسعار والسعي إلى برنامج اقتصادي يقضي على الفقر، وإطلاق “برنامج الحقوق الاجتماعية” يتم بموجبه توفير الكهرباء والغاز والمياه والإنترنت مجانًا للأشخاص الذين يقل دخلهم الشهري عن خط الفقر، واتخاذ خطوات عاجلة لتأميم شبكات الطاقة والنقل وكذلك قطاعي الصحة والتعليم. ومع ذلك، يمتنع التحالف عن التحدث علانية بشأن قضية اللاجئين، نظرًا لانعدام الثقة على نطاق واسع في السوريين الذين غالبًا ما يُتهمون بالتعاطف مع الجماعات الإسلامية، وبسبب اهتمام اليسار التركي بالقضايا المحلية، ويتناول برنامجه الانتخابي تلك القضية بإيجاز عن طريق الدعوة لإحلال السلام في المنطقة من أجل ضمان عودة طالبي اللجوء مع احترام رغبة الراغبين في البقاء.

ولم يقدم التحالف حتى الآن مرشحه الرئاسي لكن من غير المتصور أن يُمثل تهديدًا لأردوغان، بل على العكس سيساهم هذا في تفتيت أصوات المعارضة بين تحالف الأمة وتحالف العمل والحرية، لكن الأخير قادر على إحراز تمثيل جيد داخل البرلمان بنسبة تمثل إزعاجًا لأحزاب تحالف الشعب على غرار تجربة انتخابات 2015، عندما دخل تحالف الأحزاب اليسارية والكردية البرلمان التركي لأول مرة بنسبة 13% مسببًا خسارة الأغلبية البرلمانية المطلقة لحزب العدالة والتنمية.

ختامًا، تظهر خريطة التحالفات الانتخابية وجود تحديات أمام قدرة المعارضة على الإطاحة بحزب العدالة والتنمية وزعيمه رجب طيب أردوغان بشكل كامل خلال الانتخابات المقبلة، لكنها قادرة على وضع عراقيل أمام فوزه السهل وحرمان التحالف الحاكم من الأغلبية اللازمة لتشكيل حكومة بمفرده. ورغم إظهار استطلاعات الرأي الحديثة ارتفاع شعبية أردوغان إلى أعلى مستوياتها خلال العامين المنصرمين مسجلة ما يتراوح بين 40% و42%، إلا أنه لا يمكن إغفال تأثيرات متغير الزلزال الذي ضرب المناطق الجنوبية من البلاد في 6 فبراير الجاري مخلفًا واحدة من أكبر الكوارث الإنسانية في البلاد بما يربو على 29 ألف قتيل حتى اللحظة وعشرات الالاف من المصابين ومليارات الخسائر المادية، على المستقبل السياسي للرئيس التركي الذي تعرض لانتقادات بشأن عدم الاستعداد الجيد لمثل هذه الكوارث الطبيعية المتوقعة، وممارسات البناء الفاسدة ذات الجودة الرديئة، وعدم وجود صندوق لمواجهة الزلازل، وبطء عمليات الإغاثة، وهو المتغير الذي سيلقي بثقلة على المشهد السياسي والانتخابي التركي خلال المرحلة المقبلة، وسيكون موضوعًا للتوظيف والتوظيف المضاد من قبل الحكومة والمعارضة على السواء.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/75518/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M