حكم القانون في العالم

محمد عبد الجبار الشبوط

 

اظهر مؤشر العدالة لعام ٢٠٢٠ ان حوالي ثلثي دول العالم تشهد حكم القانون rule of law، وحكم القانون هو احد الركائز الخمسة للدولة الحضارية الحديثة. وهذه الركائز هي: المواطنة، الديمقراطية، حكم القانون، المؤسسات، والعلم الحديث، ويضم مؤشر حكم القانون حوالي ٤٤ معيارا مصنفة الى ثمانية عناوين رئيسية.

وشمل المؤشر ١٢٨ دولة ليس من بينها العراق. وتم ترتيب الدول في ضوء درجة النجاح التي حازت عليها (من ١٠٠). ونجحت ٨٢ دولة، في حين فشلت ٣٦ دولة. وقمت بتصنيف الدول الناحجة على اساس درجاتها الى ممتاز (من ١٠٠ الى ٨٠/ ١١ دولة)، وجيد (من ٧٩ الى ٧٠/ ١٢ دولة) ومتوسط (من ٦٩ الى ٦٠/ ٢٠ دولة)، و ناجح (من ٥٩ الى ٥٠/ ٣٨ دولة)، وراسب (من ٤٩ الى صفر/ ٣٦ دولة).

والدول الممتازة هي: الدانمارك، النرويج، فنلندا، السويد، هولندا، المانيا، نيوزيلندا، النمسا، كندا، استونيا، واخيرا استراليا.

والدول الناجحة، بدرجاتها المختلفة، تمثل مستويات متعددة للدولة الحضارية الحديثة، علما ان اعلى درجة تم تحقيقها هي ٩٠، ما يعني اننا لا نتحدث عن دولة حضارية حديثة كاملة، وانما عن تدرجات في تجسيد قيم الدولة الحضارية الحديثة الحافة بالمركب الحضاري وعناصره الخمسة، اي: الانسان والطبيعة والزمن والعلم والعمل.

ويلاحظ ان اغلب الدول الممتازة يتكرر اسمها في المؤشرات الاخرى مثل: السعادة والحرية والديمقراطية وتماسك الدولة والحد الاقصى المتوقع للعمر وعدد وفيات الاطفال عند الولادة وغير ذلك.

وتؤكد هذه المؤشرات على الفرضية التي ذكرتها عدة مرات وهي ان البشرية تتحرك بنحو تكاملي وتصاعدي مستمر نحو القيم العليا الحافة بالمركب الحضاري، ومنه نفهم ان البشرية “تجري لمستقر لها” هو الدولة الحضارية الحديثة.

وهذا ما يشكل اتجاها تاريخيا عاما، او سنة تاريخية من النوع الثالث، حسب تصنيف السيد محمد باقر الصدر. والملاحظ ان التباينات في القيم الحضارية للمجتمعات البشرية اخذة بالتقلص الى الدرجة التي تسمح لنا بتوقع المآل الاخير لهذه القيم، وهو التوحد في منظومة قيم واحدة مشتركة، مما قد يسارع البعض الى استخدام مصطلح “عولمة القيم الحضارية”، وهذا ما لا احبذه بسبب ما لحق مصطلح “العولمة” من تداعيات ودلالات سلبية غير مندرجة في مفهوم القيم الحضارية العليا.

ومن المفيد ان اذكر ان هذه القيم تبلورت وتكاملت عبر مسيرة البشرية التاريخية الطويلة على يد الانبياء في البداية ثم على يد المفكرين والفلاسفة والمصلحين. واليوم، ونحن في موقع متقدم من تكامل القيم، نستطيع ان نقول ان الفجوة بين ما يسمى بالقيم الدينية والقيم الوضعية تضاءلت الى ادنى درجة لها منذ عصر النبي نوح (المعروف في التراث السومري والاكدي القديم باسم اتنوبشتم، و زيوسدرا، وهي اسماء اكتشف الباحث سامي البدري انها تعني: الذي طالت ايامه) الى الان. وهذا ما يجعلنا نتفاءل بمستقبل افضل ترتفع فيه الثنائيات المستقطبة بين البشر، بني ادم.

ومعرفتنا، كعراقيين، بهذه الحقيقة التاريخية، تفيدنا من نواح شتى. سوف نفهم ان حالة المجتمع العراقي الحالية غير السعيدة ليست حالة “مزمنة”، انما هي حالة طارئة باعتبارين، الاعتبار الاول: التاريخ القديم لمنطقة بلاد الرافدين التي شهدت ولادة اول حضارة في التاريخ، ما يعني ان المجتمع العراقي ليس من المجتمعات الواقعة خارج حركة التاريخ مثل بعض المجتمعات “البدائية” في استراليا وافريقيا واميركا الحنوبية. والاعتبار الثاني، وبناء على الاعتبار الاول، فان حركة التاريخ باتجاه الدولة الحضارية الحديثة على الصعيد العالمي سوف تصل الى العراق ايضا، ولن يكون المجتمع العراقي حالة استثنائية.

لا اريد من هذا الكلام الترويج لامل كاذب، وانما استهدف حث العراقيين على عقد العزيمة والارادة للتحرك صوب اقامة الدولة الحضارية الحديثة وحشد مقومات ومستلزمات اقامتها.

 

رابط المصدر:

https://annabaa.org/arabic/authorsarticles/23676

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M