خرافات «إسرائيل»: الافتراض الشائع والحقيقة التاريخية

ياسمين قعيق

 

محاذيرُ حدّ السيف دقّتها، برّاقة في عناوينها، خبيثة في تفاصيلها، فوضى توظيفها السياسي يوقع في المحظور حتمًا، يُشتّت الحقائق يُمزّقها، ويُضلّل الوقائع بفعل العبث بتاريخها فيُبيدُه.

هذه هي الحال مع فلسطين وقضاياها المتشظيّة، وحال مقاربة ما جرى على فلسطين عام 1948 ولا يزال يجري حتى اليوم، دون ذلك إطاحة للمسائل القانونية والسياسية والاجتماعية وحتى الثقافية، من إنشاء «إسرائيل» وإشكالية وجودها وحدودها واحتلالها المتواصل واستفحال سياساتها الاستيطانية والعنصرية، إشكالية خلق مشكلة اللاجئين فضلًا عن ملف عودتهم إلى بلدهم والبحث يطول وتتداخل عناصره وتتشابك.

تستبدّ الرواية الصهيونية والإسرائيلية بتفاصيل الرواية الفلسطينية بُنيةً وحبكةً، فتُصيب الحقيقة بالتشويه وتُحيلها على التهويد. وكأنّه، أيضًا، لم يكن ينقص سوى محاولات بعض العرب ابتلاع السردية الصهيونية عن فلسطين ونشرها وتبنّيها كذلك. بل ذهب بعضهم إلى إحياء ذكرى «الهولوكوست» وإقامة متاحف لذلك، فضلًا عن إدراجهم «الهولوكوست» في المناهج الدراسية الرسمية بوصف الأمر «ضرورة للبشرية»، بينما في المقابل، يكاد يختفي لديهم ذكر الجرائم الإسرائيلية المتواصلة بحق فلسطين ويتمّ تجاهل آلام الفلسطينيين ومعاناتهم[1]. يوم الخامس عشر من أيار/مايو 2023، أقام «المجتمع الدولي» ممثّلًا بالجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، احتفالات إحياء للذكرى الخامسة والسبعين لنكبة فلسطين، وذلك أول مرة في التاريخ[2]. وهو المحفل نفسه، للمُفارقة، الذي «شرعن» احتلال فلسطين وأصدر بحقها قرار التقسيم الرقم 181 عام 1947.

على الرغم من أنّ الفعالية توصف بأنّها «عالية المستوى»، فإنّ دونها، ولا شكّ، إشكاليّات جوهرية تصبّ في أصل الصراع، وعلى رأسها «صراع الرواية التاريخية». فالهوّة ما زالت عميقة جدًا بين ما جرى في فلسطين في عام 1948 فعلًا، ولا يزال يجري حتى اليوم، وبين الصورة المرسومة في أذهان الناس التي تروّجها «إسرائيل» ورعاتها وداعميها حول العالم على مدار العقود المنصرمة.

ولأنّه ليس لجنون العظمة والهوس من حدود، احتجّت «إسرائيل» عبر مندوبها الدائم في الأمم المتحدة، جلعاد أردان، على تحديد يوم 15 أيار/مايو كيوم تُحيي فيه المنظّمة الدولية مرور 75 عامًا على النكبة، قائلًا: «أوقفوا هذا الجنون، نصوّت على قرارات ضدّ إسرائيل تشوّه الواقع والتاريخ وتشمل فعالية عالية المستوى ولن تكون احتفالات باستقلال إسرائيل بل ستكون إحياء لذكرى ما يُسمّى النكبة، متّهمًا الفلسطينيين بالتسبّب في نكبتهم»[3].

المثير للسخرية أنّ «الفعالية الأممية» تتزامن مع احتفالات ما تدّعيه وتزعمه «إسرائيل» بأنّه يوم «استقلالها». وهو تزامنٌ نظيرٌ لآخر، يجمع بين ذكرى التقسيم والتضامن مع فلسطين. وما التزامن المُفتعل الذي اعتمدته الأمم المتحدة بإعلان يوم التاسع والعشرين من شهر تشرين الثاني/نوفمبر، يومًا عالميًا للتضامن مع الشعب الفلسطيني بُعيد إصدارها قرار تقسيم فلسطين، إلاّ جزء لا يتجزأ من عملية التلاعب بالتاريخ وتشويه الذاكرة الجمعية.

في الواقع، ليس هناك من «ذكرى» للنكبة، فهي «بُنية» مستمرة ولم تقف عند أعتاب عام 1948، بل هي تزداد وحشية في استبدادها على مفاصل حياة الفلسطينيين أصحاب الحقّ والأرض يومًا بعد يوم. وبالتالي، سيكون من البديهي أن لا يرقى «الاحتفال الأممي» إلى مُحاكاة حقيقية لما جرى على أرض فلسطين عام 1948. فـ«النكبة»، حتى وفقًا لما كشفته الأرشيفات الصهيونية والإسرائيلية التي وُضعت السرّية عنها، هي اصطلاح مخفّف نظرًا إلى ما ارتكبته الحركة الصهيونية ومن ثمّ حكومة «إسرائيل» من جرائم تطهير عِرقي ممنهجة بحق الشعب الفلسطيني وعملية اجتثاث للسكان الأصليين. جرائم تُحاكي في حيثياتها جرائم الاستعمار القائم على مبدأ أنّ «المستعمر المستوطن جاء ليبقى، والاستعمار الاستيطاني لا ينتهي».

إحياء «ذكرى النكبة» بات لزامًا موجبًا، والتحرّك في الأروقة الدولية لإلزام «المجتمع الدولي» عبر «أممه المتحدة» بتبنّي قرار يقضي بتجريم من يُنكر وينفي جريمة التطهير العرقي في فلسطين، أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى، ولو أنّ الأمر متأخّر بطبيعة الحال. أفلم تنجح الجهود الإسرائيلية باستصدار قرار أممي يُجرّم إنكار «الهولوكوست» العام الماضي[4]. وقبله بإسقاط صفة العنصرية عن الصهيونية[5]، رغم أنّ الأمم المتحدة هي صاحبة التصنيف!! مع التحفّظ عن الفرق الشاسع بين «الهولوكوست» و«النكبة» كحدثين. غير أنّ الإشارة إلى الأمر تأتي من مبدأ إقرار حصول «اضطهاد» و«إبادة» بحق «شعب»، فلسطين، ولا سيما أنّ «النكبة» لا تزال مستمرة على مرأى من أنظار العالم وأسماعه.

فأيّ الروايات التاريخية سيعتمدها المحفل الدولي في إحيائه لذكرى النكبة… وإلى أيّ مدى ستمثّل الفعالية اعترافًا حقيقيًا بالنكبة مع ما يستدعيه ذلك من إحقاق فعلي لمبادئ المنظمة الدولية من «سلام» و«إنصاف» و«عدالة»! بل أكثر، هل سيجرؤ المحفل على المجاهرة بأنّ «إسرائيل» هي من نكّلت بأبناء فلسطين ورحّلتهم عن أرضهم وتسبّبت في نكبتهم، ولا تزال!! وماذا عن استمرار الاحتلال الإسرائيلي المتواصل منذ 75 عامًا وتغوّل سياساته الاستيطانية والعنصرية، وأيّ «فتاوى» قانونية يُمكن أن تجد سبيلها لحلّ هذا الاحتلال وتفكيكه!!

حتمًا، لا يمكن الاعتماد أو الاستناد إلى قرار أممي بأنّه يُنصف فلسطين، لمجرد أن طلبت، مؤخرًا، الجمعية العامة للأمم المتحدة من محكمة العدل الدولية تقديم رأي استشاري حول التبعات القانونية «للاحتلال الإسرائيلي والاستيطان والضم… بما في ذلك الإجراءات التي تهدف إلى تغيير التركيبة الديمغرافية ووضع مدينة القدس واعتماد إسرائيل تشريعات وإجراءات تمييزية لتكريس هذه السياسة»[6]. ولا يُخفى على أحد، أنّ قرارات الأمم المتحدة في هذا الشأن هي غير مُلزمة لأيّ من الدول أعضاء المنظّمة، ولا هي مُلزمة لها حتّى، أي إنّ المنظمة نفسها «حِلٌّ» من قراراتها.

من الطبيعي أنّ يستفزّ «الطلب» السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة، جلعاد إردان، الذي وصل إلى حدّ كيل الاتهامات بحق المنظّمة التي التزمت الصمت ولم تدافع عن نفسها حتى، حيث قال إنّه «لا يمكن لأيّ هيئة دولية أن تقرّر أنّ الشعب اليهودي «شعب محتل» في وطنه. وإنّ أيّ قرار من هيئة قضائية تتلقّى تفويضها من الأمم المتحدة المفلسة أخلاقيًا والمسيّسة هو قرار غير شرعي تمامًا»[7].

كلام «إردان»، وما يعكسه من صلفٍ هو ليس بحق فلسطين فقط بل بحقّ المنظمة نفسها، غير أنّه لا يخرج عن سياق ما تدّعيه الرواية الصهيونية والإسرائيلية. بل يأتي في صلب «خرافات» و«أساطير» تأسيسية لكيان الاحتلال، عملت الحركة الصهيونية ومن ثمّ «إسرائيل» على نسجها وتلفيق دراسات وأبحاث من أجل إرساء مزاعمهم وادّعاءاتهم وتعزيز رواياتهم وترويجها، حتى باتت وكأنّها «حقيقة».

الروايتان التاريخيتان الرسميتان الفلسطينية والإسرائيلية في شأن فلسطين، وتحديدًا في ما حدث فيها عام 1948، تتناقضان إلى حدٍّ يتجاوز صدام الحق والباطل، أيّ أنهما تصادميتان، والدليل القاطع هو الدماء الفلسطينية التي يستمر نهرها في التدفّق منذ عام 1948 من دون توقّف. والروايتان تتجاهلان، في أساس حبكتهما، حصول «تطهير عرقي» ممنهج بحق الشعب الفلسطيني، على سبيل المثال لا الحصر. وبينما تدّعي الرواية الصهيونية/ الإسرائيلية وتزعم مُزيّفةً التاريخ، أنّ فلسطين كانت أرضًا خالية حين صدر وعد بلفور، وأن الفلسطينيين غادروا أراضيهم عام 1948 «طوعًا» وليس بفعل الترهيب الصهيوني. على سبيل المثال لا الحصر، تؤكّد الرواية الفلسطينية، والحقائق التاريخية تُثبت، أنّ الشعب الفلسطيني هو صاحب الأرض وما جرى بحقهم على أيدي المنظمات الصهيونية الإرهابية/ وإسرائيل في عام 1948 هو «نكبة» حلّت بهم، شرّدتهم وسلبت حقوقهم ولا تزال.

وما الادّعاءات الصهيونية والإسرائيلية «المحبوكة» على أكثر من صعيد، إلاّ «أساطير» عبثت، ولا تزال تعبث، بحقائق التاريخ والجغرافيا والديمغرافيا على حدّ سواء، تهوّد المعرفة وتلوي عنق التاريخ. وهذا ما يُحيلنا على مقاربة أبرز عناوين تلك «الأساطير» انطلاقًا من كتاب المؤرّخ الإسرائيلي إيلان بابيه المهمّ والمعنوَن عشر خرافات عن إسرائيل.

أولًا: عشر خرافات عن إسرائيل

يُقدّم كتاب عشر خرافات عن إسرائيل مقاربة استقصائية تاريخية- سياسية بحتة، يتصدّى المؤرّخ الإسرائيلي إيلان بابيه فيها لخرافات تأسيسية أو جملة خرافات شائعة تتعلّق بالصراع العربي – الإسرائيلي. وتبدو الخرافات، وفق بابيه، في الخطاب الإسرائيلي السائد في ثوابت غير قابلة للطعن، لتمثّل الأساس الذي تستند إليه ممارسات دولة الاحتلال في تكريس سياساتها الاستيطانية الاجتثاثية القائمة على طرد سكان البلاد الأصليين، أي الشعب الفلسطيني، ومواصلة ممارساتها العنصرية بحقهم.

الفكرة الأساسية التي تجمع أجزاء الكتاب هي المقارنة بين الافتراض الشائع والحقيقة التاريخية. فمن خلال وضع كل خرافة مقابل الحقيقة، يكشف كل فصل عن مَواطن الضعف في ما هو شائع عبر استقصاء أحدث ما توصّل إليه البحث التاريخي [8].

بطبيعة الحال، الكتاب موّجه بالدرجة الأولى إلى «الجمهور» الإسرائيلي، لا إلى الجمهور الفلسطيني والعربي تحديدًا، وإن كان لمادّته أهمية لا يُستهان بها وتخدم قضايانا المحقّة وتُظهر تأكيدًا لروايتنا التي أثخنها التضليل والطمس الممنهج لحقائقها. فليس الهدف مما يُقدمّه المؤرخون الإسرائيليون الجُدد، و«بابيه» واحد منهم، إنصاف الفلسطينيين تحديدًا، وإن رسموا في كتاباتهم صورة أكثر واقعية من الرواية الإسرائيلية الرسمية، وإن كانت رواياتهم تقترب إلى حدّ ما من الرواية الفلسطينية لوقائع حرب 1948، وتُبيّن أنّ المطامع الصهيونية قد تمّ تحقيقها على حساب السكان الأصليين الفلسطينيين، وتمّ طردهم وترحيلهم. فـ«بابيه» واضح في ختام دراسته في قوله إنّ «من شأن نقاش بشأن المستقبل، متحرّر من الخرافات العشر عن إسرائيل، أن يساعد ليس فقط على إحلال «السلام» لـ«إسرائيل» وفلسطين، بل سيساعد أيضًا أوروبا على التوصل إلى خاتمة مناسبة وضرورية لفظائع الحرب العالمية الثانية والحقبة المظلمة للكولونيالية». وأمّا التركيز المتكرّر على «الحقّ الأخلاقي» للفلسطينيين، في كتابات المؤرخين الجدد، إنّما يصبّ في مصلحة البحث عن حلّ يُرضي الغطرسة الصهيونية والإسرائيلية وضمان وجود «إسرائيل»، ولا يهدف إلى زوال «الاستعمار» الإسرائيلي عن أرض فلسطين، ولا حتى إرجاع الحقّ إلى الفلسطينيين. بل إنّ الدعوة إلى استخدام كلمة «الاستعمار» بدلًا من «الاحتلال» يحمل في طيّاته رمزية «الأبدية» لـ«إسرائيل» وأنّها «لا تُهزم»، وبما أن «الشيطان» يكمن في التفاصيل، لا بُدّ من التدقيق بكثير من المصطلحات المتداولة في الشأن، لما تحمله من انعكاسات على مستوى «الحلّ» و«المواجهة».

1 – فلسطين كانت أرضًا خالية

يرسم الفصل الأول خريطة فلسطين عشية وصول الصهيونية في أواخر القرن التاسع عشر. وتصوِّر الخرافة فلسطين بوصفها أرضًا خالية، قاحلة، أشبه بصحراء، قام الصهاينة الذين وصلوا إليها بزراعتها. أمّا الحجة المضادة فتكشف عن وجود مجتمع مزدهر في ما مضى كان يشهد عمليات متسارعة من التحديث وبلورة النزعة القومية.

بعد تفنيد الرواية الإسرائيلية، يؤكّد «بابيه» أنّ فلسطين لم تكن أرضًا خالية. بل مثّلت جزءًا من عالم شرق البحر المتوسط الغني والخصب الذي شهد في القرن التاسع عشر عمليات تحديث إلى جانب بروز نزعة قومية فيه. لم تكن فلسطين صحراء تنتظر أن تزدهر، بل كانت بلدًا ريفيًا على وشك دخول القرن العشرين كمجتمع حديث، بكل ما ينطوي عليه هذا التحوّل من إيجابيات وسلبيات. وقد أدّى استعمار فلسطين من جانب الحركة الصهيونية إلى تحويل هذه العملية إلى كارثة بالنسبة إلى السكان الأصليين الذين يعيشون هناك.

من دواعي السخرية، أنّ الصورة المفبركة، بوصف فلسطين أرضًا خالية قاحلة، التي يروّج لها موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية الرسمي [9]، وفق بابيه، أن مؤلفّي هذه الرواية لم يعتمدوا على الدراسات البحثية الإسرائيلية. فمعظم الباحثين الإسرائيليين، من بينهم دايفيد غروسمان، وأمنون كوهن، ويهوشع بن آريه، تظهر أبحاثهم أنّ فلسطين، على مدى قرون، وعلى النقيض تمامًا من الصحراء، كانت جزءًا مزدهرًا من بلاد الشام، يمثّل المسلمون الأغلبية العظمى فيه، ويغلب عليه الطابع الريفي، مع وجود مراكز حضرية حيوية.

ومع تقسيم المنطقة، في مرحلة ما بعد اتفاقية سايكس – بيكو عام 1916، تنامى شعور جديد كتنويع محلي عن «القومية»، يتمثّل بـ «الوطنية». ونتيجة لذلك، بدأت فلسطين ترى نفسها دولة عربية مستقلة. وبحلول عام 1918، كانت فلسطين متّحدة أكثر مما كانت عليه خلال حقبة الحكم العثماني، غير أن تغييرات أخرى كانت ستحدث. وفي حين كانت الحكومة البريطانية تنتظر الموافقة الدولية على وضع فلسطين في عام 1923، أعادت التفاوض على حدود الأرض، الأمر الذي أدّى إلى خلق فضاء جغرافي ذي حدود أوضح تتنازع عليه الحركات القومية، إضافة إلى تنامي حسّ أوضح بالانتماء إلى الشعب الذي يعيش فيه.

يمكن العثور على مقاربة معمّقة وشاملة حول الكيفية التي برزت فيها القومية الفلسطينية قبل وصول الحركة الصهيونية في أعمال مؤرخين فلسطينيين مثل محمد مصلح ورشيد الخالدي[10]. فهذه الأعمال، تظهر بوضوح أن كلًا من القطاعات النخبوية وغير النخبوية في المجتمع الفلسطيني كانت منخرطة في تطوير حركة قومية وشعور قومي قبل عام 1882.

2 – اليهود كانوا شعبًا بلا أرض

تقترن الخرافة بأن فلسطين أرض بلا شعب بالخرافة الشهيرة الخاصة بشعب بلا أرض، التي تمثِّل موضوع الفصل الثاني. فالخرافة، هنا، تصّر على أن اليهود الذين وصلوا إلى فلسطين في عام 1882 ينحدرون من اليهود الذين طردهم الرومان نحو عام 70 للميلاد. وتُشكّك الحجة المضادة في صلة النسب هذه، حيث أظهر جهد بحثي ضخم أن اليهود إبان الحكم الروماني لفلسطين ظلوا في الأرض، متحوّلين إلى المسيحية أولًا ثم إلى الإسلام. أما مَن هؤلاء اليهود فسؤال لا يزال مطروحًا – فلعلهم كانوا الخزر الذين تحوّلوا إلى اليهودية في القرن التاسع الميلادي، أو لعلّ اختلاط الأعراق خلال ألف عام يجعل من المستحيل التوصّل إلى إجابة عن مثل هذا السؤال. بيد أنّ الأهم من ذلك ما يناقشه بابيه، فالصلة بين المجتمعات اليهودية في العالم وفلسطين في حقبة ما قبل الصهيونية كانت دينية وروحية، وليست سياسية. أمّا ربط عودة اليهود بإقامة دولة، قبل ظهور الصهيونية، فكان مشروعًا مسيحيًا حتى القرن السادس عشر، قبل أن يصبح لاحقًا مشروعًا بروتستانتيًا تحديدًا.

ولعلّ أفضل مقاربة للفكرة العامة التي تتمحور حولها وجهة النظر النقدية هذه موجودة في كتاب اختراع الشعب اليهودي للبروفيسور الإسرائيلي شلومو ساند. فيُظهر ساند أنّ العالم المسيحي، خلال حقبة معينة في التاريخ الحديث ولأسباب تتعلّق بمصلحته الخاصة، أيّد الفكرة القائلة بأنّ اليهود شعب عليه أن يعود يومًا إلى الأرض المقدّسة. وفي هذه الرواية، تمثّل العودة جزءًا من المخطط السماوي لنهاية الزمن، إضافة إلى ابتعاث الموتى والعودة الثانية للمسيح[11].

في الحصيلة، يناقش بابيه في كيفية تزامن النزعة الإمبريالية الاستراتيجية لبريطانيا لاستخدام عودة اليهود إلى فلسطين، وبطرائق جمّة، كوسيلة لتعزيز التورّط البريطاني في «الأراضي المقدّسة» مع صعود اتجاهات ثقافية وفكرية جديدة للصهيونية في أوروبا. وبناءً عليه، يوضح بابيه أنّه بالنسبة إلى كل من المسيحيين واليهود، كان يُنظر إلى استعمار فلسطين كفعل عودة وخلاص. أدّى تزامن هاتين النزعتين إلى خلق تحالف قوي عمل على تحويل الفكرة الألفية[12]، والمعادية للسامية بنقل اليهود من أوروبا إلى فلسطين، إلى مشروع استيطان حقيقي على حساب الشعب الأصلي في فلسطين. وأصبح التحالف معروفًا للجميع عندما تمّ الإعلان عن وعد بلفور في 2 تشرين الثاني/نوفمبر 1917.

يشير بابيه إلى أنّه بفضل النظام الفعّال للأرشيف البريطاني وسهولة الوصول إلى الوثائق المحفوظة فيه، يتوافر عدد كبير من الدراسات الأكاديمية الممتازة التي تبحث في تاريخ وأسباب صدور وعد بلفور. والنتيجة التي تخلص إليها الدراسات التي تناولت وعد بلفور حتى يومنا هذا هي أن صنّاع القرار البريطانيين، على اختلافهم، رأوا أن فكرة إقامة وطن يهودي في فلسطين تتوافق مع مصالح بريطانيا الاستراتيجية في المنطقة. وما إن احتلت بريطانيا فلسطين، حتى سمح هذا التحالف لليهود بإرساء البُنية التحتية للدولة اليهودية تحت رعاية بريطانيا. بيد أنّه، في المقابل، لم يتم الاستيلاء على فلسطين بسهولة. فقد استمرت الحملة البريطانية ضدّ الأتراك تقريبًا طوال عام 1917، وقد جلب الاحتلال العسكري الناتج من الحملة المشاريع السرّية الثلاثة: ظهور الصهيونية، وحركة البروتستانتية، والإمبريالية البريطانية؛ إلى السواحل الفلسطينية، كمزيج من الأيديولوجيات التي دمّرت البلاد وشعبها.

عند هذا الحدّ، يكون من المهم التطرّق إلى ما ذكره الموسوعي والمفكر العربي عبد الوهاب المسيري حول شعار «أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض»، فهو إفراز طبيعي للخطاب الحضاري الغربي الحديث، الذي ينبع من الرؤية المعرفية العلمانية الإمبريالية التي قامت بعلمنة الرؤى الإنجيلية وحوّلتها من صياغات مجازية تتحقق في آخر الأيام بمشيئة الإله إلى شعارات استيطانية حرفية تتحقق وبقوة السلاح[13].

يتطرّق المسيري إلى شعار «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض»، مشيرًا إلى أنّه يتّسم بتناسقه اللفظي الساحر، فهو ينقسم إلى قسمين متساويين يستخدم كل قسم القدر نفسه من الكلمات. ويوضح المسيري، أنّ كلمة «بلا» في القسمين، هي المركز الثابت والعنصر المشترك وما يتحرك هو كلمتا «الأرض» و«الشعب»، فيتبادلان مواقعهما تمامًا كما سيتبادل اليهود والعرب مواقعهم. كما يتّسم الشعار بالتماسك العضوي والوحدة الكاملة، فلا يوجد حرف زائد ولا توجد كلمة ليست في موضعها، وهو تعبير جيد عن الرؤية العضوية المغلقة التي تسم الخطاب الحضاري الغربي الحديث، الذي يفضّل الصيغ الجميلة المتماسكة لفظيًا، بحيث تصبح الصيغة مرجعية نفسها كالأيقونة. وقد ينبهر المرء بجمال العبارة فينسى أنها عبارة إبادية، تعني اختفاء العرب وتغييبهم. والترجمة السياسية للعبارة في وعد بلفور هي الإشارة إلى العرب بوصفهم «الجماعات غير اليهودية»، أي أنّ اليهود أصبحوا شعبًا بلا أرض وفلسطين أصبحت أرضًا بلا شعب[14].

3 – الصهيونية هي اليهودية

الفرضية القائلة بأنّ الصهيونية هي نفسها اليهودية باطلة شكلًا ومضمونًا. فمن حركة «عشاق صهيون» التي أرسلت المئات من اليهود المتحمسين إلى فلسطين لبناء أولى المستوطنات الجديدة في عام 1882، إلى الزعماء الصهاينة عشية الحرب العالمية الأولى، الذين ناشدوا بريطانيا لتدعيم مطالب اليهود في فلسطين، كان الرجوع إلى الكتاب المقدّس أمرًا شائعًا. وسعيًا لتحقيق مصالحهم الخاصة، تحدّى الزعماء الصهاينة أساسًا التفسيرات التوراتية التقليدية، وفق بابيه.

في السياق عينه، يقول المؤرّخ الإسرائيلي شلومو ساند في كتابه اختراع الشعب اليهودي: «إنّ اليهودية هي دين ديناميكي انتشر في العصور القديمة بسرعة. وبالتالي فإنّ الأصل البيولوجي لليهود متنوّع وواسع جدًا مثله مثل بقية الأديان. فإذا، لم تكن الأرض المقدّسة، التي تُسمّى أرض كنعان، التي سمّاها الرومان لاحقًا فلسطين واليهود أطلقوا عليها اسم صهيون، تمثّل مهدًا لليهودية، فإنّ الصهيونية برمّتها أيديولوجيا قائمة على أسس تاريخية زائفة. ومع ذلك، تقاتل إسرائيل بكل عناد وبكل الوسائل الممكنة لكي يُنظر إليها على أنّها استمرار لصهيون»[15].

ويوضح الكاتب اليهودي أبراهام ملتسر، في السياق نفسه، أن «ليس كل اليهود صهاينة، فاليهودية ديانة متنوعة وعالمية، والصهيونية تؤيّد تفسيرات اليهودية الراديكالية الأحادية الجانب. وليست اليهودية محل اهتمام بالنسبة إلى بعضهم إلاّ بقدر ما تمنحهم هذه الديانة شرعية دينية بشأن أرض إسرائيل. فضلًا عن ذلك، فإنّ الصهاينة المتدينين يأخذون من العهد القديم تلك الحقيقة المطلقة التي يرونها، أي أنّ الرب يمنحهم، هم فحسب، هذه الأرض، ويعتبرون الكتاب المقدّس كما لو أنه شهادة منحهم الرب إيّاها، في حين أنّ الكتاب المقدّس هو أكثر من بذلك بكثير». وبالنسبة إلى الصهاينة، فإنّ الكتاب المقدّس هو كتاب سجّل عقاري ينبغي الأخذ به حرفيًا، ولا ينصبّ اهتمامهم على الأخلاق والعدالة والحقوق، وإنّما على حدود ملكية الأراضي[16].

في الموازاة، يُلفت عبد الوهّاب المسيري إلى أنّ «اصطلاح «الصهيونية» يُطلق أيضًا على نظرة مُحدّدة لليهود ظهرت في أوروبا (وخصوصًا في الأوساط البروتستانتية في إنكلترا ابتداءً من أواخر القرن السادس عشر)، وترى أنّ اليهود ليسوا جزءًا عضويًا من التشكيل الحضاري الغربي، لهم ما لبقية المواطنين وعليهم ما عليهم، وإنّما تنظر إليهم بوصفهم شعبًا عضويًا مختارًا وطنه المقدّس في فلسطين، لذا يجب أن يُهجّروا إليه. وقد استمر هذا التيار المنادي بتوطين اليهود في فلسطين حتى بعد أن خمد الحماس الديني الذي صاحب حركة الإصلاح الديني»[17].

الخرافة التي تساوي الصهيونية باليهودية، يستقصيها الفصل الثالث من الكتاب، حيث يحاول بابيه دحض هذه المعادلة من خلال إجراء تقييم تاريخي للمواقف اليهودية إزاء الصهيونية، إضافة إلى تحليل تلاعب الصهيونية باليهودية لأسباب استعمارية، ولاحقًا لأسباب استراتيجية.

يتبيّن أنّ الكتاب المقدس خدم الصهيونية، تاريخيًا، منذ ظهورها في القرن الثامن عشر وحتى إنشاء إسرائيل عام 1948، وأدّى دورًا مهمًا في الرواية الإسرائيلية السائدة – لأغراض داخلية وخارجية – زاعمًا أن إسرائيل هي الأرض نفسها التي وعد بها النبي إبراهيم في الكتاب المقدس. ويلفت بابيه إلى أنّ الدلائل العلمية والعلمانية لهذه الرواية تمّ توفيرها في السنوات الأخيرة بمساعدة ما يسمى علم الآثار التوراتي. ووفقًا لهذه الرواية، كانت الأرض خالية بصورة أو بأخرى حتى العودة الصهيونية إليها. غير أن كبار الصهاينة أدركوا أن الاستناد إلى سلطة التوراة ليس كافيًا؛ فاستعمار فلسطين، المأهولة أصلًا سكانيًا، سوف يتطلب سياسة منهجية من الاستيطان والتهجير بل وحتى التطهير العرقي. ولتحقيق هذه الغاية، فإنّ تصوير عملية تجريد فلسطين من أهلها من منطلق أن ذلك يحقق المخطط الإلهي المسيحي إنما هو أمر لا يقدّر بثمن لحشد الدعم المسيحي العالمي وراء الصهيونية.

عند هذا الحدّ، يشير بابيه إلى كون الدراسات التوراتية اليوم تعدّ عنصرًا مهمًا وموسعًا في المناهج التعليمية الإسرائيلية، مع تركيز خاص على الكتاب المقدس كونه يوثق تاريخًا قديمًا يبرّر المطالبة بالأرض. ويتم دمج القصص التوراتية والدروس الوطنية المستقاة منها مع دراسة «المحرقة» وإنشاء «إسرائيل». ويُشدّد على أنّ تدريس الكتاب المقدس وما حدث لليهود في أوروبا وحرب عام 1948، كجزء من فصل تاريخي واحد، هو أمر غير منطقي، بيد أنه أيديولوجيًا، يتم ربط الأشياء الثلاثة معًا وتلقينها للآخر كونها تمثل الذريعة الأساسية بقيام الدولة اليهودية في عصرنا، وفق بابيه.

4 – الصهيونية ليست حركة استعمارية

يناقش بابيه في الفصل الرابع، الزعم بأنّه لا توجد ثمّة صلة بين الاستعمار والصهيونية. تنطلق الخرافة من أنّ الصهيونية حركة تحرّر قومية ليبرالية، في حين أنّ الحجة المضادة تعمل على وضع الحركة في إطار مشروع استعماري، إن لم يكن مشروعًا استعماريًا استيطانيًا، على غرار تلك في جنوب أفريقيا والأمريكتين وأستراليا. تكمن أهمية هذا الدحض في أنه يعكس الكيفية التي تفكر بها في المقاومة الفلسطينية ضدّ الصهيونية ولاحقًا ضدّ إسرائيل. ويلفت بابيه إلى أنّه إذا كانت «إسرائيل» مجرد دولة ديمقراطية تدافع عن نفسها، فهذا يعني أن كيانات فلسطينية مثل منظمة التحرير الفلسطينية ليست جماعات إرهابية. أمّا إذا كان نضال هذه الكيانات ضدّ مشروع استعماري فهذا يعني أنها حركة مقاومة للاستعمار، وستكون صورتها على الساحة الدولية مختلفة تمامًا عن تلك التي تسعى «إسرائيل» ومؤيدوها إلى فرضها على الرأي العام العالمي.

ترفض الرواية الإسرائيلية الرسمية، أو الأسطورة المؤسسة، أن تعطي الفلسطينيين ولو حقًا أخلاقيًا بسيطًا لمقاومة الاستعمار اليهودي لوطنهم الذي بدأ عام 1882، بحسب بابيه. فمنذ البداية، تمّ تصوير المقاومة الفلسطينية بوصفها مدفوعة بكراهية اليهود. وقد اتُّهمت بالترويج لحملة ترهيب مدفوعة بمشاعر متقلبة من معاداة السامية بدأت بوصول المستعمرين الأوائل واستمرت حتى قيام إسرائيل. بيد أن مذكرات الصهاينة الأوائل تروي قصة مختلفة. فهي، وفق ما يوضح بابيه، مليئة بحكايات عن حسن استقبال المستوطنين من جانب الفلسطينيين الذين قدموا إليهم المأوى، وفي كثير من الأحيان علموهم كيفية زراعة الأرض. ولم تبدأ المقاومة الفلسطينية إلّا عندما أصبح جليًا أن المستوطنين لم يأتوا ليعيشوا جنبًا إلى جنب مع الشعب الأصلي، بل ليأخذوا مكانه. وعندما بدأت المقاومة، سرعان ما اتخذت وضعًا شبيهًا بكل نضال آخر ضدّ الاستعمار.

بحلول عام 1945، كانت الصهيونية قد اجتذبت أكثر من نصف مليون مستوطن إلى بلد لم يزد سكانه على المليونين. وقد جاء بعضهم بموافقة حكومة الانتداب والبعض الآخر من دون موافقتها. ولم تتم استشارة السكان الأصليين المحليين، كما لم يتم أخذ اعتراضهم على مشروع تحويل فلسطين إلى دولة يهودية في الحسبان.  وكما هي الحال مع الحركات الاستعمارية الاستيطانية السابقة، فقد كان الحل لهذه المشكلات هو تبنّي المنطق المزدوج للإبادة والتجريد من الإنسانية. فالطريقة الوحيدة أمام المستوطنين لتوسيع سيطرتهم على الأرض تتمثل باجتثاث الشعب الأصلي من وطنه.

هنا، يجب ألّا يغيب عن البال أنّ قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الرقم 3379 الذي صدر في 10 تشرين الثاني/نوفمبر 1975، نصّ سابقًا على مساواة الصهيونية بالعنصرية. وكان القرار يذكر أنّ «الصهيونية هي شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري.. وطالب القرار جميع دول العالم بمقاومة الأيديولوجيا الصهيونية التي تشكّل خطرًا على الأمن والسلم العالميين». لكن اللوبي الصهيوني ومن خلال نفوذه السياسي في الأمم المتحدة وبالتعاون مع حلفائه، نجح بعد 16 عامًا في جعل الأمم المتحدة تُلغي القرار واستبداله بالقرار الرقم 8646 بتاريخ 16/12/1991 [18]. وجاء قرار الإلغاء بكلمات معدودة صاغها نائب وزير الخارجية الأمريكية، آنذاك، لورنس إيغلبرغ: «تقرّر الجمعية العامة للأمم المتحدة نبذ الحكم الوارد في قرارها رقم 3378». وجاء الضغط الصهيوني آنذاك على إلغاء القرار، في خضم الإعداد لعقد مؤتمر مدريد لـ«السلام» عام 1991 حيث اشترطت «إسرائيل» إلغاء القرار مقابل مشاركتها في المؤتمر.

في الموازاة، يؤكّد عبد الوهاب المسيري، أنّ تاريخ الصهيونية هو جزء لا يتجزأ من تاريخ الحضارة الغربية وما صاحبه من ظواهر مرضية أو صحية (مثل معاداة اليهود وتصاعد معدلات العلمنة والثورة الصناعية)، وليس ذا علاقة كبيرة بالتوراة والتلمود أو «عشّاق صهيون» أو حركيات ما يُسمّى «التاريخ اليهودي»، الذي هو تاريخ مركّب إلى أقصى حدّ، يتضمّن ساحات ثلاثًا هي[19]:

– أوروبا بوصفها مصدر المادة البشرية والقوى الإمبريالية الراعية.

– فلسطين بوصفها المكان الذي تُنقل إليه المادة البشرية.

– العالم نظرًا إلى أنّ أعضاء الجماعات اليهودية يوجدون في العالم بأسره.

ظلّ تاريخ الصهيونية متعثرًّا قبل ظهور هرتزل، وظلّت الصهيونية فكرة غير قادرة على التحقّق لأسباب متعددة، من أهمها أن دعاة الفكر الصهيوني كانوا من الصهاينة غير اليهود أو من أعداء اليهود، الأمر الذي جعل أعضاء المادة البشرية المستهدفة (أي اليهود) يرفضون الدعوة إلى استيطان فلسطين. كما لو أنه لم تكن هناك أي أطر تنظيمية تضم كل الجماعات اليهودية. علاوة على هذا، كان هناك يهود الغرب المندمجون الذين كانوا يرون أن المشروع الصهيوني يُهدّد وجودهم ومكانتهم وكل ما حققوه من مكاسب.

أمّا هرتزل فحلّ الإشكاليات، بوضع «العقد الصامت» بين الحضارة الغربية والحركة الصهيونية استنادًا إلى الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة التي نبعت من صميم هذه الحضارة ومن تاريخها الفكري والاقتصادي والسياسي. ولم يكتفِ هرتزل بوضع العقد وإنّما قام بتأسيس المنظمة الصهيونية التي طرحت نفسها كإطار تنظيمي يمكن من خلاله توقيع العقد مع الحضارة الغربية وفرض الصيغة الصهيونية الشاملة على الجماهير اليهودية بحيث تتحوّل هذه الجماهير إلى مادة استيطانية ويدخل المشروع الصهيوني إلى حيّز التنفيذ[20].

يمكن تلخيص الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة، وفق المسيري بما يأتي[21]:

– اليهود شعب عضوي منبوذ غير نافع، يجب نقله خارج أوروبا ليتحوّل إلى شعب عضوي نافع.

– يُنقل هذا الشعب إلى أي بقعة خارج أوروبا (استقرّ الرأي في نهاية الأمر، على فلسطين بسبب أهميتها الاستراتيجية للحضارة الغربية وبسبب مقدرتها التعبوية بالنسبة إلى المادة البشرية المستهدفة) ليوطّن فيها وليحلّ محل سكانها الأصليين، الذين لا بُدّ أن تتمّ إبادتهم أو طردهم على الأقل (كما هي الحال مع التجارب الاستعمارية الاستيطانية الإحلالية المماثلة).

– يتم توظيف هذا الشعب لمصلحة العالم الغربي الذي سيقوم بدعمه وضمان بقائه واستمراره، داخل إطار الدولة الوظيفية في فلسطين.

تظلّ الصيغة الصهيونية حتى نهاية القرن التاسع عشر مجرد فكرة، ولكنها تتحوّل إلى حركة منظمة بعد مرحلة هرتزل وبلفور ومضمونها أن يتم التوظيف من خلال دولة وظيفية على أن تشرف على العملية إحدى الدول الاستعمارية الكبرى في الغرب التي تؤمّن للمستوطنين موطئ قدم وتضمن بقاء الدولة الوظيفية الاستيطانية واستمرارها. ومع وعد بلفور يصبح المكان الذي ستُقام فيه الدولة الوظيفية هو فلسطين.

إذًا، إنّ الصهيونية، مشروع استعماري استيطاني لم يكتمل بعد، كما يُشدّد بابيه، وعلى الرغم من أن إسرائيل تسيطر على كامل الأرض سياسيًا بطرق شتى، وإسرائيل لا تزال تمارس الاستعمار – ببناء مستوطنات جديدة في الجليل، والنقب والضفة الغربية بهدف زيادة عدد اليهود فيها – حيث تقوم بتشريد الفلسطينيين كما تُنكر على الشعب الأصلي حقّه في الأرض.

5 – الفلسطينيون غادروا وطنهم طوعًا عام 1948

يستحضر الفصل الخامس الخرافات المتداولة عن حرب 1948 وأحداثها. ويحاجج بابيه بأنّ الحرب التي اندلعت بين إسرائيل والجيوش العربية يوم أنهت بريطانيا انتدابها على فلسطين في 15 أيار/مايو 1948،  لم تكن هي السبب بحدّ ذاتها لـ«ولادة مشكلة اللاجئين الفلسطينيين»، حيث إنّ نصف اللاجئين أي مئات الآلاف من الفلسطينيين كانوا قد طردوا قبل الحرب أصلًا. كما يحاجج بابيه بأنّ إسرائيل هي التي بدأت الحرب فعليًا لتأمين الفرصة التاريخية لطرد الفلسطينيين. وفي السياق، يؤكّد المؤرخون الجدد من خلال اطلاعهم على وثائق سرّية أن عمليات الطرد والتخويف والترهيب كانت الأسباب الرئيسية لنزوح الفلسطينيين، ولم يجدوا أيّ دليل يفيد بأنّ القيادات العربية وجّهت نداءً تحثّ فيه الفلسطينيين على الرحيل.

خطّت «إسرائيل» رواية تاريخية مبنيّة على أساطير تأسيسية عن ما جرى في عام 1948 على أرض فلسطين. رواية تتناقض تمامًا مع طبيعة الحرب التي حصلت آنذاك وطبيعتها؛ ففي موازاة ادّعاء «إسرائيل» بأنّها خاضت «حربًا أخلاقية» في سنة 1948، ضدّ عالم عربي «بدائي» و«عدائي»[22]، رسمت في روايتها الرسمية صورة «وردية» عن إرهابها بحقّ فلسطين وشعبها، وعن الحرب التي خاضتها في سنة 1948، ادّعت فيها أنّ «إسرائيل» كانت ضحية صغيرة وبريئة ومحبّة للسلام، وأنها لم ترتكب الجرائم في تلك الحرب التي كانت حرب القلّة  ضدّ الكثرة، وانتصرت فيها القلّة على الكثرة، كانتصار داوود على جالوت، بفضل نوعية المقاتل اليهودي وبطولته[23].

في الموازاة، تتجاهل الرواية الإسرائيلية تجاهلًا تامًا طبيعة الحركة الصهيونية، وماهية مشروعها الكولونيالي الإجلائي والإحلالي الذي هدف إلى إقامة دولة يهودية في فلسطين، على حساب وجود الشعب العربي الفلسطيني. كما تتجاهل أنّ فكرة طرد الشعب العربي الفلسطيني من وطنه، قد انبثقت من صلب الصهيونية ورافقت المشروع الصهيوني في مراحله المختلفة. وقد نادت جميع الأحزاب الصهيونية مبكرًا بطرد الفلسطينيين من فلسطين. ونشأ في ثلاثينيات القرن الماضي إجماع صهيوني رسمي، يدعو إلى طرد الفلسطينيين ، شمل جميع الأحزاب والمؤسسات الصهيونية المختلفة[24].

فالحركة الصهيونية كانت قد أعدّت القوة العسكرية من خلال تحالفها مع بريطانيا، ومن ثم مع الولايات المتحدة الأمريكية لتحقيق هدفيها الأساسيين: تأسيس دولة يهودية في فلسطين، وطرد الشعب الفلسطيني من الأرض العربية الفلسطينية التي تقام عليها هذه الدولة. وفي سبيل تحقيق ذلك، أقامت الوكالة اليهودية، وبصورة مُبكرة، ثلاث لجان ترحيل من أجل وضع استراتيجية وخطط عملياتية لترحيل الفلسطينيين عنوة من فلسطين، الأولى في سنة 1937، والثانية في سنة 1942، والثالثة في سنة 1948 [25].

إلى جانب ذلك، وضعت منظمة الهاغاناه الإرهابية خططًا استراتيجية عسكرية وعملياتية لطرد الفلسطينيين، كان أبرزها خطة «أ» التي وضعتها الهاغاناه في سنة 1941 وطوّرتها إلى خطة «ب» في سنة 1943 والى خطة «ج» في سنة 1946 والى خطة «د» (دالت) في آذار 1948/ التي نصّت على احتلال القرى والبلدات والمدن الفلسطينية وطرد سكانها منها، وباشرت المنظمات الصهيونية الإرهابية، الهاغاناه وقواتها الضاربة البلماح، بتنفيذها في بداية نيسان/أبريل 1948 [26]. وكانت خطة دالت، النتيجة الحتمية للنزعة الأيديولوجية الصهيونية التي تطلعت إلى أن تكون فلسطين لليهود حصرًا، كما أنها كانت استجابة للتطورات على الأرض في إثر قرار الحكومة البريطانية بإنهاء الانتداب.

بطبيعة الحال، ترفض الرواية التاريخية الإسرائيلية الرسمية الاعتراف بقيام القوات العسكرية الإسرائيلية بطرد الشعب الفلسطيني من وطنه، واقترافها جرائم حرب ضدّه وارتكابها المجازر في حقه على طول فلسطين وعرضها، التي بلغت وفق ما ذكره مدير أرشيف الجيش الإسرائيلي الأسبق أرييه يتسحاقي 110 مجازر[27]. وادّعت هذه الرواية أن الفلسطينيين هاجروا من ديارهم بدعوة من القيادة الفلسطينية ومن قادة الدول العربية، في سياق مؤامرة دبّرتها قيادة الشعب الفلسطيني وهؤلاء القادة ضد إسرائيل، بهدف إحراجها وتشويه سمعتها وتبرير دخول جيوش الدول العربية إلى فلسطين.

كما رفضت الحكومة الإسرائيلية وكل الأحزاب السياسية الاعتراف بارتكابها جريمة طرد الشعب الفلسطيني، وفق خطط عسكرية عملياتية، وضعتها قيادة الهاغاناه قبل حرب 1948 وخلالها. ذلك أنّ لاعترافها بطرد الشعب الفلسطيني تبعات ونتائج سياسية، يأتي في أولها تحمّلها مسؤولية الطرد وإمكان إرغامها على قبول عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم[28].

إنّ الفكرة القائلة بأن الفلسطينيين غادروا بلادهم طوعًا ليست الفرضية المغلوطة الوحيدة في ما يتعلق بحرب 1948. يُفنّد بابيه ثلاث خرافات وفرضيات أخرى مغلوطة يتمّ تداولها في السياق ويدحضها. أولى هذه الفرضيات تظهر في إلقاء اللائمة على الفلسطينيين لما حل بهم بحكم أنهم رفضوا قرار الأمم المتحدة القاضي بتقسيم فلسطين في تشرين الثاني/نوفمبر 1947. وهذا الادّعاء يتجاهل الطبيعة الاستعمارية للحركة الصهيونية. أمّا الفرضيتان الأخريان المتعلقتان بحرب 1948، فهما أن «إسرائيل» في «اقتتالها» مع الدول العربية كانت كمثل النبي داوود وهو يقاتل المحارب جالوت، وأنه بعد الحرب مدّت «إسرائيل» يدها لكن بادرتها قوبلت بالرفض من جانب الفلسطينيين والوطن العربي. وقد أثبتت الأبحاث التي تناولت الفرضية الأولى أنه لم يكن للفلسطينيين قوة عسكرية تذكر، وأن البلدان العربية لم ترسل سوى مجموعة صغيرة من الجنود – التي كانت أقل عددًا مقارنة بالقوات اليهودية كما كانت أقل استعدادًا وتدريبًا منها بمراحل. علاوة على ذلك، لم يتم إرسال قوات للرد على العمليات الصهيونية التي كانت قد بدأت في شباط/ فبراير 1948، وعلى وجه التحديد في إثر المجزرة التي ارتكُبت في قرية دير ياسين القريبة من القدس في نيسان/أبريل 1948. وبالنسبة إلى الخرافة الثالثة القائلة بأن الدولة الإسرائيلية مدّت يدها للسلام عقب الحرب، فإنّ الوثائق التاريخية تظهر عكس ذلك، فالقيادة الإسرائيلية المتعنّتة، وفق ما يؤكّد بابيه، رفضت بصورة واضحة الدخول في مفاوضات حول مستقبل من طُردوا أو فرّوا.

في سياق متصل ومهم يتعلّق بعملية طمس الحقائق، فمن المعروف أنّ الأرشيفات الإسرائيلية تعجّ بوثائق كثيرة جدًا، تتناقض مع الرواية التاريخية الإسرائيلية الرسمية عن حرب 1948 والصراع العربي – الإسرائيلي. إزاء ذلك، عمدت وزارة الأمن الإسرائيلية إلى إعادة إغلاق الوثائق التي تتناقض مع الرواية التاريخية الإسرائيلية الرسمية، منذ سنة 2002 حتى اليوم، حيث الكثير منها تؤكّد بالدلائل الدامغة صحة الرواية التاريخية الفلسطينية وما جرى من ارتكاب مجازر بحق الفلسطينيين وكيفية طردهم من وطنهم وفق خطط أعدتها مسبقًا.

على سبيل المثال لا الحصر، كشف الباحث الإسرائيلي شاي حزقني، في سنة 2013 أن الأرشيفات الإسرائيلية أعادت إغلاق الملفات المتعلقة بالهجرة الفلسطينية في حرب 1948 التي كان المؤرخون الجدد قد استعملوها في أبحاثهم، والتي تتحدّث عن طرد الفلسطينيين في الحرب، وعن مجازر ووقائع اغتصاب نفّذها جنود إسرائيليون، وعن أحداث أخرى حسّاسة عدّتها المؤسسة الإسرائيلية محرجة لها. وفي سنة 2019، نشر معهد عكيفوت، بالتعاون مع صحيفة هآرتس، تقريرًا مفصلًا عن هذه الظاهرة[29].

في السياق نفسه، كشف معهد عكيفوت سنة 2019، عن وثيقة بالغة الأهمية، دوّنتها في 30 حزيران/يونيو 1948، الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، بعنوان «حركة هجرة عرب إسرائيل في الحقبة «1/12/47 – 1/6/48». وأظهرت هذه الوثيقة تناقضًا شاملًا مع جميع مركبات الرواية التاريخية الإسرائيلية في خصوص قضية تهجير الفلسطينيين من فلسطين، وتُحمّل المنظمات العسكرية اليهودية والجيش الإسرائيلي مسؤولية تهجير الفلسطينيين في الحقبة المذكورة[30].

لم تكتفِ القيادة الإسرائيلية بذلك، بل إنّها حاولت تعزيز روايتها التاريخية بتلفيق أبحاث ودراسات لتُثبت مزامعها، مثل[31]:

– قيادات عربية في فلسطين وخارجها وهيئات عربية وفلسطينية، شجعت العرب الفلسطينيين على الفرار من فلسطين في حرب 1948.

– ساعدت الجيوش العربية والمتطوعون العرب الفلسطينيين على الهرب، سواء أكان ذلك بإخلائها قرى عربية أم بعلاقاتها السيئة بالفلسطينيين.

– ساعد الجيش البريطاني الفلسطينيين على الهرب في كثير من الأماكن.

– بذلت مؤسسات ومنظمات يهودية جهدها لمنع الهرب.

إلى جانب تعمّد المؤسسة الإسرائيلية تلفيق أبحاث ودراسات تدعم وتُثبت روايتها التاريخية، فإنها قطعت شوطًا كبيرًا في محاولة التمادي في قلب الحقائق، وفي التنكّر لما كانت قيادة المؤسسة الإسرائيلية نفسها قد اعترفت بحدوثه في حينه. على سبيل المثال لا الحصر، بعدما أقرّت قيادة الييشوف المنظّم بقيادة بن غوريون بارتكاب منظمتي إتسل وليحي مجزرة دير ياسين في 9 نيسان/أبريل 1948، بمساعدة من منظمة الهاغاناه، فإن وزارة الخارجية الإسرائيلية نشرت في سنة 1969 كرّاسًا باللغة الإنكليزية كتبه يعقوب موريس، وزّعته على جميع سفاراتها في العالم، نفت فيه حدوث مجزرة دير ياسين. بل ادّعى هذا الكراس أنّ مجزرة دير ياسين لم تحدث إطلاقًا، ولم تكن سوى أكذوبة عربية من نسج الخيال العربي[32].

في الموازاة، يُشدّد بابيه على أنّ الجريمة التي ارتكبتها قيادة الحركة الصهيونية، التي أصبحت فيما بعد حكومة «إسرائيل»، بحق القرى الفلسطينية إنّما هي تطهير عرقي، وأنّ عملية التنفيذ كانت أكثر منهجية وشمولًا ممّا كان مقدّرًا في الخطة، وهي جريمة حرب ارتكبت فيها جرائم ضدّ الإنسانية.

لهذه الخلاصة، دلالات سياسية وقانونية وحتى أخلاقية، يُفنّدها بابيه. فالدلالة السياسية، هي أنّ «إسرائيل» مسؤولة حصرًا عن خلق مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، وهي التي تتحمّل مسؤوليتها القانونية والأخلاقية. أمّا الدلالة القانونية، فهي أنه حتى لو كان هناك قانون تقادم، يسري بعد مرور مدة طويلة كهذه، فإنه بالنسبة إلى من ارتكب فعلًا يُفهم بأنه جريمة ضدّ الإنسانية، والفعل نفسه لا يزال يُعدّ جريمة لم يتم محاسبة أي شخص عليها. أمّا الدلالة الأخلاقية فهي أنّ الدولة اليهودية وُلدت من رحم الخطيئة – على غرار الكثير من الدول الأخرى بالطبع – بيد أنّه لم يتم الاعتراف بالخطيئة أو الجريمة. وما دامت الدلالات الكاملة لسياسات التطهير العرقي التي مارستها «إسرائيل» في الماضي ولا تزال تمارسها في الوقت الراهن لم يعترف بها المجتمع الدولي ولم يتعاط معها، فلن يكون هناك حلّ للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، فعمليات التهجير التي مورست عام 1948، وسجن الناس داخل الجدران اليوم إنّما تُعدّ، وفق بابيه، نتائج لا مفرّ منها للأيديولوجيا العرقية العنصرية ذاتها.

6 – حرب حزيران/يونيو 1967 كانت حربًا لا بُدّ منها

يبحث الفصل السادس، في ما إذا كانت حرب 1967 قد فُرضت على إسرائيل، وبالتالي «لم يكن ثمّة خيار «لإسرائيل» إلاّ بخوض الحرب. في السياق، يلفت بابيه إلى أن النخب السياسية والعسكرية الإسرائيلية رأت في حرب 1948 فرصة ضائعة وخطأً تاريخيًا قاتلًا، إذ شكلت لحظة تاريخية كان يمكن لإسرائيل فيها، بل كان يجب عليها، أن تحتل كامل فلسطين التاريخية من نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط؛ فالاستيلاء على الضفة الغربية تحديدًا، بمواقعها التوراتية القديمة، كان هدفًا صهيونيًا حتى عام 1948، وهو ما كان منسجمًا مع منطق المشروع الصهيوني بوجه عام.

يخلص بابيه في معرض دحضه لهذه الخرافة، إلى التأكيد أنّ احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة إنّما يمثّل استكمالًا للمهمة التي بدأت في عام 1948، يومئذ، استولت الحركة الصهيونية على 80 بالمئة من فلسطين، وفي عام 1967 استكملوا عملية التطهير العرقي والاستيلاء على فلسطين[33]. والمفارقة أنّ المخاوف الديمغرافية التي مثّلت هاجسًا لبن غوريون – أي وجود «إسرائيل» كبرى بلا أغلبية يهودية – تمّت معالجتها من خلال حبس سكان الأراضي المحتلة في سجن بلا مواطنة. وهذا ليس مجرد وصف تاريخي، بل إن هذا، في نواح كثيرة، لا يزال هو واقع الحال حتى اليوم.

7 – إسرائيل هي الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط

يناقش بابيه في الفصل السابع الخرافة القائلة إنّ «إسرائيل» واجهت المتاعب في عام 1967، لكنها ظلت مع ذلك دولة ديمقراطية، ويؤكد أن هذه المقولة لا تستند إلى أي أساس تاريخي. فإسرائيل، قبل عام 1967، حتمًا لم يكن يُنظر إليها كدولة ديمقراطية. وفي كل لحظة من عام 1948 وحتى يومنا هذا، كانت الأقلية الفلسطينية التي تعيش داخل إسرائيل أول فئة تعاني هذا النمط من «الاستعباد».

على سبيل المثال لا الحصر، يذكر بابيه أنّه وبعد تحقيق مكاسب جديدة على الأرض، تمّ تمرير قوانين كثيرة تكفل تكريس وضع متفوّق للأغلبية اليهودية: القوانين التي تحكم المواطنة، والقوانين المتعلقة بملكية الأراضي، والأهم من هذا وذاك قانون العودة. فالأخير، يمنح المواطنة تلقائيًا لكل يهودي في العالم، أينما وُلد أو وُلدت. هذا القانون تحديدًا غير ديمقراطي على نحو صارخ من ذلك أنّه مصحوب برفض مطلق لحق العودة للفلسطينيين – المعترف به دوليًا بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الرقم 194 لعام 1948. تجدر الإشارة، في الموازاة، إلى أنّه إمعانًا في انتهاج سياسات عنصرية واستعمارية، أقرّ الكنيست الإسرائيلي عام 2011، قانونًا يُعرف بـ«قانون النكبة» الذي يُمنع بموجبه من إحياء ذكرى النكبة وحظر أي نشاط يتناولها ما يعكس انتهاج سياسة طمس حقائق ما جرى في عام 1948 والذاكرة الفلسطينية.

ويؤكّد بابيه أنه من خلال معاينة وضع الفلسطينيين داخل «إسرائيل» وفي الأراضي المحتلة، فإنّ البنية التحتية القانونية التي تمّ إرساؤها عند بداية الحرب 1967، مرورًا بالسلطة المطلقة غير الخاضعة للمساءلة للجيش داخل الضفة الغربية وقطاع غزة، وانتهاءً بإذلال ملايين الفلسطينيين كممارسة يومية، فإنّ «الديمقراطية الوحيدة» في الشرق الأوسط تتصرّف كأسوأ ما يمكن أن تكون عليه دولة دكتاتورية.

8 – خرافات أوسلو

هناك خرافتان تتعلقان بعملية أوسلو، الأولى القول بأنها عملية سلام حقيقية، بينما الحقيقة أنّ العملية أثبتت إخفاقها التام، وسرعان ما تحول الأمر إلى لعبة للبحث عمّن يمكن تحميله مسؤولية الفشل. وفي معرض تفنيده لعملية أوسلو، يلفت بابيه النظر إلى ضرورة توسيع نطاق التحليل وربط الأحداث بمبدأين لم يتم حسمهما في الاتفاقية. المبدأ الأول هو أهمية التقسيم الجغرافي أو المناطقي بوصفه الأساس الوحيد للسلام، والثاني هو إنكار حق العودة للاجئين الفلسطينيين وإسقاط هذا الحق من طاولة المفاوضات. من هنا، يقول بابيه: إنّ الادّعاء بأنّ ياسر عرفات لم يحترم التعهدات الفلسطينية المحدّدة في الاتفاقية الموقعة عام 1993، لا يستند إلى أساس صحيح، إذ لم يكن بمقدوره أصلًا تنفيذ تعهدات من المستحيل الالتزام بها.

ويفنّد بابيه الخرافة الثانية المتمثلة بأنّ عرفات تعمّد تقويض اتفاقية أوسلو بإشعال الانتفاضة الثانية كعملية إرهابية ضدّ إسرائيل. وخلاصة تقرير المعبوث الأمريكي الخاص للشرق الأوسط السيناتور روبرت ميتشيل، عن أسباب الانتفاضة الثانية توضح الأمر: «لا يوجد لدينا أساس يمكن أن نستنتج بناء عليه أن هناك خطة متعمدة للسلطة الفلسطينية لشن حملة عنف في أول فرصة سانحة، أو نستنتج أنّ هناك خطة متعمّدة من جانب حكومة إسرائيل للردّ باستخدام قوّة فتّاكة. من جانب آخر، ألقى ميتشيل باللائمة على أرييل شارون في إثارة الاضطرابات من خلال زيارته المسجد الأقصى وانتهاكه قدسية الأماكن المقدسة في الإسلام».

ويخلص بابيه إلى القول بأنّه لقد كان بإمكان إسرائيل أن توقف الانتفاضة الثانية في أي لحظة، لكن الجيش كان يحتاج إلى تقديم «استعراض ناجح». لذا، فقط حين تمّ تحقيق هذا الأمر من خلال عملية «الدرع الواقي» العسكرية البربرية في عام 2002 وبناء «جدار الفصل العنصري» نجحوا في قمع الانتفاضة مؤقتًا.

9 – خرافات غزة

ترتبط قضية فلسطين في الرأي العام العالمي على نحو وثيق بقطاع غزة، وإزاء ذلك، يُفنّد بابيه ثلاث خرافات تضلّل الرأي العام في شأن ما يجري في غزة.

أولى الخرافات تتمثّل بالقول بأن مأساة الناس في غزة هناك سببها الطبيعة الإرهابية لحركة حماس، حيث يُشكل إحجام حماس عن قبول اتفاقية أوسلو، ورفضها الاعتراف بإسرائيل والتزامها بالكفاح المسلح الخلفية للخرافة التي توصم بأنها منظمة «إرهابية». غير أنّ بابيه يتبنّى وجهة نظر مغايرة لما هو سائد في الخطاب الغربي والإسرائيلي، ويُشدّد على أنّ حماس هي حركة تحرير، ومشروع فريد في هذا الخصوص.

وتتعلّق الخرافة الثانية بالقرار الإسرائيلي بالانسحاب الأحادي الجانب من القطاع بعد نحو أربعين عامًا من الاحتلال، والزعم بأنه كان بادرة سلم أو صلح، قوبلت بالعداء والعنف، فضلًا أنّه خلق الفراغ في قطاع غزة، ومكّن حماس ليس فقط من الفوز في انتخابات 2006، وإنّما الإطاحة أيضًًا بحركة فتح بالقوة في العام نفسه. يدحض بابيه الخرافة بالتأكيد أنّ القرار الإسرائيلي كان جزءًا من استراتيجية الغرض منها تقوية إسرائيل على الضفة الغربية وتحويل قطاع غزة إلى «سجن كبير» يمكن حراسته ومراقبته من الخارج. والانسحاب كان أقرب إلى توزيع استراتيجي للقوات، وهو ما مكّن إسرائيل من الردّ بقسوة على النصر الذي حققته حماس، مع نتائج كارثية على سكان غزة[34].

أمّا الخرافة الثالثة فهي ادّعاء «إسرائيل» أن الأفعال التي قامت بها منذ عام 2006 كانت جزءًا من حرب دفاعية ضدّ «الإرهاب»، فيصرّ بابيه على التأكيد أنّ ما يتعرّض القطاع له من جانب «إسرائيل» إنّما هو «إبادة جماعية تصاعدية» لسكان غزة[35].

10 – حلّ الدولتين هو السبيل الوحيد للمضي قدمًا

يتصدّى الفصل العاشر للخرافة القائلة بأنّ حلّ الدولتين هو السبيل الوحيد للمضيّ قدمًا في تحقيق السلام، فواقع الاستعمار الإسرائيلي الحالي لأجزاء واسعة من الضفة الغربية، وفق بابيه، يجعل أي حلّ قائم على أساس الدولتين رؤية بعيدة الاحتمال. فحلّ الدولتين مبني على فكرة أنّ قيام دولة يهودية هو الحل الأفضل للمشكلة اليهودية، أيّ أنه يتعين على اليهود أن يعيشوا في فلسطين بدلًا من أي مكان آخر. ويُعدّ «حلّ الدولتين» صيغة مدعومة دوليًا للصراع، تنصّ على قيام دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية إلى جانب «إسرائيل»، وعلى أن تكون القدس عاصمة مشتركة.

يوضح الباحث بابيه، من جهته، أنّ حلّ الدولتين، إنّما هو اختراع إسرائيلي لم يكن الغرض منه تحقيق المستحيل، بل الإجابة عن السؤال المتعلق بكيفية إبقاء الضفة الغربية تحت السيطرة الإسرائيلية من دون دمج السكان الذين يعيشون هناك. لذا تمّ اقتراح أن تكون الضفة الغربية شبه دولة تتمتّع بالحكم الذاتي. في المقابل، سوف يتعيّن على الفلسطينيين التخلّي عن كل آمالهم في العودة، وفي حصول الفلسطينيين في «إسرائيل» على حقوق متساوية، وفي شأن مصير القدس، وفي قيادة حياة حرة كبشر في وطنهم.

في هذا الإطار، يصبّ تصريح رئيس الحكومة الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، عقب تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة لمصلحة قرار «حقّ الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره»، حيث قال: «إنّ السلام الذي يسعى إليه مع الفلسطينيين سيكون على أساس منحهم صلاحيات لحكم أنفسهم (حكمًا ذاتيًا)، لكن من دون سيادة ومع وجود الأمن بيد إسرائيل… فالأمن في أي ترتيبات سياسية سنصل إليها بشكل واقعي يجب أن تبقى بيد إسرائيل». أمّا «السلام الوحيد»، بحسب نتتياهو، فهو عبارة عن «صيغة بسيطة جدًا، السلام الوحيد الذي سيصمد هو السلام الذي يمكن لإسرائيل أن تدافع عنه»[36]. يُشار إلى  أن تصريح نتنياهو جاء بالتزامن مع الإعلان عن الوصول إلى الاتفاق على تشكيل حكومة إسرائيلية جديدة برئاستها وهي حكومة تُعدّ الأكثر يمينية وتطرّفًا في تاريخ «إسرائيل»، وكسياق متصل، يرفض فيها شركاء نتنياهو في الائتلاف المتشدّد فكرة «حلّ الدولتين».

ولعّله من سخرية القدر، أن تظهر، مؤخرًا، مجموعة «لنغادر البلاد معًا» في كيان الاحتلال تدعو الإسرائيليين إلى الهجرة من الكيان إلى الخارج، وسط مخاوف من سياسات قد تطبقّها حكومة نتنياهو اليمينية والمتشدّدة دينيًا و«قوميًا». ومن على منصة «تليغرام»، كتب يانيف غوراليك، الذي يقود المجموعة، أنّه «بعد تغيير الأنظمة وطبيعة البلد إلى الأسوأ والحياة ليست هي نفسها، قررنا أن ننتظم في مجموعة لمغادرة البلاد، في البداية سيكون الجزء الأول من عشرة آلاف شخص وسيجري توسيعه لاحقًا»[37]. وبرز من بين المؤيدين للمجموعة، رجل الأعمال اليهودي الأمريكي مردخاي كهانا، حيث كتب على موقعه على تويتر: «بعد سنوات من تهريب اليهود من مناطق الحرب في سورية، أفغانستان، العراق، اليمن، وأوكرانيا إلى إسرائيل، قررت مساعدة الإسرائيليين على الهجرة إلى الولايات المتحدة».

ثانيًا: المسألة تتعلق بالأيديولوجيا لا بالديمغرافيا

في الخلاصة، يلفت إيلان بابيه في الفصل الأخير من كتابه، إلى أنّه منذ عام 1967، لم تتغيّر جغرافيا الصراع في الواقع أبدًا، ففلسطين كانت دائمًا الأرض الواقعة بين النهر والبحر، ولا تزال كذلك. وتغيّر حظوظها لا علاقة له بالجغرافيا وإنّما بالديمغرافيا. فالحركة الاستيطانية التي وصلت هناك في أواخر القرن التاسع عشر تمثّل حاليًا نصف السكان، وتسيطر على النصف الآخر من خلال منظومة حاضنة لسياسات تمييزية وأيديولوجيا عنصرية. إنّ «السلام»، بحسب بابيه، لا يتعلّق بالتغيّر الديمغرافي، ولا بإعادة رسم الخرائط، بل بإقصاء هذه السياسات والأيديولوجيات.

كتب ذات صلة:

الاقتصاد الصهيوني الغاصب والاقتصاد الفلسطيني الأسير

الحركة الوطنية الفلسطينية في القرن العشرين

فلسطين: أربعة آلاف عام في التاريخ

المصادر:

نُشرت هذه الدراسة في مجلة المستقبل العربي العدد 534 في آب/أغسطس 2023.

ياسمين قعيق: باحثة سياسية لبنانية.

[1] «للمرة الأولى في بلد عربي.. الإمارات تحيي ذكرى «الهولوكوست»،» رأي الخليج، 7/4/2021، <https://shorturl.at/cmD37>؛ «دبي تفتتح أول معرض للهولوكوست في العالم العربي،» موقع سي أن أن الإخباري، 9 حزيران/يونيو 2021، <https://shorturl.at/eiW05>؛ «احتفاء إسرائيلي.. سفارة أبو ظبي في واشنطن تعلن إدراج «الهولوكوست» بمناهج الإمارات الدراسية،» الجزيرة نت، 8 كانون الثاني/يناير 2023، <https://shorturl.at/avzUZ>، و«الإمارات تعلن عن إدراج «الهولوكوست» في المناهج الدراسية،» وكالة سبوتنيك الإخبارية، 8 كانون الثاني/يناير 2022، <https://shorturl.at/bhAEZ>.

[2]   موقع الأمم المتحدة، الجمعية العامة تتبنى 5 قرارات في شأن الوضع في الشرق الأوسط من بينها قراران لإحياء ذكرى النكبة وإدانة مقتل الصحافية شيرين أبو عاقلة، 30 تشرين الثاني/نوفمبر 2022، <https://news.un.org/ar/story/2022/11/1116137>.

انظر أيضًا: «للمرة الأولى.. الجمعية العامة للأمم المتحدة تعتمد قرارًا لعقد جلسة رفيعة المستوى لإحياء الذكرى 75 للنكبة،» الجزيرة نت، 1 كانون الأول/ديسمبر 2022، <https://shorturl.at/ntFI0>.

[3]   موقع الأمم المتحدة، الجمعية العامة تتبنى 5 قرارات في شأن الوضع في الشرق الأوسط من بينها قراران لإحياء ذكرى النكبة وإدانة مقتل الصحافية شيرين أبو عاقلة، مصدر سابق، والجمعية العامة للأمم المتحدة تتبنى4 قرارات لصالح فلسطين- إسرائيل: قرارات مختلة، صحيفة الاستقلال الفلسطينية الإلكترونية، 1 كانون الأول/ديسمبر 2022، <https://www.alestqlal.com/post/69143>.

[4]   الجمعية العامة تتبنى قرارًا بالتوافق حول مكافحة إنكار المحرقة، الهولوكوست، والأمين العام يرحب بالقرار واصفا إياه بالتاريخي، موقع الأمم المتحدة، 20 كانون الثاني/يناير 2022، <https://news.un.org/ar/story/2022/01/1092172>.

[5]   «قرارا الأمم المتحدة حول علاقة الصهيونية بالعنصرية،» الجزيرة نت، 31 آب/أغسطس 2001، <https://shorturl.at/prADJ>.

انظر أيضًا: موسوعة مقاتل (بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 1994)، مج 2، ص 9-10، «القرار رقم 3379 قرارات الأمم المتحدة في شأن فلسطين 1975-1981 و«القرار رقم 8646 قرارات الأمم المتحدة بشأن فلسطين 1987-1991 (1995)، مج 4، ص 297 – 298.

[6]   «الأمم المتحدة تطلب من محكمة العدل إبداء الرأي بشأن الاحتلال الإسرائيلي،» رويترز، 30 كانون الأول/ديسمبر 2022،  <https://shorturl.at/iqv78>.

[7]   «الصراع الفلسطيني الإسرائيلي: الأمم المتحدة تطلب من محكمة العدل الدولية الرأي القانوني بشأن تبعات «الاحتلال الإسرائيلي»: معارضة دول عظمى للقرار،» موقع أخبار بي بي سي، 31 كانون الأول/ديسمبر 2022، <https://www.bbc.com/arabic/64133092>.

[8]    إيلان بابيه، عشر خرافات عن إسرائيل، ترجمة سارة ح. عبد الحليم (بيروت: المؤسّسة العربية للدراسات والنشر، 2018). يتألّف الكتاب من ثلاثة أجزاء بفصول عشرة يمتدّ على 190 صفحة، إلى جانب مدخل وخاتمة، فضلًا عن الهوامش وفهرس الإعلام، ويضم الكتاب ملحقًا بالتسلسل الزمني لأهم الأحداث التاريخية والسياسية، لمساعدة القرّاء على وضع الحجج والأطروحات ضمن سياقاتها بصورة أوضح.

[9]   الموقع الرسمي لوزارة خارجية إسرائيل: <http://mfa.gov.il>.

[10]   انظر مراجعة موسى البديري، لكتاب: رشيد الخالدي، «الهوية الفلسطينية: بناء الوعي القومي الحديث،» مجلة الدراسات الفلسطينية، السنة 9، العدد 35 (صيف 1998)؛ محمد مصلح، «جذور الوطنية الفلسطينية،» رأي اليوم، 11/7/2023؛ Rashid Khalidi, Palestinian Identity: The Construction of Modern National Consciousness (New York: Colombia University, 2010), and Muhammad Muslih, The Origins of Palestinian Nationalism (Beirut: Institute for Palestine Studies, 1989).

[11]   شلومو ساند، اختراع الشعب اليهودي، ترجمة سعيد عياش (رام الله: المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية – مدار، 2010).

[12]   تيار الألفية هو معتقد ديني يقول بأن المسيح سيعود إلى هذا العالم ثانية، لإقامة «مملكة الله» على الأرض التي تستمر لألف عام.

[13]   عبد الوهاب المسيري، موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية: الموسوعة الموجزة في جزأين (القاهرة: دار الشروق، 1999)، مج 2، ج 2، ص 202 – 203.

[14]   المصدر نفسه.

[15]   ساند، اختراع الشعب اليهودي.

[16]   أبراهام ملتسر، صنع معاداة الساميّة أو تحريم نقد إسرائيل، ترجمة سميّة خضر، سلسلة ترجمان (بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2022)، ص 187-188.

[17]   المسيري، المصدر نفسه، ص 179.

[18]  «قرارا الأمم المتحدة حول علاقة الصهيونية بالعنصرية،» الجزيرة نت، 31 آب/أغسطس 2001، <https://shorturl.at/etvHI>.

[19]   المسيري، المصدر نفسه، ص 179.

[20]   «العقد الصامت بين الحضارة الغربية والحركة الصهيونية،» في: المصدر نفسه، ص 214.

[21]   «الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة،» في: المصدر نفسه، ص 200.

[22]   انظر: إيلان بابيه، التطهير العرقي في فلسطين، ترجمة أحمد خليفة (بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2007).

[23]   Avi Shalim, «Israel and the Arab Coalition in 1948,» in: Eugene L. Rogan and Avi Shalim, eds., The War for Palestine: Rewriting the History of 1948 (Cambridge, MA: Cambridge University Press, 2001), pp. 79-80.

[24]    انظر: محمود محارب، «الصهيونية والهاجس الديمغرافي»، شؤون فلسطينية، العدد 194 (أيار/ مايو 1989)، انظر أيضًا: نور الدين مصالحة، طرد الفلسطينيين في مفهوم الترانسفير في الفكر والتخطيط الصهيونيين، 1948-1982 (بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 1992).

[25]   بابيه، التطهير العرقي في فلسطين.

[26]    المصدر نفسه، ومصالحة، المصدر نفسه.

[27]   يئير أورون، الكارثة والنهضة والنكبة (تل أبيب: ريسلينغ، 2013). انظر: محمود محارب، «الأرشيفات في إسرائيل والرواية التاريخية الإسرائيلية والنكبة: كشف النقاب عن التقرير الذي يدحض الرواية التاريخية الإسرائيلية،» أسطور، العدد 14 (تموز/يوليو 2021).

[28]   حول المزيد من خطط الترحيل والتطهير العرقي في فلسطين، انظر: بابيه، التطهير العرقي في فلسطين.

[29]    انظر: معهد عكيفوت، «إسكات: نشاط المسؤول عن الأمن في وزارة الأمن،» تقرير (تموز/يوليو 2019)، ومحارب، المصدر نفسه.

[30]   المصدر نفسه.

[31]   المصدر نفسه.

[32]   المصدر نفسه.

[33]   للمزيد انظر مراجعة ياسمين قعيق لكتاب إيلان بابيه: «أكبر سجن على الأرض: سردية جديدة لتاريخ الأراضي المحتلة،» المستقبل العربي، السنة 44، العدد 507 (أيار/مايو 2021)، ص 173-180. انظر أيضًا الكتاب: إيلان بابيه، أكبر سجن على الأرض: سردية جديدة لتاريخ الأراضي المحتلة، نقله من الإنكليزية أدونيس سالم (بيروت: دار هاشيت أنطوان، 2020).

[34]   للمزيد، انظر: المصدر نفسه.

[35]   للمزيد، انظر: المصدر نفسه.

[36]   «الأمم المتحدة تقرّ بأغلبية ساحقة حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم ونتنياهو: يمكن منحكم حكمًا ذاتيًا بدون سيادة أو أمن،» الجزيرة نت، 16 كانون الأول/ديسمبر 2022، <https://shorturl.at/wACPS>.

[37]   ««لنغادر البلاد معًا».. مجموعة عبرية تدعو لهجرة عكسية من إسرائيل،» شبكة الإذاعة والتلفزيون التركية TRT، 19 كانون الأول/ديسمبر 2022، <https://shorturl.at/mxEK6>.

 

.

رابط المصدر:

https://caus.org.lb/%D8%AE%D8%B1%D8%A7%D9%81%D8%A7%D8%AA-%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%81%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%B6-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%A7%D8%A6%D8%B9-%D9%88%D8%A7%D9%84/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M