خلافات مُتنامية.. عثرة جديدة بين روسيا وألمانيا بشأن شركاء الناتو

 آية عبد العزيز 

 

صرحت وزيرة الدفاع الألمانية “أنجريت كرامب-كارينباور” إبان حديثها لموقع “دويتشلاند فونك” يوم الخميس الموافق 21 أكتوبر 2021، عن ضرورة أن يكون الناتو على استعداد لإظهار القوة ضد روسيا، كوسيلة للردع يكون لها تأثير لضمان وحماية شركاء الناتو. واستكملت أن هذا الردع نتيجة الانتهاكات التي يشهدها المجال الجوي لدول البلطيق ومنطقة البحر الأسود، مُتهمة موسكو بشن هجمات إلكترونية، وتحفيز أزمة الهجرة بين بيلاروسيا ودول الاتحاد الأوروبي.

جاءت التصريحات في سياق موافقة وزراء دفاع الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، خلال اجتماعهم الذي عقد في نفس اليوم على ضرورة تعزيز تحالفهم بخطط جديدة ومحدثة تساهم في ردع التهديدات المُتلاحقة، وإظهار استعدادهم للتصدي للهجمات الروسية على دول البلطيق والبحر الأسود، موضحين إنهم لا يفترضون حدوث هجوم قريب منهم، ولكن التفكير في الأمر ومناقشته يعد أمر ضروري لضمان أمن شركاء الناتو.

حملت التصريحات العديد من رسائل الردع الاستباقي بما في ذلك إمكانية استخدام كافة الوسائل لمواجهة روسيا؛ إذ يُستدل من موقف الناتو تخوفه المُتزايد من التحركات الروسية الأخيرة التي تجلت في الحشد العسكري على حدود أوكرانيا في مايو 2021، الذي وصفه بعض المراقبين بأنه الأكبر منذ ضم شبة جزيرة القرم في عام 2014، ومناوراتها العسكرية مع بيلاروسيا في سبتمبر 2021، واستمرار الرفض الروسي لانضمام كييف للناتو لكونه يمثل تهديدًا للمجال الحيوي لموسكو وأمنها القومي.

موقف حاسم

انتقدت روسيا إعلان الناتو الذي ساهم في تنامي العثرات التي تواجه العلاقات بين الجانبين في الآونة الأخيرة، مُتخذة نهجًا موازيًا يستند على سياسة الرد بالمثل أو ما يعرف بـ “المعاملة بالمثل” الذي اعتادت عليه لمواجهة الناتو والدول الأعضاء فيه، تجلى في تصريحات المُتحدثة باسم وزيرة الخارجية الروسية “ماريا زاخاروفا” بأن الحفاظ على الحوار مع الناتو أصبح أصعب مما كان عليه إبان الحرب الباردة. فيما أشارت في تصريح آخر في 25 أكتوبر عن “أملها في أن يكون هناك قادة متعقلون في ألمانيا، يمكنهم منع وزيرة الدفاع من اختبار قدرات الجيش الروسي”، وأن “الناتو ما زال حتى الآن يسعى إلى احتواء روسيا بعد ما يقرب من 70 عامًا”.

أما وزير الخارجية الروسي “سيرجي لافروف” فوصف العلاقات الحالية بين الناتو وروسيا بأنها غير موجودة، إبان اجتماعه مع نظيرته النرويجية ” أنيكين هويتفيلد”، قائلًا إن “الناتو ليس صديقًا لروسيا، وهم قرروا أنهم لا يريدون أن يكونوا أصدقاء، ووصفوا روسيا والصين بأنهما تهديدًا للناتو”. داعيًا النرويج إلى الالتزام بتعهداتها في إطار الناتو بالتزامن مع إدراك أهمية علاقاتها مع روسيا.

ومن الواضح أن روسيا ستعمل على التصدي لجهود الناتو خاصة المُتعلقة بعمليات التوسع والتدريبات العسكرية على حدودها، وسياسته الخارجية التي أصبحت لها تداعيات تمتد آثارها على جميع الدول وهو ما تجسد في اتهام “لافروف” للناتو بأنه مسؤول عن الوضع الأفغاني خلال كلمته في اجتماع دول جوار أفغانستان الذي عقد في 27 أكتوبر، وضم كل من روسيا، والصين، وباكستان، وطاجيكستان، وإيران، وأوزبكستان، وتركمانستان؛ قائلًا “أصبحت أفغانستان اليوم بلدًا يضطر بالفعل إلى البدء من نقطة الصفر وإعادة الإعمار انطلاقًا من الخراب حرفيًا ومجازيًا، ويمثل ذلك نتيجة منطقية مؤسفة لفرض الولايات المتحدة والناتو على مدى عقدين نموذجهما لبناء الدولة على أفغانستان”.

سياق مُضطرب

بدأت حرب التصريحات بين روسيا والدول الأعضاء في الناتو، مع عدد الخلافات التي حدثت بينهم، بالتوازي مع انعقاد مجموعة من القمم الدولية التي من المقرر أن تشارك روسيا فيها، التي تجسدت فيما يلي:

  • إجراءات انتقامية: أعلن “لافروف” في 18 أكتوبر عن تعليق عمل البعثة الدائمة لروسيا لدى الناتو بداية من شهر نوفمبر 2021، بما في ذلك الممثل العسكري الرئيسي، وأنشطة بعثة الارتباط العسكرية للناتو في موسكو، وإلغاء اعتماد موظفيها، وإنهاء أنشطة المكتب الإعلامي للناتو في موسكو، ردًا على طرد 8 من أعضاء بعثتها لدى الحلف، بعد اتهامهم بالتجسس في 6 أكتوبر الماضي، وتخفيض عدد أفراد بعثتها لدى الحلف من 20 إلى 10 كحد أقصى. والجدير بالذكر في هذا السياق إن التنسيق والحوار بين روسيا والناتو بدأ بشكل فعلي بعد الحرب الباردة عندما انضمت موسكو لبرنامج الشراكة من أجل السلام في عام 1994، وتوقيع وثيقة تأسيسية بين الناتو وروسيا في عام 1997، فيما تم إنشاء البعثة الدبلوماسية الروسية في الناتو عام 1998، علاوة على إنشاء مجلس الناتو وروسيا في عام 2002، كآليات للحوار والتعاون بين الجانبين.
  • أزمة الغاز: شهدت العواصم الأوروبية حالة من التوتر نتيجة ارتفاع أسعار الغاز، مع استنفاذ مخزون الاتحاد الأوروبي منه، وزيادة الطلب عليه من قبل القوى الاقتصادية في آسيا في مرحلة التعافي ما بعد الجائحة، مع استمرار اعتمادهم على روسيا كمورد للغاز بنسبة تتعدى 40%، مقابل 23% على الخطوط النرويجية، و12% على الجزائر كمصدر للاتحاد الأوروبي. وبالتزامن مع هذه الأزمة تزايدت حالة التخوف من قبل القوى الأوروبية بشأن مستقبل إمدادات الغاز، ومدى قدرتهم على الاعتماد على روسيا باعتبارها مورد موثوق فيه، خاصة وأن العلاقات معها تتسم بالتوتر في العديد من الأحيان، كما أن هناك شكوك من أن خط الأنابيب “نورد ستريم-2” المُمتد من روسيا إلى ألمانيا، الذي يتجاوز بولندا وأوكرانيا قد يساعدها في توظيف الغاز كسلاح جيواستراتيجي ضد أوروبا في المستقبل، وهو ما تنفيه روسيا باستمرار.
  • التوجه نحو البحر الأسود: أصبحت منطقة البحر الأسود ميدان للتنافس بين روسيا والغرب، فبعد هذه التصريحات توجهت المدمرة “بورتو” الأمريكية المحملة بالأسلحة الصاروخية الموجهة إلى البحر الأسود في إطار عمليات الحلف هناك، وفقًا لما أعلنه الأسطول السادس الأمريكي في 29 أكتوبر. ولم تكن تلك التحركات جديدة على روسيا فهي تراقب تحركات الناتو في المنطقة، وترد عليها أيضًا من خلال زيادة التعزيزات البحرية فيها، والقيام بتدريبات عسكرية فيها هو ما يمثل تحديًا للأمن الأوروبي وشركاء الناتو؛ حيث تعد المنطقة ذات أهمية جيواستراتيجية وموطن لثلاثة أعضاء في الناتو (بلغاريا ورومانيا وتركيا) وبعض من الدول الشريكة في الناتو، لذلك فإن عدم استقرار في المنطقة سيؤثر بشكل مباشر على الحلف.
  • قمة G-20: مع استمرار التوتر بين روسيا والناتو عقدت قمة مجموعة العشرين في روما خلال يومي 30-31 أكتوبر، التي تُعد القمة الأولى التي يحضر فيها رؤساء المجموعة وجهًا لوجه منذ تفشي جائحة “كوفيد-19″، وبالرغم من ذلك أعلن الرئيس الروسي ونظيره الصيني عدم حضورهم القمة والمشاركة من خلال الفيديو كونفرانس. وركزت القمة على مواجهة التغيرات المناخية، والاهتمام بمعالجة الاختلالات التي أثرت على سلاسل التوريد، والتأكيد على أهمية تعافي الاقتصاد العالمي، واللقاحات المضادة لكوفيد-19. وبالرغم من ذلك لم يتمكن قادة المجموعة من التوافق بشأن الالتزام بإجراءات فعالة بشأن المناخ، وهو ما جعل الرئيس الأمريكي “جو بايدن” يُصرح في ختام القمة إنه “يشعر بخيبة أمل أن روسيا والصين امتنعت عن تقديم التزامات أقوى لمكافحة تغير المناخ أو لإرسال قادتهم إلى الاجتماعات العالمية الرئيسية لمعالجة الأزمة”.
  • قمة COP-26: عقد المؤتمر السادس والعشرين للأطراف في الاتفاقية الإطارية بشأن التغير المناخي المعروف باسم (COP26)   بمدينة جلاسكو الذي انطلق في الأول من نوفمبر وستستمر لمدة أسبوعين، بعد أن تم تأجيله بسبب جائحة “كوفيد-19″، وهي قمة سنوية تضم 197 دولة لمناقشة التغيرات المناخية وتداعياتها. لذا من المتوقع أن يتم اتخاذ قرارات جديدة لاحتواء التأثيرات المتنامية للاحتباس الحراري. وخاصة بعد أن فشل اجتماع وزراء البيئة والطاقة بدول مجموعة العشرين في نابولي بإيطاليا في 22 من يوليو، في إحراز تقدم لمعالجة التغيرات المناخية بعد أن امتنعت مجموعة من الدول الأعضاء عن تقديم التزامات مستقبلية.

حدود التصعيد

بالرغم من حالة التصعيد بين روسيا والناتو بشكل عام، وألمانيا على وجه الخصوص بشأن شركاء الناتو، فمن غير المتوقع أن يتعدى حدود المواجهة بينهم أكثر من تبادل التصريحات الحادة، وتعليق عمل البعثات الدبلوماسية بين الجانبين، فضلاً عن احتمالية القيام بتحركات استفزازية لروسيا في البحر الأسود مثل القيام بمناورات وتدريبات عسكرية، في المقابل، سيكون رد الناتو مُتمثل في مناورات مضادة مع إمكانية تعرض شركاء الناتو لبعض الهجمات الإلكترونية واختراق لمجالهم الجوي، وهو ما يعد عملًا محدودًا سيتعمد على مدى قدرة الجانبين على تجنب التصعيد، وادراكهم لتكلفة المواجهة، ولكن احتمالية الحرب بينهم مستبعدة على المدى الطويل نتيجة عدد من الأسباب وهي:

  • موقف مُتغير: بالرغم من التصريحات التصعيدية لوزيرة الدفاع الألمانية، إلا إن الحكومة الحالية لن تستمر لفترة طويلة، لكونها قائمة بالأعمال إلى حين ينتهي الحزب الاشتراكي الديمقراطي من المفاوضات الائتلافية الرسمية مع حزبي الخضر والديمقراطي الحر لتشكيل الحكومة بعد التوافق بشأن كيفية إدارة الملفات الداخلية والخارجية. وعليه فإن احتمالية أن تقوم الحكومة المستشارة الألمانية “أنجيلا ميركل” بأي تصعيد عسكري فهو أمر مستبعد. ولكن هذا لا يعني أن الحكومة القادمة ستكون أقل حدة بشأن روسيا في التعاطي معها، فقد أوضحت الأحزاب الثلاثة في برامجهم الانتخابية موقفهم من موسكو؛ إذ أكدوا على أهمية وقف العنف في شرق أوكرانيا، وبقاء العقوبات المفروضة عليها من قبل الاتحاد الأوروبي كشرط لتنفيذ اتفاقية “مينسك” والالتزام بها، مع احتمالية تشديدها في حالة التصعيد العسكري في أوكرانيا. أما الخضر فكان لهم وجهة نظر مُتعلقة أيضًا بالشراكة مع روسيا في مجال الطاقة؛ حيث أوضحوا أهمية وقف “نورد ستريم -2” لإنه لا يساهم في حماية المناخ، وموجه ضد المصالح الجيواستراتيجية الأوروبية. ولكنها أيضًا ستعمل على أن يكون هناك حوار بينهم لإدارة بعض الملفات المشتركة، وسيعتمد ذلك على التحركات الروسية في دول الجوار وحالة خفض التصعيد فيها.
  • التوسع شرقًا: تُعد عملية توسع الناتو بانضمام بعض دول الجديدة بالنسبة لروسيا من محفزات المواجهة بينهم ولكنه أمر غير مُحتمل الآن. بالرغم من أن عملية الانضمام إلى الناتو مازالت مفتوحة أمام أي دولة أوروبية تلبي معايير العضوية التي تتمثل في نظام ديمقراطي يرتكز على اقتصاد السوق، والالتزام بالتسوية السلمية للنزاعات، والمعاملة المنصفة للأقليات، والقدرة والإدارة على المساهمة في عمليات الناتو عسكريًا، والالتزام بالعلاقات العسكرية المدنية، والمؤسسات الديمقراطية، وذلك بموجب انتهاج الحلف لـ “سياسة الباب المفتوح”. كما أن قرار القبول يأتي بالإجماع وفقًا لتقييم كل عضو، وكيف استوفت الدولة الطالبة للعضوية تنفيذ هذه الشروط، علاوة على إجراءات المصادقة عليها من قبل دولة تختلف عن الأخرى. فضلاً عن أن المادة العاشرة من معاهدة الحلف التي تنص على التوسع وهو ما سيتطلب إجراءات طويلة المدى. كما أن مسألة الإجماع ستتطلب وقتًا، ومن غير المُحتمل أن تتوافق الدول الأعضاء على مسألة العضوية لذا فإن احتمالية ضم جورجيا وأوكرانيا للناتو أمر صعب الحدوث أيضًا، نتيجة عدد من التحديات المستمرة التي تواجههم على الصعيد الداخلي والمُتعلقة بالنظام السياسي والاقتصادي، علاوة على إنهم متورطون في نزاعات حدودية تجعل وضعهم غير مستقر. وبالرغم من تعهدات الحلف بضمهم للعضوية منذ عام 2008 في قمة بوخارست، إلا إنه من غير الواضح أن الغرب سيفعل ذلك لإنه لا يسعى للدخول في مواجهة مع روسيا بشكل مباشر على خلفية ضمهم، وأن كانوا يرغبوا بالفعل في ترجمة ذلك فلماذا لم يقوموا بذلك في أعقاب ضم شبة جزيرة القرم في 2014، أو بعد الهجوم الذي شنته روسيا على جورجيا في 2008.
  • الشراكة مع روسيا: أصبحت موسكو فاعل دولي مؤثر في العديد من الملفات والقضايا ذات الاهتمام المشترك مع الناتو، وأيضًا مع الدول الأعضاء فيه على الصعيد الإقليمي والدولي لا يمكن الاستغناء عنها أو إداراتها بمعزل على الجهود الروسية، وهو ما قد تبين خلال قمة مجموعة العشرين، وعدم توصلهم إلى موقف فعال بشأن تغير المناخ، بجانب أزمة الغاز في أوروبا التي أوضحت مدى اعتمادهم على الغاز الروسي، فضلًا عن مناقشة الاستقرار في مناطق الصراعات وخاصة في الشرق الأوسط، وأفريقيا، ولا سيما أفغانستان بدون موسكو. لذا ليس من مصلحة الجميع الدخول في مواجهة مع روسيا، لأنها لن تقتصر على التكلفة العسكرية بل ستمتد إلى مناطق أخرى، بجانب امتلاك روسيا بعض أوراق الضغط التي يمكن أن توظفها في هذا السياق لكي تكون نتيجة المواجهة عبارة عن استنزاف للقدرات ومقدرات الحلف والدول الأعضاء فيه. وهنا لابد من التأكيد على أن الولايات المتحدة والقوى الأوروبية لا تفضل القتال على جبهتين في آن واحد، فما زالت الصين تتزايد في صعودها في النظام العالمي على كافة الأصعدة وهو ما تعتبره واشنطن تهديدًا لها، ولابد من التصدي له من خلال التعاون متعدد الأطراف مع حلفائها.

أخيرًا، من المتوقع أن تستمر حرب التصريحات بين روسيا والناتو لحين الوصول إلى تهدئة بين الجانبين، تجنبهم حالة التصعيد التي تضر بمصالحهم، وتنعكس على علاقاتهم بشكل سلبي. 

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/64326/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M