خيارات “شبه عسكرية”: دلالات اتجاه فرنسا لسحب قواتها الموجودة داخل النيجر

أ. عدنان موسى

 

أصبح ملف الوجود الفرنسي في النيجر أحد أبرز الملفات الخلافية بين البلدين منذ الانقلاب العسكري الذي شهدته نيامي مؤخرًا، حتى بعد اعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أن بلاده ستسحب قواتها التي يبلغ عدد أفرادها 1.5 ألف جندي، من النيجر، حيث تصر القيادات الجديدة في النيجر على ضرورة التنسيق المسبق في عملية الانسحاب.

وفي هذا التحليل نتناول دلالات اتجاه فرنسا لسحب قواتها الموجودة داخل النيجر، وهو ما يمكن عَرْضه على النحو التالي:

1- مباحثات بين باريس ونيامي:

أشارت بعض التقارير الفرنسية إلى أن باريس بدأت في محادثات فعلية مع عددٍ من مسؤولي الجيش النيجري؛ بشأن سَحْب بعض القوات الفرنسية الموجودة في نيامي؛ بيد أن هذه التقارير لم تكشف عن عدد الجنود الذين تَستهدف باريس سَحبهم في هذه المرحلة. لكنها لفتت إلى أن هذه المحادثات لا تُجريها وزارة الدفاع الفرنسية مع قادة الانقلاب العسكري في النيجر، لكنّها عمدت إلى إطلاق هذه المشاورات مع مسؤولين داخل الجيش النظامي لنيامي، والذي يرتبطون بعلاقات وثيقة مع باريس منذ فترة طويلة.

2- تصاعد الغضب الداخلي في النيجر ضد الوجود الفرنسي:

شهدت الأيام الأخيرة تصاعدًا ملحوظًا في وتيرة السخط الداخلي في النيجر ضد الوجود الفرنسي، وهو ما انعكس في الاحتجاجات الواسعة التي نُظِّمت في العاصمة نيامي ضد استمرار القوات الفرنسية في النيجر، كما عمد المحتجّون إلى استهداف القاعدة العسكرية الفرنسية في العاصمة النيجرية نيامي.([1])

وتمتلك فرنسا نحو 1500 جندي داخل النيجر، متمركزين في ثلاث قواعد رئيسة في البلاد؛ تقع الأولى في المطار الرئيس في العاصمة نيامي، وتضم هذه القاعدة غالبية القوات الفرنسية في النيجر، بينما تقع القاعدتان الأخريان -وهما قاعدتا “ولام” و”أيورو”- على الحدود مع بوركينا فاسو ومالي، ولا يزال المحتجّون يحتشدون خارج القاعدة الفرنسية في نيامي منذ نحو أسبوع، مطالبين برحيل القوات الفرنسية بشكل كامل من البلاد.([2])

تجدر الإشارة إلى أن المجلس العسكري الانتقالي في النيجر كان قد أعلن، في 3 أغسطس الماضي، عن إلغاء العديد من اتفاقيات التعاون العسكري المُبْرَمَة مع فرنسا، كما أعلن طرد السفير الفرنسي لدى النيجر، سيلفان إيتي، بيد أن باريس رفضت كافة هذه القرارات، معتبرةً أن السلطات الحالية في نيامي غير شرعية، وهو ما دفَع المجلس العسكري الحاكم لاتخاذ مزيد من الخطوات التصعيدية، كان أبرزها سحب الحصانة الدبلوماسية من السفير الفرنسي.([3])

كما منح المجلس العسكري النيجري، مطلع أغسطس الماضي، مُهلة شهر واحد لفرنسا من أجل سحب قواتها الموجودة في النيجر.([4])

3- تقليص عدد القوات الأمريكية الموجودة في النيجر:

أعلنت الولايات المتحدة، في 7 سبتمبر الجاري، أنها ستقوم بإعادة تمركُّز بعض قواتها الموجودة داخل النيجر، مع سحب عدد من هذه القوات خارج نيامي([5])؛ حيث كانت واشنطن تحتفظ بنحو 1100 جندي داخل نيامي، موزّعين بين قاعدتين عسكريتين جويتين؛ تقع الأولى، وهي القاعدة الجوية (101)، بالقرب من العاصمة النيجرية نيامي، بينما تقع الثانية، وهي القاعدة (201) في منطقة أغاديز وسط النيجر، وقد نقلت واشنطن خلال الأيام الأخيرة قواتها الموجودة في القاعدة (101) إلى القاعدة (102) بأغاديز؛ بسبب التوترات الجارية في العاصمة النيجرية.([6])

ويأتي إعلان واشنطن عن اتجاهها لإعادة تمركز قواتها في النيجر متزامنًا مع التقرير الذي نشرته شبكة “CNN” الأمريكية، في 8 سبتمبر الجاري، والذي أشارت فيه إلى أن الولايات المتحدة ربما تبدأ في سحب قواتها من النيجر خلال الأسابيع المقبلة، معتبرةً أن هذا التطور سيشكل تغييرًا كبيرًا في الوجود العسكري في نيامي، خاصةً في ظل الحديث عن اتجاه واشنطن لسحب قرابة نصف قواتها المتمركزة في النيجر، وهو ما أرجَعه التقرير إلى القدرة الاستيعابية المحدودة للقاعدة (102)؛ حيث تعد هذه القاعدة أصغر مقارنةً بالقاعدة القريبة من العاصمة نيامي، ولا تمتلك القدرة على استيعاب كافة القوات التي كانت متمركزة في قاعدة (101)، وهو ما سيؤدي إلى سحب بعض هذه القوات لخارج النيجر.([7])

بيد أن الولايات المتحدة لا تزال متمسكة بالحفاظ على وجودها العسكري في النيجر، خاصةً وأن الأخيرة تُشكّل مركزًا حيويًّا بالنسبة لواشنطن تعتمد عليه الولايات المتحدة في إجراء رحلات جوية للاستخبارات والمراقبة والاستطلاع. كما أشار بعض المسؤولين داخل وزارة الدفاع الأمريكية إلى أن تقليص عدد القوات الأمريكية في النيجر لا يؤثر على المهام الموكلة لهذه القوات.([8])

دلالات مهمة:

تعكس المتغيرات الراهنة في النيجر جملة من الدلالات المهمة، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:

1- انهيار الوجود الفرنسي في منطقة الساحل والصحراء:

أشارت صحيفة “لوموند” الفرنسية إلى أن نفوذ باريس في منطقة الساحل قد انهار بشكل كبير، في ظل الانقلابات العسكرية التي شهدتها كلٌّ من مالي وبوركينا فاسو والنيجر، وحتى بالنسبة لتشاد، فثمة توجهات متزايدة باتت مُعارِضَة لاستمرار الوجود العسكري الفرنسي في نجامينا، بل إن هناك بعض التقديرات لم تَستبعد احتمالية أن تشهد تشاد انقلابًا عسكريًّا ضد الرئيس الانتقالي، محمد إدريس ديبي، وهو ما سيعني نهاية فعلية للنفوذ الفرنسي في منطقة الساحل.

2- تعثُّر استراتيجية ماكرون في إفريقيا:

عكست الانقلابات العسكرية التي شهدتها ست مستعمرات فرنسية سابقة خلال ثلاث سنوات فقط مدى تعثر الاستراتيجية الفرنسية في إفريقيا، وتشير بعض التقارير الأمريكية في هذا الإطار إلى أن باريس لم يَعُد بمقدورها اتخاذ خطوات تصحيحية فاعلة لإعادة هيكلة استراتيجيتها في إفريقيا، خاصةً بعدما قطعت بعض الحكومات الإفريقية علاقاتها مع فرنسيا بشكل تام، وعمدت في المقابل إلى بلورة علاقات جديدة مع منافسي باريس، لا سيما روسيا، وإذا ما كانت فرنسا قد فقدت نفوذها بشكل كبير في منطقة الساحل والصحراء، فالنفوذ الفرنسي في بقية مناطق نفوذ فرنسا داخل القارة الإفريقية بات في موقف دفاعي، قابل للانهيار في أي وقت.([9])

تجدر الإشارة إلى أن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، كان قد كشف في شهر فبراير الماضي عن ملامح استراتيجية فرنسا الجديد في القارة الإفريقية، متعهدًا بسحب القوات الفرنسية الموجودة في إفريقيا، والعمل بدلًا من ذلك على بناء “شراكة أمنية” مع حلفاء باريس في القارة. لكن يبدو أن ماكرون لم يلتزم بهذه التعهدات، كما لم يلتزم بتعهداته السابقة التي قطعها مع وصوله للسلطة قبل نحو ست سنوات، والتي ألمح حينها أن مرحلة “الفرانكفريك” قد وَلَّت تمامًا، وأن إدارته لن تتعامل مع دول القارة من منظور استعلائي.

وفي هذا الإطار، أشارت بعض التقارير إلى أن سياسة ماكرون في إفريقيا أدَّت إلى تجريد فرنسا من غالبية نفوذها التقليدي في إفريقيا، من خلال تفاقم حالة عدم الثقة في باريس، رغم أن ماكرون كان يستهدف في البداية إعادة تعزيز الثقة الإفريقية في فرنسا، لكن يبدو أن سياسة ماكرون فشلت في إحلال الوجود العسكري الفرنسي في إفريقيا بنظام اقتصادي جديد، واكتفى فقط باستبداله بصفقات تجارية صغيرة وغير متكافئة.([10])

وقد لفتت بعض التقارير الغربية إلى أن موجة العداء ضد الوجود الفرنسي آخِذة في الارتفاع في كثير من الدول الإفريقية، بما في ذلك الدول الأكثر استقرارًا على غرار السنغال، وهو الأمر الذي لم يعد يرتبط بالأساس بفكرة الماضي الاستعماري الفرنسي، فغالبية الشباب المعادي لباريس غير مرتبط بشكل قوى بالماضي، لكنهم في المقابل يسخطون على الامتيازات الواسعة التي تحصل عليها فرنسا، وفي المقابل يجد هؤلاء الشباب تحديات واسعة في الحصول على تأشيرات دخول باريس.([11])

3- تأجيج الخلافات بين واشنطن وباريس:

جاءت ردود الفعل إزاء الانقلاب العسكري الأخير في النيجر بشكل متباين بين الولايات المتحدة وفرنسا؛ فبينما تدعم باريس بشكل علني مساعي المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (الإيكواس) للتدخل عسكريًّا للإطاحة بقادة الانقلاب العسكري، وإعادة الرئيس محمد بازوم للسلطة، في المقابل عمدت واشنطن إلى تبنّي استراتيجية أكثر دبلوماسية إزاء السلطات الجديدة في نيامي؛ حيث أرسلت الولايات المتحدة عدة مبعوثين إلى النيجر، كما أرسلت سفيرًا جديدًا لها إلى نيامي، من أجل التوصل إلى تفاهمات دبلوماسية مع المجلس العسكري الجديد هناك، كما تجنَّبت الإدارة الأمريكية وصف الإطاحة ببازوم في النيجر بأنه انقلاب عسكري، على عكس موقف فرنسا.([12])

وفي هذا الإطار، أشارت بعض التقارير الغربية إلى أن ثمة قلقًا لدى واشنطن من التصعيد الخطابي الذي تتبناه باريس ضد السلطات الحاكمة في النيجر، ما يعكس أحد ملامح الخلافات القائمة في الوقت الراهن بين البلدين؛ حيث باتت الولايات المتحدة وفرنسا تتخذان مواقف متباينة في كثير من القضايا الجيوسياسية والأمنية في السنوات الأخيرة، وهو ما بدأ يتبلور بشكل واضح منذ عام 2021م، عندما استبدلت الولايات المتحدة صفقة الغواصات المبرمة بين فرنسا وأستراليا بصفقة أخرى تضم الولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا، فيما لوَّح الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، خلال زيارته إلى الصين، في أبريل الماضي، إلى أن أوروبا باتت في حاجة ماسَّة للحفاظ على الاستقلال الاستراتيجي عن واشنطن، وتجنُّب الانزلاق في الصراع الأمريكي الصيني الراهن.([13])

ويبدو أن القارة الإفريقية باتت تُشكل أحد أبرز الملفات الخلافية بين واشنطن وباريس، فرغم أن الولايات المتحدة اعتمدت خلال العقود الماضية على الوجود الفرنسي في إفريقيا، استنادًا للنفوذ الاقتصادي والعسكري التاريخي لباريس في القارة الإفريقية، لكن يبدو أن ثمة قناعة باتت راسخة لدى واشنطن مفادها أن النفوذ الفرنسي المتراجع بشكل مطرد ومتسارع في إفريقيا يُنذر بتبلور فراغات واسعة في القارة، ستدفع قوى أخرى، مُنافِسَة لواشنطن، لملء هذا الفراغ، وهو الأمر الذي بات يُشكِّل مصدر قلق رئيس بالنسبة لإدارة الرئيس الأمريكي الحالي، جو بايدن.([14])

4- محورية القوى المتوسطة في ظل المرحلة الانتقالية الحالية للنظام الدولي:

أشار تقرير صادر عن “المجلس الأوروبي للشؤون الخارجية” إلى أن ضعف النظام الدولي الراهن يُشكِّل مُحفِّزًا رئيسًا بالنسبة لقادة الانقلابات العسكرية في إفريقيا؛ حيث يمر النظام الدولي حاليًّا بمرحلة انتقالية مهمة، ويشكل الدور الذي تقوم به القوى المتوسطة في هذه المرحلة أهمية خاصة؛ حيث تستهدف هذه القوى الاستفادة من طبيعة المرحلة الراهنة للنظام الدولي من أجل تعزيز نفوذها الخارجي، وهو قد يُفسِّر حالة التنافس الواسعة في القارة الإفريقية بين القوى الدولية والإقليمية المختلفة، ويشير التقرير إلى أن دوافع روسيا في إفريقيا تتشابه كثيرًا مع دوافع القوى المتوسطة، لكنها تختلف في عامل رئيس، يتعلق برغبة روسيا في تقويض النفوذ الغربي في القارة الإفريقية.

ويشير التقرير إلى أن النظام الدولي خلال الفترة السابقة التي اتسمت بالأحادية القطبية سمح للولايات المتحدة وحلفائها الغربيين باستخدام سياسة “الجزرة والعصا” في القارة الإفريقية، بيد أن طبيعة المرحلة الانتقالية الراهنة، وما تمخَّض عنها من سياسة خارجية أكثر نشاطًا للقوى المتوسطة بات يُشكِّل عائقًا أمام ردع التطلعات الانقلابية داخل القارة الإفريقية، خاصةً وأن القادة الأفارقة يدركون جيدًا توازنات القوى الراهنة في النسق الدولي، ويعملون على توظيف ذلك من أجل تجاوز الاختيار المحدود المتمثل في الولايات المتحدة والقوى الاستعمارية السابقة، لا سيما فرنسا وبريطانيا.([15])

انعكاسات داخلية وإقليمية:

في إطار المتغيرات الراهنة في النيجر، هناك جملة من الانعكاسات المحتملة التي ربما تطرأ على المشهد خلال الفترة المقبلة، يمكن عرضها على النحو التالي:

1- إعادة انتشار القوات الفرنسية في منطقة الساحل الإفريقي:

أشارت بعض التقارير الفرنسية إلى أن باريس ربما تعمل خلال الفترة المقبلة على إعادة انتشار بعض قواتها في منطقة الساحل الإفريقي؛ من خلال نقل بعض قواتها الموجودة في النيجر إلى مناطق أخرى، لا سيما في تشاد، مع نقل البعض الآخر من هذه القوات إلى فرنسا. غير أن هناك بعض التقارير حذَّرت من احتمالية أن يؤدي هذا الانتشار للقوات الفرنسية إلى تأجيج مزيدًا من المشاعر العدائية ضد فرنسا داخل الدول التي ستعمل باريس على نشر قواتها بها، ومِن ثَمَّ سيزيد من احتمالات حدوث انقلابات عسكرية في هذه الدول.

2- تصاعد التوترات بشأن خطة الانسحاب الفرنسية من النيجر:

رجَّحت بعض التقديرات أن تشهد الفترة المقبلة مزيدًا من التوترات بين فرنسا والمجلس العسكري الحاكم في النيجر، في ظل الخلافات المتوقع إثارتها في المباحثات الخاصة بعملية انسحاب القوات الفرنسية من نيامي؛ حيث تشير بعض التقديرات إلى أن باريس تستهدف حاليًّا سحب معظم طائراتها بدون طيار ومعدات الاستطلاع الجوي الموجودة في النيجر، مع الاحتفاظ بقوة عسكرية قادرة على تنفيذ هجمات ومناورات دفاعية([16]). وفي المقابل تتمسك السلطات النيجرية بضرورة سحب كافة القوات الفرنسية الموجودة في البلاد، وهو ما قد يؤدي إلى مزيد من التوترات بين الجانبين خلال الفترة المقبلة.

وربما يدعم هذا الطرح الاتهامات التي وجَّهها المجلس العسكري الحاكم في النيجر إلى فرنسا، في 9 سبتمبر الجاري، بمحاولة زعزعة الاستقرار في نيامي؛ حيث أعلن المتحدث باسم المجلس العسكري النيجري، الكولونيل أمادو عبد الرحمن، أن باريس تواصل نشر قواتها في عدد من دول الإيكواس في إطار الاستعدادات الجارية لشن عدوان على النيجر.([17])

وفي هذا الإطار، وصلت قوات من بوركينا فاسو إلى النيجر، في 8 سبتمبر الجاري، استعدادًا لبدء تدريبات عسكرية ومناورات مشتركة تتعلق بمكافحة الإرهاب، ويأتي وصول هذه القوات في إطار التعهدات التي كانت أطلقتها مالي وبوركينا فاسو باعتبار أيّ هجوم عسكري ضد النيجر من مجموعة الإيكواس سيكون بمثابة إعلان حرب على الدولتين.

3- تأرجح فرص الخيار العسكري:

لا يزال الحديث عن فكرة الخيار العسكري في النيجر تلقى حالةً من التباين بين التقديرات المختلفة، فثمة تقديرات محدودة لا تزال ترى أن هذا الخيار لا يزال قائمًا حتى الآن، خاصةً مع تصاعد التوترات الجارية بين باريس ونيامي، واستمرار المحتجين داخل النيجر في محاصرة القاعدة العسكرية الفرنسية في نيامي؛ مطالبين برحيل كامل للقوات الفرنسية.

في المقابل، ذهبت غالبية التقديرات الغربية إلى أن الخيار العسكري بات مُستبعَدًا في حالة النيجر، حتى إن بعض هذه التقديرات بدأت في مطالبة المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) بضرورة تقبُّل فكرة صعوبة عودة بازوم إلى السلطة، والدخول في مفاوضات مباشرة مع المجلس العسكري الحاكم في النيجر، من خلال إعادة تقييم العقوبات المفروضة مِن قِبَل الإيكواس على نيامي، مقابل التوصل لاتفاق بتقليص الفترة الانتقالية والحفاظ على المصالح الغربية في نيامي.([18])

4- خيارات شبه عسكرية مطروحة:

في ظل الحديث عن استبعاد سيناريو التدخل العسكري المباشر في النيجر؛ طرحت بعض التقديرات مسارات أخرى “شبه عسكرية” يمكن أن تلجأ إليها القوى الغربية في التعامل مع المجلس العسكري الجديد حال تهديد المصالح الغربية في نيامي؛ لعل أبرز هذه المسارات هو العمل على تغذية الانقسامات القائمة بالفعل داخل المؤسسة العسكرية النيجرية، خاصةً في ظل الحديث عن وجود خلافات متعلقة بمدى أحقية قائد المجلس العسكري الحاكم، الجنرال عبد الرحمن تشياني، في الاستمرار في السلطة، ويبدو أن فرنسا تُعوِّل بشكل رئيس على هذا المسار كبديل عن التدخل العسكري.

من ناحية أخرى؛ كشف جهاز الاستخبارات الخارجية الروسي أن الإدارة الأمريكية غير راضية عن تغيير السلطة في النيجر، وتبحث حاليًا في سيناريو التصفية الجسدية لقادة الانقلاب العسكري في نيامي، وهو ما يثير تساؤلات عدة تتعلق بمآلات المشهد المرتبك حاليًّا في النيجر.

وفي التقدير، لا تزال كافة السيناريوهات مطروحة إزاء المشهد الراهن في النيجر، فرغم أن فرنسا شرعت فعليًّا في مفاوضات مع المؤسسة العسكرية في النيجر بشأن سحب بعض قواتها، بيد أن باريس لا تزال تُعوِّل على حدوث تصدعات داخلية في المجلس العسكري الحاكم في نيامي؛ لذا تستهدف إطالة أمد عملية الانسحاب، استنادًا لهذه التوقعات.

في المقابل ستعمل الولايات المتحدة على الحفاظ على النهج الدبلوماسي في التعامل مع السلطات الحالية في النيجر، للحفاظ على مصالحها ووجودها العسكري هناك، لكنها ربما تلجأ لتغيير هذا النهج حال تعرُّض مصالحها للتهديد.

وعلى أيّ حال تعكس النيجر حالة كاشفة عن التحولات الجيوسياسية في النظام الدولي الراهن، وتعقُّد شبكة الفاعلين الدوليين والإقليميين في هذا الملف؛ الأمر الذي سيزيد من حالة عدم اليقين، ويجعل الملف النيجري مفتوحًا على كافة الاحتمالات.

[1] -Uncertainty for French soldiers in Niger, confined to barracks after coup, RFI, September 8, 2023. https://n9.cl/acyzg

[2] -Crowds camp in front of Niger French army base to press for troop departure, Reuters, September 8, 2023. https://n9.cl/d205c

[3] -France weighs withdrawal of some troops from Niger — reports, DW, September 5, 2023. https://n9.cl/9amod

[4] -Bensimon, C., Philippe Ricard and Elise Vincent, France starts process of withdrawing its forces from Niger, Le Monde, September 6, 2023. https://n9.cl/pwezo

[5] -ELLEN MITCHELL, US repositioning forces in Niger in ‘precautionary’ move, The Hill, September 8, 2023. https://n9.cl/cj71y4

[6] -Oren Liebermann and Natasha Bertrand, US could begin withdrawing troops from Niger in coming weeks, US officials say, CNN, September 8, 2023. https://n9.cl/7q7n4

[7] -Ibid

[8] -LARA SELIGMAN, U.S. troop presence in Niger could drop by half as Pentagon repositions forces, Politico, September 8, 2023. https://n9.cl/jl6jb

[9] -France Struggles to Reshape Relations in Africa, Voice of America, September 6, 2023. https://n9.cl/ygax5

[10] -Frank Gerits, France in Africa: why Macron’s policies increased distrust and anger, The Conversation, September 5, 2023. https://n9.cl/xw7pa

[11] -France Struggles to Reshape Relations in Africa, Voice of America, September 6, 2023. https://n9.cl/ygax5

[12] -Jay Solomon, Niger crisis drives wedge between US and France, SEMAFOR, September 5, 2023. https://n9.cl/qxlm5

[13] -Ibid

[14]– ibid

[15] -Theodore Murphy, Middle powers, big impact: Africa’s ‘coup belt,’ Russia, and the waning global order, European Council on Foreign Relations 2023, September 6, 2023. https://n9.cl/6qsahb

[16] -Fewer drones, aerial assets: France plans reduction of military presence in Niger, France 24, September 6, 2023. https://n9.cl/zgds2

[17] -Niger Military Accuses France of Preparing Forces for ‘Intervention’, Voice of America, September 9, 2023. https://n9.cl/fi27e

[18] -Olayinka Ajala, Niger coup: Ecowas must do these 3 things to break the stalemate, The Conversation, September 4, 2023. https://n9.cl/ltd9m

.
رابط المصدر:

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M