“خيمة القذافي” تحرج “إخوان الكويت” مع الديوان الأميري

زياد الفيفي

 

منذ بدأت روح معمر القذافي تحوم حول السياسيين العرب، حتى بات المتابعون يترقبون الاسم التالي، فعلى ما يبدو أن ما في جعبة الرئيس الليبي بعد وفاته أكثر مما كان في جعبته وهو على رأس السلطة.

فقد شهدت مواقع التواصل الاجتماعي أسابيع ساخنة، بعد أن سرّب المعارض القطري خالد الهيل تسجيلات لشخصيات كويتية مشهورة بنشاطها السياسي وميولها الإسلامية.

مبارك الدويلة وحاكم المطيري، نجح القذافي بدفعهما للحديث عن مشاريعهما السياسية في الخليج، وموقفهما من الجارة الكبرى السعودية، واهتمامه في التغيير السياسي فيها، بحضور آلة التسجيل الشهيرة.

الدويلة والديوان الأميري

كان آخر تلك التسجيلات ما تضمّن حواراً دار بين مبارك الدويلة، أحد مؤسسي حزب الحركة الدستورية في الكويت، والرئيس معمر القذافي، التي بدأت كما برّرها الدويلة، بطلبه الوساطة من القذافي بين امتداد عشيرته من السودان “الرشايدة” وعمر البشير، الطرفين اللذين جمعتهما خصومة بعد تأسيس أفراد من القبيلة السودانية جماعة مناهضة للخرطوم تدعى “الأسود الحرة”، وهي المصالحة التي رعاها القذافي ونجح في تطبيقها.

إلا أن النقاش حول “الرشايدة” أخذ منحى مختلفاً، بعد أن اقترح القذافي على الدويلة توظيف علاقته بالقبيلة العربية الكبيرة والممتدة لصالح المشروع السياسي المشترك بينهما. يبدأ القذافي بقوله “التمرد داخل الرياض الآن، وداخل مكة وجدة، لن يقبلها آل سعود لكنهم لن يستطيعوا التصدي لقبيلة “الرشايدة” ولا يفتحوا جبهة معهم”، الأمر الذي يؤكده مبارك، قبل أن يبدأ بسرد قصة عن “الحالة السياسية المتأزمة” داخل السعودية، مدعياً نقلها عن محافظ منطقة حفر الباطن الحدودية بين السعودية والكويت.

وما إن انتشر التسجيل حتى بادر السياسي الكويتي بالدفاع عن نفسه في سلسلة تغريدات، شارحاً ظروف الزيارة، ومضيفاً “في لقائنا مع القذافي حدث حوار نقلت تفاصيله في حينها للشيخ صباح، الذي طلب مني إبلاغ الملك سلمان به، وتمّ ذلك في اليوم نفسه حيث طرح القذافي فكرة استخدام القبائل لزعزعة أمن الخليج!”، مبرراً مجاراته للقذافي بأنها محاولة لطمأنته ومعرفة ما ورائه.

إلا أن الديوان الأميري الكويتي نفى صحة رواية الدويلة، إذ نشرت وكالة الأنباء الكويتية بياناً عن وزير شؤون الديوان الأميري علي الصباح معلقاً على ما ورد في التبرير بأنه “غير صحيح البتة ومحض تقوّل وافتراء على المقام السامي”، مؤكداً أنه “لا يجوز أن ينسب إلى حضرة صاحب السمو أمير البلاد أيّ حديث أو قول من دون الحصول على موافقة رسمية وصريحة من الديوان الأميري”، ملوحاً بالمساءلة القانونية لمن يمارس هذا السلوك.

ولم يتسنّ لـ “اندبندنت عربية” أخذ تعليق من مبارك الدويلة حول الردّ الأميري بعد فشل الوصول إليه، إلا أنه اكتفى بالرد على حسابه في تويتر بـ “حسبنا الله ونعم الوكيل”.

“حاكم المطيري” ضيف على الخيمة

لم يدر في خلد حاكم المطيري عندما قرر مهاجمة يوسف بن علوي، أحد ضحايا مكتبة تسجيلات القذافي، أن اسمه هو التالي على القائمة، إذ نشر المطيري في مايو (أيار) تغريدة هاجم بها وزير الخارجية العماني، قائلاً “المكالمة المسرّبة اليوم بين القذافي ومسؤول عماني تؤكد طبيعة الدول العربية الوظيفية التي يرتهن وجودها وسقوطها بقرار أميركي واستعدادها للقيام بكل ما تريده الحملة الصليبية منها، وتغيير نظام أي بلد عربي وتقسيمه، وفق خرائط المحتل الأميركي ودور إيران والعرب في تنفيذ ذلك، كما حدث في العراق!”

لتتسرّب تسجيلات الخيمة الليبية بعدها بأسابيع، بينه وبين حاكم طرابلس في حينها، والتي يظهر فيها ما يبدو أنه اتفاق بين القذافي والمطيري على ضرورة استغلال ما يعرف بالفوضى الخلاقة لتغيير الأوضاع في عدد من دول الخليج.

ووعد القذافي حاكم المطيري، في التسجيل المسرّب، بتقديم الدعم من أجل تنفيذ هذا المخطط.

وحضّ الرئيس الليبي الداعية الكويتي للعمل في الكويت والسعودية والبحرين ونقل ما وصفها بـ “الفوضى الخلاقة”، إليها عبر “استغلال الأوضاع في العراق، والاستعانة بالمتطرفين وتأسيس جناح سري”، ونصحه أن يبقى كواجهة للحزب وادعاء الديموقراطية، ليؤكد المطيري بعدها أن الحزب يعمل فعلاً على كل ما أوصى به معمر في حديثه، ليبدأ بعدها الداعية باستعراض منشورات الحزب أمام معمر، قائلاً “يهمني رأيك أخي القائد بهذا، لأنها أحدثت ضجة وأزعجت الحكومة في الكويت”.

ونشرت صحيفة السياسية الكويتية بعد أيام من تداول التسجيل، خبراً عن فتح وزارة الداخلية في الكويت تحقيقاً بخصوص التسجيلات، وفقاً لمصدر أمني، في حين تترقب جامعة الكويت التي يعمل الداعية استاذاً فيها نتائج التحقيقات، وسوف تتصرف على ضوء ما ستسفر عنه، وفق ما نقلت الصحيفة.

ولم يوضح المطيري موقفه مما ورد في التسجيلات، لذا تواصلت معه “اندبندنت عربية” للحصول على تعليقه حول موقفه مما حصل، وسنقوم بنشره فور تلقيه.

البداية من مسقط

لم تبدأ جولة التسريبات الحالية بالكويت، كما يبدو أنها لن تنتهي فيها، إذ حطّ شبح القذافي في مسقط أولاً باستهداف رجل الدبلوماسية الأول فيها، وزير الخارجية يوسف بن علوي في مايو(أيار) الماضي.

وتداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي تسجيلاً صوتياً منسوباً إلى الوزير العماني، تناول فيه الشأن السياسي السعودي مع معمر القذافي، الذي كانت علاقته سيئة جداً بالرياض، وصلت إلى اتهام السعوديين له بمحاولة اغتيال العاهل السعودي السابق عبد الله بن عبد العزيز.

التسجيل الذي أثار جدلاً واسعاً تحدّث فيه القذافي عن موقفه من الرياض، ومشروع التقسيم الإثني للمناطق السعودية المختلفة، بينما كان ابن علوي حذراً ومكتفياً بالموافقة على عدد من رؤى القذافي، حتى بدأ الحديث عن رؤيته للتغيير في المنطقة، وشكل التغيير الذي ينتظر الرياض والدول المشاركة فيه.

ولم تعلّق وزارة الخارجية العمانية أو وزيرها على التسجيل منذ ذلك الوقت، سوى نفي تلقته “اندبندنت عربية” من السفارة العمانية في لندن حول علمها بأي شيء يخصّ الموضوع، مؤكدة أن لا فكرة لديها عن التسجيلات.

الدوحة أولى الضحايا

التسجيلات الأخيرة أعادت إلى الذاكرة الخليجية واقعة مشابهة حدثت مع أمير قطر السابق حمد بن خليفة ورئيس وزرائه حمد بن جاسم، والقذافي، اللذين كانا ضحية الجولة الأولى من التسجيلات قبل حوالى ثماني سنوات.

وتضمّنت التسجيلات، التي أكد صحتها حمد بن جاسم في لقاء تلفزيوني، قناعة الدوحة حول “اتجاه السعودية نحو التقسيم”، نتيجة ما وصفه بـ “البركان” الذي سيضرب المنطقة، داعياً القذافي إلى التنسيق مع المسؤولين السعوديين الذين يرتادون الدول الأوروبية للعمل على هذا المشروع.

وبرر ابن جاسم حديثه ذاك، في لقاء مع التلفزيون القطري، بأنه لم يكن “سوى محاولة لاستدراج القذافي”، لاستعادة أموال استثمرتها الدوحة في ليبيا، وجرى الاستيلاء عليها من قِبل النظام في طرابلس، مؤكداً “عدم جديته في الحديث الذي قاله”، إضافة إلى تسجيل آخر لأمير البلاد في حينها، تضمّن الدلالات والأفكار ذاتها في التنسيق مع القذافي حول “تشكيل الدولة الخليجية الكبيرة وفق أسس إثنية”.

ضيوف الخيمة يترقبون

ومع تكرار التسريبات، يبدو أن عملية تسجيل اللقاءات الرسمية كانت عادة أكثر الرؤساء العرب غرابة، في خيمته الصحراوية الشهيرة التي كان يحب استقبال ضيوفه فيها، فحبل التسريبات لا يبدو أنه وصل إلى نهايته.

فالمكتبة الصوتية التي صنعها القذافي قبل رحيله، يبدو أنها سقطت في فترة الفوضى والفراغ الليبي بيد من يهوى اللعب على رقعة شطرنج كبيرة، يسرّب منها ما يحلو له في الوقت الذي يحلو له، الأمر الذي يجعل كلّ ضيوف الخيمة في ترقب وإعادة مراجعة لحساباتهم، حول ما تجرؤوا على قوله في ضيافة من يهوى ابتزازهم بالأشرطة المسجلة.

دبلوماسية التسجيلات التي انتهجها “الأخ القائد”، الذي كان يدعو ضيوفه الخاصين إلى الخيمة بعيداً من قصره المرفّه، دفعت بهم إلى الشعور بارتياح في مكان ظنوه أكثر خصوصية، في الوقت الذي كان أقلّها خصوصية في العالم.

فمن التالي؟

رابط المصدر:

https://www.independentarabia.com/node/130881/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D8%AA%D9%82%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%B1/%D8%AE%D9%8A%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B0%D8%A7%D9%81%D9%8A-%D8%AA%D8%AD%D8%B1%D8%AC-%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%88%D9%8A%D8%AA-%D9%85%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%88%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D9%8A%D8%B1%D9%8A

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M