دوافع تهديد الكويت بالحشد الشعبي

أصدرت وزارة الداخلية في الكويت، مساء الأحد الموافق 02 مايو/أيار 2022، تعليمات أمنية مباشرة إلى كبار قيادات وزارة الداخلية في البلاد برفع مستوى جاهزية خفر السواحل للدرجة القصوى. جاء هذه التعميم عقب دخول عدد من الزوارق العراقية المياه الإقليمية الكويتية، وهو ما جعل الأجهزة الأمنية الكويتية تتعامل مع هذا التهديد بحزم.

عقب دخول الزوارق البحرية العراقية وإيقافها من قبل قوات الخفر الكويتي مطالبات من عضو البرلمان العراقي النائب علاء الحيدري- الذي يعد عنصراً معروفاً “محلياً” في الميليشيات المسلحة الموالية لطهران- بنشر قوات من الحشد الشعبي في خور عبد الله الواقع في شمال الخليج العربي بين جزيرتي بوبيان ووربة الكويتيتين وشبه جزيرة الفاو العراقية؛ بهدف حماية الصيادين العراقيين.

يحاول تقدير الموقف البحث في سياقات تصريح النائب العراقي لمعرفة الدوافع المحلية والإقليمية وراء هذا التصريح.

تاريخ النزاع البحري بين الكويت والعراق

نتيجة الغزو العراقي للكويت عام 1990 توقفت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، لكن العلاقات عادت مجدداً للحياة عقب سقوط نظام صدام حسين نتيجة الغزو الأمريكي للعراق عام 2003. وقد بدأت العلاقات الثنائية تعود بحركة اطرادية نحو الأمام، وسعى البلدان إلى معالجة الملفات المشتركة بينهما، ومن أهم هذه الملفات ملف الحدود البحرية بين الكويت والعراق.

منذ انتقال السلطة في العراق إلى هيئة الائتلاف المؤقتة عام 2005 طالبت الكويت عدة مراتبتسوية حدودها البحرية مع العراق، لا سيما أن الغزو العراقي لها أفقدها جزءاً من سيطرتها على بعض المناطق والحدود التي كانت تحت سيادتها قبل الغزو، إلا أن جميع مطالبات الكويت لم تتحقق، وربما ارتبط ذلك بوضع العراق غير المستقر نتيجة الغزو الاحتلالي له والأزمات الداخلية المتعاقبة التي لم تمنح العراق أي قدرة على معالجة حقيقية لمشاكله الخارجية منذ 2003.

ومع ذلك، تمكن البلدان من تحقيق اتفاقية لتنظيم الملاحة في خور “عبد الله” عام 2012، نصت على تنظيم الملاحة في الخور وبما ينصب في مصلحة البلدين. إلا أن الاتفاقية لم تنفذ على نحو جدي، ومن ثم لم تتوقف المشاكل البحرية بين البلدين.

فقد عبَّر كلٌّ من الكويت والعراق بشكل متقطع لدى الأمم المتحدة عن شكاويهما المرتبطة بقضية حدودهما البحرية من خلال توجيه رسائل إلى الأمم المتحدة، كان آخرها في أغسطس/آب 2019، ومارس/آذار 2020.

وجميع الطلبات والشكاوى التي قدمها البلدان إلى مجلس الأمن والأمم المتحدة ارتبطت بقضايا نزاع حدودي في منطقة المياه البحرية المشتركة بينهما. وقد أقرت الخارجية العراقية، عام 2019، بوجود خلاف قانوني مع الكويت حول مسألة الحدود البحرية، ولا سيما مع تصاعد الأصوات في البرلمان العراقي المنددة بتضييق الحقوق المائية على العراق في خور “عبد الله” نتيجة اتفاقية عام 2012.

ويمكن القول إن ملف الحدود البحرية ربما يأخذ مزيداً من الوقت لحل مشاكله نتيجة ارتباطه بمصالح جيوسياسية واقتصادية وما إلى ذلك من أسباب. إذ لم يتمكن البلدان حتى الآن من تعميد ترسيم الحدود البحرية بأكملها بينهما، على خلاف الحدود البرية التي تم تعميد ترسيمها وفق القرار 833 الصادر عن مجلس الأمن عام 1993.

أيضاً، نظراً لتداخل المياه الإقليمية للدول المتشاطئة شمال الخليج العربي، فقد ظهرت عدة صعوبات في تطبيق اتفاقية الأمم المتحدة لقانون أعالي البحار (1982)، ومن ثم زادت التحديات أمام تحديد الحدود البحرية لكل من الكويت والعراق، لا سيما مع إصرار العراق على ضمان منفذ مائي على ساحل الخليج العربي يتناسب مع حاجاته الاقتصادية والاستثمارية، وهذا المنفذ متصل بشكل أساسي بالمياه الإقليمية للدول المتشاطئة.

وفي وقت سابق، أعلن العراق “أن تحديد حدوده البحرية مع إيران شرطٌ مسبق ضروريلتسوية مسألة الحدود البحرية مع الكويت، على الرغم من عدم الترابط بين مجاريه المائية المشتركة مع الكويت وتلك المشتركة مع إيران”، وهو ما أظهر حجم التأثير الإيراني في القرار السياسي للعراق، وربما يكون له دور في تأخير عملية ترسيم الحدود البحرية بين الكويت والعراق.

ومع تصاعد الأصوات من داخل البرلمان العراقي الداعية للاستعانة بالحشد الشعبي، فإن الأزمة الحدودية قد تأخذ منحى آخر غير المنحى القانوني الأمني المرتبطة به طوال الفترة الماضية، وتتوسع لتأخذ منحيات جيوسياسية وأمنية أخرى.

سياقات الأحداث

خلال الفترة الماضية تمكنت دوريات خفر السواحل الكويتية من إيقاف عدد من الزوارق البحرية العراقية المخترقة للمياه الإقليمية الكويتية، سواء كانت من صيادين بحريين أو زوارق تنشط في أعمال التهريب أو غيرها من الزوارق. إلا أن الاختراق الأخير اختلف عن سابقيه نتيجة التهديد المباشر للكويت وأمنها.

إذ دعا النائب العراقي عن محافظة البصرة، علاء الحيدري، في مؤتمر صحفي له نهاية شهر أبريل/نيسان، إلى نشر قوة من اللواء السابع البحري التابع لهيئة الحشد الشعبي في منطقة خور عبد الله لحماية الصيادين العراقيين، وذلك عقب ادعائه بأن “قوات خفر السواحل الكويتية اعتدت على صيادين عراقيين في منطقة الفاو، وقامت بتعذيبهم والتنكيل بهم، ما تسبب في وفاة أحدهم”.

تحدث الحيدري بطريقة تحدٍّ ولغة تصعيدية مبالغ فيها، وصرح أيضاً بقوله: “إلى خفر السواحل الكويتي، إذا لم تتأدبوا فنحن سوف نؤدبكم بطريقتنا الخاصة”، وهو  ما أثار استهجاناً شديداً من أعضاء مجلس الأمة الكويتي، وطالب عدد منهم وزارة الخارجية الكويتية “باستدعاء السفير العراقي لدى البلاد وتسليمه رسالة احتجاج ضد تهديدات النائب في البرلمان العراقي علاء الحيدري تجاه الكويت”.

وبالفعل استدعت دولة الكويت سفير بغداد في أراضيها، المنهل الصافي، يوم الأربعاء الموافق 27 نيسان/أبريل 2022، وسلمته مذكرة احتجاج على التهديدات التي وجهها النائب العراقي. وقد أكد نائب وزير الخارجية الكويتي، مجدي الظفيري، في بيان رسمي نشر على موقع وزارة الخارجية الكويتية، عدم صحة الادعاءات التي وُجهت للكويت، ومشيداً بالتعاون المشترك بين الدولتين في معالجة قضية تجاوزات “الصيادين العراقيين للمياه الإقليمية الكويتية”.

وفي سياق آخر متصل، نفت السلطات الكويتية صحة الأخبار التي تناولتها وسائل التواصل الاجتماعي بشأن وجود قطع بحرية عراقية مسلحة في المياه الإقليمية الكويتية، مؤكدة استقرار حدودها البحرية وجاهزية قوات خفر السواحل الكويتي لمواجهة أي خطر.

دوافع الإعلان عن الاستعانة بالحشد الشعبي ضد الكويت

إن المطالب التي رفعها النائب علاء الحيدري لا تتسق مع الأنباء المتتالية عن خلو المياه العراقية من أي قوات للحشد الشعبي، وهذا ما أكده رئيس جمعية الصيادين العراقيين في محافظة البصرة، بدران التميمي، لوكالة شفق نيوز، إذ صرح أن “الحديث عن سيطرة الحشد الشعبي على المياه الإقليمية للعراق مع الكويت غير صحيح ولا أساس له”.

وهو ما يفرض عدداً من التساؤلات حول الدوافع الكامنة وراء تصريحات النائب الحيدري، وهل هناك علاقة بشأنها والموقف الإقليمي العام السائد في الفترة الحالية؟ ولاستكشاف ذلك نقسم دوافع الإعلان عن الاستعانة بالحشد الشعبي إلى دوافع داخلية ودوافع إقليمية.

الدوافع المحلية

تصدير مشاكل العراق الداخلية

لا يخلو العراق من المشاكل السياسية والاقتصادية والأمنية، إلا أن مشكلة الانسداد السياسي تعد من أبرز المشاكل التي ترسم المشهد السياسي الحالي في العراق، وذلك نتيجة عدم التمكن من انتخاب رئيس جديد للبلاد، وعدم تشكيل الحكومة منذ ما يقرب من خمسة أشهر؛ بسبب الصراعات بين كتل الفائزين في انتخابات العاشر من أكتوبر/تشرين الأول 2021.

حيث تمكن التيار الصدري من تصدر القوائم الفائزة، وهو ما رفضته قوى “الإطار التنسيقي” والمجموعات المسلحة الحليفة لإيران، التي احتجت بأن العملية الانتخابية شهدت تزويراً، وهو ما استدعى إقامة اعتصام مستمر لقطاع من أنصار هذه القوى لعدة أسابيع عند بوابات “المنطقة الخضراء” وسط العاصمة بغداد.

وربما أرادت التيارات السياسية الحليفة لإيران خلق مشاكل حدودية تعزز من خلق صورة عنها بوصفها مدافعاً عن القضايا الشعبية والحقوق الوطنية، وهو ما يزيد من شعبيتها السياسية. بمعنى آخر، توحيد صفوف الداخل عبر اختلاق عدو مشترك خارجي، وهي سياسة منتهجة في العديد من الدول التي لا تشهد استقراراً داخلياً.

غطاء لتمدد الميليشيات المسلحة في المياه الإقليمية

لم يصدر أي موقف رسمي عراقي تجاه تصريحات الحيدري، لكن هناك تأكيد في الموقف الرسمي العراقي على التعاون الكامل مع دولة الكويت. حيث قال مصدر مقرب من الحكومة العراقية لصحيفة “الجريدة” الكويتية: “إن التنسيق مع الكويت في مجالات الأمن والسياسة يمر بفترة تعاون مثمرة، وإن بغداد تعمل على تطويق أنشطة قوات الحشد الشعبي قرب الشواطئ العراقية”.

وهو ما يعني أن تصريحات النائب ليست سوى سياسة اعتمدها حلفاء إيران من الفصائل المسلحة لاستغلال فرصة التنازع الحدودي بين الكويت والعراق لتهييج الرأي العام العراقي، وربما استغلاله في التمدد في المياه الإقليمية، ومن ثم اكتساب مواقع نفوذ وتأثير لهم في المياه الإقليمية العراقية وما جاورها، وهو ما قد يسهل لهم تحقيق أهدافهم الخاصة من عمليات تهريب وما إلى ذلك.

الدوافع الإقليمية

يعد اللواء السابع البحري للحشد الشعبي أحد الألوية التابعة للمجلس الأعلى الإيراني، وقد تأسس على يد جلال الدين الصغير عام 1982، حيث جهز الحرس الثوري الإيراني هذا اللواء وأعدَّه إعداداً كلياً، وهو ما يعني وجود ارتباط وتنسيق بين الحرس الثوري الإيراني والذراع البحرية للحشد الشعبي في العراق.

ومن جملة الدوافع الإقليمية المرتبطة بتصريحات الحيدري الأمور الآتية:

إقحام العراق بمشاكل إيران الحدودية مع الكويت (المرتبطة بحقل الدرة النفطي)

ربما توجهت إيران إلى أذرعها المسلحة في العراق لإحداث تغيير في موازين القوى بشأن مسألة حقل الدرة للغاز، فقد أثار الاتفاق السعودي الكويتي، في ديسمبر/كانون الأول 2019، بشأن تسريع تطوير الحقل واستغلاله، اعتراض إيران، رافضة أي مشاريع “أحادية” الجانب في المنطقة الإقليمية المشتركة بينهم.

وقد رفضت إيران الدعوات الكويتية والسعودية لترسيم الحدود الشرقية للمنطقة المقسمة المغمورة بين تلك البلدان، فضلاً عن إعلان وزير النفط الإيراني، جواد أوجي، استعداد بلاده لبدء التنقيب في حقل الدرة خلال الفترة المقبلة، على اعتبار أن لإيران حقاً في حقل الدرة مثلها مثل السعودية والكويت؛ لكون الحقل يقع في نطاق المياه غير المحددة بين إيران والكويت، وهو ما تنكره سلطات الدولتين الخليجيتين. إذ تؤكد أن الحقل يقع في المنطقة المغمورة المحاذية للمنطقة المقسومة بينهما فقط.

وفي 21 مارس/آذار الماضي، وقعت كل من السعودية والكويت اتفاقية تعاون لتطوير حقل الدرة للغاز لإنتاج مليار قدم مكعبة قياسية يومياً و84 ألف برميل من المكثفات يومياً.

ومن المحتمل أن الخطوات السعودية الكويتية الجادة لتفعيل حوض “الدرة النفطي” أثارت حفيظة إيران بشكل متزايد، وهو ما دفعها إلى استغلال أوراقها الأمنية الضاغطة على السعودية والكويت، فضلاً عن رغبتها في إظهار سلطتها أمام خصومها الإقليميين بأنها أكثر قدرة أمنية منهما على اختراق المجال السيادي الخاص بهما، خاصة عند الحديث عن إمكانية التوصل إلى اتفاق نووي جديد، وهو ما من شأنه تمكين إيران من العودة إلى سوق النفط العالمية مجدداً وبنسب إنتاج عالية.

ولعل تجدد النزاع بين الكويت وإيران بشأن حقل الدرة بعد توقف دام أكثر من 20 عاماً ليس من قبيل الصدفة؛ في الوقت الذي قد تتوصل فيه إيران إلى اتفاق نووي مع الدول الغربية.

تعكير استقرار مياه الخليج وإظهار تعاظم قوة الحرس الثوري الإيراني

من أهم بنوك الأهداف الإيرانية في المنطقة الخليجية ومحيطها السيطرة على منافذ القوة فيها، وبسط النفوذ على أقصى مساحة ممكنة، وذلك يجري بالتزامن مع الأخبار المتداولة بشأن المفاوضات التشاورية بين إيران ودول المنطقة الخليجية وعلى رأسها السعودية.

تريد إيران التفاوض لتحقيق الاستقرار في المنطقة بعد الحروب التي أنهكت جيشها وقدراتها العسكرية، لكنها في الوقت ذاته تريد الحفاظ على مواقع النفوذ الخاصة بها، وذلك بتطوير أنشطة فروعها غير الرسمية المنتشرة في كل المنطقة، ومن ثم فإن الحديث عن انتشار قوات الحشد الشعبي في الحدود البحرية العراقية ربما يعني أن ميليشيا إيران في المنطقة تتحرك نيابة عن إيران وعن حرسها الثوري لبسط نفوذ القوة هناك.

فالحديث عن ذراع بحرية غير الحرس الثوري الإيراني في المياه الإقليمية العراقية، ربما يكون الهدف منه إرسال إشارات بطريقة ما إلى الدول المتشاطئة في شمال الخليج العربي بقدرات إيران العسكرية التي لا تنحصر في الأشكال الرسمية فقط.

الخاتمة

تتميز العلاقات الكويتية العراقية بنوع فريد من الدبلوماسية الثنائية بين البلدين، إذ انتقلت العلاقات سريعاً من العداء إلى الاحترام المتبادل، وتمكن البلدان من تحسين العلاقات بينهما وتجنيب بلديهما المواجهات المباشرة، على الرغم من الانقسامات الجيوسياسية في المنطقة، والتحديات الجمة التي يواجهها البلدان نتيجة انعدام الاستقرار في العراق، والتدخلات الهائلة في قراره الداخلي من خلال الأجنحة السياسية والعسكرية التابعة لإيران داخل العراق.

وعند النظر في الأحداث الأخيرة خارج سياقها العام، نجد أنه ليس من مصلحة العراق أن يدخل في مشاكل حدودية مع الكويت؛ إذ إن هذا يفاقم من الإشكاليات التي يواجهها، ومن ثم يستنتج بأن الدعوات للاستعانة بالحشد الشعبي لم تأت للحفاظ على مصلحة خاصة بالعراق، وإنما جاءت لتتوافق مع مصالح أطراف خارجية ضمن سياقات التغيير القائمة في المنطقة، وهو ما يفتح باب التساؤل حول سبب التهديد باستخدام الحشد الشعبي في هذا التوقيت، وما إذا كان يأتي ضمن مساعي إيران لتعزيز نفوذها في المنطقة، وكيف يمكن أن يؤثر في عملية مفاوضات السلام والاستقرار القائمة بين إيران ودول المنطقة الخليجية؟

 

.

رابط المصدر:

https://fikercenter.com/2022/05/12/%D8%AF%D9%88%D8%A7%D9%81%D8%B9-%D8%AA%D9%87%D8%AF%D9%8A%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%88%D9%8A%D8%AA-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B4%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B9%D8%A8%D9%8A/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M