رؤية وبداية سلسلة أحداث الغزو الروسي على اوكرانيا وتأثيرها على العالم

م.م. جعفر احمد نعمه

 الاختصاص في القانون العام الدولي الجنائي

التدريسي في كلية الحكمة الجامعة / قسم القانون العام

 

في عام ٢٠١٤ وقع ما يعرف بالثورة الاوكرانية او ثورة الكرامة بعد انتهاء سلسلة من الاحداث العنيفة بين المتظاهرين وشرطة مكافحة الشغب ومسلحين مجهولين في قلب العاصمة الاوكرانية (كييف) أدى إلى طرد رئيسها السابق، فيكتور يانكوفيتش، واسقط النظام الذي جعل من أوكرانيا بلدة تابعةً لروسيا الاتحادية تحت حكمها المطلق كان سبب هذه الثورة ناتجة عن حملة إعلانية غربية كبيرة بقيادة الامريكيين وجهت للأوكرانيين تحت  بند الحرية واستعادة الكرامة والانتفاض من التبعية الروسية فلقد علم الروس ان الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي كان المسؤول الأول من خلع اليد التابعة لها في العاصمة (كييف)  واسقاط النفوذ الروسي هناك واعتبرت روسيا ان الاطاحة بالرئيس الاوكرانية بالسابق يانكوفيتش عبارة عن انقلاب غير شرعي ولم تعترف بالحكومة المؤقتة التي اتخذتها الكلاديو جيش النيتو السري هناك والعصبة المجهولة التي ساهمت بأسقاط النظام فقامت مظاهرات حاشدة مناهضة لروسيا وضد الثورة تحت الغطاء الأمريكي في المناطق الشرقية والجنوبية من البلاد وانتهت ب استحواذ روسيا بالكامل على شبه جزيرة القرم عام ٢٠١٤ وتأسيس دولة مستقلة في الدونيتسك ولوهانسك الا ان أوكرانيا سقطت في الغربيين ومن خلفهم أمريكا وأصبح الرئيس بيتروبورشينكو رئيسا لاوكرانيا بعد نصر ساحق في الانتخابات والتي أقيمت فورا في عام ٢٠١٤ واعادت الحكومة الجديدة إعادة تعديل الدستور الاوكراني لعام ٢٠١٤ وبهذا وضعت أمريكا الخناق على روسيا وحققت من خلال هذه الثورة ثلاثة أمور وهي

الاول: عزل أوكرانيا عن النفوذ الروسي

والثاني :تحويلها إلى دولة أوروبية تابعة لها

والأمر الثالث والأهم : هو تحريض الروس لاقتحامها عسكريا والحصول على الشرعية الدولية لفرض العقوبات مما يضعفها اقتصاديا ولوجستيا وسيلحق الضرر بها عسكريا،

الا ان الروس كانوا على علم بخطورة هذه الخطوة ضد أوكرانيا وبالأخص ان تركيا آنذاك قامت بغلق البحر الاسود بوجه الروس بأمر من امريكا مما عزل الروس سنين طويلة خلف هذه المياه وفي ذلك الوقت من العام ٢٠١٤ كان اليسارييون هم من يحكمون أمريكا في ذلك اليوم بقيادة الحزب الديمقراطي ولوحظ علننا إعطائهم الضوء الأخضر للروس لدخول شبه جزيرة القرم وعلى نفس السياق عزف الإعلام الأمريكي الغربي خطاب العقوبات والرد الحاسم وماهي الا أشهر وفتحت المنافد لشبه جزيرة القرم التي باتت الحل الوحيد للروس من أجل الحفاظ على الأمن القومي للبلاد بالرغم من علمهم المسبق ان احتلالها سيخدم القوة الغربية الأمريكية ويعطيها الاذونات لفرض العقوبات ولكن مصلحة الروس فيها كانت كبيرة ولا مفر من هذه المصيدة الأمريكية المحكمة ولكن أمريكا لم تدرك حينها ان الصين كانت تجهز لحليف قوي لقيادة العالم وان هذا الحليف سيكون روسيا

وفي عام ٢٠١٦ اي بعد عامين من تلك الاحداث باتت تحركات حزب التنمية والعدالة تخرج عن نطاق معاهدة لوزان عام ١٩٢٣ وكشفت معلومات مسربة ومؤكدة ان تركيا تجري اتفاقات إقليمية مع الروس وذلك على الصعيدين العسكري والاقتصادي فقررت الدولة التركية العميقة الموالية للحزب اليساري العالمي وبأمر مباشر من الدولة العميقة الحاكمة (أمريكا) بتجهيز انقلاب عسكري ضخم ضد الرئيس التركي اردوكان الا انه باء بالفشل وبدأت انطلاق الشرارة المباشرة للتحرك التركي نحو الروس والصين في المعسكر الشرقي المضاد للحلف الغربي الأمريكي الا ان الروس كان شرطهم الأول والاساس هو فتح البحر الاسود بالكامل ولكن الأمور لا تجري هكذا بشكل افلام هوليوود فالدولة التركية إلى اليوم تخضع تحت مضلة حلف النيتو بقيادة أمريكا الا ان أمريكا تعلم جيدا كيف تدير الأمور فقام بقرار سري مفاجئ بأعطاء الضوء الأخضر للاشتراك بفتح البحر الاسود أمام الروس وبنفس الوقت قام بحشد قوة عسكرية كبيرة في اليونان استعدادا لأي خروج تركي من المضلة الغربية الأمريكية نحو المضلة الشرقية الروسية الصينية والهدف الخفي من هذا القرار هو جر الروس نحو الحرب الإقليمية..

ومن هنا لنوضح الأمور بشكل سلس ويسير بأن أمريكا تلعب دوما دور المراقب عن بعد ولا تتدخل الا في اللحظات الأخيرة ففي الحرب العالمية الأولى دخلت قبل أشهر فقط من نهايتها اي عند جمع الغنائم وفي الحرب العالمية الثانية قامت بدور الداعم الخلفي للروس والاوربيين وفي كلتا الحالتين كانت هي الفائز الأكبر فبعد الحرب العالمية الثانية خرجت بريطانيا منهكة منها وتسلمت أمريكا قيادة العالم بعد ما تخلصت من جميع ديونها باسم الحرب ونمى اقتصادها بشكل جنوني ما بعد الحرب وخصوصا البترودولار اي ان أمريكا تهدف للإقامة الحروب ولكن من المقاعد الخلفية ولهذا تهدف إلى جر روسيا نحو حرب إقليمية بحيث تكون مآربها صعبة على الاتحاد الشرقي الروسي الصيني اي في بداية  العام ٢٠١٨ بقيت روسيا بدون اي تحرك لاستعادة أوكرانيا بالرغم من فتح الطريق لها إلا انها كانت تعرف  بالمصيدة الأمريكية وفي نفس الوقت أعلن الحلف الروسي الصيني نية الغزو وعلى كافة الاصعدة اي باتت اللعبة الان تدار في ساحة الأمريكيتين فقامت أمريكا فورا بمحاصرة الصين عبر اليابان وكوريا الجنوبية والدول الاسيوية وبنفس الوقت نشرت قوات النيتو بالقرب من الحدود الروسية وفي خطوة غير مسبوقة انسحبت أمريكا فجأة من أفغانستان الا ان الامريكيين لا يدعون اي شيء بدون استغلال بل يستغلون حتى انهزامهم فبعد الانسحاب من أفغانستان قاموا بتسليح طالبان بشكل غير مباشر عبر وسطاء اقليميين من أجل بناء جدار متين ضد الروس اي بنفس الأسلوب القديم التي اتبعته ضد الاتحاد السوفيتي عندما فتحت الطريق لعبور ارض الأفغان وهنا الروس يعلمون جيدا ان دخولهم عبر أفغانستان هو دخولهم للجحيم فأظهرت طالبان عدم فهمها للعبة الامريكيين واستغل السلاح في ايديهم لحماية البلاد هنا الخطة الأمريكية باتت مكشوفة الان وبدأت القوة الروسية الصينية تكبر وبشكل كبير في العالم الأمر الذي قد يطيح بالقوة الغربية الأمريكية والى الأبد فلجأ الأمريكيون إلى اتباع سياسة خبيثة وماكرة جدا لجر الروس نحو الحرب في مستنقع جديد وذلك عن طريق الاستفزاز عن طريق نشر قوات حلف الشمال الأطلسي النيتو على الحدود الروسية في تهديد علني على الأمن الروسي في مطلع العام ٢٠٢٠ وفي الوقت نفسه ضغطت على اوكرانيا للدخول تحت مضلة النيتو بحجة حمايتها من الروس وهو ما سيجبر الروس على التحرك الفوري لمواجهة هذا الأمر الخطير الذي يهدد الأمن القومي لها بشكل صريح وهنا لم يبقى للروس ضم أوكرانيا للاتحاد الروسي وبهذا تربح أمريكا عدة نقاط.. النقطة الأولى جر الروس نحو الحرب.. والثانية جعلهم تهديدا عسكريا على رقاب الدول الأوربية التي باتت تخرج عن سيطرة الأمريكيين.. والثالثة جعل الدول الأوربية تحت تهديد يدفعهم إلى التوجه نحو أمريكا.. والرابعة قيام أمريكا بإغراق الدول الأوربية في حرب طويلة ضد الروس ومن ورائهم الصين وذلك من خلال الدعم المادي ب الأسلحة والمعدات ولعبة الحرب بالوكالة.. والنقطة الخامسة هي توليد حرب عالمية ثالثة تكون أمريكا الطرف غير المباشر فيها بينما يصطدمون الأوربيون مع العرب بحرب ضد الصين وروسيا تكون فيها أمريكا هي الرابحة الأكبر عن طريق أضعاف وانهاك كافة القوى وتسيدها مرة أخرى على العالم

نعود إلى أوروبا فهي لا تثق البتة في أمريكا ولا تستطيع الخروج عن ارادتها فلقد طلبت مرارا وتكرارا أسرار صناعة الأسلحة المتطورة الا ان الامريكيين رفضوا الطلب خوفا من استقلال الاتحاد الأوروبي وانهيار الحلف الأمريكي فإن هذه الازمة التي افتعلتها أمريكا في رفع اسعار الغاز والقمح والعديد من الأسلحة الرئيسية التي تحقق منها مليارات الدولارات. حيث إن الدول الاوروبية اليوم تخشى من انقطاع الغاز القادم من الانابيب الروسية فهذا الأمر خطير جدا فيمكن ان يؤدي إلى غرس مسمار مباشر في النعش الأوربي وقبل ايام قليلة جدا من غزو روسيا لأوكرانيا حدث أمرا اعتبرته أوروبا نذيرا  بالكارثة فقد أفادت وكالة لوفوستي بأن انفجار مجهول المصدر حدث في خط  أنابيب الغاز دروكبا في مقاطعة لوكانسك شرق أوروبا مما سيدفع أوروبا قريبا إلى خضوع مطلق لأمريكا وبشروط مفتوحة ومما سبق يتضح لكل سياسي محنك ان أمريكا هي من تريد إدخال روسيا في هذه الحرب وكبش الفداء هنا هي أوكرانيا والتي أصبحت ضحية لهذا الخلاف او بالأحرى لهذه اللعبة الخبيثة فبعد الانقلاب الذي حدث فيها جعل أوكرانيا تتجه إلى حلف الأطلسي وهو ما كان خط أحمر بالنسبة للروس فالأزمة ليست بين روسيا واوكرانيا وفقا لما يقوله الإعلام وإنما بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية. التي تتزعم حلف الأطلسي اليوم.. حيث أن الروس ليسوا بتلك السذاجة لينخدعوا بالفخ الأمريكي إذا لماذا قاموا بنشر القوات المسلحة وغزوهم؟ والجواب هنا لن تكون الحرب ما هي الا حربا  استعراضية اعلامية تلفازية فالحرب التي تخطط لها أمريكا هي حرب عالمية تهدف فيها لإخضاع القوى العظمى كما حدث في الحرب العالمية الثانية واما الهدف الروسي من الغزو هو اخضاع أوكرانيا وإيقاف مد حلف النيتو وتخلص الاوكرانيين من حلف النيتو التي باتت على مشارف الروس من جهة والصين من جهة أخرى بينما استولت على الحدود التركية من جهة اليونان

وهنا نقطة كبيرة تكون برهان على غزو روسيا لأوكرانيا حيث أعلنت أمريكا عن سحب سفيرها واجلاء رعاياها وفتحت جميع النوافذ أمام الروس لدخول المصيدة ولم تتخذ نفس الإجراءات التي اتخذتها لوقف الصين من ضم تايوان عندما ارسلت فورا الغواصات النووية (يو أس أس جورجيا) إلى هناك ووقف التحرك الصيني على تايوان بالرغم ان وقف التحرك هو مؤقتا ليس إلا ولكن ما يحدث الان هي حقائق مؤكدة لإدخال الروس في مستنقع الحرب وان هذه الخطوات التي تقوم بها أمريكا ستؤدي إلى نهاية أمريكا ودخول العالم في صراع رهيب سيقلب كافة الموازين فالقوة الغربية اليوم تضغط نحو تحريك العالم نحو حرب عالمية ثالثة تارة بين الهند وباكستان وتارك بين الصين وتايوان والغزو الروسي لاوكرانيا

وهنا نتائج مسرح الحرب ستؤدي إلى قطع القمح فالروس والاوكران هم مصدر إمداد قمح العالم وكذلك ارتفاع أسعار الحديد والغاز وباسم مسرح الحرب سترتفع اسعار سلع المعيشة بشكل جنوني وكبير وباسم مسرح الحرب ستقع المجاعة وخاصة في الدول العربية والافريقية وباسم الحرب سيفرض سيطرة النظام الموحد العالمي.

(ونسأل الله تعالى أن يعم الأمن والسلام في جميع أنحاء العالم وحقن الدماء)

 

.

المصدر: عبر منصات التواصل للمركز

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M