رويترز: صنع في أمريكا – وحدة التجسس الإماراتية

 عادل رفيق

 

نشرت وكالة رويترز للأنباء في العاشر من ديسمبر الماضي تحقيقاً صحفياً قام به كل من جويل شيكتمان وكريستوفر بينج حول أسرار  تأسيس وحدة التجسس الإماراتية التي يرمز لها بـ (دريد)على يد مسؤولين أمريكيين رفيعي المستوى كانوا يعملون سابقاً في البيت الأبيض، وذلك في أعقاب هجمات سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة الأمريكية، بهدف معلن هو “مكافحة الإرهاب”، وكيف انحرفت الوحدة السرية عن الهدف الذي قيل أنها أُنشئت من أجله، لتركز على تعقب معارضي النظام الإماراتي، والتجسس على قادة وحكومات في دول أخرى، وشخصيات عامة وقوى معارضة في المنطقة، وحتى في أوروبا والولايات المتحدة نفسها، بعيداً عن دعاوى “مكافحة الإرهاب” التي اتخذتها ذريعة لإقناع الإدارة الأمريكية وكبار مسؤولي البيت الأبيض السابقين بتأسيس الوحدة.

ونظراً لأهمية هذا التحقيق الصحفي والمعلومات الغزيرة التي كشفها في هذا الصدد، فقد قام المعهد المصري للدراسات بترجمته بشكل كامل على النحو التالي:

في السنوات التي أعقبت أحداث 11 سبتمبر في الولايات المتحدة، حذر ريتشارد كلارك، رائد مكافحة الإرهاب الأمريكي السابق، الكونجرس من أن البلاد في حاجة إلى قدرات تجسس أكثر اتساعاً لمنع وقوع كارثة أخرى. وبعد مرور خمس أعوام على تركه العمل بالحكومة، قام كلارك بتسويق الفكرة نفسها لشريك أكثر تحمساً: دول عربية (خليجية) واسعة الثراء.

وفي عام 2008، ذهب كلارك للعمل كمستشار للإشراف على تدشين وحدة مراقبة سيبرانية في الإمارات العربية المتحدة تستعين بمتعاقدين رفيعي المستوى من المخابرات الأمريكية للمساعدة في الترصد للتهديدات التي قد تتعرض لها هذه الدويلة (الخليجية).

كانت الأحرف الأولى للاسم الذي أطلق على الوحدة السرية التي أشرف كلارك على إنشائها نذير شؤم، وهي (DREAD) أو “الفزع” – كاختصار لـ (Development Research Exploitation and Analysis Department) أو “إدارة تحليل واستثمار بحوث التنمية”. وفي السنوات التي تلت ذلك، وسّعت الوحدة الإماراتية نشاطها إلى ما هو أبعد كثيراً من المتطرفين المشتبهين ليشمل ناشطة سعودية في مجال حقوق المرأة، ودبلوماسيين في الأمم المتحدة وموظفين في الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا). وبحلول عام 2012، أصبح البرنامج معروفاً بين العملاء الأمريكيين الذين يعملون فيه باسم رمزي، هو: “مشروع ريفين” (وهو فريق سري ضم أكثر من عشرة من عملاء المخابرات الأمريكية السابقين).

وكشفت تقارير نشرتها رويترز هذا العام كيف ساعدت مجموعة من عملاء سابقين بوكالة الأمن القومي ونخبة من ضباط المخابرات الأمريكيين المخضرمين الإمارات في التجسس على نطاق واسع من الأهداف من خلال البرنامج الذي لم يكشف عنه من قبل – ليشمل إرهابيين ونشطاء في حقوق الإنسان وصحفيين ومعارضين.

والآن، يُظهر فحص لنشأة لـ “إدارة تحليل واستثمار بحوث التنمية” الإماراتية، المشار لها بـ (دريد)، والذي يتم الكشف عنه هنا لأول مرة، كيف لعب اثنان من كبار مسئولي البيت الأبيض السابقين، بالتعاون مع جواسيس سابقين في وكالة الأمن القومي ومتعاقدين من شركة “بيلتواي”، أدواراً محورية في بناء برنامج تخضع أنشطته حالياً للتدقيق من قبل السلطات الفيدرالية الأمريكية.

ومن أجل رصد تطور وحدة التجسس الإماراتية، قامت رويترز بفحص أكثر من 10,000 وثيقة لبرنامج (دريد)، وأجرت مقابلات مع أكثر من عشرة متعاقدين وضباط مخابرات ومسؤولين حكوميين سابقين كان لهم اتصال مباشر بالبرنامج. وتغطي الوثائق التي تم فحصها بواسطة وكالة رويترز فترة تمتد لما يقرب من عقد من تشغيل برنامج (دريد)، بداية من عام 2008، وتتضمن مذكرات داخلية تصف الخدمات اللوجستية وخطط التشغيل والأهداف الخاصة بالمشروع.

كان كلارك هو الأول في سلسلة من المسؤولين التنفيذيين السابقين في البيت الأبيض ووزارة الدفاع الأمريكي (البنتاجون) الذين وصلوا إلى الإمارات عقب أحداث 11 سبتمبر، من أجل إنشاء وحدة التجسس. وقد استفاد كلارك من علاقته الوثيقة مع حكام البلاد هناك، والتي نشأت عبر عقود من الخبرة كأحد صناع القرار الأمريكي الكبار، فأدى ذلك إلى فوزه بالعديد من عقود الاستشارات الأمنية في الإمارات، والتي كان أحدها المساعدة في تأسيس وحدة تجسس سرية في مبنى مطار قديم غير مستخدم في أبو ظبي.

كيف ضلّت مهمة مكافحة الإرهاب طريقها؟ دريد (الفزع)
انجذب العشرات من متعاقدي المخابرات الأمريكية إلى العمل لصالح دولة الإمارات في إطار وعد من حكامها بمكافحة الإرهاب، ودخلوا وخرجوا من وحدة تجسس وقرصنة سرية على مدار عقد من الزمان. ومع مرور الوقت، أصبحت المهمة تركز على استهداف الأعداء السياسيين للبلاد بدلاً من التركيز على السعي لمنع الهجمات العنيفة.
1- شركة “جود هاربور” التابعة لريتشارد كلارك 2- شركة “سايبر بوينت” التابعة  لكارل جومتو 3- شركة “دارك ماتر” الإماراتية متعاقدو (دريد)
الخطوات التي اتخذت العام
أوصي ريتشارد كلارك وشركته “جود هابور” بإنشاء وكالة جديدة للمراقبة الإلكترونية في الإمارات، والتي تطلب منه حكومة الإمارات المساعدة في تأسيسها. أطلق على هذا البرنامج السري الاسم الرمزي (دريد) ولكنه سيتم تغييره فيما بعد إلى اسم (مشروع رافين). 2008
الانتهاء من بناء أول مقر لبرنامج (دريد). تستعين شركة “جود هاربور” شركة مقاولات دفاعية أمريكية تُدعى (إس آر أيه إنترناشيونال) أو جمعية مديري البحوث الدولية، وبحلول نهاية العام، تساعد شركة المقاولات، التي تعمل من الباطن، في عمليات القرصنة. 2009
شركة “جود هاربور” تتخلى عن الإشراف على برنامج (دريد) الإماراتي لصالح كارل جومتو، نائب الرئيس السابق لشركة “إس آر أيه إنترناشيونال”. وتقوم شركة جومتو الجديدة، “سايبر بوينت”، ومقرها ماريلاند، بتوظيف المزيد من خبراء القرصنة في وكالة الأمن القومي للعمل في فريق (دريد). 2010
يتسبب الربيع العربي في قيام حكومة الإمارات بتكثيف عمليات التجسس الرقمي ضد المحتجين وغيرهم من المنتقدين للنظام الإماراتي. ومن ضمن من استهدفتهم وحدة (دريد) نشطاء مثل أحمد منصور، وهو مدافع بارز عن حقوق الإنسان. 2011
يصدر أمر لعملاء (دريد) لجعل الناشط البريطاني روري دوناغي هدفاً ذا أولوية قصوى للقرصنة بعد أن غضب مسؤولو الأمن الإماراتيون من منشوراته التي ينتقد فيها النظام الإماراتي على مدونته. 2012
وحدة (دريد) تطور أداة، تحمل الاسم الرمزي “ميركوري كراش”، تستغل الثغرات الموجودة في “مايكروسوفت وورد” و”أدوب فلاش” من أجل زرع برنامج مراقبة داخل أي موقع إلكتروني يزوره النشطاء. 2013
وحدة (دريد) تستهدف مئات المسؤولين الحكوميين القطريين. ويتم تكليف فريق عمل البرنامج بشكل متزايد باختراق جميع الحكومات الأجنبية المنافِسة للإمارات في الشرق الأوسط، مثل إيران وقطر. 2014
يتم تخيير العملاء الأمريكيين في فريق برنامج (دريد) بين العودة إلى الولايات المتحدة أو الانضمام إلى شركة “دارك ماتر” الإماراتية، التي ستتولى زمام الأمور. ويبقى البعض على الرغم من تحذيرات زملائهم بضرورة المغادرة. ويبدأ عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي في التحدث من الموظفين السابقين في شركة “سايبر بوينت” (الذين شاركوا في “دريد”) لمعرفة ما يحدث. 2016
تستخدم وحدة (دريد) واحدة من أقوى أدوات القرصنة الجديدة لاختراق أجهزة “آي فون” عن بعد لشخصيات إعلامية وقادة أجانب منافسين للإمارات، بمن فيهم أمير قطر. 2017
المصدر: تقارير رويترز

وفي مقابلة أُجريت معه في واشنطن، قال كلارك إنه بعد أن أوصى بأن تنشئ الإمارات وكالة للمراقبة السيبرانية، تم التعاقد مع شركته، “جود هاربور للاستشارات”، لمساعدة الدولة الإماراتية في تأسيسها. وقال كلارك إن الفكرة كانت إنشاء وحدة قادرة على تعقب الإرهابيين. وقال كذلك بأن الخطة تمت الموافقة عليها من قبل وزارة الخارجية الأمريكية ووكالة الأمن القومي، وأن شركته، “جود هاربور” اتبعت القانون الأمريكي في ذلك.

وقال كلارك: “كان الحافز الذي دفع إلى ذلك هو المساعدة في محاربة تنظيم القاعدة. والإمارات العربية المتحدة شريك جيد للغاية في مكافحة الإرهاب. ويجب أن تتذكر التوقيت في ذلك الوقت، في أعقاب هجمات 11 سبتمبر” وتابع قائلاً: و”كالة الأمن القومي الأمريكي كانت تريد حدوث ذلك”.

لم ترد وكالة الأمن القومي على أسئلة مكتوبة قُدمت لها حول معرفتها بوحدة (دريد) أو علاقتها بأي من المتعاقدين. وقالت وزارة الخارجية الأمريكية إنها تدرس بعناية اتفاقيات خدمات الدفاع الأجنبية فيما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان. ولم يرد متحدثون باسم دولة الإمارات في سفارتها في واشنطن أو في وزارة الخارجية على طلبات للتعليق على الأمر.

كان عمل كلارك في إنشاء (دريد) بمثابة تدشين لعِقد من النشاط المكثف في وحدة القرصنة الإماراتية من قِبل عملاء شركة بيلتواي والمخابرات الأمريكية المخضرمين. وساعد الأمريكيون الإمارات في توسيع المهمة من مجرد التركيز على التهديدات النشطة للمتطرفين إلى عملية مراقبة واسعة النطاق تستهدف آلاف الأشخاص حول العالم الذين تعتبرهم الحكومة الإماراتية أعداء لها.

وقال بول كيرتس، أحد شركاء شركة كلارك “جود هاربور” السابقين، إن تقارير وكالة رويترز السابقة أظهرت أن البرنامج توسع إلى مناطق خطرة وأن انتشار المهارات الإلكترونية يتطلب إشرافاً من الولايات المتحدة بشكل أكبر. وقال كيرتس، وهو مدير سابق رفيع المستوى للأمن القومي في البيت الأبيض: “لقد شعرت بالاشمئزاز من قراءة ما حدث في نهاية الأمر”.

عمل ما لا يقل عن خمسة من كبار المسؤولين السابقين في البيت الأبيض لحساب كلارك في الإمارات، سواء في برنامج (دريد) أو في مشاريع أخرى. وتنازلت شركة “جود هاربور” لكلارك عن قيادة وحدة (دريد) عام 2010 لمتعاقدين أمريكيين آخرين، في الوقت الذي بدأت العملية تنجح في اختراق الأهداف المحددة لها والتجسس عليها.

ووجدت رويترز أن تعاقب المتعاقدين الأمريكيين ساعد في إبقاء فريق (دريد) من الأمريكيين على كشوف المرتبات الإماراتية، وهو ارتباط سمحت به اتفاقيات سرية مع وزارة الخارجية الأمريكية.

ويُظهر تطور البرنامج كيف تستفيد ثقافة تشغيل المتعاقدين في واشنطن من عدد من الثغرات القانونية والتنظيمية التي تسمح للجواسيس السابقين والمسؤولين الحكوميين السابقين كذلك بنقل مهاراتهم إلى دول أجنبية، حتى تلك المعروفة بسجلاتها السيئة في مجال حقوق الإنسان.

وقد تمكن عملاء (دريد) الأمريكيون من تخطي الحواجز القليلة التي تحظر الانخراط في أعمال تجسس لصالح دول أجنبية الموجودة، بما في ذلك القيود المفروضة على اختراق أنظمة الكمبيوتر الأمريكية.

على الرغم من الحظر المفروض على استهداف الخوادم الأمريكية، على سبيل المثال، فقد استهدف عملاء وحدة (دريد) بحلول عام 2012 حسابات بريد إلكتروني على جوجل وهوت ميل وياهو. وفي نهاية الأمر، طالت شبكة التجسس الموسعة مواطنين أمريكيين آخرين، كما ذكرت وكالة رويترز في وقت سابق من هذا العام.

وفي مقابلة أجريت مع مايك روجرز، الرئيس السابق للجنة المخابرات بمجلس النواب الأمريكي، قال إنه كان يتابع بقلق متزايد حقيقة تصاعد أعداد مسؤولي المخابرات الأمريكية السابقين الذين يتربحون من العمل لحساب دول أجنبية.

وقال موجهاً حديثه للعملاء الأمريكيين السابقين: “هذه المهارات التي عندكم هي في الحقيقة ليست ملكاً لكم”، ولكنها ملك للحكومة الأمريكية التي دربتهم على ذلك. وقال إنه مثلما لم تسمح واشنطن لجواسيسها بالعمل لدى دول أجنبية وتلقي الأجور منها أثناء العمل في وكالة الأمن القومي، “فلماذا بالله عليكم يعقل أن نشجعكم أو نسمح لكم بالقيام بذلك بعد ترك الحكومة؟”

وقال متحدث باسم وكالة الأمن القومي إن الموظفين السابقين مكلفون مدى الحياة بعدم الكشف عن المعلومات السرية التي بحوزتهم.

من البيت الأبيض إلى الخليج

على مدى سنوات قبل تأسيسه لوحدة (دريد) في الإمارات، كافح كلارك من أجل التأكيد على الحاجة إلى إقرار المراقبة الداخلية في الولايات المتحدة، فضلاً عن مخاطرها المحتملة.

وربما أكثر ما اشتُهر به كلارك، الذي عمل مستشار مكافحة الإرهاب للرئيس بيل كلينتون والرئيس جورج دبليو بوش، هو تقديمه اعتذاراً علنياً واضحاً عن عجز واشنطن عن منع هجمات الحادي عشر من سبتمبر.

وقال كلارك في عام 2004، بعد عام واحد من تركه منصبه في الحكومة، وأثناء شهادته أمام لجنة أمريكية تم إنشاؤها للتحقيق في إخفاقات المخابرات التي أدت إلى هجمات 11 سبتمبر: “حكومتكم خذلتكم. أولئك المكلفون بحمايتكم خذلوكم. وأنا خذلتكم.”

ومن أجل الحيلولة دون وقوع هجمات في المستقبل، حث كلارك الولايات المتحدة على إنشاء جهاز مخابرات داخلي، ولكنه أكد أن مثل هذه الوحدة يجب أن تتجنب انتهاكات الحريات المدنية. وقال: “علينا أن نشرح للشعب الأمريكي بطريقة مقنعة للغاية لماذا يحتاج إلى جهاز مخابرات داخلي، لأنني أعتقد أن معظم الأمريكيين سيخشون وجود شرطة سرية بينهم”.

وقد ساعدت شهادة كلارك أمام لجنة الحادي عشر من سبتمبر على إنشاء خدمة استخبارات داخلية في عام 2005 داخل مكتب التحقيقات الفيدرالي – وصفت بأنها “جهاز داخل جهاز” – يعمل بها عملاء اتحاديون ومحللون لغويون ومتخصصون في المراقبة.

وقبل ذلك بعامين، انضم كلارك إلى نائبه السابق روجر كريسي في مجموعة “جود هاربور للاستشارات الأمنية” التي كان قد تم تدشينها حديثاً. ويعتبر انضمام كلارك بمثابة حصول المجموعة على أحد أبرز الأسماء في مجال الأمن القومي للولايات المتحدة.

ومثَّل وجوده أيضاً إضافة رصيد من علاقة امتدت عقوداً مع عميل محتمل يمتلك ثروة هائلة: وهو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، المعروف بـ (م ب ز)، ابن أقوى حاكم في الإمارات العربية المتحدة. ففي الأشهر التي سبقت الحرب التي قادتها الولايات المتحدة على العراق عام 1991، تم إرسال كلارك، وكان حينها دبلوماسياً أمريكياً كبيراً، إلى الخليج لطلب المساعدة من الحلفاء الإقليميين. وكان قد بدأ صعود محمد بن زايد في الوقت الذي كانت الولايات المتحدة تستعد فيه لخوض الحرب.

ساعد محمد بن زايد كلارك في الحصول على إذن من الحكومة الإماراتية لعمليات القصف التي تمت من خلال المجال الجوي الإماراتي، وقام بضخ المليارات لصالح المجهود الحربي الأمريكي. وفي عام 1991، عندما كان الكونجرس يناقش إمكانية السماح ببيع واشنطن لأسلحة بقيمة 682 مليون دولار إلى الإمارات، دافع كلارك عن ذلك.

وقال أمام اللجنة الفرعية للحد من التسلح في مجلس النواب: “لقد حوّلوا 4 مليارات دولار إلى الخزانة الأمريكية لدعم المجهود الحربي”. هل هذه دولة يمكن أن نرفض طلبها بالحصول على 20 مروحية هجومية؟ لا أعتقد ذلك.” وحصلت الإمارات فعلاً على المروحيات.

وفي السنوات التي تلت انضمام كلارك إلى شركة “جود هاربور” في عام 2003، منح محمد بن زايد، الحاكم الفعلي لدولة الإمارات العربية المتحدة، الشركة فرصة نادرة للمساعدة في بناء استراتيجية الأمن الداخلي للبلاد من الألف إلى الياء. وسرعان ما فازت شركة “جود هاربور” لكلارك بمجموعة من العقود الأمنية لمساعدة الإمارات في تأمين بنيتها التحتية، بما في ذلك العمل على حماية موانئها ومشاريعها النووية ومطاراتها وسفاراتها ومنشآتها البتروكيماوية، وذلك وفقاً لما أدلى به شخصان على دراية مباشرة بالعقود.

وإلى جانب المساعدة في إنشاء إدارة للطوارئ ووحدة للأمن البحري، كان كلارك يرى بأن الإمارات في حاجة إلى وكالة شبيهة بوكالة الأمن القومي في الولايات المتحدة تكون لديها القدرة على التجسس على الإرهابيين. وقال كلارك إنه أوكل مسؤولية هذا العقد لشريكه في “جود هاربور” بول كيرتس، وهو نفسه مسؤول كبير سابق في البيت الأبيض.

وقال كيرتس في مقابلة عبر الهاتف مع وكالة رويترز: “عند أعلى مستوى، كان الأمر يتعلق بالدفاع السيبراني وكيف تحمي شبكاتك الخاصة”. وأضاف بأن الإمارات كانت تريد أن تعرف “كيف يمكن فهم المزيد عما قد يقوم به الإرهابيون؟”

وردا على سؤال عما إذا كان يشعر بالقلق حينذاك من أن الإمارات قد تستخدم هذه القدرة الهائلة في قمع النشطاء أو المعارضين، شدد كلارك على أن “الشاغل الرئيسي كان الوصول إلى تنظيم القاعدة”. وقال إنه كان على دراية محدودة بالبرنامج في ذلك الوقت وأن كيرتس كان مسؤولاً عن إدارة الأعمال اليومية لعقد تأسيس البرنامج.

وقال كيرتس إن مشاركته الشخصية اقتصرت على تقديم الاستشارات رفيعة المستوى، وأن معرفته بالأنشطة اليومية كانت تقريباً “شبه منعدمة”. وقال إنه من أجل الحصول على الخبرة الفنية في القرصنة، اعتمدت شركة “جود هاربور” على متعاقدين من الباطن من خلال شركة الدفاع الأمريكية إس آر أيه إنترناشيونال، التي كان يديرها مسؤول تنفيذي يدعى كارل جومتو.

وقال كلارك إنه تم اختيار إس آر أيه، التي كانت تشغل آنذاك 7,000 موظف ومقرها في فيرفاكس بولاية فيرجينيا، بسبب خبرتها السابقة في عقود وكالة الأمن القومي.

المهمة بدأت

باستخدام ثمانية متعاقدين من شركة “إس آر أيه إنترناشيونال”، بدأت شركة “جود هاربور” في تأسيس وحدة (دريد) في عام 2008 داخل مبنى يشبه حظيرة طائرات صغيرة على مشارف مطار البطين في أبو ظبي. وبدأ البرنامج كذراع للديوان الأميري لمحمد بن زايد، وتولى إدارته في بداية الأمر نجله خالد.

قام المتعاقدون بتأسيس المشروع من الصفر. وقاموا بتدريب طاقم من الموظفين الإماراتيين المحتملين على تقنيات القرصنة وأنشأوا كذلك شبكات كمبيوتر سرية وحسابات مجهولة على الإنترنت يمكن للإمارات استخدامها في عمليات التجسس.

كما تظهر وثائق برنامج دريد أنه في عام 2009، شرعت المجموعة في بناء أداة تجسس تحمل الاسم الرمزي (Thread) أو “الخيط”، وهو برنامج يُمكّن الإماراتيين من سرقة الملفات من أجهزة كمبيوتر تعمل على برنامج ويندوز ونقلها إلى خوادم يسيطر عليها ديوان ولي العهد.

ولم تقم أي من الشركتين: “جود هاربور” و “إس آر أيه إنترناشيونال” أي دور نشط في عمليات القرصنة، اللهم إلا في تقديم التوجيه والدعم.

وقد كان الهدف من برنامج (دريد) هو تزويد الإمارات بالقدرات الإلكترونية الكافية لمتابعة التهديدات الإرهابية بنفسها. وقال ثلاثة عملاء سابقين في (دريد) إنه في غضون أشهر قليلة، رأى الأمريكيون أنهم بحاجة إلى تولي مسؤولية القيادة من زملائهم الإماراتيين الأقل خبرة.

ووفقاً لأحد تقارير البرنامج التي اطلعت عليها رويترز، فإن بعض المتدربين الإماراتيين كانوا غير مهتمين وغير مجهزين. وقد وصل أحد المدرِبين، وهو متعاقد سابق في شركة “إس آر أيه إنترناشيونال” وخبير تشفير سابق في وكالة الأمن القومي يدعى كيث تاتل، إلى نتيجة مفادها أن أحد المتدربين قد “فقد الاهتمام” وأن الآخر “ظل يعاني في التعامل مع التكنولوجيا”.

وقال اثنان من العاملين السابقين في برنامج (دريد) لرويترز إن ذلك لم يترك للأمريكيين خياراً سوى المشاركة بشكل أكبر وفي نهاية الأمر كانوا يقومون بكل شيء فيما عدا الضغط على الزر الأخير في عملية اختراق أجهزة الكمبيوتر. ورفض تاتل التعليق، أخذاً بنصيحة محاميه.

وقال متحدث باسم مجموعة “جنرال دايناميكس”، وهي التي امتلكت شركة “إس آر أيه إنترناشونال” بعد عدة عمليات استحواذ تجارية متعددة، إن العقد الأصلي مع شركة “جود هاربور” انتهى في عام 2010. ورفض تقديم أي تعليق آخر.

وتسارعت طلبات القرصنة من قوات الأمن الإماراتية إلى الوحدة الجديدة بعد أعياد الميلاد لعام 2009، وذلك بعد عام واحد فقط من بدء شركة “جود هاربور” في تأسيس وحدة (دريد). كان قادة الإمارات قد تلقوا تحذيرات استخباراتية بأن هجوماً عنيفاً من متطرفين قد يكون وشيكاً. وتم إرسال طلب مذعور إلى فريق القرصنة الناشئ: “ساعدونا في التجسس على حركة تواصل بالخارج من خلال الإنترنت صادرة من شبكة كمبيوتر منزلية في المنطقة الشمالية من البلاد لشخص يشتبه في أنه متطرف.

وكان لا يزال هناك شهور أمام خبراء “شركة إس آر أيه إنترناشونال” الذين يعملون لصالح (دريد) من أجل الانتهاء من برنامج ثريد أو “الخيط” للقرصنة على نظام ويندوز. وفجأة، انهمك العملاء الأمريكيون في جمع أدوات تجسس مؤقتة تعتمد على برنامج لاختبار أمان الكمبيوتر، تم العثور عليه مجاناً على الإنترنت، وفقاً لما ذكره شخصان على دراية مباشرة بالحادث.

ومع ذلك، نجحوا في غضون أسابيع في اختراق المتطرف المشتبه به في مهمة اعتبرها الإماراتيون نجاحاً رئيسياً ربما يكون قد منع هجوماً. وقد مثل الحادث لحظة حاسمة في العلاقة. وتوالى المزيد من طلبات الاستهداف والتجسس ودور أعمق للأمريكيين في ذلك، حسبما أدلى به شخصان لهما معرفة مباشرة بالأمر.

وتُظهر وثائق البرنامج أنه بحلول نهاية عام 2010، تنازلت شركة “جود هاربور” عن قيادة وحدة (دريد)، لصالح نائب رئيس شركة “إس آر أيه إنترناشونال” كارل جومتو، الذي كان قد بدأ للتو شركته الخاصة “سايبر بوينت” في ماريلاند. وقال جومتو في مقابلة عبر الهاتف: “كان تركيزنا على مساعدتهم في الدفاع عن بلادهم”.

وبخروج شركة “جود هاربور”، انضم كيرتس إلى شركة “سايبر بوينت”، على الرغم من أنه قال إن مشاركته في (دريد) انتهت بحلول عام 2011.

40 أمريكياً و 34 مليون دولار

وفي غضون عامين، رفع جومتو عدد الأمريكيين المشاركين في البرنامج من حوالي اثني عشر فرداً إلى ما يصل إلى أربعين. وتم جلب أكثر من اثني عشر منهم من أروقة وكالة الأمن القومي أو من قائمة المتعاقدين معها. حيث بلغت ميزانية (دريد) السنوية ما يقدّر بـ 34 مليون دولار، كما تُظهر ذلك وثائق المشروع.

وكان لدى بعض العاملين الأمريكيين مخاوف بشأن العمل في خدمة تجسس أجنبية. لكن علاقة البرنامج بشخصيات محترمة في الأمن القومي مثل كلارك وكيرتس وجومتو دفعتهم إلى استنتاج أن هذا النشاط كان فوق الشبهات، حسبما قال أربعة عملاء سابقين.

وقال جوناثان كول، وهو عميل مخابرات أمريكي سابق انضم إلى (دريد) في عام 2014، إنه يعتقد أن مهمة الإمارات حظيت بمباركة واشنطن بسبب مشاركة فريق شركة “سايبر بوينت” في ماريلاند في برامج سرية أخرى للحكومة الأمريكية. وقال كول: “لقد وضعت بعض الافتراضات” في هذا الخصوص.

وفي عام 2011، انتقل البرنامج إلى أول قصر كان يُعرف باسم “الفيلا” من ضمن سلسلة من القصور السرية الأخرى، وتغير اسم الوحدة السرية بين المتعاقدين الأمريكيين إلى الاسم الرمزي (مشروع ريفين) أو “مشروع الغراب الأسود”.

وقال جومتو لرويترز إن المهمة التي تم التعاقد مع العملاء الأمريكيين عليها كانت تنحصر فقط في تدريب قراصنة إماراتيين، وأنهم كان يُحظر عليهم المساعدة في العمليات بأنفسهم. حيث يمنع القانون الأمريكي على وجه العموم الأمريكيين من اختراق أنظمة الكمبيوتر في أي مكان، ويحظر على وجه التحديد استهداف أشخاص أو شركات أو خوادم أمريكية.

وعلى الرغم من أن جومتو أدار عقد (دريد) لمدة خمس سنوات من بالتيمور، إلا أنه قال إنه لم يعلم قط بحدوث مثل هذه الأنشطة بين فريقه. وقال إن رؤيته كانت محدودة، حيث كان يزور فريقه في الإمارات خمس أو ست مرات في السنة.

وقال جومتو: “لم أشارك في أنشطة البرنامج اليومية”. “إذا كان لدينا شخص مارق، فلا يوجد شيء يمكنني القيام به حيال ذلك”.

ومع ذلك، سرعان ما شغل الفريق الأمريكي كل المناصب الرئيسية في البرنامج. وساعد العملاء الأمريكيون كذلك في تحديد مواقع الحسابات المستهدفة، واكتشاف نقاط الضعف لديهم والتخطيط للهجمات الإلكترونية. وقال 10 عملاء أمريكيين سابقين لرويترز، إنه من أجل التقيد بحدود القانون، لم يكن الأمريكيون يضغطون على الزر الأخير لشن الهجوم، لكنهم غالباً ما كانوا يقفون حرفياً خلف الإماراتيين الذين كانوا يقومون بذلك.

وبعد أن هزت مظاهرات الربيع العربي عام 2011 المنطقة، خشي خبراء الأمن الإماراتيون من أن يكون الدور على بلادهم. بدأت أهداف (دريد) في التحول من مكافحة الإرهاب إلى فئة منفصلة أطلقت عليها الإمارات اسم “أهداف الأمن القومي” – من خلال المساعدة في حملات واسعة النطاق ضد المعارضين وغيرهم ممن تعتبرهم حكومة الإمارات أنهم يشكلون تهديداً سياسياً لها. وجاءت العمليات لتشمل عمليات اختراق لم يتم الكشف عنها سابقاً لمنظمة ألمانية تدافع عن حقوق الإنسان، ومكاتب الأمم المتحدة في نيويورك ومسؤولين تنفيذيين في الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا).

وما بين عامي 2012 و 2015، تم تكليف فرق فردية بالتجسس على جميع الحكومات المنافسة للإمارات، حيث تحول تركيز البرنامج من مكافحة الإرهاب إلى التجسس على الخصوم الجيوسياسيين، وفقاً للوثائق.

أصبحت قطر أول دولة في الشرق الأوسط تفوز بحق استضافة كأس العالم في ديسمبر 2010. وبعد أربع سنوات، قام أحد العملاء السابقين في وكالة الأمن القومي الأمريكية الإمارات في استهداف أجهزة الكمبيوتر لمسؤولين قطريين ومسؤولين من الفيفا على أمل الكشف عن معلومات ضارة حول كيفية تحقيق عرض قطر للفوز. وبخصوص ذلك قالت الفيفا إنه “لم يكن لديها علم” بحادث القرصنة. ولم يرُد المتحدث القطري على أسئلة بخصوص هذه القضية. التجسس على الفيفا
1- الشيخ محمد بن حمد بن خليفة آل ثاني، شقيق أمير قطر. العضو المنتدب، الهيئة المنظمة لكأس العالم قطر 2022 (العضو المنتدب في اللجنة العليا للمشاريع والإرث، وهي الجهة المسؤولة عن مشروعات ومبادرات كأس العالم لكرة القدم المقررة في قطر عام 2022) 2- حسن الذوادي، أمين عام الهيئة المنظمة لكأس العالم قطر 2022 3- خالد الكبيسي، رئيس المشاريع الخاصة، الهيئة المنظمة لكأس العالم قطر 2022 4- فيدرا الماجد، مديرة الاتصالات السابقة، ملف قطر 2022 لاستضافة كأس العالم 5- ساكيس باتسيلاس، المدير التنفيذي للتخطيط، الهيئة المنظمة لكأس العالم قطر 2022 6- محمد بن همام – عضو سابق باللجنة التنفيذية – الفيفا 7- أحمد نعمة، مستشار أول سابق، ملف قطر 2022 لكأس العالم مسئولو كرة القدم القطريون
1- أموس أدامو، عضو سابق في اللجنة التنفيذية، الفيفا 2- جاك أنوما – عضو سابق في اللجنة التنفيذية – الفيفا 3- عيسى حياتو رئيس الفيفا السابق 4- نيكولاس ليوز، الرئيس السابق لاتحاد أمريكا الجنوبية لكرة القدم (توفي في أغسطس 2019) 5- جاك وارنر نائب رئيس الفيفا سابقا مسؤولون تنفيذيون آخرون في الفيفا
المصدر: تقارير رويترز

كان أحد الأهداف هو دولة قطر، الخصم اللدود للإمارات، والتي حظيت في عام 2010 باهتمام العالم من خلال الفوز بحق استضافة كأس العالم لكرة القدم 2022. وفي عام 2014، استهدف عملاء (دريد) مسؤولين في الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) ومقره سويسرا، والأشخاص المشاركين في الهيئة المنظمة لكأس العالم في قطر.

وتم وضع خطة لسرقة معلومات يمكن أن تضر قطر بخصوص العرض الذي تقدمت به الدوحة لاستضافة كأس العالم، والتي يمكن تسريبها لإحراج خصم الإمارات اللدود في الخليج. وخرج للعلن بالفعل مزاعم بأنه قد تم رشوة مسؤولي الفيفا من قِبل قطر مقابل منحها استضافة كأس العالم، وذلك من خلال تقارير إعلامية تم نشرها عام 2014.

وتم التخطيط لعملية التجسس على الفيفا، والتي كانت تحمل الاسم الرمزي (بروتال تشاينج) أو “التحدي الوحشي”، من قبل محلل سابق في وكالة الأمن القومي يدعى كريس سميث، وفقاً لمذكرات التخطيط داخل عملية (دريد) والتي اطلعت عليها وكالة رويترز. أرسل المتسللون رسائل مفخخة على فيسبوك ورسائل بريد إلكتروني تحتوي على رابط ضار يؤدي إلى موقع إليكتروني يسمى “فتيات كأس العالم”. وبمجرد النقر فوق الرابط، يتم نشر برامج التجسس في الكمبيوتر المستهدف بشكل مباشر.

ولم يتضح ما إذا كانت المهمة قد نجحت أم لا. لكن الأهداف شملت حسن الذوادي، الأمين العام للهيئة المنظمة للفيفا في قطر، وجاك وارنر، المدير التنفيذي السابق للفيفا الذي وجهت له الولايات المتحدة في وقت لاحق تهم بغسيل الأموال.

التصيد الاحتيالي عن طريق “فتيات كأس العالم”
استخدم قراصنة (دريد) طريقة بسيطة لملاحقة ضحاياهم. وذلك من خلال إخفاء البرامج الضارة داخل الرسائل التي تبدو وكأنها بريد عشوائي عادي، حيث كان عملاء (دريد) يعتقدون أن مخطط التصيد الخاص بكأس العالم كان “منخفض المخاطر” لأنه سيكون من الصعب تتبعه مرة أخرى للوصول إلى خوادمهم. ومع ذلك، فإذا نقر الشخص المستهدف على رابط ضار داخل الرسالة، فسيتم السيطرة على جهاز الكمبيوتر الخاص به من خلال برامج التجسس.
يرسل قراصنة (دريد) رسائل فيسبوك ورسائل بريد إلكتروني تحتوي على صور لمشجعات كرة قدم جذّابات، ويدعون الأشخاص المستهدفين لزيارة موقع على شبكة الإنترنت يسمى “فتيات كأس العالم”. استدراج المستهدفين
يتم تضمين رابط ضار في الرسائل والبريد الإلكتروني يقوم بتوجيه الأشخاص المستهدفين إلى نسخة مزيفة متطابقة مع موقع بهذا الاسم فعلاً، ولكن مع اختلاف طفيف في عنوان الويب يسهل الخطأ فيه. رابط ضار
تنشر النسخة المزيفة من موقع الويب برامج التجسس في جهاز الكمبيوتر المستهدف، مما يسمح للقراصنة بالوصول إلى ملفات المستخدم بشكل مباشر. نشر برامج التجسس
المصدر: تقارير رويترز

ولم يصدر أي تعليق من اللجنة العليا للمشاريع والإرث في قطر، وهي هيئة حكومية مسؤولة عن المساعدة في تنظيم بطولة كرة القدم 2022. وقال متحدث باسم الحكومة القطرية إن الدولة ترى في عرضها الناجح لاستضافة كأس العالم “فرصة للعالم لرؤية منطقتنا من منظور جديد”.

وقالت متحدثة باسم الفيفا في بيان تم نشره إنها “ليس لها علم” بأي حوادث قرصنة تتعلق باستضافة قطر لكأس العالم. وقال متحدث آخر باسم الفيفا إن الاتحاد الدولي لكرة القدم أجرى تحقيقاً داخلياً لم يتوصل فيه إلى أن قطر دفعت رشاوى للفوز بحق استضافة البطولة.

ولم يتسن الوصول إلى وارنر للتعليق، حيث يواجه طلباً بتسليمه للولايات المتحدة من ترينيداد وتوباجو. وكان قد أعلن مراراً أنه بريء من التهم الموجهة إليه. بينما لم يرد سميث على الرسائل المرسلة إليه عبر البريد الإلكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي.

رخصة أجنبية، ورقابة متواضعة

وكانت شركة “سايبر بوينت” قد حصلت على ترخيص خدمات دفاع أجنبية من وزارة الخارجية في عامي 2010 و 2014، وذلك من أجل التمكن من مزاولة أعمالها في الإمارات.

وتمت كتابة الاتفاقيات التي اطلعت عليها وكالة رويترز بصياغات لغوية فضفاضة. حيث وصفت عمليات القرصنة والتجسس بأنها “جمع المعلومات من أنظمة الاتصالات داخل وخارج دولة الإمارات”. ولم تضع الاتفاقات أي قيود على استهداف نشطاء حقوق الإنسان أو الصحفيين أو حلفاء الولايات المتحدة.

وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية إنه قبل منح مثل هذا الترخيص، عادة ما تدرس الوزارة بعناية المخاوف المتعلقة بحقوق الإنسان. وأكد أن التفويض لا يمنح الحق في انتهاك حقوق الإنسان. لكنه رفض التعليق على الاتفاقات التي تمت بين الوزارة و شركة “سايبر بوينت”.

وقد منعت اتفاقيات (دريد) البرنامج من المساعدة في عمليات القرصنة ضد الأمريكيين أو خوادم البريد الإلكتروني المملوكة للولايات المتحدة. وقد حذر مستشار قانوني لشركة “سايبر بوينت” في مذكرة له عام 2011 من أن القيام بذلك “قد يعرض للمسؤولية الجنائية بموجب قوانين الولايات المتحدة، حتى لو تم إجراء الأنشطة في الخارج”.

وتُظهر وثائق المشروع أنه تم تجاوز هذه القيود في كثير من الأحيان. حيث ساعد عملاء شركة “سايبر بوينت” في اختراق مئات الحسابات على جوجل، وياهو، وهوتميل، وفيسبوك، ونشروا صور لصفحات حصلوا عليها من خلال عمليات القرصنة تم عرضها عن طريق كبار ضباط المخابرات الإماراتيين. وعلى سبيل المثال، قامت وحدة (دريد) بالوصول إلى حسابات لأشخاص على جوجل وياهو لسرقة سجلات البحث على الإنترنت الخاصة بالمستهدفين، مع قيام القراصنة بتسليط الضوء على التفضيلات الجنسية لهؤلاء الضحايا في تقارير يتم تقديمها لرؤسائهم، وذلك حسب المستندات التي اطلعت عليها رويترز.

وفي عام 2012، استهدف البرنامج حسابات هوتميل و جي ميل لخمسة موظفين في مؤسسة كونراد أديناور، وهي مجموعة ألمانية مؤيدة للديمقراطية كانت في ذلك الوقت تطالب بالمزيد من حرية الصحافة والتعبير في الإمارات. اعترضت وحدة (دريد) رسائل من حساب جي ميل مخترق لأحد مديري المؤسسة، وهو يقول لأحد موظفيه في أحدها، “لنفترض أن جميع قنوات الاتصالات قد تم اختراقها”.

ووراء الكواليس، قال مصدر مطلع إنه تم استدعاء السفير الألماني لدى الإمارات للقاء مسؤولين من وزارة الخارجية الإماراتية قالوا إنه على المنظمة الألمانية (غير الهادفة للربح) أن تغادر البلاد. وفي مارس 2012، أُمرت المجموعة بالمغادرة فعلاً. ورفضت المؤسسة التعليق على ذلك.

كما ساعد عملاء أمريكيون أيضاً في استهداف حسابات جي ميل وفيسبوك لأحمد غيث السويدي، الاقتصادي الإماراتي المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين، في عام 2011. وكان قراصنة (دريد) قد أفادوا في يناير 2012 أن السويدي أرسل عبر البريد الإلكتروني وثائق موقعة تجعل زوجته مسؤولة عن أصوله في حالة حدوث أي شيء له، وذلك حسبما تُظهره وثائق عملية (دريد).

وقالت منظمة العفو الدولية إنه بعد شهرين، قُبض على السويدي واحتُجز في سجن سري، حيث قال إنه تعرض للتعذيب وأُجبر على التوقيع على اعتراف. وفي عام 2013، أُدين السويدي في إطار محاكمة 94 ناشطاً متهماً بالتحريض على قلب نظام الحكم، وحُكم عليه بالسجن 10 سنوات. وقال الناشط محمد الزعابي، وهو صديق وزميل السويدي، إن الأخير لم يدعُ قط إلى قلب نظام الحكم، ولكنه كان ببساطة يطالب فقط بالإصلاح السياسي.

وقال جومتو إنه، على حد علمه، أن شركة “سايبر بوينت” كانت حريصة على أن تعمل ضمن الحدود التي يتيحها الترخيص الذي حصلت عليه وفي إطار القانون الأمريكي.

منحدر زلق

وبمرور الوقت، نشأ صراع بين الإماراتيين والأمريكيين حول اختيار الأهداف، والتي كان الأمريكيون يعتقدون أحياناً أنها تجاوزت الحدود إلى اختراق كيانات مرتبطة بالولايات المتحدة. وبدأ الإماراتيون في تقييد وصول الأمريكيين إلى قواعد بيانات المراقبة، ووضعوا على بعضها علامة “الاطلاع محظور لغير الإماراتيين “. وقرب نهاية عام 2015، ألغت الإمارات عقد شركة “سايبر بوينت” وكلفت بدلاً منها شركة أمن إلكتروني إماراتية، تدعى “دارك ماتر”.

وحذّر جومتو موظفيه من أن استمرار عملهم في البرنامج لن يكون مسموحاً به بعد الآن بموجب الاتفاق مع وزارة الخارجية وأنهم سيتم اعتبارهم بعد ذلك مخالفين. ولكن مع ذلك، بقي أكثر من عشرة منهم في العمل.

وبينما تولت شركة “دارك ماتر” الإماراتية قيادة وحدة (دريد)، أصبح البرنامج سرياً للغاية، حتى إن بعض المسؤولين التنفيذيين في الشركة لم يكونوا على علم بوجوده، حسبما قال ستة أشخاص على علاقة مباشرة بالأمر.

وفي ظل تولي شركة “دارك ماتر” القيادة، استهدف برنامج (دريد) مكاتب الأمم المتحدة في نيويورك في محاولة لاختراق حسابات البريد الإلكتروني لدبلوماسيين أجانب من دول تعتبرها الإمارات دولاً منافسة لها، على حد قول أحد العاملين السابقين في الوحدة. وأكد متحدث باسم الأمم المتحدة أن فريق الأمن السيبراني التابع للمنظمة رصد هجمات من فريق قرصنة مرتبط بالإمارات.

وفي بعض الحالات، كانت عمليات القرصنة التي تقوم بها (دريد) يعقبها اعتقال وتعذيب المستهدفين.

وفي عام 2017، اخترق عملاء في (دريد) رسائل البريد الإلكتروني للناشطة السعودية في مجال حقوق المرأة لجين الهذلول، بعد أن حاولت تحدي حظر قيادة المرأة للسيارة في المملكة، وفقاً لما ذكره أحد العاملين السابقين في (دريد). وقبل ذلك بثلاث سنوات، اعتقل السعوديون الهذلول، التي كانت تدرس في الإمارات، بعد محاولتها القيادة عبر الحدود إلى المملكة وسجنوها لمدة 73 يوماً.

وكان عملاء (دريد) الذين يراقبون الهذلول قد أطلقوا عليها الاسم الحركي “السيف الأرجواني”.

وفي عام 2018، قبل أسابيع فقط من صدور مرسوم ملكي يسمح للمرأة السعودية بقيادة السيارات بشكل قانوني في المملكة لأول مرة، اعتقلت قوات الأمن الإماراتية الهذلول مرة أخرى في أبو ظبي وأعادتها إلى بلدها على متن طائرة خاصة. وقال شقيقها وليد الهذلول لرويترز إن قوات الأمن السعودية قامت بسجنها بمجرد وصولها إلى أرض المملكة بتهمة التحريض وإثارة الفتنة وقاموا بتعذيبها في منشأة سرية خارج مدينة جدة. وأضاف شقيقها أنه قد تم نقلها فيما بعد إلى سجن بالقرب من الرياض، والذي لا تزال به حتى الآن.

وقال وليد الهذلول: “إنه لأمر مخيب للآمال للغاية أن نرى الأمريكيين يستغلون المهارات التي تعلموها في الولايات المتحدة لمساعدة هذا النظام”. وأضاف: “إنهم مثل المرتزقة تماماً في ذلك”.

وتُعتبر السعودية والإمارات حليفتين مقربتين. ولم يرد المتحدث باسم السفارة السعودية على طلبات للتعليق على الأمر.

وفي بيان موجز أرسلته عبر البريد الإلكتروني، قالت شركة “دارك ماتر” الإماراتية إنها لم تكن على علم بالنتائج التي توصلت إليها رويترز أو أي مخالفات قامت بها الشركة.

وتحقق هيئة محلفين فيدرالية رفيعة في واشنطن فيما إذا كان العملاء الأمريكيون قد انتهكوا قوانين الاختراق الإليكتروني الأمريكية خلال المهمة التي قاموا بها في الإمارات. ورفض مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة العدل التعليق.

ويطرح الكونجرس أيضاً تساؤلات في هذا الخصوص، مستشهداً بتقارير رويترز السابقة، في الوقت الذي يضغط فيه على وزارة الخارجية لتقديم تفسير عن برنامج (دريد) وكذلك الضغط من أجل فرض المزيد من الشفافية في اتفاقات التراخيص الأجنبية. وكتب أعضاء الكونجرس في مايو لمدير المخابرات الوطنية ووزير الخارجية خطاباً جاء فيه أن بعض الحكومات الأجنبية: “على ما يبدو استغلت التدريب المتقدم وخبرة الأفراد الذين طوروا مهاراتهم الفنية أثناء الخدمة الوطنية للولايات المتحدة”.

وقال روجرز، الرئيس السابق للجنة المخابرات بمجلس النواب، إن الوقت قد حان لواشنطن لفرض قيود أكثر صرامة على التعاقدات الاستخباراتية في الخارج. وقال: “أعتقد أن القضاء التام على تلك الفرص يجب أن يكون مطروحاً على الطاولة”.

ووافق كيرتس، الذي ساعد في تدشين برنامج (دريد) قبل 10 سنوات، على أن حكومة الولايات المتحدة بحاجة إلى إعادة النظر في كيفية التحكم في نقل القدرات الإلكترونية إلى الخارج. وقال إن هذا الأمر: “يمكن أن يكون منحدراً زلقاً للغاية”.

 

رابط المصدر:

https://eipss.site/%d8%b1%d9%88%d9%8a%d8%aa%d8%b1%d8%b2-%d8%b5%d9%86%d8%b9-%d9%81%d9%8a-%d8%a3%d9%85%d8%b1%d9%8a%d9%83%d8%a7-%d9%88%d8%ad%d8%af%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%ac%d8%b3%d8%b3-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d9%85%d8%a7%d8%b1%d8%a7%d8%aa%d9%8a%d8%a9/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M