سلالة كورونا الجديدة: لماذا أصابت العالم بالهلع؟

عبد الامير رويح

 

اخبار ظهور سلالة جديدة من فيروس كورونا المستجد، والتي اعلنت عنها بريطانيا في وقت سابق، اثارت الرعب من جديد ودفعت دول العالم الى اعتماد خطط وقرارات اضافية في سبيل محاربه هذا الفيروس القاتل الذي ظهر لأول مرة في مدينة “ووهان” الصينية نهاية 2019، ويُظهر التحور الجديد الذي طرأ على الفيروس، أنه أصبح قادرا على الانتشار بشكل أسرع، لكنه لا يعتبر أكثر فتكا من السلالة الأولى، حتى الآن. وحذّر علماء في دراسة من أن السلالة الجديدة من فيروس كورونا المستجد التي تنتشر في بريطانيا وكما نقلت بعض المصادر، هي بمعدل وسطي معدية بنسبة 56 بالمئة أكثر من النسخة الأولى، وحضوا على توزيع اللقاح بشكل سريع للمساعدة على منع حدوث المزيد من الوفيات.

ووفق دراسة نشرتها كلية لندن للصحة وطب المناطق المدارية، فإن النوع المتحور من الفيروس الذي ظهر في جنوب شرق بريطانيا في تشرين الثاني/نوفمبر من المرجح أن يزيد من الوفيات العام المقبل وكذلك من حاجة المصابين لدخول المستشفيات لتلقي العلاج. وقال الباحثون الذين ركزوا على جنوب شرق بريطانيا ولندن إنه لا يزال من غير المؤكد ما إذا كانت السلالة الجديدة مميتة أكثر أو أقل من سابقتها. وأضافوا “ومع ذلك، الزيادة في العدوى من المرجح أن تؤدي الى حوادث أكثر، حيث يتوقع أن تصل الحالات التي تستدعي النقل إلى المستشفيات جراء كوفيد-19 والوفيات الى مستويات أعلى عام 2021 مما لاحظناه في 2020، حتى في حال الحفاظ على القيود التي تم فرضها قبل 19 كانون الاول/ديسمبر”.

وحذرت الدراسة من أن الاقفال العام المفروض في بريطانيا في تشرين الثاني/نوفمبر من غير المرجح أن يحد من زيادة الإصابات “في حال لم تغلق المدارس الابتدائية والثانوية والجامعات أيضا”. واشارت الى انه من المرجح أن يؤدي أي تخفيف في الاجراءات المفروضة الى “عودة كبيرة للفيروس”. وأثار اكتشاف السلالة الجديدة الخشية في جميع أنحاء مع بدء بلدان عديدة حملات تطعيم للحد من انتشار الفيروس الذي تسبب بوفاة أكثر من 1,7 مليون شخص منذ ظهوره.

وتتسابق شركات الأدوية ايضاً للتأكد من فعالية لقاحاتها ضد السلالة الجديدة التي أعلنت بريطانيا انتشارها قبل أيام. ,أعلن أحد مدراء مختبر بايونتيك الألماني أوغور شاهين أن المختبر الذي طور مع شركة فايزر الأمريكية أول لقاح ضد كوفيد-19 تم ترخيصه في العالم، قادر على توفير لقاح جديد “خلال ستة أسابيع” في حال تحول الفيروس كما حصل في بريطانيا. وأوضح شاهين: “نحن قادرون تقنيا على إنتاج لقاح جديد خلال ستة أسابيع”. وأضاف في مؤتمر صحفي في ماينز في غرب ألمانيا غداة إعطاء السلطات الأوروبية الضوء الأخضر لتوزيع اللقاح في الاتحاد الأوروبي، “في المبدأ جمال تقنية الحمض الريبي النووي المرسال يكمن في أنه بإمكاننا البدء مباشرة بتصميم لقاح يحاكي تماما التحول الجديد” للفيروس.

حملة تطعيم

بدأ الاتحاد الأوروبي تسلّم أولى جرعات لقاح كوفيد-19 عشية بدء حملات التطعيم، في وقت أُجبرت دول عدة في التكتل على فرض تدابير إغلاق جرّاء ظهور سلالة جديدة من كورونا تواصل تفشيها من بريطانيا ويعتقد أنها معدية أكثر. وأودى الوباء بحياة أكثر من 1,7 مليون شخص ولا يزال يتفشى في معظم أنحاء العالم، لكن إطلاق حملات التطعيم مؤخرا عزز الآمال بأن تخف وطأة كوفيد في العام 2021.

وفي حين وصلت أولى جرعات لقاح “فايزر-بايونتيك” إلى باريس، أكدت وزارة الصحة الفرنسية اكتشاف أول إصابة في البلاد بسلالة الفيروس الجديدة لدى مواطن عاد من بريطانيا. وسجّلت عدة دول إصابات بالسلالة الجديدة، ما يثير قلق الهيئات الصحية التي تعاني أساسا من الضغط. وغابت مظاهر الازدحام المعهودة في الأسواق بمناسبة “بوكسينغ داي” (اليوم الذي يلي عيد الميلاد ويشهد تنزيلات) عن شوارع سيدني، إذ التزم معظم السكان بدعوات رئيس الوزراء ملازمة منازلهم في ظل اكتشاف مجموعة إصابات جديدة.

وبينما تترقب بعض الدول الأوروبية العودة إلى تطبيق القيود الصارمة بعد عيد الميلاد، أصدرت قيادة الصين الشيوعية بيانا أشادت فيه ب”العظمة الاستثنائية للغاية” التي تعاملت من خلالها مع أزمة الفيروس الذي ظهر أول مرة في مقاطعة هوباي في البلاد العام الماضي، وفق ما أفادت وكالة أنباء الصين الجديدة. وفي أنحاء العالم، دعي السكان لاحترام إرشادات التباعد الاجتماعي بينما حضّت منظمة الصحة العالمية على عدم “إضاعة” ما وصفتها ب”التضحيات المؤلمة” التي تم تقديمها لإنقاذ حياة الناس.

واكتُشفت أول إصابة في فرنسا بسلالة فيروس كورونا المستجد المتحوّرة لدى مواطن مقيم في بريطانيا وصل من لندن في 19 كانون الأول/ديسمبر، بحسب وزارة الصحة الفرنسية. ولم تظهر عليه أي أعراض بينما عزل نفسه في منزله في تور (وسط فرنسا)، في حين تمت عملية تعقب للموظفين الصحيين الذين خالطوه. ودفعت السلالة الجديدة من الفيروس، التي يخشى الخبراء من أنها تنتقل بشكل أسرع، أكثر من 50 بلدا إلى فرض قيود على السفر من المملكة المتحدة حيث ظهرت لأول مرة.

وتسبب إغلاق الحدود بين المملكة المتحدة وفرنسا باختناقات مرورية إذ توقفت ما يقارب من 10 آلاف شاحنة في جنوب شرق انكلترا حيث علق سائقوها لأيام في فترة الأعياد. لكن رئيس الهيئة المشغلة لميناء كاليه قال إن “المسألة ستحل بالكامل” بعد بقاء المنفذ مفتوحا خلال عيد الميلاد. وأعادت دول خففت القيود بعض الشيء خلال عيد الميلاد، فرضها من جديد. وتأثر الملايين في المملكة المتحدة بتشديد القيود، إذ أن التدابير الأشد المفروضة في انكلترا تشمل 40 في المئة من سكانها. وتشمل الإجراءات إغلاق جميع الأعمال التجارية غير الأساسية والحد من العلاقات الاجتماعية. كما تدخل تدابير إغلاق جديدة حيّز التنفيذ في اسكتلندا وأيرلندا الشمالية، بينما أعادت ويلز كذلك فرض القيود بعدما خففتها خلال عيد الميلاد. بحسب فرانس برس.

من المقرر أن تبدأ حملات التطعيم في جميع دول الاتحاد الأوروبي بعدما أقرّت الجهات المنظمة لقاح فايزر-بايونتيك في 21 كانون الأول/ديسمبر. وفي وقت يبدأ إطلاق اللقاحات في أنحاء العالم، حذّر مدير عام منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبرييسوس من أن “اللقاحات توفر مخرجا للعالم من هذه المأساة. لكن تطعيم العالم بأسره سيستغرق وقتا”. كما تطرّق البابا فرنسيس في رسالته بمناسبة عيد الميلاد إلى الأمر داعيا إلى تأمين ” لقاحات للجميع، وخاصة للفئات الأكثر ضعفاً واحتياجاً في جميع مناطق الأرض” مشيراً إلى أن “قوانين السوق وبراءات الاختراع” يجب ألا تكون “فوق قوانين الحب والصحة والبشريّة”.

سلالة وتوقعات

الى جانب ذلك أكدت منظمة الصحة العالمية أن السلالة الجديدة لفيروس كورونا التي ظهرت في المملكة المتحدة “ليست خارج السيطرة”، داعية إلى تطبيق الإجراءات الصحية التي أثبتت فاعليتها. وقال مسؤول الحالات الصحية الطارئة في المنظمة مايكل راين في مؤتمر صحفي “سجلنا نسبة تكاثر للفيروس تتجاوز إلى حد بعيد عتبة 1,5 في مراحل مختلفة من هذا الوباء وتمكنا من السيطرة عليها. بناء عليه، فإن الوضع الراهن في هذا المعنى ليس خارج السيطرة”. وهذه التصريحات بمثابة رد على ما أعلنه وزير الصحة البريطاني مات هانكوك إذ اعتبر أن “السلالة الجديدة هي خارج السيطرة”.

وأضاف راين “على الرغم من أن الفيروس بات أكثر فاعلية إلى حد ما على صعيد الانتشار، يمكن وقفه”، مؤكدا أن “الإجراءات المعمول بها حاليا في محلها. علينا مواصلة القيام بما قمنا به” حتى الآن. وتابع “قد يكون علينا أن نفعل ذلك بكثافة أكبر بقليل ولوقت أطول للتأكد من قدرتنا على السيطرة على هذا الفيروس”. وأغلقت دول عدة حدودها أمام الوافدين من المملكة المتحدة وجنوب أفريقيا حيث ظهرت السلالة الجديدة لكوفيد-19.

من جانب اخر أعلن علماء أن سلالة جديدة من فيروس كورونا تنتشر بسرعة في بريطانيا تحمل طفرات قد تعني أن الأطفال معرضين للإصابة بهذه السلالة مثل الكبار، خلافا للسلالات السابقة للفيروس. وقال علماء من المجموعة الاستشارية للتهديدات الفيروسية الجديدة والناشئة للجهاز التنفسي الحكومية التي تتابع السلالة الجديدة في إيجاز للصحافيين: “لدينا الآن ثقة كبيرة في أن هذه السلالة لديها بالفعل صفة انتقال أكبر مقارنة بالسلالات الأخرى من الفيروس في المملكة المتحدة”. وأضافوا: “لا نزال بحاجة إلى جمع مزيد من البيانات لنرى كيف تتصرف”.

وأوضح نيل فرجسون، أستاذ وعالم الأوبئة والأمراض المعدية في لندن إمبريال كوليدج وعضو المجموعة الاستشارية “هناك إشارة إلى أن لديها ميلا أعلى لإصابة الأطفال”. وتابع: “لم نثبت أي نوع من السببية بخصوص ذلك، لكن يمكننا رؤية ذلك في البيانات”. من جهة أخرى، أكد مسؤول أمريكي كبير أن “لا دليل قاطعا” حتى الآن على أن السلالة الجديدة لفيروس كورونا هي أكثر عدوى، لكنّه أشار إلى أن الولايات المتحدة تجري دراسات لمعرفة المزيد.

فعالية اللقاحات

على صعيد متصل تتوقع أريع شركات على الأقل أن تكون اللقاحات التي أنتجتها للوقاية من مرض كوفيد-19 فعالة ضد سلالة جديدة للفيروس سريعة الانتشار في بريطانيا ويجرون اختبارات ستوفر تأكيدا لتوقعاتهم في الأسابيع القليلة القادمة. وقال أوغور شاهين، الرئيس التنفيذي لشركة بيونتيك الألمانية التي استغرقت أقل من عام، بالشراكة مع شركة فايزر (NYSE:PFE) الأمريكية، للحصول على موافقة على اللقاح، إنه يتوقع أن يظل اللقاح فعالا.

كذلك تعتقد شركات مودرنا وكيورفاك الألمانية وأسترا (SE:1212) زينيكا البريطانية أن اللقاحات التي طوروها ستنجح في مواجهة السلالة الجديدة للفيروس التي تسببت في فوضى ببريطانيا، الأمر الذي أدى إلى موجة من حظر السفر التي تعطل التجارة مع أوروبا وتهدد بتعميق عزلة بريطانيا عن القارة. وقال شاهين في مؤتمر صحفي عبر الهاتف “من المرجح بشدة من الناحية العلمية أن استجابة جهاز المناعة بواسطة هذا اللقاح يمكن أن تتعامل أبضا مع هذه السلالة للفيروس”.

وأضاف أن الحصول على إجابة نهائية سيحتاج إلى أسبوعين آخرين أو نحو ذلك من أجل الدراسة وجمع البيانات. وتابع قائلا “يحتوي اللقاح على ما يربو علي 1270 حمضا أمينيا وتسعة منها وحسب تغيرت (في الفيروس المتحور). ويعني ذلك أن 99 بالمئة من البروتين يظل كما هو دون تغير”. والسلالة الجديدة قد تكون أكثر عدوى بنسبة تصل إلى 70 بالمئة وقد تكون سببا أكبر للقلق على الأطفال. بحسب رويترز.

وقال شاهين “من حيث المبدأ، يتمثل جمال تقنية اللقاح في أن بمقدورنا أن نبدأ مباشرة في هندسة اللقاح على نحو يحاكي بشكل كامل هذا التحور الجديد”. ومضي يقول “سنكون قادرين على توفير لقاح جديد من الناحية الفنية خلال ستة أسابيع. وبالطبع، هذه ليست مسألة تقنية وحسب. علينا أن نتعامل مع الكيفية التي ستنظر بها الهيئات الرقابية للأمر”. وبدأت شركة كيورفاك الألمانية المرحلة الأخيرة من التجارب السريرية على لقاحها وتقوم بشكل دائم بمراجعة السلالات التي قالت الشركة إنها أمر شائع مع انتشار الفيروس. وقال باتريك فالانس كبير المستشارين العلميين في بريطانيا إن اللقاحات كافية على ما يبدو لتوليد استجابة مناعية لسلالة فيروس كورونا.

كما أعلن وزير الصحة الفرنسي أوليفييه فيران أن اللقاحات الموجودة حاليا للوقاية من مرض كوفيد-19 من المفترض أن تقي أيضا من سلالة جديدة للفيروس ظهرت مؤخرا في بريطانيا. مضيفا: “نظريا.. ما من سبب يدعو للاعتقاد بأن اللقاح لن يكون فعالا”. وقال الدكتور وحيد أحمد رئيس قسم أمراض الرئة في مستشفى أرباجون بفرنسا إن الطفرات التي تظهر على الفيروسات هو أمر معروف، ولكن الطفرات التي ظهرت على فيروس كورونا سطحية ولا تؤثر على الهندسة الجينية الحقيقية للفيروس وليست ذات أهمية كبيرة. وأضاف أن آخر طفرة حدثت في الفيروس زادت من قدرته على دخول الخلايا والتكاثر فيها بنسبة 40 إلى 70 بالمئة، ولكن ذلك لا يجعله أكثر خطورة من الفيروس الأساسي، ولا يزيد مقاومته للقاح.

 

رابط المصدر:

https://annabaa.org/arabic/health/25637

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M