سياقات وأهداف قمة “برونجنارت” بفرنسا لميثاق مالي عالمي جديد

أحمد بيومي

 

تستضيف فرنسا يومي 22 و23 يونيو الجاري في كل من قصر برونجنارت، ومقري اليونسكو ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في باريس القمة الدولية التي تحمل عنوان “من أجل ميثاق مالي عالمي جديد”؛ تلك القمة التي انطلقت دعوتها من مصر بمدينة شرم الشيخ وخلال فعاليات مؤتمر المناخ COP27، حيث انتهز الرئيس الفرنسي ماكرون ذلك الحدث للإعلان أن فرنسا وأوروبا تؤكدان دعمهما لقضايا المناخ، والحاجة إلى نظام مالي جديد يكون أكثر دعمًا للدول الأكثر تعرضًا للضرر بسبب التغيرات المناخية، وقد أكد على عزم فرنسا استضافة تلك القمة قبل مؤتمر COP28 والمزمع عقده في دولة الإمارات العربية المتحدة.

تشارك في تنظيم تلك القمة لجنة توجيه عالمية رفيعة المستوى مكونة من الدول والمنظمات الدولية، وذلك وفقا لمنظمة Focus 2030، وتشارك في التنظيم لجنة أخرى مكونة من عدد من الدول منها: باربادوس، وجنوب إفريقيا، وألمانيا، والبرازيل، والصين، والإمارات، والولايات المتحدة، والهند، واليابان، والمملكة المتحدة، والسنغال، هذا فضلًا عن دور المفوضية الأوروبية، والأمانة العامة للأمم المتحدة،، والبنك الدولي، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وصندوق النقد الدولي.

ظروف استثنائية

تأتي تلك القمة تأتي في ظروف خاصة تحيط بالاقتصاد العالمي، فلا يزال العالم يعاني من تأثيرات جائحة كورونا التي تسببت في توسع الدول في الاستدانة بهدف الإنفاق على سياسات الصحة العامة، وهو ما أثر على قدرات الدول في مختلف دول العالم على الحفاظ على مؤشرات الانضباط المالي بالموازنات العامة عند مستويات مستقرة. ومن جانب آخر، كان للحرب الروسية الأوكرانية انعكاسات خطيرة أثرت بشكل سلبي على الاقتصادات المنهكة من الجائحة، إضافة إلى الأزمات التي سببها التغير المناخي في الاقتصاد العالمي.

كانت تلك الالتزامات المركبة بمثابة ناقوس خطر تطلب تعزيز التعاون بين جميع دول العالم لمواجهة تلك الأزمات. وعليه فقد كانت هذه القمة الدولية بمثابة دعوة لمناقشة القضايا الرئيسة المختلفة التي تتعلق بأزمات الديون، والإجراءات المتبعة لتمويل قرارات احتواء تغير المناخ، بالإضافة إلى مناقشة بعض القضايا الأخرى التي تتعلق بإصلاح بنوك التنمية متعددة الأطراف، وتوفير التمويل المبتكر للشركات الناشئة، ومسألة الضرائب الدولية المفروضة على الشركات العابرة للقارات، وحقوق السحب الخاصة.

تعد قضية المناخ واحدة من أكثر القضايا إلحاحًا بين مختلف دول العالم، وخاصة الدول التي تحتل الجزر مكانة كبيرة في موقعها الجغرافي، وقد تكتلت تلك الدول الجزرية في مبادرة سميت “بريدج تاون“؛ بهدف تعزيز قدراتها على تمويل العمل المناخي، والتنسيق فيها بينها، وتيسير عملية الوصول إلى التمويل الدولي لها. وقد كانت مصر من بين المطالبين بإلزام الدول المتقدمة بالالتزام بتعهداتهم المناخية تجاه الدول النامية والأكثر عرضة لتغيرات المناخ.

وكانت هذه الدول قد تعهدت سابقًا بتقديم مبلغ 100 مليار دولار سنويًا إلى البلدان الناشئة بهدف المساهمة في احتواء التغيرات المناخية وفقًا للتعهدات التي تم تقديمها خلال اتفاق باريس للمناخ، على أن يتم تقديم تلك التعهدات من خلال عدد من المؤسسات التي تتضمن: الصندوق الأخضر للمناخ (GCF)، ومرفق البيئة العالمية (GEF) جنبا إلى جنب مع بنوك التنمية متعددة الأطراف.

وعلى الرغم من انخفاض تلك التعهدات مقابل ما تحتاجه الدول الناشئة والنامية، فإنه لم يتم الالتزام بتلك التعهدات. لكن إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لا يقتصر على التحاور بشأن سياسات تمويل المناخ وإنما يتخطى ذلك إلى “بناء عقد جديد مع الشمال والجنوب”؛ بهدف تسهيل وصول الدول الضعيفة للتمويل الذي تحتاجه لمعالجة عواقب الأزمات الحالية والمستقبلية، بما في ذلك الوصول إلى الصحة، ومكافحة الفقر.

أهداف متعددة

أُعلن خلال الاجتماعات التحضيرية للقمة عن أربعة أهداف رئيسة سيتم تحقيقها من خلال تشكيل 4 مجموعات خلال القمة، وهي تتمثل في: تحسين وضع الحيز المالي للبلدان التي تواجه صعوبات قصيرة الأجل في الوفاء بالتزاماتها تجاه المديونيات، وتعزيز تنمية القطاع الخاص في البلدان منخفضة الدخل وزيادة مساهمته بالاقتصاد، وتشجيع الاستثمار في البنية التحتية المستدامة أو البنية التحتية الخضراء بهدف تحسين مصادر الطاقة في البلدان الناشئة والنامية، وأخيرًا تعبئة التمويل للشركات الناشئة التي توفر حلولًا تكنولوجية لتحديات تغير المناخ.

وسيتولى مركز أبحاث “One Planet Lab” مسؤولية صياغة المقترحات الخاصة بالجزء الخاص بجمع مصادر التمويل المبتكرة لحلول المناخ.، من جانب آخر، من المحتمل أن تتولى القمة مناقشة مصادر تمويل جديدة لتوفير موارد لتمويل سياسات المناخ، والتي تتمثل في فرض ضريبة دولية على انبعاثات الكربون من صناعة الشحن البحري؛ إذ إن تلك الصناعة معفاة من الضرائب علي إيراداتها أو انبعاثاتها.

أما عن الجزء الأهم والأكثر زخمًا في هذه القمة فهو مسألة إعادة تنظيم المؤسسات المالية الدولية التي تم إنشاؤها في أعقاب الحرب العالمية الثانية من خلال اتفاق “بريتون وودز” في الولايات المتحدة الأمريكية وهما البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وهي مؤسسات لها ثقل عالمي من حيث دورها التنموي في مساعدة البلدان النامية والناشئة من خلال تمويل التنمية بأشكالها المختلفة، أو تطبيق البرامج الاقتصادية التي من شأنها إصلاح الاقتصادات المختلفة لتلك الأعضاء.

ترتبط الموضوعات السابق ذكرها بشكل مباشر بمصر؛ كونها المنصة التي تم من خلالها الإعلان عن القمة العالمية، وكونها عضو مؤسس في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وهي الداعم والمنادي بأهمية زيادة نصيب الدول النامية من تمويل المناخ والتأكيد على مراجعه تلك التعهدات كونها لا تناسب احتياجات الدول النامية، ووضع آلية ملزمة للدول المتقدمة للوفاء بتعهداتها. وعليه فإن المشاركة المصرية تحمل دلالات وأبعاد مختلفة؛ كونها المتحدث الشرفي عن القارة الأفريقية والتي تلتزم ضمن مسؤوليتها في الدفاع عن حقوق الدول الأفريقية في كل المحافل الدولية.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/78093/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M