هالة فودة
يعتمد نظام القبول في النظام التعليمي المصري على مجموعة من الإجراءات التي تقوم بالأساس على بلوغ الطفل السن القانوني، مرورًا بالكشف الطبي الصادر من التأمين الصحي الواقع في نطاق المدرسة، وغيرها من الخطوات والإجراءات التي تخلو من اختبارات تشخيصية دقيقة لحالة الطفل من حيث خلوه من أنواع الاضطرابات المختلفة باختلاف درجاتها خاصة من الدرجة الخفيفة إلى المتوسطة، مما ينتج عن ذلك العديد من السلبيات على المدى القريب والبعيد، سواء للأسرة والطفل أو على المجتمع بأكمله.
وتتبلور الأزمة لاحقًا في عدم وجود تصنيف دقيق لحالة الطفل في مرحلة التعليم الأساسي، وبالتالي حدوث حالة من الخلط بين الأطفال العاديين والأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في الفصل الدراسي الواحد، وهو ما يحرم الطفل ذا الاحتياجات الخاصة من البرامج التعليمية المناسبة لحالته، مما يؤدي إلى تأخر نموه أكاديميًا وسيكولوجيًا واجتماعيًا، بل ويؤدي في بعض الحالات إلى زيادة درجة الاضطراب لديه.
وحسب المعايير الدولية، فإن الأطفال الذين يعانون من صعوبات التعلم يمثلون الأغلبية ممن يجري اعتبارهم ذوي احتياجات خاصة، ويقع على هذه الفئة النصيب الأكبر من الأضرار الناتجة عن غياب البرامج التربوية والتعليمية المناسبة. ويرجع ذلك إلى أن الاضطرابات التي يعاني منه الأطفال في هذه الفئة هي اضطرابات خفيه ليست ظاهرة كغيرها من الاضطرابات الأخرى، فالأفراد الذين يعانون من صعوبات التعليم خاصة الأكاديمية منها يكونون عادة أسوياء، ولا يلاحظ المعلم أو الأهل أية مظاهر شاذة تستوجب تقديم علاج خاص لهم، وعليه يتم نعتهم بالكسل واللا مبالاة أو بالغباء، وتكون النتيجة المنطقية لمثل هذه الممارسات تكرار الفشل، وإشاعة المشاعر والخبرات السلبية في الأسرة، وربما وصولًا إلى تسرب الطفل من التعليم.
من هم ذوو صعوبات التعلم؟
يصف هذا المصطلح الأطفال الذين يُظهرون انخفاضًا في التحصيل الدراسي بالمقارنة بزملائهم. برغم تمتعهم بذكاء متوسط أو فوق المتوسط، إلا أنهم يظهرون صعوبة نوعية في بعض العمليات المتصلة بالتعلم: كالفهم، أو التفكير، أو التذكر، أو الإدراك، أو تشتت الانتباه، وبالضرورة تتأثر لديهم مهارة القراءة، أو الكتابة، أو التهجي، أو النطق، أو إجراء العمليات الحسابية. وعليه، فتلك السمات في المطلق لا يجري اعتمادها كاحتياجات خاصة واضحة تلزم التدخل، كالاضطراب الفكري أو الحسي أو السمعي والبصري مثلًا، مما أدى ذلك إلى وصف اضطرابات “صعوبات التعلم” بالاضطرابات الخفية.
وتتعدد أنواع اضطرابات صعوبات التعلم ما بين صعوبات نمائية تتعلق بالوظائف الدماغية، والعمليات العقلية والمعرفية التي يحتاجها الطفل في تحصيله المعرفي، كالانتباه والإدراك والذاكرة والتي يعتمد عليها التحصيل الأكاديمي. وبالتالي، فالعديد من الدراسات تُرجح أن الصعوبات النمائية بالضرورة تؤدي إلى النوع الثاني للصعوبات وهي الصعوبات الأكاديمية المتعلقة بالمهارات الدراسية الأساسية، كالقراءة والكتابة وإجراء العمليات الحسابية. وطبقًا للدراسات الحديثة فقد تم استحداث نوع ثالث هو صعوبات التعلم الاجتماعي، التي تتسم بالضعف في تقدير الذات، وتستمد الصعوبات الاجتماعية أهميتها من تأثيرها الكبير على معظم المواقف الحياتية للفرد فيما بعد.
وما زال مفهوم صعوبات التعلم وأنواعه قيد الدراسة والتحليل نظرًا للغموض الذي يُحيط بالأسباب الدقيقة لحدوث مثل تلك الصعوبات.
أزمة في التعريف وصعوبة في حصر الأعداد
- إشكالية حصر الأعداد:
اتفقت الأبحاث على أن هناك درجة من الغموض لا يزال يحيط بمفهوم صعوبات التعلم، ويرجع ذلك إلى عدم توفر اختبارات تشخيصية / تقييمية متفق عليها، إلى جانب تفاوت درجة مصداقية الاختبارات الحالية، الأمر الذي أدى إلى الاعتقاد بأن اضطرابات “صعوبات التعلم” قد أصبحت كالشماعة التي تعلق عليها كل أصناف المشكلات الأكاديمية، يضاف إلى ذلك التداخل بين ذوي صعوبات التعلم وذوي الاضطرابات الفكرية، بحكم بعض أوجه التشابه في الخصائص العامة لكلا الفئتين.
وكنتيجة لتلك التحديات، وُجدت صعوبة في تقدير إعداد ذوي صعوبات التعلم بشكل صحيح، الأمر الذي يعرقل مساعي تخطيط وتنفيذ البرامج التربوية المناسبة، التي تساعد على الاكتشاف المبكر، وسرعة التدخل، والحد من تفاقم المشكلة.
وتُشير الدراسات التي بحثت في نسبة انتشار صعوبات التعلم بين الجنسين إلى أن الذكور الذين يعانون من صعوبات في التعلم يفوق عددهم الإناث بما يقارب ثلاثة أضعاف، وقد عزا بعض الباحثين المعدلات المرتفعة لدى الذكور إلى العوامل البيولوجية وبعض العوامل الاجتماعية. وجدير بالذكر أن الدراسات والأبحاث التي أجريت على هذه الفئة تعود إلى جهات غير رسمية، بل تُعتبر اجتهادات من الباحثين والمهتمين بهذا المجال، بالإضافة إلى الجهات الرسمية التي تقتصر نوعيًا على باحثي الماجستير والدكتوراه المتخصصين في تشخيص وعلاج ذوي صعوبات التعلم. وبصفة عامة، يتم تقدير الأعداد وفقًا لإجراء الاختبارات التشخيصية على عينة عشوائية من المجتمع، ومن ثم تعميمها في ظل غياب التقارير الرسمية.
مؤشرات انتشار ذوي صعوبات التعلم
بحسب مجلة صعوبات التعلم الدولية، تختلف نسبة انتشار ذوي صعوبات التعلم من مجتمع إلى آخر، ويعود ذلك لاختلاف محكات التشخيص المستخدمة وكذلك اختلاف دقة الأدوات المستخدمة في عملية التشخيص. فمثلاً يصل معدل التلاميذ الذين يرتادون برامج صعوبات التعلم في المملكة العربية السعودية إلى 7% من بين تلاميذ المدارس التي فيها برامج لصعوبات التعلم على مستوى المرحلة الابتدائية، وحيث إن البرامج ما زالت قليلة نسبيًا فقد لا تكون تلك النسبة معيارًا لحجم صعوبات التعلم.
أما في أمريكا فيعتبر حقل صعوبات التعلم أكبر حقول التربية الخاصة من حيث عدد التلاميذ الذين يتلقون خدمات التربية الخاصة، فقد أشار تقرير مكتب التعليم إلى أن نسبة صعوبات التعلم إلى حقل التربية الخاصة ككل تساوي 51.1%. أي إن أكثر من نصف المتلقين لخدمات التربية الخاصة هم من الأطفال والشباب الذين لديهم صعوبات تعلم، كما يشير التقرير نفسه إلى أن 4.09% من الأطفال والشباب الذين تتراوح أعمارهم بين (6-21) يقعون تحت مظلة صعوبات التعلم.
وقد تتفاوت النسب من دولة لأخرى وفي بعض الأحيان من مقاطعة لأخرى داخل الدولة الواحدة وفقًا لاختلاف التعريفات والمعايير الخاصة باضطرابات صعوبات التعلم. فعلى سبيل المثال، تتراوح نسبة التلاميذ الذين لديهم صعوبات تعلم من 1.7% إلى 10.2% في نيوزيلندا فقط.
وفي مصر لا يوجد حصر دقيق لأعداد ذوي صعوبات التعلم، فوفقًا لإصدار “تجربة الجهاز الإحصائي المصري في تطبيق مجموعة أسئلة واشنطن لجمع بيانات الإعاقة” تم حصر نسبة ذوي صعوبات “الفهم والتواصل والتذكر أو التركيز”، وهي صعوبات تندرج تحت اضطرابات صعوبات التعلم لعام 2019/2020 كالآتي:
- نسبة الصعوبات بين الشباب (18-29):
- نسبة الصعوبات بين الأطفال (5-17):
- نسبة الأفراد 5 سنوات فأكثر من ذوي الصعوبات من الدرجة الكبيرة إلى المطلقة:
نحو سياسات تعليمية متكاملة
تكمن أولى خطوات التعامل السليم مع اضطرابات صعوبات التعلم بأنواعها في اعتبارها احتياجًا يتطلب تصميم برامج تعليمية واجتماعية على أُسس علمية سليمة قائمة على التشخيص السليم والتدخل المبكر للحد من الزيادة المتسارعة لهذه الفئة.
وتبرز أهمية مواجهة مشكلة تقدير أعداد ذوي صعوبات التعلم بشكل صحيح، وذلك عن طريق تشكيل فرق التدخل المبكر يشمل (أخصائي نفسي، أخصائي اجتماعي، طبيب، معلم غرفة المصادر “الخاصة بمدارس الدمج”، المعلم العادي)، بحيث يتواجد الفريق بشكل دائم في المدرسة لحضور المقابلات الأولى مع الأطفال في مرحلة التعليم الأساسي، لحصر أعداد ذوي صعوبات التعلم ومن ثم تصميم الخطط الفردية، والمشاركة في تنفيذها بشكل صحيح، ومتابعة النتائج.
علاوة على تطوير أدوات قياس وتشخيص علمية متفق عليها محليًا، للعمل على اكتشاف تلك الاضطرابات الخفية وتصنيفها لتلافي الخلط بين صعوبة التعلم والتأخر الدراسي والتعثر الدراسي والبطء التعليمي.
وختامًا، تتجلى أهمية تطبيق نظام التقييم والتقويم المستمر على طلاب التعليم الأساسي بصفة عامة وطلاب ذوي صعوبات التعلم بصفة خاصة لإدخال التعديلات الدورية اللازمة على الخطة الفردية، واكتشاف الحالات الجديدة مبكرًا، بجانب تهيئة وتدريب معلمي الصف وأولياء الأمور للتعامل مع الطلاب ذوي الصعوبات وفهم احتياجاتهم.
.
رابط المصدر: