طريق لبنان المتعثر إلى اتفاق مع “صندوق النقد الدولي”: التداعيات على السياسة الأمريكية

  • مارون حتي
  • جيسيكا عُبيد
  • و سامي نادر

 

“في 4 حزيران/يونيو، عقد معهد واشنطن منتدى سياسي افتراضي مع مارون حتي وجيسيكا عُبيد وسامي نادر. وقد شغل حِتّي حَتى وقت قريب منصب مستشار خاص لرئيس الحكومة اللبنانية للشؤون العسكرية. وعُبيد هي مستشارة للشؤون السياسية حيث تركز على تحويل الكهرباء والطاقة في الشرق الأوسط. ونادر هو مدير “معهد المشرق للشؤون الاستراتيجية” ومستشار سابق لوزير العمل اللبناني. وفيما يلي ملخص المقرر لملاحظاتهم”.

اللواء مارون حتي

خلّفت الأزمة المالية الراهنة وقعاً رهيباً على الظروف المعيشية للجندي العادي في “الجيش اللبناني”. وعلى الرغم من أن الوضع اليوم يختلف عن ذلك الذي واجهه “الجيش اللبناني” في منتصف الثمانينيات، إلا أن التاريخ قد يعيد نفسه إذا لم تعالَج الأزمة الحالية بشكل صحيح. فعندما تراجعت القوة الشرائية للجنود بشكل كبير خلال الحرب الأهلية اللبنانية، طلبوا المزيد من الإجازة لأن لديهم عائلات وكان عليهم إطعامها.

ويشكل “الجيش اللبناني” قوةً وطنية وعينةً عن المجتمع اللبناني على السواء. وقد صرّح قائده العام أن هذا “الجيش” سيحمي أولئك المتظاهرين حول قضايا مختلفة، بينما سيضمن في الوقت نفسه حرية التنقل والتعبير لدى المواطنين الآخرين. وقد تمكّنت قوات الجيش حتى الآن من اعتماد مقاربة متوازنة بهذا الشأن. ولعل أفضل طريقة لوصف الديناميكية بين «حزب الله» و”الجيش اللبناني” هي بالقول إنّها قائمة على فض النزاعات وفقاً للمصالح وعلى أساس كل حالة على حدة. فهي ليست تنسيق ولا تعاون.

وغني عن البيان مدى التقدم الذي أحرزه “الجيش اللبناني” كمؤسسة أمنية وطنية وشريك دولي لجيوش أخرى. فمنذ عام 2005، تعاقبت على قيادة “الجيش” أجيالٌ ازدادت قناعةً وجرأة بأن “الجيش اللبناني” قادر على الاضطلاع بالدور الرئيسي في الأمن القومي اللبناني. واليوم، يمثل هذا “الجيش” نقطة مفصلية يتحول فيها من مرحلة اكتساب القوة وتكوينها إلى مرحلة استدامتها وترسيخها. يجب على الولايات المتحدة والشركاء المانحين الآخرين أن يحافظوا على المساعدة العسكرية الحالية لـ “الجيش اللبناني”. وقد أثار المسؤولون الأمريكيون أسئلةً جدية حول حجم هذا التمويل، إلّا أن ترْكْ فراغ في المساعدات المقدمة لـ “الجيش اللبناني” سيُعتبر بمثابة هزيمة للبنان. ولم تضع الولايات المتحدة أي شروط رسمية على الإطلاق لتوفير هذه الأموال للبنان.

جيسيكا عُبيد

يقع قطاع الطاقة في لبنان في صلب الأزمة الاقتصادية والمالية في البلاد. فهو يسبب عجزاً مالياً سنوياً يبلغ معدله حوالي 1,6 مليار دولار، اعتماداً على أسعار النفط، الأمر الذي أدى إلى مساهمة إجمالية بنسبة 43 في المائة في الدين العام (ما يعادل 40 مليار دولار تقريباً). ويشتري لبنان أكثر مما يحتاج إليه، كما أن شبكته الكهربائية ضعيفة. ويتكبد خسائر تقنية عالية إلى جانب خسائر كبيرة غير تقنية، فضلاً عن نقص كبير في الكهرباء. وكان قد تم بناء أحدث محطة لتوليد الكهرباء في لبنان منذ عشرين عاماً.

ولمعالجة هذه المشاكل، تحتاج البلاد إلى زيادة قدرتها على توليد الطاقة، وتعزيز شبكاتها للتوزيع والنقل، والتحوّل إلى الغاز الطبيعي لتوليد الطاقة، وقطع الاتصالات غير القانونية بشكل كبير. يجب أيضاً إصلاح أنظمة إعداد الفواتير والجباية في البلاد، مع ضرورة إضافة الموارد المتجددة إلى مجال الطاقة. وعلى الرغم من ضرورة هذه الجهود، إلّا أنه لم يتم تطبيق أيٍّ منها منذ ما يقرب من ثلاثة عقود، ويقع اللوم في ذلك على النظام السياسي في البلاد. وفي الواقع، أعاق [هذا] النظام أي نوع من النمو الاقتصادي أو الإصلاحات في مختلف القطاعات، وهي حقيقة أكثر وضوحاً في قطاع الطاقة، الذي تتجذر مشكلاته التقنية والمالية بعمق في الحوكمة والعيوب الهيكلية داخل مؤسسات الدولة.

ونظراً إلى إمكانية حصول لبنان على حزمة تمويل من “صندوق النقد الدولي”، فتتمثل المقاربة الأبسط في إجراء إصلاحات تقنية ومالية معينة – على سبيل المثال، سوف يتطلع “صندوق النقد” لمعرفة ما إذا كان بإمكان بيروت تقليل العجز المالي. ومع ذلك، لا تكفي هذه الإصلاحات وحدها لمعالجة مشاكل لبنان الكامنة في مؤسساته. فالتكلفة المحلية للكهرباء مرتفعة للغاية، لذلك قد تبقى الديون حتى إذا تم خفض الإعانات الحكومية إلى مستوىً ميسور. بالإضافة إلى ذلك، فإن أي إصلاحات [يجري القيام بها] ستواجه عقبات رئيسية لأن الحكومة اللبنانية لا تزال تعمل وفق اسلوب “العمل كالمعتاد”، خاصة عندما يتعلق الأمر بقطاع الطاقة. وبالتالي، ففي غياب الشفافية والمساءلة، من غير المرجح أن تكسب الحكومة تأييداً علنياً بشأن إصلاح قطاع الكهرباء. وبعد ثلاثة عقود من الإنتاج العالي المتصوّر، من غير المرجح أن يلتزم القطاع الخاص والمستثمرون بأي استثمار رأسمالي لتصحيح الأزمة المالية الحالية.

ومع ذلك، هناك بعض الدروس الرئيسية التي يمكن تعلّمها من إصلاحات قطاع الطاقة في البلدان النامية. على سبيل المثال، يمكن تقديم الدعم لقطاع الطاقة في لبنان بشرط تبنّي الحكومة خطة مستدامة ذات إستراتيجية أقل تكلفة. كما يجب أن تكون بيروت أكثر شفافية في هذه القضايا؛ ويشمل ذلك تعيين مُنظّم/جهاز تنظيم مستقل قادر على تجاوز النفوذ السياسي. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تكون البلاد وقطاع الطاقة على السواء قادرَيْن على اجتذاب الاستثمارات – وهي عقبة مشتركة عندما تعمل دولة نامية على تنفيذ إصلاحات. وتستخدم بيروت حالياً مشاكلها المالية كذريعة لإجراء مفاوضات مباشرة، وغير شفافة حول هذه الأمور، وهي استراتيجية يمكن أن تأتي بنتائج عكسية.

سامي نادر

ساعد وباء “كوفيد -19” الحكومة اللبنانية الحالية من جهة معينة – من خلال إبعاد المتظاهرين عن الشوارع – لكنه أدى أيضاً إلى تضخيم الأزمة الاقتصادية التي كانت قائمة مسبقاً. ولم تقم الحكومة بأي إصلاحات لوقف هذا الانهيار الاقتصادي، على الرغم من أن مثل هذه الإجراءات حاسمة لتلبية شروط اتفاقية “صندوق النقد الدولي”. وجرت محاولات لتعيين مسؤولين جدد في النظام القضائي والمصرف المركزي، ولكن التعيينات في كلا المجالَين قد توقفت. كما تم اقتراح القيام بإجراء لمراقبة رأس المال، على الرغم من سحبه بسبب فشله في الحصول على موافقة البرلمان. وأحد شروط حزمة “صندوق النقد الدولي” هو إحداث إصلاح في قطاع الكهرباء. ومع ذلك، اقتصرت الحكومة حتى الآن على النظر في خطة كهرباء ثالثة دون محاولة إجراء تغيير أعمق.

ويختلف الوضع الحالي عما كان عليه حين بدأت الاحتجاجات في تشرين الأول/أكتوبر. وإجمالاً، يعتبر الشعب اللبناني فقيراً. وقد فقدت الليرة اللبنانية ما يقرب من 200 بالمائة من قيمتها، كما أن الدولار الأمريكي الذي كان يتداول بسعر 1،500 ليرة تداول مؤخراً بسعر 4،000 ليرة [وأثناء كتابة هذه السطور، تراجعت الليرة اللبنانية إلى أكثر من 5،000 مقابل الدولار]. ولا يمكن حتى العثور على الدولارات في السوق. وقد بلغ العجز في ميزان المدفوعات في البلاد إلى مستويات مقلقة، وسيفتقر لبنان قريباً إلى الأموال اللازمة لتمويل الاحتياجات الأساسية مثل القمح والأدوية والنفط والغاز. كما أن درجة غضب المتظاهرين هي اليوم أعلى شأناً لأنهم مستاؤون من الحكومة الحالية ومن عدم تطبيق الإصلاحات الاقتصادية اللازمة. إلا أن القوى السياسية التقليدية في البلاد تشكل أكبر العراقيل أمام الإصلاح. فصلاحية صنع القرار في أي مسألة تكمن في يد «حزب الله» وحلفائه. وهناك قلق من أن يؤدي استمرار البؤس الاقتصادي إلى انقسام المتظاهرين، وبذلك يتسنى لـ «حزب الله» والأحزاب الأخرى استغلال هذا الانقسام.

بإمكان المجتمع الدولي أن يساعد جهود “صندوق النقد الدولي” للدفع باتجاه [تطبيق خطط] للإصلاح في لبنان. فالشروط التي تستوجبها حزمة “صندوق النقد” أكثر أهمية من جوانبها المالية. ويقسّم النظام السياسي في لبنان القطاعات الاقتصادية في البلاد بين مختلف الأحزاب، حيث يسيطر “التيار الوطني الحر” على قطاع الكهرباء، و«حزب الله» على الجمارك والحدود، بينما تسيطر حركة «أمل» على وزارة المالية، ويسيطر حزب آخر على قطاع الاتصالات. وبين عامي 2008 و 2012، استمدت الأحزاب السياسية تمويلها من قوى إقليمية خارجية. ومنذ ذلك الحين، جعلت العقوبات وأسعار النفط المنخفضة مثل هذا الهيكل التمويلي مستحيلاً، لذا لجأت الأحزاب اللبنانية إلى القطاعات الاقتصادية كمصدر بديل للتمويل. وهكذا يبدأ الإصلاح بمنع الأحزاب السياسية من تمويل نفسها بالأموال العامة.

من الضروري على الأطراف الدولية الفاعلة إعطاء الأولوية لثلاث نقاط عندما يتعلق الأمر بلبنان. أولاً، عليها أن تضغط على الدولة لإنجاز الإصلاحات، وأفضل طريقة لتحقيق ذلك هي التشجيع على  تشكيل حكومة لبنانية مستقلة بالفعل. ثانياً، عليها حماية المتظاهرين وحريتهم في التعبير، فعمليات الإعدام الأخيرة بحق المتظاهرين مرفوضة [تماماً]. ثالثاً، عليها مساعدة لبنان على تحقيق استقلالية القضاء، وهو جهد منخفض التكلفة ولكنه ذو عائد مرتفع.

أعد هذا الملخص كيفن ماتيسونأمكن تنفيذ سلسلة برامج منتدى السياسات بفضل سخاء “عائلة فلورنس وروبرت كوفمان”.

رابط المصدر:

https://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/view/lebanons-bumpy-road-to-an-imf-deal-implications-for-u.s.-policy

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M