علاقات متنامية: دلالات زيارة الرئيس الموريتاني للقاهرة

عبد المنعم على

 

مثّلت زيارة الرئيس الموريتاني “محمد ولد الغزواني” لمصر في الرابع من يونيو 2023، تأكيدًا للمسار الإيجابي الذي تسير فيه العلاقات المصرية الموريتانية، خاصةً وأنها الزيارة الأولى من نوعها التي يقوم بها “ولد الغزواني” منذ توليه السلطة في عام 2019. ولعل هذه الزيارة تعكس حجم التقارب في العلاقات الثنائية على المستويات الدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية، وتؤطر لعلاقات بين القاهرة ونواكشوط تتجاوز الدوائر التقليدية والانتقال بالعلاقات إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية بالتزامن مع المتغيرات الإقليمية والدولية الراهنة.

ولعل هذه الزيارة تأتي في إطار التغيرات الجيوستراتيجية التي تشهدها موريتانيا في الآونة الأخيرة في دائرة المغرب العربي، علاوة على المتغيرات وثيقة الصلة بالأمن الإقليمي كما هو الحال بالنسبة لأزمة السودان الراهنة وما تفرضه من حتمية التعاون الأمني في تلك الدائرة، إلى جانب ضرورات التنسيق في القضايا العالقة الأخرى مثل أزمة سد النهضة.

متغيرات استراتيجية إقليمية

بالنظر إلى سياق وتوقيت الزيارة التي أجراها الرئيس الموريتاني للقاهرة، يمكن القول إن ثّمة متغيرات إقليمية ذات طبيعة استراتيجية، برزت في جلسات الحوار المشترك بين الرئيسين المصري والموريتاني وذلك كالآتي:

  • الاضطراب الأمني في السودان ومساعي إيجاد موطئ قدم في الملفات العالقة: واحد من بين ملفات الاهتمام المتبادل بين الجانبين يكمن في حالة الاضطراب السياسي والأمني داخل السودان على إثر الصراع المسلح الراهن بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وما تبعه من سيولة أمنية حدودية وموجات لجوء ونزوح. هذا الملف طفا على المباحثات بين الجانبين خلال الزيارة وذلك انطلاقًا من محورية الدور المصري في معالجة تلك الأزمة، وتطلع موريتانيا للبحث عن موطئ قدم للانخراط في الصراعات الإقليمية والعدول عن فكرة الانطواء والانكفاء على الذات.

الأمر الآخر وثيق الصلة بالدائرة الشمالية يتجلى في الملف الليبي الذي حظي باهتمام الدولتين؛ حيث تسعى نواكشوط للدخول على خط التفاهمات والتسويات التي تجري في ليبيا وذلك عبر البوابة المصرية التي تُعد رقمًا رئيسيًا في الملف الليبي، إلى جانب أهمية ليبيا –عبر خطوط تفاعلاتها الغربية- للاصطفاف للدبلوماسية المصرية في هذا الملف.

  • الحرب بالوكالة في الدائرة المغاربية ومواءمة الاستقطاب الإقليمي: هناك تطور ملحوظ في منطقة شمال أفريقيا يكمن في تنامي سياسة المحاور وتشكيل الأحلاف الاستراتيجية بمستوياتها الدبلوماسية والعسكرية، كما هو الحال بالنسبة للتنسيق المغربي الإسرائيلي في مقابل تنامي العلاقات الإيرانية الجزائرية، وتحرك كلا الطرفين في توظيف الحركات الانفصالية والتحريرية كأوراق ضغط، وهذه التحالفات من المرجح أن تطيح بالاتحاد المغاربي، لذا فإن موريتانيا في ضوء تلك الترتيبات الأمنية والتنسيقات الاستراتيجية بين قطبي المغرب العربي (الجزائر، المغرب) وانخراط الفاعلين الإقليمين (إسرائيل، إيران) في هذه المنطقة يدفعها إلى البحث عن حلفاء استراتيجيين وهو الحال بالنسبة لمصر.
  • التوظيف البديل لموريتانيا: أحد المتغيرات الأخرى هو حالة التبدّل التي يشهدها إقليم المغرب العربي ودوائر الجوار اللصيق به وخاصةً الساحل والصحراء، إذ إن نواكشوط باتت دائرة الاهتمام الغربي وخاصة لدى حلف الناتو بعدما أعاد تشكيل استراتيجيته الأمنية الخارجية، في ضوء كونها (نواكشوط) بمثابة دولة محورية تقع في الشمال الغربي لأفريقيا، وتتصل اتصالًا وثيقًا بترتيبات المشهد الأمني في الساحل والصحراء خاصة في النيجر ومالي، وهو ما يرتب التزامات على عاتق موريتانيا في ظل وضعيتها الجديدة داخل ملف الساحل والصحراء.

ونظرًا لما تمتاز به موريتانيا من  تعاون وتنسيق أمني مع فرنسا وإيطاليا بصورة خاصة لمواجهة الجماعات المسلحة، علاوة على التجربة المصرية في مكافحة الإرهاب ودورها في تأسيس مركز مكافحة الإرهاب لتجمع دول الساحل والصحراء الذي يستهدف تنسيق الجهود الإقليمية وتبادل المعلومات الاستخباراتية في ضوء المواجهة الشاملة للإرهاب؛ فإنه من الأهمية بمكان التعاون الاستخباراتي المشترك المصري الموريتاني وتحقيق التكامل الأمني في ضوء معالجة تلك المخاطر والتحديات.

مكاسب محتملة

إن التقارب المطرد في العلاقات بين القاهرة ونواكشوط سينعكس على عدد من الملفات، الأول: الأمني والعسكري، إذ إن هناك خطًا للتنسيق والتعاون العسكري المصري الموريتاني بما يحقق التكامل الأمني المتبادل بين الجانبين، ليس فقط لمواجهة التحديات الداخلية ولكن على صعيد التصدي لمخاطر محتملة لتمركزات التنظيميات الإرهابية في الساحل والصحراء، وتجلّى ذلك في زيارة وزير الدفاع الوطني الموريتاني “حننا ولد سيدي” للقاهرة، في الثلاثين من يناير (2023) وما تمخض عن تلك الزيارة من توقيع اتفاق تعاون عسكري تضمن العديد من المجالات، من بينها: التدريب والتعليم، واللوجستيات، والصناعات الحربية والعسكرية، والإعلام العسكري، والطب العسكري، إلى جانب التأكيد على تبادل زيارات وزراء الدفاع، مع الاشتراك في التدريبات أو العمليات الدولية، وكذلك التدريب العسكري لأفراد القوات المسلحة، والاشتراك في معارض التسليح والمعدات العسكرية، وتبادل المعلومات الفنية والتكنولوجية والصناعات بهدف تطوير ورفع كفاءة وإنتاج معدات لتلبية احتياجات الطرفين.

بينما يكمن الملف الثاني في ملف الطاقة؛ حيث إن مصر تتطلع لكي تكون مركزًا إقليميًا للطاقة وتصدير الغاز الطبيعي وهو ما حققته مصر في السنوات القليلة الماضية. ونظرًا لما تمتلكه موريتانيا من مقومات مختلفة في الطاقة عقب الاكتشافات المتعددة التي أعلنت عنها في منتصف العام الماضي (2022) عن وصول احتياطيات الغاز المكتشف بأكثر من 100 تريليون متر مكعب، ونظرًا لتصاعد الصراع المغربي الجزائري مؤخرًا بتوظيف ورقة الطاقة في تصفية الحسابات بينهما، فإن موريتانيا باتت بحاجة لخبرات وقدرات مصر ومكانتها في سوق الطاقة الإقليمية، ومن الأهمية بمكان التعاون الثنائي في قطاع الطاقة، فورقة الغاز والاستفادة المزدوجة من الجانبين يعزز من قدراتهما الوطنية كمقومات للاقتصاد الوطني.

ويتجلى الملف الثالث في دعم التعاون الدبلوماسي العربي والأفريقي في تصفية القضايا العالقة مثلما هو الحال بالنسبة للأزمة في ليبيا، وكذلك في السودان، علاوة على تأمين داعمين للمصالح المصرية إقليميًا سواء أفريقيًا أو عربيًا، مثلما هو الحال بالنسبة لقضايا المياه وعلى رأسها ملف سد النهضة، وكذلك مواجهة وتفكيك التنظيمات الإرهابية في العمق الأفريقي، إلى جانب معالجة القضايا الراهنة وفي مقدمتها الأزمة في السودان وكذلك الملف الليبي.

خلاصة القول، هناك تقاربٌ متنامٍ بين مصر وموريتانيا بالتزامن مع التطورات الإقليمية المتباينة، سواء على صعيد دائرة المغرب العربي أو الشمال الأفريقي، والتي تجلت في نقل الحرب بالوكالة الإيرانية الإسرائيلية لتلك الدائرة، إلى جانب الاستقطاب الأوروبي في تفاعلاتها بين الجزائر والرباط، وكذا الخلاف الجزائري المغربي الذي أنتج سياسات للمحاور الوظيفية والنوعية في هذا النطاق الهام، ناهيك عن تطور وضعية موريتانيا في معادلة الأمن الإقليمي في ضوء التعويل الأخير من جانب حلف شمال أطلسي على نواكشوط في معادلة الأمن في الساحل والصحراء، لذا فضروريات الموقف الراهن تقضي بأهمية التنسيق الدائم والمستمر بل ونقل التعاون إلى حالة من الشراكة الاستراتيجية عسكريًا واقتصاديًا.

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/34837/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M