علاقة تكافلية… دلالات احتمالية تواجد زعيم القاعدة في أفغانستان

مني قشطة

 

منذُ عودة حركة طالبان للحكم في أفغانستان (15 أغسطس 2021)، بات الحديث عن تنامي التهديدات الأمنية المرتبطة بالجماعات والتنظيمات الإرهابية – التي تتخذ من الأراضي الأفغانية مرتكزًا لنشاطها وتتمتع بالرعاية والتكافل في كنف طالبان – أمرًا اعتياديًا، وخصوصًا تنظيم القاعدة الذي تصاعدت وتتابعت المُؤشرات والتكهنات حول علاقته الوطيدة بالحركة، ولعل من أحدث هذه المؤشرات ما جاء في متن التقرير الرابع عشر الصادر في يونيو 2023 لفريق الدعم التحليلي التابع للأمم المتحدة والمعني برصد حالة السلم والأمن في أفغانستان؛ إذ أشار التقرير إلى أن العلاقة بين طالبان والقاعدة ظلت وثيقة ويشوبها حالة من التكافل والتعاون  إلى الحد الذي سمح للأخيرة باستخدام الجغرافيا الأفغانية محورًا أيديولوجيًا ولوجستيًا لتعبئة وتجنيد مُقاتلين جُدد في صفوف التنظيم، وملاذًا آمنًا لكبار قادته.

وفي المُقابل جاءت الرواية الأمريكية مغايرة للطرح الوارد في التقرير السابق؛ حيث أفاد الرئيس الأمريكي “جو بايدن” في مؤتمر صحفي مطلع يوليو الجاري – عندما سئل عما إذا كان يعترف بارتكاب أخطاء خلال الانسحاب من أفغانستان عام 2021 – بأن الأدلة تُشير إلى عدم وجود تهديد من جانب تنظيم القاعدة في أفغانستان وأن واشنطن تحصل على مساعدة من حركة طالبان. وقد وجدت الأخيرة في تصريح الرئيس “بايدن” فرصة للترويج لسرديتها حول التزامها بتعهداتها أمام المجتمع الدولي؛ حيثُ علقت وزارة خارجية طالبان قائلًة: “نعتبر تصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن بشأن عدم وجود جماعات مسلحة في أفغانستان إقرارًا بالواقع”، وأضافت أن ذلك “يدحض التقرير الأخير لفريق مراقبة العقوبات التابع للأمم المتحدة الذي يزعم وجود نشاط أكثر من 20 جماعة مسلحة في أفغانستان”.

دلالات عديدة

أشار تقرير مجلس الأمن -السابق ذكره – إلى أن إحدى الدول الأعضاء أفادت بأن الزعيم الحالي لتنظيم القاعدة “محمد صلاح الدين زيدان” والمعروف بـ “سيف العدل“، قد سافر من قاعدته في إيران إلى أفغانستان وعاد إليها مره أخرى في نوفمبر 2022، في حين أفادت دولة أخرى من الأعضاء بأنه لايزال مقيمًا على الأراضي الأفغانية. وسواء كان مقره الحالي أفغانستان أو إيران فإن المعلومات الواردة بالتقرير تطرح جملة من الدلالات التي يمكن تسليط الضوء عليها فيما يلي:

1- إثبات العلاقة بين طالبان والقاعدة: يُضاف التقرير الرابع عشر لفريق الدعم التحليلي حول أفغانستان إلى جملة المؤشرات التي تُعزز من صوابية التكهنات القائلة بوجود علاقات وثيقة تربط بين طالبان والقاعدة، وأن الأولي تحرص على إعطاء ملاذات آمنة للأخيرة في كنفها حتى وإن حاولت بطريقة أو بأخرى إثبات عكس ذلك. وجدير في هذا السياق ذكر أن تلك العلاقة التكافلية بين طالبان والقاعدة ليست وليدة العهد الثاني لحكم الحركة، بل هي علاقة تاريخية تمتد أواصرها إلى ثمانينات وتسعينيات القرن الماضي، وتوطدت بروابط النسب والمصاهرة بشكل مستمر طيلة العقدين الماضيين، إلا أنها تعززت بشكل أكثر قوة بعد سيطرة طالبان على الحكم في أفغانستان في منتصف أغسطس 2021، وهو ما يمكن الاستدلال عليه من الشواهد التالية:

أ.  وجود ملاذات آمنة لقادة وعناصر القاعدة: أشار التقرير المذكور إلى وجود ما بين 30 إلى 60 من كبار قادة تنظيم القاعدة في أفغانستان يتمركزون في كابول وقندهار وهلمند وكونار، إلى جانب وجود 400 آخرين من عناصر التنظيم برفقة حوالي 1600 من أفراد أسرهم وذويهم، وينتشرون في المقاطعات الأفغانية في الجنوب (هلمند وزابول وقندهار)، والوسط (غزنة وكابول وباروان)، والشرق (كونار وننجرهار ونورستان)، ويحصلون كذلك على العديد من الامتيازات التي تقدمها لهم حركة طالبان كالمدفوعات الاجتماعية التي تقدم لهم بشكل شهري، فضلًا عن حصول بعضهم على جوازات السفر الأفغانية وبطاقات الهوية الوطنية، حتّى يتسنى لهم التحرك بحرية أكبر في أفغانستان.

ومن بين كبار قادة القاعدة الذين تتحدث التقارير عن وجودهم حاليًا في أفغانستان “عبد الرحمن المغربي” المعروف باسم “محمد آباتي” صهر زعيم التنظيم المقتول “أيمن الظواهري”؛ إذ تُشير المعلومات المتوفرة حوله إلى أنه يتنقل بين أفغانستان وإيران. كما تُفيد التقارير بعودة قائد عمليات القاعدة في أفغانستان “أبو إخلاص المصري” الذي أُطلق سراحه بعد عودة طالبان للسلطة، وتشير بعض التكهنات إلى قيامه بإعادة تنشيط كتيبة “عمر الفاروق” في مقاطعتي كونار ونورستان وهي إحدى الوحدات الخاصة التي تولى قيادتها قبل اعتقاله لأكثر من عقد من قبل أعضاء قوة المساعدة الأمنية (إيساف) أواخر عام 2010. وكان لافتًا أيضًا عودة “أمين الحق” مسؤول أمن زعيم القاعدة السابق “أسامة بن لادن” إلى مسقط رأسه في ننجرهار بعد أقل من أسبوعين فقط من سقوط أفغانستان في قبضة طالبان، وقد أظهرت مقاطع الفيديو المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي عودة ” الحق” مصحوبًا بقافلة كبيرة من مقاتلي طالبان مُدججين بالأسلحة في سيارات دفع رباعي حديثة، وتوافدت بعض عناصر الحركة لمصافحته والتقاط “صور سيلفي” معه، في مشهد يشي بأن قادة القاعدة باتوا يشعرون بمساحات أمان كافية لظهورهم علنًا والتحرك بحرية في أفغانستان وسط حراسة مُشددة من حركة طالبان.

ب. تسلل عناصر القاعدة إلى صفوف حكومة طالبان: امتدت إقامة عناصر وقادة القاعدة في أفغانستان إلى حصولهم على تعيينات وأدوارًا استشارية ومناصب في الهياكل الأمنية والإدارية لحكومة طالبان، ومن ذلك على سبيل المثال وليس الحصر، “قاري إحسان الله باريال” الذي يتولى منصب حاكم ولاية كابيسا، و”حافظ محمد آغا حكيم” الذي يشغل منصب حاكم ولاية نورستان، و”تاجمير جواد” الذي يعمل كنائب المديرية العامة للمخابرات، فضلًا عن وجود أحد عناصر القاعدة في صفوف مدربي وزارة الدفاع، التي استندت التدريبات بداخلها على كتيبات التنظيم التي كانت تُستخدم بشكل علني في منشآت الوزارة.

جـ. إنشاء معسكرات للقاعدة على الجغرافيا الأفغانية: أشار التقرير الرابع عشر لفريق الدعم التحليلي – السابق ذكره – إلى أنه منذُ استيلاء طالبان على أفغانستان حظيت القاعدة بمنازل وبنية تحتية آمنة في شتى أنحاء البلاد وخصوصًا في ولايات فرح وهلمند وهرات والعاصمة كابول، وتمكنت كذلك من إقامة معسكرات تدريب لعناصرها في خمس ولايات أفغانية، هي: هلمند في الجنوب، وزابول في الجنوب الشرقي، وننجرهار في الشرق، ونورستان في الشمال الشرقي، وكذلك بادغيس في الغرب. ويُمكن القول إن هذه المُقاطعات لطالما عُدت بمثابة نقاط ارتكاز استراتيجية للقاعدة، وأرضًا خصبًة لنشاطها، بالنظر إلى تضاريسها الوعرة التي وفّرت بعض التحصينات والميزات التكتيكية والعملياتية التي استفاد منها عناصر التنظيم في الإفلات من ضربات الطائرات الأمريكية بدون طيار التي كانت تستهدفهم.

 د. مقتل أيمن الظواهري في كابول: أعلن الرئيس الأمريكي “جو بايدن” مطلع أغسطس 2022 مقتل زعيم الزعيم الثاني لتنظيم القاعدة “أيمن الظواهري” بطائرة مسيرة في غارة جوية أمريكية بالعاصمة الأفغانية كابول، لتنضم عملية مقتلة إلى جملة المؤشرات الكاشفة للعلاقات الوطيدة بين طالبان والقاعدة، بالنظر إلى أن الزعيم المقتول كان يقطن في منزل يملكه أحد كبار مساعدي وزير الداخلية والقيادي البارز بطالبان “سراج الدين حقاني” وفي أحد الأحياء الفاخرة لكابول، وهو ما يشي بأن الحركة لم تكتفِ فقط بإعطاء مساحة حركة أكبر لعناصر القاعدة للعمل علانيًة ولملة شتاتها واستعادة قوتها من جديد في أفغانستان، بل كانت حريصة على إبقاء قائدها على مقربة بنحو 200 متر من القصر الرئاسي بغرض الاستفادة من خبراته. ورغم مرور ما يقرب من العام على الإعلان الأمريكي عن مقتل “الظواهري”؛ إلا أن التنظيم التزم الصمت حتى الآن بخصوص الحديث بالنفي أو التأكيد عن عملية مقتله أو عن خليفته المحتمل – الذي استقرت التقارير الأمريكية والأممية على أنه “سيف العدل” – وهو الأمر الذي أرجعته التقارير والتحليلات المختلفة إلى جملة من العوامل، وفي مُقدمتها رغبة القاعدة في تجنب التسبب في أي إحراج لحليفتها الجهادية حركة طالبان التي تستمر في إنكار حقيقة أن “الظواهري” كان يقيم على الأراضي الأفغانية ويتمتع بالملاذ الآمن بها.

2- قصور التقديرات الأمريكية حول خطر القاعدة في أفغانستان: تُظهر تقارير الأمم المتحدة قصور تقديرات المسؤولين الأمريكيين حول خطر تنظيم القاعدة في أفغانستان بعد سيطرة حركة طالبان عليها؛ إذ عمدت الرواية الأمريكية لأكثر من عقد إلى التقليل من حجم عناصر التنظيم في البلاد، وخلصت بعض التقارير الاستخباراتية للولايات المتحدة إلى أن القاعدة لم تعيد تجميع صفوفها في أعقاب الانسحاب الأمريكي، وأن عدد قليل جدًا من أعضاءها يتمركزون في أفغانستان لكنهم يتواجدون منذ فترة طويلة وليس لديهم القدرة على استخدام الأراضي الأفغانية لشن هجمات ضد الولايات المتحدة أو مصالحها. وفي السياق ذاته، عبّر عدد من المسؤولين الأمريكيين لإذاعة “صوت أمريكا” عن رفضهم للتقديرات الواردة في التقرير الرابع عشر لفريق الدعم التحليلي – السابق ذكره – مُعللين رفضهم بأن معلوماتهم الاستخبارية لا تتطابق مع المعلومات الصادرة عن الأمم المتحدة، وأنه لا توجد لديهم مؤشرات على أن الزعيم الحالي للتنظيم “سيف العدل” غادر قاعدته في إيران وزار أفغانستان في عام 2022 أو أنه يقيم بها الآن.

ويُجادل بعض المحللين بـأن تقارير الأمم المتحدة أكثر واقعية مما تحاول المخابرات الأمريكية تقديمة كتقدير حقيقي لقوة القاعدة في أفغانستان، وحُجتهم في ذلك أن الولايات المتحدة لديها جملة من الأمور التي تدفعها إلى محاولة التقليل من قوة التنظيم: 

أولها، تبرير انسحابها من أفغانستان، والرد على الانتقادات التي ترى أن هذا الانسحاب كان فاشلًا وسيمكن القاعدة من إعادة تجميع صفوفها في البلاد مرة أخرى ومهاجمة الولايات المتحدة ومصالحها، وخصوصًا بعد مقتل “أيمن الظواهري” في كابول؛ فعلى الرغم من أن عملية مقتلة عُدت مكسبًا لإدارة الرئيس “جو بايدن”  في ملف مكافحة الإرهاب إلا أنها في الجهة المقابلة كانت محط انتقاد الجمهوريون الذين جادلوا بأن شعور الزعيم المقتول بالأمان الكافي للإقامة في العاصمة الأفغانية تُعد مؤشرًا على سياسة فاشلة ستسمح للقاعدة بإعادة لملمة شتاتها وقوتها حتى وإن تعهدت طالبان للجانب الأمريكي بعدم السماح بذلك تحت حكمها.

وثانيها، وجود بعض الإشكاليات التي تواجه جهود أجهزة المخابرات الأمريكية في تتبعها وتحديدها لعناصر القاعدة وتحركاتهم، ومنها على سبيل المثال حرص التنظيم على إخفاء بصماته قدر الإمكان والعمل سرًا تحت لواء طالبان، لتجنب عدم التسبب في أي إحراج للأخيرة أمام المجتمع الدولي، وهو ما يصعب من جهود أجهزة الاستخبارات الأمريكية في تقييم عملياتها بدقة، وخصوصًا بعد أن تقلصت قدرتها على القيام بمهام المراقبة والاستطلاع بعد انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان في أغسطس 2021.

3- تزايد التهديدات الأمنية في أفغانستان: تعكس العلاقة الوطيدة بين تنظيم القاعدة وحركة طالبان تنامي التهديدات الأمنية المرتبطة بنشاط التنظيمات الإرهابية التي تتخذ من أفغانستان ملاذًا لها، خصوصًا مع عدم وجود أي مؤشرات حتى الآن على فك طالبان لارتباطاتها مع هذه التنظيمات، بل على العكس سارت الحركة على نهج يقوم على توظيف “تحالفاتها الجهادية” المُتعددة بما يخدم مصالحها؛ فتارةً تستفيد منها في أمور الاستشارة والتوجيه والدعم البشري كحال علاقتها بتنظيم القاعدة، وتستخدمها كورقة ضاغطة في سياساتها الخارجية تجاه بعض دول الجوار تارةً أخرى كدعمها لحركة طالبان الباكستانية التي تصاعدت مكامن قوتها ونشاطها ضد القوات الباكستانية خلال العاميين الماضيين، وبات عناصرها وقادتها يتمتعون بحرية حركة في الميدان الأفغاني ولا سيما في المناطق الشرقية المتاخمة للحدود الباكستانية.

تحديات أمنية وسياسية

تُفرز العلاقة الارتباطية بين حركة طالبان والقاعدة وغيرها من التنظيمات الإرهابية جملة من التحديات السياسية التي قد تواجه الأولى في انتراع الشرعية الدولية الغائبة عنها، إلى جانب التحديات الأمنية المرتبطة بتنامي التهديدات الإرهابية في وسط وجنوب آسيا، فضلًا عن بعض التحديات التي قد تواجه تنظيم القاعدة في الحفاظ على بقاءه في أفغانستان، وهو ما يمكن استعراضه فيما يلي:

1-  زعزعة ثقة المجتمع الدولي في حكومة طالبان: يُناقض التعاون بين حركة طالبان وتنظيم القاعدة سرديات الأولى المتكررة الواردة على لسان مسؤوليها بأن نظامها في أفغانستان لا يوفر ملاذًا آمنًا للمقاتلين الأجانب، ولا يسمح بأن تكون الجغرافيا الأفغانية بمثابة نقطة انطلاق للعديد من التهديدات الإرهابية إلى أي من دول الجوار. وعليه، قد تُزعزع المؤشرات المتصاعدة حول تنامي الروابط الجهادية بين طالبان والقاعدة وغيرها من التنظيمات الإرهابية في أفغانستان الثقة المحلية والإقليمية والدولية في حكومة طالبان، وتُعرقل تحركاتها الحثيثة لنيل الشرعية الدولية الغائبة عنها حتى الآن.

2- تنامي الخطر الإرهابي في وسط وجنوب آسيا: إذا استمرت حركة طالبان في الحفاظ على ارتباطاتها الجهادية مع القاعدة وغيرها من التنظيمات الإرهابية في أفغانستان فمن المحتمل زيادة التهديدات الأمنية في منطقة وسط وجنوب آسيا، لا سيما بالنسبة لدول الجوار الأفغاني التي وجدت نفسها بين مطرقة نشاط تنظيم داعش خراسان الذي يسعى للتمدد خارج الجغرافيا الأفغانية، وسندان النسخ الطالبانية الجديدة التي أفرزتها تأثيرات الجغرافيا السياسية، وتشكلت كأحد ارتدادات ظهور طالبان على الساحة الأفغانية ومنها: حركة طالبان باكستان وتحريك طالبان طاجيكستان. الجدير بالذكر أيضًا أنه يوجد نحو 20 جماعة إرهابية تنشط حاليًا في أفغانستان، منها: فرع تنظيم القاعدة في شبة القارة الهندية، والحركة الإسلامية الأوزبكية، وعسكر الإسلام، وعسكر طيبة، والإمام البخاري، وجيش محمد، واتحاد الجهاد الإسلامي. وهو ما يتطلب ضرورة رفع حالة التأهب الأمني في دول منطقة آسيا الوسطى، تحسبًا لآية تهديدات إرهابية محتملة قد تنطلق من التنظيمات الإرهابية المتمركزة في أفغانستان على المديين المتوسط والطويل.

3- قيود على نشاط القاعدة: على الرغم من تمتع تنظيم القاعدة بالملاذ الآمن وحرية الحركة داخل أفغانستان بعد عودة طالبان للسلطة، إلا أنه ثمة مجموعة من التحديات التي قد تدفع التنظيم إلى ممارسة نشاطه بدرجة من درجات ضبط النفس التي تجعله يبتعد في الوقت الراهن – على الأقل – عن التخطيط لشن هجمات خارجية واسعة النطاق. أول هذه التحديات، هو رغبة التنظيم في تجنب التسبب في أي إحراج لحليفته الجهادية حركة طالبان أمام المجتمع الدولي الذي يشترط تخليها عن تحالفاتها وارتباطاتها الجهادية مع التنظيم للاعتراف بحكمها في أفغانستان. وثانيها، يتعلق باعتبارات السلامة والأمان التي يحرص التنظيم على توفيرها لقادته وفي مقدمتهم الزعيم – إذا صحت رواية إقامته حاليًا في أفغانستان – خصوصًا أن عملية مقتل الظواهري أظهرت أن مسألة الملاذ الآمن في كنف طالبان لم تعد مضمونة، لا سيما إذا اضطرت الأخيرة إلى تقليص تعاونها مع القاعدة استجابة للضغوط المفروضة عليها،  فضلًا عن خضوع أفغانستان لمراقبة حثيثة من وكالات الاستخبارات الأمريكية في إطار استمرار استراتيجية “العمليات عبر الأفق”، ما قد يفرض احتمالية لجوء عناصر التنظيم في أفغانستان إلى الانزواء والعمل سرًا لتجنب الكشف عنها واستهدافها، وربما يلجأ “سيف العدل” إلى نقل القيادة المركزية للتنظيم إلى دولة أخرى.

ختامًا، على الرغم من إصرار حركة طالبان على نفي ارتباطاتها بتنظيم القاعدة وأي تنظيمات إرهابية أخرى، إلا أن هذا النفي المتكرر تدحضه الكثير من المعطيات والشواهد والتقارير التي تشي بأن الحركة حريصة على الحفاظ على تحالفاتها الجهادية للاستفادة منها في إدارتها لمقدرات الدولة الأفغانية، ومجابهتها للتحديات التي تواجهها وعلى رأسها الخطر المتنامي لتنظيم داعش-خراسان. ويُمكن القول إن طالبان قد تحرص في المرحلة الراهنة على ثني حلفاءها من التنظيمات الإرهابية عن التخطيط لشن وتنفيذ هجمات خارجية واسعة النطاق للحفاظ على إمارتها الثانية، والحيلولة دون تكرار ما حدث في مطلع القرن الحالي عندما تسببت أحداث الحادي عشر من سبتمبر التي نفذها تنظيم القاعدة في زوال حكمها الأول عام 2001. لكن هذا لا يعني بأي حال من الأحوال انتهاء خطر تلك التنظيمات وقدرتها على شن هجمات خارجية فالمستقبل.

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/35177/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M