عملية بوعجيلة: استغلال الفرصة وتحقيق المكاسب داخل ليبيا

عبد الستار حتيتة

 

تحاول أطراف عدة الاستفادة من إعادة توقيف الرجل الليبي المسن، بوعجيلة مسعود، والذي كان في عهد الرئيس الراحل معمر القذافي عقيد مخابرات متخصصًا في صناعة القنابل التي يصعب اكتشافها. منذ زمن بعيد، ورد اسمه لأول مرة أمام محققي تفجير طائرة لوكيربي، عقب كارثة الطائرة في 21 ديسمبر 1988. لكن لم يتم معرفة من يكون هذا الرجل؟

ظهر هذه الأيام رهن التحقيق أمام القضاء الأمريكي. وتحاول أمريكا الاستفادة من القضية سياسيًا، وتحاول أطراف ليبية فعل الأمر نفسه. بينما تخشى قوى محسوبة على النظام السابق من تداعيات الأمر برمته عليها وعلى مستقبلها. لقد انهار النظام السابق منذ 11 سنة، فأين كان بوعجيلة، ومن سلمه إلى الجانب الأمريكي؟

استغلال الفرصة

في خضم أحداث 2011، سيطرت قوى متطرفة على مقاليد الأمور في ليبيا، وألقت القبض على كل من طالته أيديها من قيادات نظام القذافي؛ سياسيين وعسكريين وأمنيين، وكان من بينهم بوعجيلة. في 2012، سأله المحقق، وفقًا لوثائق: هل ساعدت نظام القذافي في الداخل؟ وسأله سؤالًا آخر: هل ساعدته في الخارج؟

وقتذاك انبرى في الإجابة. وبدا أنه كان متحمسًا لكي يُظهر نفسه بطلًا، فتحدث عن اختصاصه الدقيق في تصنيع المتفجرات، وأن إحداها صممها خصيصًا لتفجير طائرة لوكيربي، في 1988، وأن القذافي أثنى عليه بعد العملية. وتشير وثيقة لمكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي (إف بي آي)، أن هذه الاعترافات ربما كانت متناقضة!

ويعتمد فتح القضية في الولايات المتحدة على إجابات بوعجيلة للمحقق في 2012. ويبدو أنه كتبها كاعترافات بخط يده. وتم احتجازه في السجن في ليبيا، ليس بسبب لوكيربي، ولكن لكونه ضابط مخابرات سابق. لم تظهر أهمية تلك المخطوطة، في العاصمة الليبية، إلا في 2016. وهنا بدأ بعض الساسة في طرابلس محاولات لاستغلالها. وعليه وصلت إلى الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة.

أما في ليبيا فظل بوعجيلة مسجونًا مع باقي رجالات النظام السابق الكبار. وفي 2020، بدا أن الأمريكيين يفتشون عنه، وعن ماضيه؛ فهو كان معروفًا بالاسم فقط منذ 1988، لكن المخطوطة التي كتبها في 2012، كشفت عن مكانه، وتضمنت اعترافات عن مشاركته في عملية تفجير طائرة لوكيربي.

ومع ذلك، أفرجت السلطات الليبية عن بوعجيلة في 2021؛ لبلوغه سن السبعين، كان عجوزًا ومريضًا، ولم يكن أحد يعلم ما يدور في الخفاء لاصطياده. ومنذ نحو شهر، كانت قوى مختلفة من الولايات المتحدة إلى طرابلس قد وجدت أن إعادة فتح قضية لوكيربي قد يكون مفيدًا للجميع، ماليًا وسياسيًا وغيره؛ فتم الهجوم على بيت بوعجيلة، واختطافه وسط صرخات ذويه، إلى أن ظهر داخل أروقة المحاكم الأمريكية.

أدلة ضعيفة وقوية!

تقول مذكرة ضابط “إف بي آي”، التي يعتمد عليها المحققون الأمريكيون، إن بوعجيلة ذكر في اعترافاته في 2012، أنه أومأ إلى شريك في تفجير الطائرة (كان موظفًا ليبيًا في مطار مالطا)، بأنه وضع الحقيبة التي فيها المفجر على السير وسط أمتعة الركاب. وأنه رد عليه بإيماءة مماثلة. لكن مذكرة “إف بي آي” نفسها تشير إلى أنه، توجد تحريات أخرى، عن هذا الموظف الليبي، بأنه كان قد ترك الخدمة قبل هذه الواقعة.

لقد انفجرت الطائرة فوق قرية لوكيربي الإسكتلندية في 1988، وأدى ذلك إلى مقتل 270 شخصًا. وفي 1991، تم توجيه الاتهام لاثنين من عملاء المخابرات الليبية، هما: عبد الباسط المقرحي، والأمين فحيمة. وأمام محكمة إسكتلندية، أُدين المقرحي عام 2001، وحصل فحيمة على البراءة، بعد أن قدم ما يثبت أنه لم يكن موجودًا في مطار مالطا أثناء شحن الحقيبة المتفجرة. ومعلوم أنه جرى الإفراج الصحي عن الأول في 2009 وتوفي في 2012.

بدأ استجواب بوعجيلة في ليبيا عقب وفاة المقرحي بشهور قليلة في تلك السنة. واليوم تقول مذكرة “إف بي آي” عن اعترافاته تلك في التفجير: “عندما سُئل في 2012 عما إذا كان قد شارك في أي عمليات في ليبيا أو خارجها، بادر بالرد بأنه شارك في تفجير طائرة لوكيربي، من بين أمور أخرى (تفجير ملهي يرتاده جنود أمريكيون في ألمانيا عام 1987). ثم واصل شرح تورطه في تفجير الطائرة في شكل سردي”.

مأزق رجال القذافي

وفقًا لهذا السرد الذي كتبه بوعجيلة في 2012 بخط يده وأصبح اليوم في أيدي المحققين الأمريكيين، يمكن إدانته ويمكن تبرئته أيضًا. وما بين هذا وذاك، يمكن استغلال وجوده تحت سلطة التحقيق والمحاكمة، لتحقيق مكاسب للجميع، فيما عدا قيادات النظام السابق المبعثرين ما بين ليبيا ودول أخرى حول العالم.

هناك بالطبع من يقول: كيف هذا؟ وأن قضية لوكيربي تم إغلاق ملفها منذ نحو 20 عامًا، وذلك بعد دفع ليبيا مليارات الدولارات لذوي الضحايا، إلا أن الرد الأمريكي جاهز. اتفاق إغلاق الملف كان يخص الجانب المدني، لا الجانب الجنائي. ثم أنه لم يتم فتح الملف مع المقرحي، المتوفي، بل مع متهم جديد هو بوعجيلة!

يضاف إلى ذلك أن لليبيا أموالًا بمليارات الدولارات مجمدة في كثير من البلدان، ومنها الولايات المتحدة نفسها، فمن السهل الحصول على تعويضات جديدة لعائلات ضحايا التفجير. بجانب أن القضية ستمكن الساسة الأمريكيين من تحقيق ما يريدون في ليبيا؛ منها تمديد وجود الحكومة منتهية الولاية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، ومنها التلويح باحتمال تورط عناصر أخرى مع بوعجيلة، لتضييق الخناق على من تبقى من النظام السابق.

وسوف تحظى قوى ميليشياوية في شمال غرب ليبيا بحماية غربية أكثر من السابق، كنوع من الشكر والعرفان على ما قدمته من خدمات بشأن تسليم بوعجيلة. إن المستفيدين كثر. حتى بعض المنددين بما حدث، سيطالهم جانب من الاستفادة.. في الشق السياسي الداخلي على الأقل!

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/74510/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M