في عهد بايدن.. هل ينفذ وعيده الانتخابي أو يُقرّ بأهمية تركيا ومصالحها؟

محمود سمير الرنتيسي

على مدار آخر عمليتين انتخابيتين في الولايات المتحدة كانت طبيعة العلاقة العملية مختلفة قليلًا عن التوقع الأولي لمسار العلاقة، فبالرغم من توقع علاقة متوترة جدًّا بين أنقرة وواشنطن في بداية فترة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بسبب تصريحاته ووعوده خلال حملته والتي اعتُبرت عدائية في سياق الإسلاموفوبيا، إلا أن أنقرة وجدت فترة ترامب مختلفة عن أوباما الذي استبشرت بفوزه بفترة ثانية، لكنه زاد من دعم وحدات الحماية، وشهدت تركيا خلالها انقلاب 15 يوليو/تموز 2016.

وبعد السنة الأولى لترامب، نجح الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في فتح قناة اتصال مع إدارة ترامب استطاع من خلالها التأثير على قناعات الرئيس الأميركي في بعض الأمور من جهة ومنع تعميق الأزمة في قضايا أخرى على الأقل، ومع ذلك كان هناك العديد من القضايا التي بقيت عالقة والتي اعتُبرت انعكاسًا لسياسة الدولة أكثر منها سياسة الرئيس. وقد تواصل ترامب وأردوغان من نوفمبر/تشرين الثاني 2016 وحتى أغسطس/آب 2020 فيما مجموعه 48 مرة منها 10 مرات وجهًا لوجه بمعدل مرة شهريًّا خلال 4 سنوات(1).

بقيت قناة الاتصال بين ترامب وأردوغان فعالة حتى الانتخابات الأميركية في نوفمبر/تشرين الثاني الجاري والتي فاز المرشح الديمقراطي، جو بايدن، بها حسب النتائج غير الرسمية. وبسبب هذه القناة وفعاليتها من جهة وبسبب مواقف وتصريحات غير إيجابية تجاه تركيا من جو بايدن وفريقه خلال الحملة، نشأ تصور بأن تركيا كانت ترغب في فوز ترامب في مواجهته مع المرشح الديمقراطي، جو بايدن. وبالنظر إلى تأخر أردوغان عن بقية دول المنطقة حتى 10 نوفمبر/تشرين الثاني في تهنئة بايدن بالفوز الأوَّلي وفي نفس الوقت إرساله رسالة شكر لترامب، وكون أول رسالة تهنئة لبايدن اصادرة من تركيا لم تكن من الحكومة بل كانت من رئيس أكبر حزب معارض فإنه لا يمكن تخطئة هذا التصور (2).

ومع ذلك، لا يمكن القول بأن العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة خلال السنوات الأربع الماضية من عهد الرئيس، دونالد ترامب، كانت علاقة جيدة بالمطلق، فقد شهدت العلاقة العديد من الأزمات ولوَّح ترامب خلالها بتطبيق عقوبات اقتصادية على تركيا أكثر من مرة أبرزها قضية الراهب برونسون، كما استمر الدعم الأميركي لوحدات الحماية في شمال سوريا، وجرى إخراج تركيا من برنامج مقاتلات إف35.

وعلى الصعيد الإقليمي، كان ترامب حليفًا قويًّا للدول المنافسة لتركيا في المنطقة مثل السعودية (قضية خاشقجي) والإمارات ومصر وإسرائيل، وقد بدا داعمًا لمحور التطبيع، ومن جهة أخرى بدا مباركًا للترتيبات التي قامت بها مجموعة من الدول التي شكَّلت منتدى شرق المتوسط وحرصت على استبعاد تركيا منه رغم أنها صاحبة أطول ساحل عليه.

بالنظر إلى النتائج الأولية للانتخابات الأميركية والتي أظهرت فوز جو بايدن، وبالرغم من عدم استسلام ترامب لهذه النتيجة حتى كتابة هذه السطور، فإن هذه الورقة سوف تتناول مواقف بايدن من تركيا خلال السنوات الماضية وخلال حملته الانتخابية والسيناريوهات المحتملة للعلاقات التركية-الأميركية في عهده، وهل سيتحرك بايدن بناء على مواقف مسبقة من تركيا أم سيتصرف ببراغماتية واقعية تجاه تركيا كقوة إقليمية لابد من كسبها ومراعاة مصالحها وأمنها.

مواقف بايدن القديمة تجاه تركيا

تفيد قراءة توجهات وسلوك بايدن تجاه تركيا خلال الفترة السابقة في فهم موقفه المبدئي من تركيا وفي تحليل سياسته القادمة نوعًا ما، ولكن مع ذلك ينبغي أخذ التطورات التي حصلت في عهد ترامب بالاعتبار، والتصاعد في قوة تركيا والفارق بين الأيديولوجية والسلوك البراغماتي كعوامل مؤثرة أيضًا.

عمل بايدن لفترة 8 سنوات نائبًا للرئيس، باراك أوباما، كما خدم لأكثر من ثلاثة عقود في مجلس الشيوخ وترأَّس لجنة العلاقات الخارجية في المجلس. ومن هنا، فإن أبرز النقاط التي خشيت منها تركيا لدى بايدن تمثلت في دعمه لتقسيم العراق إلى ثلاث دول، إحداها كردية، عندما كان في مجلس الشيوخ في بداية الألفية الثانية، وهو الأمر الذي رأته تركيا تهديدًا لها(3).

أما خلال عمل بايدن كنائب لأوباما فقد شهدت الفترة الأولى علاقات جيدة مع تركيا بينما ساد التوتر في الثانية، ويمكن الإشارة لهذا المسار من خلال زيارات بايدن حيث زار بايدن تركيا، خلال فترتي أوباما منذ 2009 وحتى 2017، أربع مرات فقط (2011، 2014، يناير/كانون الثاني 2016، أغسطس/آب 2016) كما لعبت الاتصالات الهاتفية بين أردوغان وبايدن دورًا مهمًّا في التعامل مع حالات التوتر هذه، خاصة في الأوقات التي تعذر فيها التواصل بين أردوغان وأوباما وتحديدًا في فترة برود العلاقات بين أردوغان وأوباما بعد 2014.

بالرغم من حديث بايدن عن صداقة تربطه مع أردوغان بُعيد كل زيارة كان يقوم بها، إلا أن أزمة نشأت بينهما بعد الزيارة الثانية(4)، في 2014، عندما ادَّعى بايدن أمام طلبة من جامعة هارفارد أن تركيا قدَّمت دعمًا للتنظيمات الإرهابية في سوريا ومن بينها تنظيم الدولة الإسلامية. وقد أثارت تصريحات بايدن حينها استياء أردوغان الذي طالبه بالاعتذار عنها وبالفعل قدَّم بايدن اعتذاره إلى الرئيس التركي. وقال بيان للبيت الأبيض: “إن بايدن اتصل بأردوغان وأبلغه اعتذاره عن تصريحاته في جامعة هارفارد، وأضاف البيت الأبيض أن نائب الرئيس “اعتذر عن هذه التصريحات التي يُفهَم منها تلميحه باتهام تركيا بدعم الإرهاب في سوريا”(5).

كانت الزيارتان اللتان أجراهما بايدن لأنقرة بعد ذلك، في يناير/كانون الثاني وأغسطس/آب 2016، تحملان أهمية كبيرة فقد توسطهما حصول محاولة الانقلاب في 15 يوليو/تموز، وقد جاءت زيارة بايدن، في أغسطس/آب 2016، بعد قرابة شهر ونصف على المحاولة الانقلابية في يوليو/تموز 2016 متأخرة في نظر الأتراك الذين كانوا قد تشكَّلت لديهم قناعات بتورط واشنطن في دعم المحاولة الانقلابية، وقد استُقبل بايدن في أنقرة بفتور من قِبل نائب والي أنقرة في المطار وترافق الاستقبال مع عتب على تأخر الزيارة وتحفظ على عدم صدور موقف صريح داعم لتركيا في مواجهة المحاولة الانقلابية أو حتى التعاون في تسليم فتح الله غولن، المتهم بتدبير المحاولة الانقلابية.

 كان ملحوظًا أن زيارة بايدن جاءت متزامنة مع إطلاق تركيا لعملية درع الفرات شمال سوريا، في 24 أغسطس/آب 2020، والتي أظهرت بوادر التنسيق بين أنقرة وموسكو في سوريا بعد المحاولة الانقلابية. حاول بايدن تنفيس غضب أنقرة خلال زيارته حيث وجَّه عدة رسائل إلى تركيا، من بينها:

  • تفهم الشعور التركي تجاه غولن والاستعداد للعمل على المتطلبات القانونية واحترام اتفاقية تسليم المطلوبين.
  • إدانة المحاولة الانقلابية.
  • الإشادة بشجاعة الرئيس أردوغان والشعب التركي في مواجهة الانقلاب.
  • الاستعداد لتوفير مساعدات لتركيا في مسيرتها لتعزيز الديمقراطية.
  • الإعلان عن أن واشنطن لم يكن لديها أية معرفة سابقة بمحاولة الانقلاب.
  • التأكيد على الوقوف مع الحكومة والشعب التركي “ليس لديكم صديق أهم وأقرب من الولايات المتحدة”(6).

وبالعودة إلى زيارة بايدن الأولى، مطلع 2016، فقد كشفت التحقيقات التركية في ملابسات الانقلاب بعد ذلك وخاصة مراسلات تطبيق “بايلوك” بين أعضاء تنظيم غولن عن أن بايدن كان على علم بمحاولة الانقلاب، ووفقًا للمراسلات كان بايدن خلال زيارته لتركيا قبل الانقلاب، في يناير/كانون الثاني 2016، قد أبلغ نجل “جان دوندار” وهو صحفي معارض متهم بإفشاء أسرار الدولة، بأن البلاد ستشهد انقلابًا؛ حيث قال له حرفيًّا: “هذا الرجل (أي أردوغان) لا يستمع إلينا، وهناك رائحة ستفوح من القوات التركية”(7).

مواقف بايدن وفريقه خلال الحملة الانتخابية

لم تكن مواقف بايدن تجاه تركيا خلال حملته إيجابية، فقد توعد حكومة الرئيس أردوغان في أكثر من ملف وساوى خلال الحملة الانتخابية بين تركيا وروسيا وكوريا الشمالية على أنها تحكمها أنظمة مستبدة، كما أبدى نيته في دعم المعارضة التركية لتغيير الحكم في تركيا، وجعل تركيا تدفع ثمن الحصول على منظومة إس 400. وفيما يلي الملفات التي يتوقع حصول توتر بين أنقرة وإدارة بايدن حولها:

التدخل في الشأن الداخلي التركي

أثارت تصريحات جو بايدن، التي أدلى بها في ديسمبر/كانون الأول 2019 والتي نُشرت في أغسطس/آب 2020، انتقادات شديدة من تركيا؛ حيث دعا بايدن فيها لنهج مختلف يدعم ويشجع معارضي الرئيس التركي، ليكونوا قادرين على مواجهة أردوغان ليس عن طريق الانقلاب بل عن طريق العملية الانتخابية. وقد أشار بايدن إلى ضرورة أن يدفع أردوغان ثمن ما فعله(8).

وفي المقابل، انتقد أكثر من مسؤول تركي تصريحات بايدن، ووصف المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالن، تصريح جو بايدن بـ”الجهل والنفاق”، وشدَّد على أن “أيام إعطاء التعليمات لتركيا ولَّت، وإن كنتم تعتقدون أن بإمكانكم المحاولة، تفضلوا وستدفعون الثمن”، وأضاف أن تحليل بايدن وتصريحاته ينمَّان عن “جهل مطلق وغطرسة ونفاق”(9).

ويتصل مع هذا رفض بايدن لقرار تركيا بتحويل آيا صوفيا من متحف إلى جامع؛ حيث قال بايدن: “آيا صوفيا هي مكان مقدس ثمين للغاية وأعجوبة معمارية للجميع، وقد شعرت بحزن عميق لقرار الحكومة التركية بتحويل (آيا صوفيا) إلى مسجد. أدعو الرئيس أردوغان إلى العودة عن قراره والاحتفاظ بهذا المكان القيم كمتحف”(10).

مع فوز بايدن، جاءت أول تهنئة من داخل تركيا له من كمال كليجدار أوغلو، رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض. وبدت رسالة رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، التي وجهها باللغة الانجليزية قبل أيام في أحد المنتديات حول الديمقراطية على أنها شكوى بحق تركيا للغرب ورسالة للإدارة الأميركية الجديدة(11). ولكن، نشير هنا إلى أن الشعب التركي لديه حساسية سلبية تجاه الولايات المتحدة وستكون لأية محاولة واضحة للتدخل في الشأن الداخلي نتائج عكسية وستستفيد منها حكومة الرئيس، رجب طيب أردوغان.

دعم وحدات الحماية شمال سوريا وتنظيم غولن

تعتمد رؤية بايدن للحل السياسي في سوريا على دعم حلفاء الولايات المتحدة وفي مقدمتهم وحدات حماية الشعب الكردية التي تشكِّل العصب الأساسي لقوات سوريا الديمقراطية والتي تعتبرها أنقرة ميليشيات انفصالية إرهابية ترتبط بحزب العمال الكردستاني. وبالتالي، سيكون من المنطقى أن تُواجَه أي عمليات عسكرية تركية ضد وحدات الحماية شمال سوريا باعتراض أميركي.

وقد عانت تركيا في هذا الملف من مراوغة إدارة أوباما كما عانت أيضًا في ذلك مع إدارة ترامب وإن كان بشكل أقل، وقد قال الرئيس أردوغان في 2018: إن “أوباما خدع تركيا بمسألة القوات الكردية في منبج، واليوم ترامب على نفس خُطى سلفه يخدع تركيا مجددًا من خلال وعود كاذبة يقول فيها: إن القوات الكردية لا يمكنها البقاء في المدينة وعليهم التوجه إلى شرق نهر الفرات”(12). ومع ذلك، كان بايدن قد أكد، في 2016، أن “الأكراد لن يحصلوا على دعم بلاده إذا لم يحافظوا على التزاماتهم”(13).

إس 400

نظرًا لوجود ترجيحات بأن المواجهة مع روسيا ستكون إحدى أولويات إدارة بايدن فإن ملف منظومة إس 400 سيكون أحد الملفات الحاضرة، وبينما أبدى ترامب تفهمًا نسبيًّا، ولم يتجه لتطبيق العقوبات واكتفى بقرار إخراج تركيا من برنامج إف35، وحمَّل إدارة أوباما مسؤولية توجه تركيا نحو شراء إس 400 برفضها بيع الباتريوت لها، فإن بايدن يبدو أكثر حزمًا نحو عقاب تركيا خاصة مع توجه الكونجرس للموافقة على قانون الدفاع الوطني والذي يتضمن فرض عقوبات على تركيا.

وإزاء هذا التطور يبدو أن تركيا ستستمر في محاولة إيجاد حلول فنية للأزمة، وقد عبَّر وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، خلال مناقشة ميزانية وزارته لعام 2021، عن استعداد أنقرة لتبديد المخاوف الفنية للولايات المتحدة فيما يتعلق بتوافق منظومة “إس 400” مع مقاتلات “إف35″، كما أوضح أكار أن تركيا ستستخدم منظومة “إس 400” مثلما يستخدم بعض أعضاء الناتو منظومة “إس 300” داخل نطاق الحلف. وفيما وراء إس 400 لا يزال هناك طموح لدى تركيا بالعودة إلى برنامج إف35؛ حيث أشار أكار إلى أن تركيا ليست مجرد دولة تشتري مقاتلات “إف35″، بل هي شريك في صناعتها(14).

تشير تصريحات أكار ومن قبلها تصريحات أردوغان وبقية المسؤولين الأتراك إلى أن تركيا ليست بصدد التخلي عن المنظومة الروسية، وأكد الرئيس التركي، في 2019، أن تركيا لا يمكنها “التخلي عن منظومة إس 400 والتوجه إلى الباتريوت”، وأبلغت الطرف الأميركي برغبتها في شراء الأخيرة أيضًا إلى جانب الاحتفاظ بالأولى، وأن “تركيا تسعى لأن تكون الولايات المتحدة وروسيا صديقتين لتركيا”(15).

يبدو أن ملف إس 400 سيكون أحد أكبر العثرات في العلاقة، وربما يكون عدم تفعيل المنظومة هو أقل حلٍّ ستقبل به واشنطن، وقد أجَّلت أنقرة التفعيل سابقًا في ظل أزمة كورونا ومن المرجح أن تلجأ لهذا الخيار خلال الأشهر الأولى من عهد بايدن.

ملفات أخرى

بالإضافة إلى ما سبق، لا تزال هناك جملة من الخلافات منها أزمة بنك خلق التركي والتي يُتوقع عودتها للسطح مع موعد القضية في المحاكم الأميركية، في مارس/آذار 2021. وعلى مستوى المنطقة تمتد الخلافات من شرق المتوسط وحتى كاراباخ حيث اتهم بايدن ومرشحته لمنصب نائب الرئيس، كامالا هاريس، تركيا بتأجيج الصراع في قرة باغ، عبر إرسال السلاح لأذربيجان. كما أدلى بايدن الذي يُعتقد أنه يدعم موقف اليونان بتصريحات اتهم فيها تركيا بإثارة التوتر في شرق المتوسط، داعيًا أنقرة لأن تتوقف عن أعمالها شرق المتوسط. وفيما لم يتبين بعد كيف سيكون سلوك إدارة بايدن تجاه تركيا في شرق المتوسط وهل ستدعم اليونان أم ستسعى لحل بينهما في إطار الناتو فإن دعم إدارة بايدن لأوروبا سيكون ضاغطًا على الموقف التركي.

فريق بايدن

بالإضافة إلى بايدن ونائبه، كمالا، فإن بعض أعضاء فريقه لهم خبرة طويلة بتركيا مثل مستشاره للشؤون الخارجية، أنطوني بلينكن، وسوزان رايس (تعتبر مرشحة لحقيبة الخارجية، وقد كان لها دور سابق في إفشال مبادرة تركية/برازيلية لاتفاق نووي إيراني قبل 2015)، وغيرهم لديه بعض المواقف السلبية من تركيا، وفي هذا السياق فقد أعلن أنطوني بلينكن على حسابه الرسمي على تويتر، في 28 أكتوبر/تشرين الأول 2020 عن أسفه للموقف التركي الداعي لحل الدولتين في قبرص(16)، كما انتقد ،في مارس/آذار 2017، الجنرال فلين (مستشار الأمن القومي في فترة ترامب حتى فبراير/شباط 2017) على تبنيه للموقف التركي في سوريا حيث دافع بلينكن عن تسليح بي واي دي لتحرير الرقة من داعش فيما دافع فلين عن العمل مع تركيا(17).

التفاؤل الحذر

بالرغم من المواقف المسبقة لبايدن والتي تُصنَّف سلبيًّا في أنقرة، فإن هناك مجالات جديدة يمكن أن تتوافق معها مصالح أنقرة ويمكن أن تكون مداخل إيجابية للتفاهم حول ملفات أخرى، ومنها:

  • الإنهاء المحتمل للدعم غير المحدود الذي قدمه ترامب لكل من السعودية والإمارات.
  • السعي لإنهاء حصار قطر.
  • الموقف المؤيِّدة نسبيًّا لسياسات تركيا في ليبيا (من خلال دعم حكومة الوفاق).
  • موقف الإدارة الجديد من العودة للاتفاق النووي مع إيران.
  • إعادة الأمل إلى حل الدولتين بالنسبة للقضية الفلسطينية.

ويمكننا النظر هنا إلى أول التصريحات بعد فوز بايدن؛ حيث صرح مايكل كاربنتر، مستشار السياسة الخارجية الرئيسي لبايدن، بأن الإدارة الأميركية الجديدة “لا تنوي دفع تركيا إلى الزاوية” من خلال فرض العقوبات: “لا نريد أن نفرض عقوبات على تركيا ولا نسعى إلى خلق نوع من الانهيار الاقتصادي أو العواقب التي تجعل النظام يعتمد بشكل أكبر على التكتيكات العدوانية والخطاب العدواني”(18).

مواقف أنقرة الأولية من فوز بايدن

أبدت أنقرة توازنًا خلال عملية الانتخابات؛ ففي 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، أكد وزير الخارجية التركي “مولود جاويش أوغلو” أن بلاده ستعمل عن كثب مع من يفوز في الانتخابات وأن بلاده تتمتع بعلاقة جيدة مع الحكومات الأميركية السابقة بقيادة كل من الجمهوريين والديمقراطيين.

وبعد تبيُّن تقدم بايدن، أظهرت تصريحات فؤاد أُقطاي نائب الرئيس التركي في حديث تليفزيوني، في 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، الاستمرار على خط التوازن مع التأكيد على مصالح تركيا حيث أشار إلى استمرار القنوات الرسمية مع الولايات المتحدة، مع الأمل في استمرار “التواصل الصحي” بين أردوغان والرئيس الأميركي الجديد مؤكدًا على نقطتين مهمتين من وجهة نظر تركيا؛ إحداهما رغبة تركيا بوقف الإدارة للعمل مع المنظمات الإرهابية الإرهابية ( غولن وبي واي دي)، والثانية تكمن في ابتعاد الإدارة عن الأساليب أحادية الجانب والتي تستبعد تركيا.

ولعل الأهم هي رسالة أردوغان لبايدن والتي جاءت ربما متأخرة عن بقية دول المنطقة؛ حيث أكد أردوغان لبايدن “تصميمه على العمل عن كثب مع الإدارة الأميركية في الفترة المقبلة”، وأن “التحديات التي نواجهها اليوم على المستوى العالمي والإقليمي تتطلب منَّا مواصلة تطوير وتعزيز هذه العلاقات على أساس المصالح والقيم المشتركة”. ولم ينس أردوغان الإشارة إلى الجانب الإيجابي في علاقته مع بايدن عندما كان نائبًا للرئيس؛ حيث قال: “كما تباحثنا أثناء توليكم منصب نائب الرئيس في مناسبات عدة، فإن العلاقات التركية-الأميركية تحمل طبيعة استراتيجية تستند إلى أسس متجذرة”(19).

مستقبل العلاقات التركية-الأميركية في عهد بايدن

هناك عدة مسارات يمكن أن تسير فيها العلاقات التركية-الأميركية في عهد بايدن:

مسار التوتر

يتحقق هذا المسار إذا ما عمل بايدن وفريقه على تطبيق تصوراتهم خلال الحملة تجاه تركيا، وهنا يوجد أكثر من قضية قد تكون هي بداية المسار على رأسها عقوبات (إس 400)، ودعم وحدات الحماية، ودعم اليونان في شرق المتوسط على حساب تركيا، والتدخل في الشأن الداخلي التركي، ويضاف لها قضايا أخرى مثل إدانة تركيا في مذابح الأرمن وقضية بنك خلق. ويعد أحد مؤشرات هذا المسار المحتملة ضعف التواصل بين أردوغان وبايدن والاكتفاء بالعمل من خلال المؤسسات ومن خلال المواقف المسبقة وهو ما قد يعقِّد الموقف.

المسار البراغماتي

ينبني هذا المسار على علاقات براغماتية بين الطرفين في ضوء رغبة بايدن بتقوية الناتو وإعادة الاستقرار الإقليمي، وإدراك أهمية تركيا في أي توازنات دولية من جهة، وفي رغبة تركيا بتجنب أي عقوبات، قد تجر لمواجهة مع واشنطن من جهة أخرى. ولعل أحد مؤشرات هذا المسار توجيه كل من الإدارة الجديدة وتركيا رسائل باتجاه الرغبة في فتح صفحة جديدة. وقد ذكرت بعض المصادر التركية أن أنقرة فتحت حوارًا مع فريق بايدن، وهناك من يرى أن بايدن يريد فتح صفحة جديدة(20).

فترة ترقب قبل الدخول لمسار التوتر

ينبني هذا المسار على وجود ضرورة ملحَّة حاليًّا أمام بايدن لترتيب الأوضاع الداخلية بعد أزمة فيروس كورونا ولإصلاح الأضرار الداخلية التي تسبب فيها ترامب قبل التوجه لتطبيق الأجندة الخارجية، وربما تعود الإدارة الجديدة لتطبيق سياسة الإلهاء مع تركيا والتي استخدمتها خلال فترة أوباما الثانية، ولكن قوة تركيا المتصاعدة والمستعدة للتحدي خاصة في الملفات المتعلقة بأمنها وبجوارها المباشر قد تكون أسرع في الاستجابة من المرة السابقة، ولكن مع ذلك سوف يعطي الطرفان فترات ليست طويلة لاختبار النوايا.

لا يُرجَّح أن تدخل العلاقات في مسار متوتر مباشرة حيث ستدخل العلاقات في حالة اختبار ومباحثات لتحديد أجندات العمل بمسارات أكثر ليونة، وترجح هذه الورقة أن يبذل الطرفان جهدًا لمنع التوصل إلى التوتر ولكن يبدو أن التناقض في المصالح والمواقف سيصل بهذه العلاقات إلى التوتر بعد فترة ربما تكون بعد السنة الأولى من حكم بايدن.

خاتمة

مع وجود استياء نسبي من فوز بايدن نظرًا لمواقفه التي تُعتبر متحاملة في أنقرة فإنه حتى فوز ترامب لم يكن ليُعتبر فوزًا لتركيا ولا خسارة بايدن خسارة لخصم تركيا. ومع هذا، فإن الراجح أن أنقرة أعدَّت نفسها لسيناريو فوز بايدن ومن المحتمل أن يكون هناك خطوات تركية باتجاه صفحة جديدة للعلاقات في ظل وجود توجهات قد تريح الموقف التركي، وكذلك خطوات وقائية ضد سياسات الإدارة التي يمكن أن تستهدف تركيا، وتأمل تركيا في أن يجعل موقع الرئاسة بايدن متحليًا بقدر أكبر من الحكمة يجعله لا يتصرف وفق خطاب حملته. ويرجح أن الإدارة الجديدة ستحاول التعامل بطريقة أكثر ليونة مع تركيا ولكن دون إسقاط خيار العقوبات ولكنها ستعطي وقتًا جيدًا للمباحثات قبل اللجوء إليه.

 وحتى لو تبنَّت الإدارة الجديدة خطًّا براغماتيًّا مع تركيا فإن الخلافات لن تنتهي؛ فتركيا منخرطة بقوة في أكثر من ملف إقليمي سواء في شرق المتوسط أو في جوارها في سوريا والعراق وحتى في الخليج. ومن بين الملفات كلها سيكون للتطور في ملفي إس 400 واحتمال التدخل الأميركي في الشأن الداخلي التركي أثر كبير على مسار العلاقات.

مراجع
  1. Okan Müderrisoğlu, Sabah, 05 Kasım 2020, ABD seçimleri… Ekonomi, ekonomi, ekonomi… 5 Nov 2020, )Accesses date: 16 Nov 2020(https://bit.ly/2Kgbe4d
  2. Cumhurbaşkanı Erdoğan, ABD’de başkan seçilen Biden’a tebrik mesajı gönderdi, BBC, 10 Nov 2020,  )Accesses date: 16 Nov 2020(:  https://bbc.in/35GRpeH
  3. Giorgio Cafiero, İnside Arabia, What Biden’s Presidency Could Mean for US-Turkey Relations, 13 Nov 2020, )Accesses date: 16 Nov 2020(:  https://bit.ly/3pz9Da1
  4. كانت الزيارة الأولى لأردوغان في بيته في إسطنبول، في 2011، حيث كان أردوغان خارجًا لتوِّه من عملية جراحية.
  5. باسم دباغ، بايدن يعتذر لأردوغان على اتهامه بدعم “داعش”، العربي الجديد، 5 أكتوبر/تشرين الأول 2014، (تاريخ الدخول: 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2020): https://bit.ly/3kDlGPM
  6. بايدن: لا نحمي غولن ونبحث مع أنقرة تسليمه، الجزيرة نت، 24 أغسطس/آب 2016، (تاريخ الدخول: 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2020): https://bit.ly/3lznXwx
  7. تركيا..رسائل خطيرة تفضح علاقة بايدن بمحاولة الانقلاب الفاشل، يني شفق، 18 أغسطس/آب 2020، (تاريخ الدخول: 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2020): https://bit.ly/3lIjfgg
  8. ماذا قال بايدن عن تركيا وآيا صوفيا والأكراد؟، تركيا الآن، 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، (تاريخ الدخول: 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2020): https://bit.ly/2KfbdOd
  9. الحساب الرسمي للناطق باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالن، على تويتر، (تاريخ الدخول: 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2020): https://bit.ly/2HfOa4A
  10. الحساب الرسمي لأنطوني بلينكن على تويتر، (تاريخ الدخول: 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2020): https://bit.ly/2UBZ7AD
  11. İBB Başkanı İmamoğlu’nun İngilizce konuştuğu video sosyal medyada tartışma konusu oldu, SonDakika, 14/11/2020, )Accesses date: 16 Nov 2020(:  https://bit.ly/3nwzUE3
  12. أردوغان: أوباما وترامب غير وفيين، سبوتنيك، 7 فبراير/شباط 2018، (تاريخ الدخول: 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2020): https://bit.ly/2IHIW22
  13. بايدن من أنقرة: أبلغنا القوات الكردية بعدم العبور إلى جرابلس، دويتشه فيله، 24 أغسطس/آب 2016، (تاريخ الدخول: 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2020): https://bit.ly/2UrGCP6
  14. تركيا: مستعدون لتبديد مخاوف واشنطن حيال “إس 400″، الأناضول، 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، (تاريخ الدخول: 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2020):https://bit.ly/3ptVpap
  15. أردوغان: مقترح إلغاء صفقة “إس 400” مساس بحقوقنا السيادية، الجزيرة نت، 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، (تاريخ الدخول: 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2020): https://bit.ly/3f3XB3G
  16. الحساب الرسمي لأنطوني بلينكن، (تاريخ الدخول: 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2020): https://bit.ly/36LjQYn
  17. Tony Blinken: “This administration has turned our traditional openness into weakness”, Washington Post, )Accesses date: 16 Nov 2020( https://bit.ly/38Q44y1
  18. Arıana Ferentınou, Hürriyet daily news, How Biden could change Turkey’s ties with Greece, EU, 13  Nov 2020, )Accesses date: 16 Nov 2020(:  https://bit.ly/3feaBDU
  19. أردوغان يهنئ بايدن برئاسة أميركا ويبعث برسالة شكر إلى ترامب، الجزيرة نت،10  نوفمبر/تشرين الثاني 2020، (تاريخ الدخول: 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2020): https://bit.ly/32NMeb9
  20. Hande Fırat, Amerakanin Seçimi, Hürriyet, 6 Nov 2020, )Accesses date: 16 Nov 2020(:  https://bit.ly/3f8UmrD

 

رابط المصدر:

https://studies.aljazeera.net/ar/article/4846

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M