قراءة في التداعيات الاقتصادية لفيروس كورونا على الاقتصاد الفلسطيني

إعداد : رائــــد محمد حلّــــس – باحث ومختص في الشأن الاقتصادي / غزة – فلسطين.

 

مقدمة:

يتعرض العالم بأسره في الوقت الحالي إلى أخطر اجتياح وبائي عرفته البشرية يُعرف بفيروس كورونا (كوفيد – 19)، لم تُعرف شيفرته ومسارات انتشاره حتى الآن ولا حتى متى سيتم السيطرة عليه، مما أدى إلى إثارة حالة من الهلع والخوف الشديد نتيجة فقدان السيطرة عليه وخروج مسرى الحياة عن مسارها الاعتيادي والمألوف، واتساع أجواء حالة عدم اليقين بالمستقبل.

وفي وسط حالة الخوف وتصاعد أجواء حالة عدم اليقين سيترك هذا الفيروس تأثيرات اقتصادية كبيرة وعميقة لمعظم اقتصاديات دول العالم المتقدمة والنامية على حد السواء، ولكن التأثيرات الاقتصادية ستكون أكبر على اقتصاديات الدول النامية والصغيرة مثل الاقتصاد الفلسطيني الذي يعاني أصلاً من اختلالات وتشوهات هيكلية نتيجة قلة الإمكانيات بسبب إحكام قبضة الاحتلال على الأراضي الفلسطينية وسيطرته على المقدرات والموارد الطبيعية والحدود والتحكم في حرية الحركة للأفراد والبضائع والتي تسببت في خنق الاقتصاد الفلسطيني من جهة، ومن جهة أخرى بسبب انخفاض الدعم المقدم من المانحين وتدهور الحالة الأمنية وانعدام الثقة بسبب الأفاق السياسية القاتمة في السنوات الأخيرة والتي أدت بدورها أيضاً إلى تأزم الوضع الاقتصادي في الأراضي الفلسطينية وارتفاع مستوى البطالة واستشراء الفقر.

في ضوء ذلك تحاول الدراسة قراءة التداعيات الاقتصادية المحتملة لفيروس كورونا (كوفيد – 19) على الاقتصاد الفلسطيني، في ظل الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الحكومة الفلسطينية لمواجهة فيروس كرونا ومنع انتشاره ومحاصرته، وتقترح بعض التدخلات الاقتصادية اللازمة للتخفيف من حدة التداعيات في ظل الخيارات الفلسطينية المتاحة.

وعندما يتعلق الأمر بقراءة التداعيات الاقتصادية التي قد يتركها فيروس كورونا على الاقتصاد الفلسطيني، من المفيد سردها ضمن أربع مراحل، وهي المرحلة الأولى مرحلة صدمة الاقتصاد الفلسطيني بفيروس كورونا، والمرحلة الثانية مرحلة امتصاص الصدمة من خلال إعلان حالة الطوارئ في جميع المحافظات الفلسطينية واتخاذ الحكومة الفلسطينية عدد من الإجراءات الاحترازية، والمرحلة الثالثة مرحلة التداعيات الاقتصادية المحتملة لفيروس كورونا على الاقتصاد الفلسطيني والمرحلة الرابعة مرحلة التدخلات الاقتصادية للتخفيف من حدة التداعيات الاقتصادية التي قد يتركها فيروس كورونا في ظل الخيارات الفلسطينية المتاحة.

أولاً: مرحلة الصدمة (صدمة الاقتصاد الفلسطيني بفيروس كرونا):

على الرغم من أن الاقتصاد الفلسطيني نما وتشكل في ظل بيئة تشتمل على العديد من الصدمات، سواء كانت بسبب الاحتلال الإسرائيلي وإجراءاته، وتداعياتها التي عملت من خلال سياسة الحصار والإغلاق على تكريس تبعية الاقتصاد الفلسطيني للاقتصاد الإسرائيلي، وتقييد حرية الحركة والنفاذ للأفراد والبضائع وإحكام السيطرة على معظم التجارة الخارجية الفلسطينية (الصادرات والواردات)، والتحكم في تدفق العمالة الفلسطينية إلى إسرائيل، أو بسبب اعتماد الاقتصاد الفلسطيني على المنح والمساعدات الخارجية وعدم وجود عملة وطنية والاعتماد على نظام مالي متعدد العملات يتأثر بالسياسات النقدية التي تنفذ من قبل الدول المصدرة لهذه العملات، أو بسبب انعدام اليقين وغياب الأفق السياسي والاقتصادي واستمرار الانقسام، وضعف دور القطاع الخاص كقوة دافعة للنمو، في ظل محدودية دور القطاع العام وعدم قدرته على لعب دور المحرك الرئيسي للنمو في المدى الطويل1،  إلا أن الصدمة التي تعرض لها الاقتصاد الفلسطيني بسبب فيروس كورونا (كوفيد – 19) كانت الأشد.

حيث لم يسبق للاقتصاد الفلسطيني أن تعرض لصدمة صعبة ومقلقة كالتي تعرض لها بسبب فيروس كورونا (كوفيد – 19)، نتيجة التوقف الاقتصادي المفاجئ الذي أصاب القطاعات الاقتصادية، والتي تمثلت في إصابة قطاعات مهمة بالشلل التام مثل قطاع السياحة والصناعة والخدمات، بجانب توقف الكثير من الأنشطة الاقتصادية وإغلاق الأسواق الشعبية الأسبوعية وإغلاق المقاهي والمطاعم، وتجميد نشاط مؤسسات المجتمع المدني، وفقدان عدد كبير من العاملين في مؤسسات القطاع الخاص لمصدر دخلهم.

وبالتالي قد يدخل الاقتصاد الفلسطيني بسبب الصدمة في حالة ركود اقتصادي يصعب معرفة أمده، في ظل حالة الخوف والهلع من انتشار العدوى بفيروس كورونا وخروج الوضع عن السيطرة وتصاعد أجواء حالة عدم اليقين بالمستقبل وكذلك في ظل الإمكانيات المتواضعة بسبب إحكام قبضة الاحتلال على الأراضي الفلسطينية وسيطرته على المقدرات والموارد الطبيعية والحدود والتحكم في المعابر والحدود من جهة، وفي ظل انخفاض الدعم المقدم من الجهات المانحة وخسارة الاقتصاد الفلسطيني لأهم مورد مالي “إيرادات المقاصّة” نتيجة توقف حركة الاستيراد والتصدير بسبب إغلاق المعابر والمنافذ والحدود ومنع السفر للخارج من جهة أخرى.

ثانياً: مرحلة امتصاص الصدمة (الإجراءات الفلسطينية لمواجهة فيروس كورونا):

في الخامس من آذار 2020، أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية عن تسجيل أول سبع حالات إصابة بفيروس كورونا في فلسطين، تم تسجيلها في مدينة بيت لحم، وهو ما دفع الرئيس الفلسطيني محمود عباس “أبو مازن” وفي خطاب متلفز ألقاه بالنيابة عنه رئيس الوزراء د. محمد اشتية إلى الإعلان عن حالة الطوارئ في جميع المحافظات الفلسطينية مدة 30 يوماً قابلة للتجديد، وما بين منتقد لسرعة إعلان حالة الطوارئ وبين منتقد لها، وقعت المؤسسات الفلسطينية الرسمية في الأيام الخمسة الأولى للأزمة، في حالة من الارتباك، بدأت تتبدد بشكل تدريجي بعد امتصاص الصدمة الأولى2.

ونظراً لأن فيروس كورونا هي أزمة صحية بالأساس فقد اتجهت الحكومة الفلسطينية لمواجهة الأزمة من خلال مسارين، المسار الأول هو مسار وقائي يتمثل في اتخاذ سلسلة من الإجراءات الوقائية التي تحد من انتشار الفيروس ومحاصرته، والمسار الثاني مسار اقتصادي يتمثل في اتخاذ سلسلة من الإجراءات الاقتصادية والمالية للتخفيف من تداعيات الفيروس على الاقتصاد من جهة، والحفاظ على سلامة الوضع المالي في فلسطين وتأمين الموارد المالية للقطاع الصحي وقطاع الأمن والمحافظات ومؤسسات القطاع الخاص للقيام بوجباتهم على أكمل وجه من جهة أخرى.

  1. المسار الوقائي (الإجراءات الفلسطينية الوقائية لمواجهة فيروس كورونا):

قامت الحكومة الفلسطينية باتخاذ إجراءات لمواجهة تفشي فيروس كورونا في الأراضي الفلسطينية ومحاصرته في أضيق مكان، بدأت بحجر القادمين من الخارج في أماكن حجر مخصصة للقادمين من الخارج، ثم القيام بعزل مدينة بيت لحم وفرض طوق أمني عليها، بعد تصاعد عدد الإصابات، والتي كانت أغلبها من مدينة بيت لحم، ما ساهم بالحد من انتشار الفيروس وسهولة الوصول لكل الحالات المشتبه بها بأسرع وقت وبأقل الخسائر3.

ونتيجة لتطور الأحداث في الأراضي الفلسطينية، وتصاعد عدد  الإصابات بفيروس كورونا في عدة محافظات في الضفة الغربية وكذلك في قطاع غزة، اتخذت الحكومة الفلسطينية إجراءات احترازية جديدة وصفت بأنها صارمة،  تمثلت بمنع التنقل بين المحافظات نهائياً، ومنع وصول المواطنين من القرى والمخيمات إلى مراكز المدن باستثناء الحالات المرضية والطارئة، وفرض حظر التجول في الضفة الغربية اعتباراً من الساعة العاشرة من مساء الثاني والعشرين من آذار 2020، والاستمرار في وضع كل القادمين من الخارج تحت الحجر الإجباري لمدة 14 يوما ًفي مراكز الحجر الصحي كل في محافظته، واستمرار عمل البنوك بوتيرة حالة الطوارئ، ومنع وصول العمال إلى المستعمرات منعا قاطعاً، ومطالبة إسرائيل بتوفير ظروف إنسانية للعمال الذين يبيتون في أماكن عملهم، ومطالبة إسرائيل كقوة قائمة بالاحتلال تحمل كامل مسؤولياتها تجاه أهلنا في مدينة القدس ومن جانبنا سنتحمل مسؤولياتنا تجاه أهلنا هناك، وتحميل دولة الاحتلال مسؤولية حماية الأسرى ونطالب بالإفراج الفوري عن المرضى والأطفال والنساء منهم، ومطالبة فلسطيني الداخل في مناطق الـ 48 بعدم التنقل بين الأراضي الفلسطينية والداخل، وإغلاق جميع مديريات الوزارات في المحافظات ما عدا مديريات الصحة والمالية والاقتصاد والتنمية الاجتماعية والشؤون المدنية، وكذلك نشر قوات الأمن والشرطة، وبقية الأجهزة الأمنية، في مختلف المدن ومداخلها حفاظاً على الأمن العام وتطبيق كامل الإجراءات، مع التأكيد على أن المواد التموينية متوفرة وبكميات كافية في الأسواق لبث روح الطمأنينة لدى المواطنين، وحسب بيان مجلس الوزراء الفلسطيني تكون مدة هذه الإجراءات 14 يوماً، بجانب متابعة تطور الأحداث يوما بيوم4.

ووسط غياب التنسيق بين الضفة الغربية وقطاع غزة بسبب الانقسام الفلسطيني الداخلي الذي حدث في الرابع عشر من تموز 2007، وقيام حركة حماس بتولي إدارة شؤون قطاع غزة، وبعد اكتشاف إصابة أول حالتين في قطاع غزة بفيروس كورونا في الثاني والعشرين من شهر آذار 2020 5، وتزايد عدد الإصابات فيما بعد، اتخذت اللجنة الوزارية التي شكلتها حركة حماس في غزة سلسلة من الإجراءات الاحترازية لمواجهة تفشي فيروس كورونا، تمثلت في إغلاق المعابر في قطاع غزة، ووضع كافة القادمين إلى قطاع غزة سواء عبر معبر رفح جنوب القطاع أو معبر بيت حانون “ايرز” شمال القطاع في الحجر الصحي لمدة 21 يوماً،  وتعليق العملية التعليمية في المدارس والجامعات، وإغلاق المقاهي، وتجميد النشاطات الرياضية، واغلاق الصالات الرياضية المغطاة ونوادي كمال الأجسام “الجيم” وإغلاق صالات الأفراح ومنع المواطنين من إقامة بيوت للعزاء، وإغلاق الأسواق الشعبية الأسبوعية، وإغلاق المساجد ودعوة المواطنين للصلاة في بيوتهم، وتجميد نشاطات مؤسسات المجتمع المدني في القطاع، ودعوة المواطنين في قطاع غزة للالتزام بالحجر المنزلي مع أخذ أعلى درجات الأمن والسلامة6.

  1. المسار الاقتصادي (الإجراءات الفلسطينية الاقتصادية لمواجهة فيروس كورونا):

قامت الحكومة الفلسطينية باتخاذ إجراءات اقتصادية لمواجهة تداعيات فيروس كورونا على الاقتصاد الفلسطيني أو التخفيف من حدتها، وفقاً للإمكانيات المتوفرة، تُرجمت على أرض الواقع من خلال قرارات وزارة المالية الفلسطينية منح عدد من التسهيلات التي تصب في مصلحة المواطن والقطاع الخاص، تتمثل في  ضمان توفير السيولة المالية لاستمرارية عمل القطاع الخاص، والاكتفاء بالتوريد الالكتروني لكشوفات اقتطاعات الرواتب وخصم الضريبة من المصدر دون فرض غرامات التأخير خلال فترة الطوارئ، والغاء غرامة التأخير على عدم تقديم الإقرارات الضريبية في موعدها المحدد قانونا لحين صدور تعليمات أخرى، وتمديد تسليم الإقرارات الضريبية للعام 2019 حتى نهاية شهر حزيران / يونيو 2020، وتمديد فترة سريان براءة الذمة الصادرة من قبل ضريبة القيمة المضافة والتي تنتهي بتاريخ 01/03/2020 لغاية 15/04/2020، والسماح للمكلفين بتفويض من ينوب عنهم في الحصول على الخدمات الضريبية وتقديم الإقرارات الضريبية، والسماح بالتواصل من قبل المكلفين مع المكاتب الضريبية هاتفياً قبل مراجعة الدائرة لضمان تقديم الخدمات اللازمة حسب الأصول، وإصدار شهادات الخصم بالمصدر بمدة لا تقل عن 3 أشهر وبراءات الذمة بمدة لا تقل عن شهرين، وإرجاء النظر بالقضايا العالقة مع المكلفين لحين انتهاء حالة الطوارئ، وإرجاء إجراءات المتابعة الميدانية بالتنسيق مع جهاز الضابطة الجمركية بشأن قضايا ضريبة الدخل أو القضايا المنظورة حالياً من قِبل الجمارك وضريبة القيمة المضافة لحين انتهاء حالة الطوارئ، وأن يتم تقديم الكشوفات الدورية وفقاً للتقدير الذاتي لكل مشتغل، عدم فرض غرامات تأخير على تقديم الكشوف الدورية في حال استمرار حالة الطوارئ، ومنح المشتغلين المرخصين الملتزمين فواتير مقاصة تغطي احتياجهم مدة شهرين، ولكبار المكلفين لتغطي فترة ثلاثة أشهر، وارجاء المطالبة برسوم رخص المهن لحين انتهاء حالة الطوارئ7.

وفي سياق الإجراءات الاقتصادية والمالية لمواجهة تداعيات فيروس كورونا ودعم صمود المواطنين في ظل حالة الطوارئ والإجراءات الاحترازية الوقائية، أصدرت سلطة النقد الفلسطينية تعليمات للبنوك ومؤسسات الإقراض الفلسطينية، تعليمات بتأجيل كافة الأقساط الشهرية الدورية لكافة المقترضين ولمدة أربع أشهر قابلة للتمديد، وكذلك تأجيل كافة أقساط القروض الشهرية في قطاع السياحة والفنادق لمدة ست أشهر قابلة للتمديد8.

ونظراً لأهمية دوران العجلة الاقتصادية وتلبية لحاجة التجار والشركات والمؤسسات ومحطات البترول، وتعزيز قدرتهم على تسديد التزاماتهم المالية والتي تشمل دفع الأجور وشراء المواد التموينية والمواد الخام اللازمة لاستمرار العملية الإنتاجية، والتخفيف على المواطنين ومساعدته في ترتيب وجدولة التزاماتهم المالية، أصدرت سلطة النقد الفلسطينية تعليمات خاصة لاستعادة العمل بغرفة المقاصة بعد أن أوقفتها بعد تطور الأحداث وارتفاع حالات الإصابة بفيروس كورونا في الأراضي الفلسطينية.

ويأتي استعادة العمل بغرفة المقاصة لمعالجة جميع الشيكات التي استحقت خلال فترة الإغلاق، وتمديد حقوق إعادة الشيكات لخمسة أيام من تاريخ تقديمها إلى غرفة المقاصة بدلاً من ثلاث أيام، وفي حال عدم وجود رصيد للشيك المستحق، يتم اعتبار سبب الإعادة الظروف الطارئة وليس لعدم كفاية الرصيد، واستمرار تحصيل الشيكات المسحوبة من نفس البنك من خلال الفروع9.

ويُعتقد على نطاق واسع، أن الحكومة الفلسطينية والجهات الرسمية استطاعت امتصاص الصدمة من خلال اتخاذ سلسلة من الإجراءات الاحترازية الوقائية لمنع انتشار الفيروس في الأراضي الفلسطينية ومحاصرته في أضيق مكان، وكذلك اتخاذ سلسلة من الإجراءات الاقتصادية وسط الإجراءات الاحترازية المشددة والصارمة للتخفيف من حدة التداعيات الاقتصادية التي سوف تتركها الإجراءات الاحترازية على مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والتربوية والعمالية

ثالثاً: مرحلة التداعيات (التداعيات الاقتصادية لفيروس كرونا على الاقتصاد الفلسطيني):

إن ظهور فيروس كورونا في الأراضي الفلسطينية سواء في الضفة الغربية أو في قطاع غزة، أدى إلى إعلان حالة الطوارئ واتخاذ الحكومة الفلسطينية لمجموعة من الإجراءات والتدابير الاحترازية للحد من انتشاره، من ضمنها تعطيل المسيرة التعليمية في المدارس والجامعات، ومن ثم عقبها إجراءات وتدابير وقائية أخرى وصفت بأنها صارمة تمثلت بفرض منع التجول في الحافظات الشمالية من الوطن واغلاق المطاعم والنوادي والمقاهي ومنع العمال الفلسطينيين من العمل في “إسرائيل” والمستوطنات، وإغلاق الأسواق الشعبية الأسبوعية وتجميد النشاطات الرياضية ونشاطات مؤسسات المجتمع المدني، ومن المتوقع أن تعقبها في مراحل لاحقة مزيد من الإجراءات والتدابير الاحترازية تبعاً لتطور وتداعيات هذا الفيروس.

لذا من المتوقع أن يكون لهذا الفيروس آثار وتداعيات اقتصادية واجتماعية، تؤثر على مختلف مناحي حياة المواطن الفلسطيني، غير أن حدة هذه الآثار ستختلف بحسب الفترة الزمنية المتوقعة لاستمرار هذا الفيروس، أي أن الأثار والتداعيات ستكون أكثر حدة وفتكاً كلما زادت الفترة الزمنية لاستمرار الفيروس بدون سيطرة حتى يتم تطوير العلاج المناسب له والسيطرة عليه.

وللوقوف على حجم الضرر المتوقع على الاقتصاد الفلسطيني جراء تداعيات انتشار فيروس كورونا، وبخاصة في ظل حالة الطوارئ التي تعيشها الأراضي الفلسطينية والإجراءات والتدابير الوقائية التي اتخذتها الحكومة الفلسطينية، يمكن تلخيصها وفقاً لما يلي:

  1. تراجع النمو الاقتصادي

استناداً إلى التطورات التي حصلت في الأراضي الفلسطينية بفعل أزمة كورونا والتي أهمها، إعلان حالة الطوارئ في جميع المحافظات، تبعها إعلان الحكومة الفلسطينية تقييد حركة التنقل بين المحافظات وتجديد هذا الإجراء أكثر من مرة، نتيجة تصاعد عدد حالات الإصابة بفيروس كورونا في الأراضي الفلسطينية، والقرارات التي أصدرتها الحكومة الفلسطينية بضرورة عودة العاملين الفلسطينيين في “إسرائيل” لمنع انتقال الفيروس إلى الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس بسبب الانتشار الواسع لفيروس كورونا عند الاحتلال الإسرائيلي، يتوقع الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني تراجع النمو الاقتصادي في فلسطين بنسبة 14% خلال العام 2020 مقارنة مع العام 2019، وذلك نتيجة خسائر الاقتصاد الكلي (الناتج المحلي الإجمالي) والتي قدرت بنحو 2.5 مليار دولار بالمقارنة مع الوضع الطبيعي لعام 2020، نتج عن انخفاض إجمالي الاستهلاك العام والخاص بحوالي 1.3 مليار دولار، وانخفاض الاستثمار بحوالي 2.1 مليار دولار وتراجع الواردات بحوالي مليار دولار.10

  1. زيادة العجز في الموازنة العامة الفلسطينية

تعاني الحكومة الفلسطينية من زيادة في قيمة النفقات العامة منذ سنوات بحجم يزيد عن قيمة الإيرادات العامة، الأمر الذي أدى إلى وجود عجز مزمن في الموازنة العامة، حيث ارتفعت قيمة النفقات العامة من 2877 مليون دولار عام 2007، لتصل إلى 3660.1 مليون دولار في عام 2019، في المقابل بلغت قيمة العجز في الموازنة العامة نحو -1235 مليون دولار عام 2007 وانخفضت قيمة العجز في الموازنة العامة بعد سلسلة من الإصلاحات المالية وضبط الإنفاق الحكومي لتصل إلى نحو -231.3 مليون دولار عام 2019 11.

على صعيد النفقات العامة يتوقع أن تُسفر الإجراءات التدابير الوقائية الاحترازية التي اتخذتها الحكومة الفلسطينية لمكافحة فيروس كورونا (كوفيد – 19) إلى زيادة النفقات العامة نتيجة زيادة الإنفاق الحكومي لقطاع الرعاية الصحية وبخاصة لإقامة أماكن للحجر الصحي الجماعي للحالات المشتبه بإصابتها بهذا الفيروس وتوفير المواد التموينية اللازمة لهم، حيث تصل فترة الحجز الصحي إلى ثلاثة أسابيع (21 يوم)، وكذلك زيادة الإنفاق على معدات الوقاية الشخصية وإجراء الفحوص واختبارات التشخيص إضافة إلى مزيد من الأسره في المستشفيات والمراكز الصحية، وتجهيز مستشفيات ميدانية جديدة.

وبالإضافة إلى زيادة الإنفاق على قطاع الأمن نتيجة اعلان حالة الطوارئ ونشر قوات الأمن في المحافظات لمتابعة تنفيذ الإجراءات والتدابير الاحترازية داخل المحافظات ومتابعة الأسواق للتأكد من توفر السلع والمواد التموينية اللازمة وعدم وجود احتكار من قبل بعض التجار.

وبناءًا على ذلك فقد قدرت الحكومة الفلسطينية في موازنة الطوارئ 2020 النفقات العامة وصافي الإقراض بنحو 17787 مليون شيكل أي ما يعادل نحو 5082 مليون دولار، وبذلك يزيد حجم النفقات العامة وصافي الإقراض التي قدرتها الحكومة الفلسطينية في موازنة الطوارئ 2020 عن حجم النفقات وصافي الإقراض التي تحققت في عام 2019 بنحو 60% والتي بلغت نحو 3660 مليون دولار عام 2019 12.

وبالتالي فإن زيادة النفقات العامة سيؤدي إلى مزيد من الضغوط الاجتماعية والمالية على الموازنة العامة، تتمثل في ضغط العجز في الموازنة العامة والذي من المتوقع أن يزداد قيمته، بعد أن نجحت الحكومة الفلسطينية في تخفيض قيمته في السنوات الأخيرة، بالإضافة إلى ضغط فاتورة الرواتب والأجور والإعالات الاجتماعية والذي سوف تشكل تحدي للحكومة الفلسطيني في الأشهر القادمة لتأمينها في ظل انخفاض الإيرادات العامة وانخفاض الدعم المالي المقدم من الجهات المانحة.

وعلى صعيد الإيرادات العامة من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن الإيرادات العامة الفلسطينية تعتمد على مصدر رئيس وهو إيرادات المقاصّة التي تقوم “إسرائيل” بجبايتها نيابة عن السلطة الوطنية الفلسطينية بحسب ما جاء في بروتوكول باريس الاقتصادي الذي يحكم العلاقات الاقتصادية بين “إسرائيل” والأراضي الفلسطينية13، والتي تزايدت قيمتها ومساهمتها في الإيرادات العامة بشكل كبير في السنوات الأخيرة وتحديداً خلال الفترة (2007 – 2019) نتيجة لارتفاع قيمة إيرادات المقاصّة في تلك الفترة، إذ بلغ المتوسط السنوي لقيمة إيرادات المقاصّة حوالي 1763.3 مليون دولار بمتوسط شهري 146.9 مليون دولار خلال الفترة (2007 – 2019)، وبلغ متوسط نسبة إيرادات المقاصّة من الإيرادات العامة حوالي 66.9% 14.

ونتيجة لإعلان حالة الطوارئ في المحافظات الفلسطينية وإغلاق المعابر والحدود الفلسطينية مع العالم الخارجي سوف تتأثر الخزينة العامة جراء تعطيل التجارة الخارجية وبالتالي سوف تنخفض إيرادات المقاصة وبالتالي يتوقع أن تتأثر الحكومة الفلسطينية من فقدان هذه الإيرادات والتي تعتبر صمام الأمان للحكومة الفلسطينية والعمود الفقري لموازنتها العامة، لأنها تؤمن أكثر من 65% من مجموع إيرادات الحكومة الفلسطينية، وتغطي أكثر من نصف نفقاتها15.

وفي هذا السياق أشار رئيس الوزراء الفلسطيني د. محمد اشتية إلى أن تكلفة فيروس كورونا (كوفيد – 19) على الخزينة الفلسطينية قد تصل من 300 – 400 مليون شيكل، وسط تباطؤ وتيرة الاقتصاد العالمي الذي سوف يعكس نفسه على إيرادات الخزينة الفلسطينية16.

وعليه فإن خسائر الخزينة الفلسطينية المتوقعة وبخاصة فقدان أو حتى انخفاض  إيرادات المقاصّة يضع الحكومة الفلسطينية أم تحدي كبير وهو تأمين فاتورة الرواتب والأجور، حيث من المتوقع أن  يؤثر انخفاض الإيرادات العامة بشكل مباشر على قدرة الحكومة الفلسطينية في تأمين فاتورة الرواتب والأجور للموظفين العموميين، أي أن الحكومة الفلسطينية لن تتمكن من تسديد رواتب الموظفين كاملة والتي تقدر بحوالي 150 مليون دولار شهرياً17،  وفي مثل هذا الوضع ستنعكس تداعياته بصورة شبه شلل عام سيصيب كافة مناحي الحياة الاقتصادية بسبب حالة الركود الناجمة عن عدم استلام الموظفين رواتب كاملة، باعتبار أن رواتب الموظفين تعتبر المحرك الأساسي لحركة الطلب والاستهلاك.

  1. ارتفاع حجم الدين العام

تعاني الحكومة الفلسطينية من تزايد حجم الدين العام في السنوات الأخيرة، حيث تزايد حجم الدين العام من 1451.4 مليون دولار بواقع (1034.4 مليون دولار دين خارجي و417 مليون دولار دين محلي) عام 2007، ليصل إلى 2795.4 مليون دولار بواقع (1218.2 مليون دولار دين خارجي و1577.2 مليون دولار دين داخلي) عام 2019 18.

ونتيجة لتكلفة فيروس كورونا (كوفيد – 19) المتوقعة على الخزينة العامة الفلسطينية والتي تعاني أصلاً من الارتفاع الملحوظ والكبير في عجز الموازنة العامة، من المتوقع أن تلجأ الحكومة الفلسطينية إلى الاقتراض الخارجي والمحلي لتغطية نفقاتها التي سوف ترتفع كما أشرنا سابقاً، الأمر الذي سوف يؤدي إلى زيادة حجم الدين العام بشقيه الخارجي والداخلي وزيادة حجم المتأخرات المتراكمة على الحكومة، وبالتالي زيادة الأعباء المالية على الحكومة الفلسطينية ويفاقم من حدة أزمتها المالية التي تعاني منها منذ سنوات 19.

  1. انخفاض قيمة الأصول (الاستثمارات) الخارجية:

ينضوي تحت تسمية الأصول الخارجية استثمارات المؤسسات والأفراد المقيمين في الاقتصاد الفلسطيني والموظفة في الخارج من استثمار أجنبي مباشر، واستثمارات الحافظة، واستثمارات أخرى تشمل العملة والودائع، وقد بلغت حتى الربع الثالث من العام 2019 نحو 7.4 مليار شيكل، ويشكل الاستثمار الأجنبي المباشر واستثمارات الحافظة نحو 23% منها، والتي تأتي بشكل شبه كامل من القطاع الخاص 20.

ويتوقع أن تشهد قيمة هذه الأصول انخفاضات متفاوتة نتيجة لتوجه المقيمين لتسييل بعض استثماراتهم في الخارج بسبب حالة الخوف وتصاعد أجواء عدم اليقين بالمستقبل أو نتيجة لتقلبات الأسواق العالمية والإقليمية.

كما تتضمن هذه الأصول أيضاً التوظيفات الخارجية للقطاع المصرفي الفلسطيني، وتشير البيانات إلى أن أصول المصارف الموظفة في الخارج تشكل نحو 18.9% من إجمالي أصول الجهاز المصرفي، أو ما نسبته 23% من إجمالي الودائع (السقف الأعلى المحدد في تعليمات سلطة النقد هو 55%) 21.

وفي ظل انخفاض أسعار الفائدة عالمياً، من المتوقع أن تشهد التوظيفات الخارجية للقطاع المصرفي الفلسطيني تراجعاً ملحوظاً، نتيجة انخفاض ربحية الأصول وزيادة مخاطرها الائتمانية المحتملة.

  1. ارتفاع معدلات البطالة واتساع دائرة الفقر

يتوقع أن تُسفر الإجراءات والتدابير الاحترازية لمواجهة فيروس كورونا والتي تسببت في توقف معظم الأنشطة الاقتصادية وفقدان العاملين في هذه الأنشطة لمصدر دخلهم، إلى ارتفاع غير مسبوق لمعدلات البطالة، بجانب عدد من الآثار التي ستطال فئات المجتمع كافة، وتحديداً الفئات الهشة “الطبقتين الوسطى والفقيرة”، واحتمالات اتساع دائرة الفقر نتيجة انضمام فئة جديدة من الفقراء الجدد.

وفي هذا الصدد تشير الإحصاءات الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني إلى أن نسبة البطالة في فلسطين مرتفعة قبل أزمة انتشار فيروس كورونا، حيث بلغت نسبة البطالة نحو 24% في فلسطين خلال الربع الرابع من العام 2019، بواقع 14% في الضفة الغربية و43% في قطاع غزة، ومن المتوقع ارتفاع معدلات البطالة في الربع الأول من العام الجاري 2020 نتيجة التوقف المفاجئ لعجلة الاقتصاد بسبب فيروس كورونا وتعطل الحركة الاعتيادية والتجارية وتوقف معظم النشاطات الاقتصادية 22.

كما يتوقع أن تُسفر الإجراءات والتدابير الاحترازية الخاصة بمنع العاملين الفلسطينيين من العمل في إسرائيل والمستوطنات عن تعطل حركة العاملين في “إسرائيل” والمستوطنات وفقدانهم لدخلهم حيث يبلغ عدد العاملين الفلسطينيين في إسرائيل والمستوطنات نحو 135 ألف عامل (111.5 ألف عامل في إسرائيل، و23.5 ألف عامل في المستوطنات، ويبلغ معدل الأجرة اليومية لهؤلاء العاملين نحو 250 شيكل 23.

وعليه من المتوقع خسارة الاقتصاد الفلسطيني نحو 33.7 مليون شيكل يومياً كانت تضخ في الاقتصاد الفلسطيني، وبالتالي سوف يرتفع معدل البطالة عن مستواه الحالي في الضفة الغربية، وزيادة الضغط المالي على الحكومة الفلسطينية وإحراجها مع العمال خاصة وأنه يقع على عاتقها توفير مصدر دخل يؤمن لهم على الأقل المستلزمات الأساسية للحياة.

وبالتالي فإن ارتفاع معدلات البطالة سوف يؤدي إلى ارتفاع معدلات الفقر نتيجة انضمام فقراء جدد في دائرة الفقر في الأراضي الفلسطينية التي تغرق أصلاً في دوامة الفقر، وتشير الإحصاءات الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني إلى أن نحو 29.2% من سكان فلسطين يعانون من الفقر وفقاً لأنماط الاستهلاك الشهري 24، وهو ما يعني أن ثلث السكان هم فقراء أصلاً قبل أزمة انتشار فيروس كورونا، ويتوزع الفقراء من حيث طبيعة عملهم، ما بين عاملين منتظمين بأجور متدنية، وعاملين غير منتظمين، بالإضافة إلى العاطلين عن العمل، والأفراد خارج القوى العاملة.

  1. وقف حركة الاستيراد والتصدير

ستطال تأثيرات الفيروس كرونا (كوفيد – 19) نتيجة إعلان حالة الطوارئ والإجراءات الاحترازية المتمثلة بإغلاق المعابر الفلسطينية والحدود واقتصارها فقط على السماح بمرور بعض السلع الضرورية والأدوية بالتنسيق مع مصر والأردن القطاع التجاري، بالتالي وقف حركة الاستيراد والتصدير نهائياً في تلك الفترة الأمر الذي سيتمخض عن ذلك شلل غالبية الصناعات الفلسطينية نتيجة وقف حركة الاستيراد وتراجع كبير في حركة التصدير مما يكبد الاقتصاد الفلسطيني خسارة كبيرة 25.

  1. اضطراب المناخ الاستثماري

يحتاج الاستثمار إلى بيئة مستقرة نوعاً ما، وبالتالي فإن إعلان حالة الطوارئ والإجراءات الاحترازية يعزز من حالة الخوف والذعر لدى المستهلك والمستثمر على حد السواء، وستفضي إلى انخفاض أسعار الأصول وضعف الطلب الكلي وتزايد أزمة الديون وخسارة عدد كبير من المستثمرين  26، مما يتسبب في انخفاض القدرة على التنبؤ بالمستقبل، واحباط مشاريع الاستثمار في المستقبل، وبالتالي سوف ينعكس ذلك بالسلب على الإنتاج والتشغيل المستقبلي وكذلك خسارة كبيرة للاقتصاد الفلسطيني نتيجة خسارته المتمثلة في عدم قدرته على استقطاب مستثمرين جدد.

  1. تضرر الأنشطة الاقتصادية

طالت تأثيرات فيروس كورونا العديد من الأنشطة الاقتصادية، نتيجة التوقف المفاجئ لعجلة الاقتصاد وتوقف بعض الأنشطة الاقتصادية بشكل كامل وتوقف البعض الأخر بشكل جزئي، حيث يتوقع الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني أن تتكبد الأنشطة الاقتصادية خسائر اقتصادية تقدر بنحو 1957 مليون دولار خلال عام 2020، بحيث يبلغ حجم خسائر نشاط الزراعة وصيد الأسماك 200 مليون دولار، ونشاط الصناعة 362 مليون دولار ونشاط الصناعة 220 مليون دولار ونشاط الخدمات 1175 مليون دولار.

ومن واقع تقدير الخسائر لنشاط الخدمات 1175 مليون دولار، فقد سجلت خسائر نشاط تجارة الجملة والتجزئة نسبة 59% من إجمالي خسائر نشاط الخدمات بقيمة 689 مليون دولار، وخسائر الأنشطة الخدماتية الأخرى 31% من إجمالي خسائر نشاط الخدمات بقيمة 374 مليون دولار، وقد سجلت خسائر نشاط المطاعم والفنادق نظراً للإغلاق الكامل الغاء كامل الحجوزات للسياح الأجانب في الفنادق وإغلاق كامل المناطق السياحية والدينية أمام الزيارات إضافة الى اغلاق المطاعم وصالات الافراح حيث تشكل هذه القطاعات نسبة كبيرة من الاقتصاد الفلسطيني 10%  من إجمالي خسائر نشاط الخدمات بقيمة 112 مليون دولار 27.

وبالتالي فإن خسائر الأنشطة الاقتصادية سيؤدي إلى تراجع النمو الاقتصادي في فلسطين وكذلك إلى ارتفاع معدلات البطالة في الأراضي الفلسطينية المرتفعة أصلاً قبل ظهور فيروس كورونا (كوفيد – 19) واتساع دائرة الفقر، وهذا يعتبر لاقتصاد متواضع نوع من الكارثة التي تستوجب التوقف عندها والتعامل معها بمسؤولية وروح التعاون من قبل القطاعين العام والخاص.

  1. تقلبات أسعار الصرف

شهدت أسعار صرف العملات الرئيسية تقلبات ملموسة منذ تفاقم أزمة فيروس كورونا، حيث بدأ سعر صرف الدولار الأمريكي (وبالتبعية الدينار الأردني) الارتفاع مقابل الشيكل بشكل كبير مع نهاية الأسبوع الأول من شهر آذار وحتى 17 آذار 2020 بنحو 12.5% ليصل إلى 3.86 شيكل / دولار.

وقد نتج عن هذا الارتفاع الناجم أساساً عن حالة الخوف والترقب والهلع بسبب تداعيات فيروس كورونا مما زاد الطلب على الدولار بشكل كبير، الأمر الذي دفع بالبنك المركزي الإسرائيلي للتدخل من خلال زيادة العرض من الدولار عبر ضخ 15 مليار دولار للبنوك من أجل دعم مركز الشيكل في سوق العملات، مما أدى إلى انحسار الضغوط وانخفاض سعر الصرف بأكثر من 1% خلال يوم 8 آذار 2020 ليصل إلى 3.82 شيكل / دولار.

وتؤثر التقلبات في سعر الصرف على أكثر من جانب في الاقتصاد الفلسطيني والنظام المالي، فمن جهة تؤثر التقلبات على مالية الحكومة جراء حصولها على منح ومساعدات بعملة الدولار والتي تشكل 17% من إيراداتها، أو ما يعادل 600 مليون دولار في المتوسط سنوياً 28، في حين أن معظم إنفاقها بعملة الشيكل، ويظهر الأثر المباشر لذلك في عجز الموازنة والدين العام والمتأخرات المتراكمة.

كما تؤثر هذه التقلبات على أصول القطاع المصرفي، والتي تحاول المصارف باستمرار مواءمة أصولها وخصومها بالعملات المختلفة والتحوط لمثل هذه المخاطر، خاصة وأن الدولار يستحوذ على حوالي 36.6% من أصول المصارف في نهاية العام 2019، بينما شكلت الأصول بعملة الدينار نحو 22.9%، وبعملة الشيكل حوالي 37.7%، وقية العملات الأخرى بنحو 2.8% 29.

وبالإضافة إلى ذلك تأثير تقلبات سعر الصرف على أسعار السلع المستوردة من بقية أنحاء العالم (باستثناء إسرائيل) وهو ما نسبته 42% من الواردات وبالأخص أسعار الوقود والغذاء والمواد الخام المسعرة بالدولار.

  1. تداعيات اقتصادية إيجابية

على الرغم من التداعيات الاقتصادية السلبية المحتملة لفيروس كرونا (كوفيد – 19) على الاقتصاد الفلسطيني، والتي أصابت الضرر معظم القطاعات الاقتصادية، إلا أن هناك قطاعات اقتصادية استفادت من وجود الفيروس وتداعياته الاقتصادية السلبية من خلال استغلال الأزمة بشكل أمثل وتحقيق انتعاش في مجال عملها وتحقيق أرباح وفي ذات الوقت الوقوف أمام مسؤوليتها المجتمعية في توفير المنتجات للسوق الفلسطينية في الوقت الحالي وبخاصة في ظل إغلاق المعابر والحدود وتوقف حركة الاستيراد والتصدير.

وفي هذا الصدد نجحت المصانع الفلسطينية في تحقيق تقدم ملحوظ في هذا المجال، حيث نجح مصنع الزعتر في مدينة الخليل جنوبي الضفة الغربية في تصنيع كمامات طبية وتوفيرها للسوق المحلية بعد الحصول على موافقة الجهات الفلسطينية المختصة 30، وكذلك نجح مصنع سوبيتكس في مدينة الخليل جنوبي الضفة الغربية في تصنيع لباس خاص يغطي الجسم بالكامل “أفرولات” وهو لباس مخصص للطواقم الطبية والأجهزة الطبية ورجال الاعلام 31.

كما أن حالة الخوف من انتشار العدوى من فيروس كرونا (كوفيد – 19) وتصاعد أجواء عدم اليقين، غيرت من ميول وأذواق المستهلكين في الأراضي الفلسطينية وبالتالي أصبح هناك إقبال كبير على السلع الاستهلاكية وبخاصة التموينية وكذلك المنظفات بكل أنواعها، وبالتالي هناك شريحة كبيرة من قطاع التجزئة والجملة استفادت من الظروف الحالية في الأراضي الفلسطينية نتيجة زيادة مبيعاتهم وأرباحهم خلال هذه الفترة.

من خلال قراءة التداعيات السلبية والإيجابية المحتملة لفيروس كرونا على الاقتصاد الفلسطيني، نلاحظ أن التداعيات الاقتصادية السلبية المحتملة كانت أكبر وأعمق وتهدد قدرة الاقتصاد الفلسطيني على الصمود في حال استمرت أزمة كرونا فترة طويلة.

وعلى الرغم من أن معظم التداعيات الاقتصادية السلبية كانت بسبب الإجراءات والتدابير الاحترازية إلا أن مكافحة الفيروس ومحاصرته ومنع انتشاره هو أهم بكثير من التداعيات الاقتصادية المحتملة، فالحفاظ على الإنسان كونه رأس المال الاجتماعي هو الأساس، وهذا ما يحسب للقيادة الفلسطينية والحكومة الفلسطينية والجهات الرسمية في إدارتها للأزمة وسط رضا عام من الجمهور الفلسطيني والمؤسسات الدولية ذات الصلة.

حيث أشادت منظمة الصحة العالمية على لسان مدير مكتبها في فلسطين جيرالد روكونشواب، بالإجراءات التي قامت بها الحكومة الفلسطينية لمواجهة انتشار الفيروس في الأراضي الفلسطينية، مشيراً إلى أن الحكومة الفلسطينية اتخذت إجراءات متقدمة لمكافحة فيروس كرونا (كوفيد -19)، حيث تقوم الحكومة الفلسطينية ووزارة الصحة بإجراءات تفوق ما هو موصى به دولياَ 32.

رابعاً: مرحلة التدخلات الاقتصادية

لا شك أن فيروس كورونا قد نجح في نشر حالة الارتباك والخوف والذعر وتصاعد أجواء عدم اليقين بالمستقبل في كل دول العالم، ودفع بالعديد من الدول اتخاذ جملة من الإجراءات والتدابير الاحترازية لمكافحة انتشار الفيروس من جهة والتخفيف من الأضرار والخسائر التي سوف تتكبدها اقتصاديات الدول المختلفة جراء تفاقم هذه الأزمة من جهة أخرى.

وقد اتخذت الحكومة الفلسطينية والجهات الرسمية كما وضحنا سابقاً العديد من الإجراءات والتدابير الاحترازية الوقائية والاقتصادية والمالية في مرحلة امتصاص الصدمة لمكافحة انتشار الفيروس ومحاصرته في أضيق مكان والتخفيف من حدة التداعيات الاقتصادية على الاقتصاد الفلسطيني جراء انتشار الفيروس في الأراضي الفلسطينية.

ولتعظيم المنفعة من الإجراءات والتدابير الاحترازية التي اتخذتها الحكومة الفلسطينية والجهات الرسمية وللتخفيف من التداعيات الاقتصادية السلبية المحتملة للفيروس على الاقتصاد الفلسطيني، تتطلب هذه المرحلة تكاتف جهود كافة الأطراف (الحكومة ومؤسسات القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني) والمشاركة في تقديم بعض التدخلات اللازمة وفي ضوء الإمكانيات المتاحة، بحيث تتضمن التدخلات ما يلي:

  • إنشاء صندوق مالي وبشري لإدارة الأزمات، يوفر سبل النجاة ويقلل من تأثير أي أزمات حال حدوثها.
  • دعم القطاع الزراعي لتزويد الأسواق بالمواد الغذائية من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي دون الحاجة إلى الاستيراد من الخارج وقت الأزمات.
  • الاستفادة من الأزمة فيما يتعلق بمسألة التعليم عن بعد” التعليم الالكتروني” فهو بحاجة إلى تطوير وزيادة الاهتمام به باعتباره خيار استراتيجي في وقت الأزمات.
  • دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة والشركات الناشئة، وذلك من خلال توجيه الائتمان الجديد لهذه المشاريع.
  • تقديم مساعدات عاجلة مالية وعينية للعمال الفلسطينيين الذين فقدوا أعمالهم ومصدر دخلهم سواء في إسرائيل والمستوطنات أو في سوق العمل المحلي.
  • توسيع شبكة الأمان الاجتماعي من خلال حشد التمويل اللازم لخلق فرص عمل للعاطلين عن العمل (البطالة)، وصرف مساعدات عاجلة للأسر الفقيرة والمهمشة.
  • تخفيف العبء الضريبي للأفراد والشركات وإطالة فترة السماح وخاصة للقطاعات الأكثر تضرراً خلال أزمة كورونا.
  • وضع خطط لاستمرارية العمل في المؤسسات الخاصة والحفاظ على استمرار الوظائف الحرجة.

الهوامش والمراجع:

  1. لمزيد من التفاصيل حول الصدمات التي تعرض لها الاقتصاد الفلسطيني، انظر: رائد حلس، الاقتصاد الفلسطيني وقطاع غزة: تداعيات الحصار والانقسام، مجلة شؤون فلسطينية، العددان 275 – 276، (رام الله: مركز الأبحاث الفلسطيني، 2019).
  2. مركز رؤية للتنمية السياسية، فلسطين وأزمة كرونا: بين إدارة الأزمة وخيارات المستقبل، سلسلة رأي الخبراء، (إسطنبول: 2020)، ص3.
  3. منتصر جرار، تقدير موقف: كورونا Covid -19 أزمات متعددة، (رام الله: مركز الأبحاث الفلسطيني، آذار 2020)، ص2.
  4. مجلس الوزراء الفلسطيني، بيان رئيس الوزراء حول الإجراءات الجديدة لمواجهة تفشي فيروس كرونا، (رام الله، 22 آذار 2020)، شوهد بتاريخ 26 آذار 2020، متاح على الرابط: https://bit.ly/2Jdj7ni.
  5. سكاي نيوز عربية، خاص: أول حالتي إصابة بفيروس كورونا في غزة، شوهد بتاريخ 22 آذار 2020، متاح على الرابط: https://bit.ly/34ld3mv.
  6. شبكة مصدر الإخبارية، آخر إجراءات غزة للوقاية من فيروس كرونا، (غزة: 21 آذار 2020)، شوهد بتاريخ 26 آذار 2020، متاح على الرابط: https://bit.ly/2JcJJ85.
  7. وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية – وفا، وزارة المالية تصدر عدداً من التسهيلات للمواطنين والقطاع الخاص، (رام الله، 24 آذار 2020)، شوهد بتاريخ 28 آذار 2020، متاح على الرابط: https://bit.ly/2UIxK7l.
  8. الاقتصادي، سلطة النقد: تأجيل أقساط المقترضين لمدة 4 أشهر قابلة للتمديد، (رام الله: 15 آذار 2020، شوهد بتاريخ 29 آذار 2020، متاح على الرابط: https://bit.ly/3aqElKz.
  9. سلطة النقد الفلسطينية، سلطة النقد تصدر تعميماً للمصارف بخصوص استعادة العمل بغرفة المقاصة، (رام الله: 26 آذار 2020)، شوهد بتاريخ 29 آذار 2020، متاح على الرابط: https://bit.ly/2JpeuXg.
  10. الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، التنبؤات الاقتصادية لعام 2020 جراء جائحة كورونا، (رام الله: 2020)، ص3.
  11. سلطة النقد الفلسطينية، الإيرادات والنفقات ومصادر التمويل للسلطة الوطنية الفلسطينية، (رام الله: 2019)، متاح على الرابط: http://bit.ly/2TJDQnE.
  12. رائد حلس، قراءة في موازنة الطوارئ 2020 لدولة فلسطين ومدى نجاعتها في مواجهة جائحة كورونا، (الكويت: المركز العربي للبحوث والدراسات، 5 يوليو / تموز 2020)، متاح على الرابط: https://bit.ly/2ZOyZWC.
  13. نعمان كنفاني وسلام صلاح، تجميد أموال المقاصة: أزمة متكررة وآثار طويلة الأمد، المراقب الاقتصادي والاجتماعي التقرير السنوي 2014، (رام الله: معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني – ماس وآخرون، 2015)، ص30.
  14. المتوسط والنسب قام الباحث باحتسابها بالاستناد إلى: سلطة النقد الفلسطينية، الإيرادات والنفقات ومصادر التمويل للسلطة الوطنية الفلسطينية، (رام الله: 2019)، متاح على الرابط: http://bit.ly/2TJDQnE.
  15. صندوق النقد العربي، التقرير الاقتصادي العربي الموحد 2018، الفصل الثالث عشر: الاقتصاد الفلسطيني، (أبو ظبي: 2019)، ص253.
  16. الاقتصادي، أزمة كورونا في فلسطين قد تستمر 6 شهور، رام الله، شوهد بتاريخ 23 آذار 2020، متاح على الرابط: https://bit.ly/2QAZXvF.
  17. مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية– الأونكتاد، تقرير بعنوان: تسرب الإيرادات المالية الفلسطينية إلى إسرائيل في ظل بروتوكول باريس الاقتصادي، (نيويورك وجنيف، 2014)، ص41.
  18. سلطة النقد الفلسطينية، الإيرادات، الموقع الالكتروني: http://bit.ly/2TJDQnE.
  19. لمزيد من التفاصيل حول تداعيات ارتفاع الدين الحكومي على الموازنة العامة الفلسطينية، انظر: مازن العجلة وسمير أبو مدلله، تطور الدين العام في الأراضي الفلسطينية (2000 – 2011)، مجلة الجامعة الإسلامية للدراسات الاقتصادية والإدارية، المجلد الحادي والعشرون، العدد الأول، (غزة: الجامعة الإسلامية، 2013).
  20. سلطة النقد الفلسطينية، ورقة موقف: الآثار الاقتصادية المتوقعة لأزمة فايروس كورونا على الاقتصاد الفلسطيني خلال العام 2020، (رام الله: دائرة الأبحاث والسياسات النقدية، آذار 2020)، ص5.
  21. نفس المرجع السابق، ص6.
  22. رائد حلس، في زمن كورونا: المجتمع الفلسطيني يغرق في دوامة الفقر، مجلة الشرق الاقتصادية للدراسات والأبحاث، العدد الأول، (غزة: يونيو / حزيران 2020)، ص11.
  23. . الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، تقرير صحفي لنتائج مسح القوى العاملة الربع الرابع 2019، (رام الله: 2020)، ص6.
  24. رائد حلس، في زمن كورونا، ص11.
  25. رائد حلس، ورقة موقف: تأثير فيروس كورونا (كوفيد – 19) على الاقتصاد الفلسطيني، (رام الله: مركز الأبحاث الفلسطيني، نيسان 2020)، ص5.
  26. انظر: أخبار الأمم المتحدة، الأونكتاد: أزمة بقيمة تريليون دولار قد يتسبب بها فيروس كورونا، فهل يمكن تجنبها؟، نيويورك، شوهد بتاريخ 22 آذار 2020، متاح على الرابط: https://bit.ly/399nV7F.
  27. الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، التنبؤات، ص3.
  28. نسبة المنح والمساعدات من إجمالي الإيرادات والمنح، متوسط الفترة 2017 – 2019، بيانات وزارة المالية، (رام الله: 2020).
  29. سلطة النقد الفلسطينية، ورقة موقف، ص7.
  30. الأناضول، مصنع فلسطيني يبدأ في إنتاج كمامات طبية لمواجهة كورونا، (إسطنبول: وكالة الأناضول، شوهد بتاريخ 22 آذار 2020)، متاح على الرابط: https://bit.ly/2xejbAs.
  31. الأناضول، مصنع فلسطيني يبدأ في إنتاج لباس خاص لواجهة كرونا، (إسطنبول: وكالة الأناضول، شوهد بتاريخ 22 آذار 2020)، متاح على الرابط: https://bit.ly/39dqkhE.
  32. منتصر جرار، تقدير موقف، ص3.

 

رابط المصدر:

https://democraticac.de/?p=69086

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M