قمة أكرا الأمنية.. جهود إقليمية متنامية لمكافحة الإرهاب في غرب أفريقيا

نسرين الصباحى

 

التقى قادة ورؤساء دول غرب أفريقيا من مبادرة أكرا بممثلين من الاتحاد الأوروبي، وبريطانيا، وفرنسا، في مدينة أكرا عاصمة دولة غانا في الثاني والعشرين من نوفمبر 2022، لمناقشة القضايا الأمنية، وسُبل تعزيز التعاون فيما يتعلق بالأمن ومعالجة التطرف العنيف، والجريمة العابرة للحدود في منطقة غرب أفريقيا، وخلق أوجه تآزر وسد الثغرات في المعركة الإقليمية ضد الإرهاب للحد من تهديداته الممتدة من منطقة الساحل الأفريقي إلى خليج غينيا وتحديدًا دول غانا وبنين وتوجو وساحل العاج (كوت ديفوار)، والتوصل إلى نهج أكثر استباقية لمكافحة الإرهاب. ولذا، جاءت القمة تحت عنوان “نحو استجابة ذات مصداقية ووقائية ومنسقة للتحديات التي تواجهها الدول الساحلية في خليج غينيا ودول الساحل الأفريقي”.

وقد تأسست مبادرة أكرا في سبتمبر 2017 من قبل خمس دول من غرب أفريقيا؛ بنين وبوركينا فاسو وساحل العاج وغانا وتوجو، كما تم قبول مالي والنيجر كمراقبين قبل أن تصبحا عضوين عام 2019، وتعتبر المبادرة آلية لتعزيز التعاون الاستخباراتي والأمني ​​بين الوكالات الأمنية للدول الأعضاء، وتبادل المعلومات، وتدريب الأفراد، وإقامة عمليات عسكرية مشتركة عبر الحدود. كما تعتبر نهجًا وقائيًا وليست مجرد آلية للاستجابة بدعم الحرب الشاملة ضد الإرهاب والتطرف العنيف، ويتماشى هدف المبادرة مع المكونين الثاني والرابع من خطة عمل الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (الإيكواس).

 وقد حققت المبادرة منذ تفعيلها العديد من المهام الرئيسية من بينها التنفيذ الناجح للعمليات المشتركة على طول الحدود المشتركة للدول الأعضاء، حيث تفضل المبادرة الاستجابة الإقليمية ذات التوجه العسكري، يتم استكمالها بتدخلات غير أمنية من قبل الدول الأعضاء على المستوى الوطني؛ إذ طورت غانا إطار عمل لمكافحة الإرهاب، ولكن تتمتع هذه الدول بقدرات استخباراتية محدودة وعدم القدرة على تعقب حركة الجماعات الإرهابية عبر حدودها. بالإضافة إلى ذلك، الاختلافات في قطاعات الدول الأعضاء والمفاهيم التشغيلية. في حين أن بوركينا فاسو وساحل العاج وتوجو جميعها لديها قوات درك. في حين لا تمتلكها غانا، ولدى بنين قوات تجمع بين الشرطة والدرك.

تحديات مُلحّة 

انعقدت القمة في سياق مضطرب مع التهديدات الناشئة والمستمرة في غرب أفريقيا، وتنامي حجم التهديدات الأمنية والاحتياجات الإنسانية خلال السنوات الأخيرة؛ إذ واجهت دول المنطقة حالة من عدم الاستقرار وانعدام الأمن عبر الحدود، وتفاقم الأزمات السياسية، وتصاعد الهجمات الإرهابية، ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي:

• تقلص المشاركة الدولية في القوات الأممية لحفظ السلام من مالي: أعلنت العديد من الدول الغربية سحب قواتها من بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي (مينوسما) التي كانت تعمل في مالي لما يقرب من عقد من الزمان كحائط ضد انتشار أعمال العنف والتطرف العنيف، وقالت بريطانيا أنها ستسحب قواتها البالغ عددهم 249 جنديًا من البعثة. كما أكدت ألمانيا على سحب قواتها البالغ عددهم 595 جنديًا بحلول مايو 2024. وأعلنت ساحل العاج بعد يوم من إعلان بريطانيا أنها ستسحب 300 جنديًا من قوة حفظ السلام، وتحديدًا بعد احتجاز مالي 49 جنديًا من ساحل العاج في يوليو 2022 بتهمة كونهم مرتزقة، ولكن كانوا جزءًا من وحدة أمنية ولوجستية تعمل في إطار مهمة حفظ السلام.

وارتباطًا بالسابق، تعتبر ساحل العاج سادس أكبر مساهم عسكري في بعثة (مينوسما) بحوالي 857 جنديًا، وهي ثامن أكبر مساهم في قوات الشرطة، وتضم 30 ضابطًا، وتتكون من حوالي 18000 فردًا، ومن ناحية أخرى، تعمل قواتها ضمن ثلاث سرايا مشاة وأمن مقسمة بين موبتي في وسط مالي، وتمبكتو في شمال البلاد، وتُمثل حالات الانسحاب خسارة في قدرة البعثة من خلال الافتقار إلى الدعم اللوجستي، وتوفير الحراسة والأمن للقوافل، وإدارة المستشفيات العسكرية في مدينة جاو في شمال مالي، والتخوف بشأن مستقبل طائرات الاستطلاع بدون طيار التي قدمتها برلين، والتي تضمن أمن الدوريات. لكن، في الوقت نفسه سترسل الهند وحدة هليكوبتر لعمليات بعثة (مينوسما) سيتم نشرها في مارس 2023 لدعم الإنذار المبكر والاستجابة السريعة لحماية المدنيين، وسترسل أيضًا كلٍ من بنجلاديش وباكستان وحدة هليكوبتر مسلحة.

• تنامي وتمدد ظاهرة الإرهاب في الإقليم: انتقل خطر الإرهاب من شمال مالي إلى بوركينا فاسو والنيجر، وصولًا للدول الساحلية في خليج غينيا التي تُعاني من هجمات متفرقة، حيث عززت غانا الأمن على حدودها الشمالية، لكن بنين وتوجو واجهتا تهديدات عبر حدودهما الشمالية مع بوركينا فاسو، وسجلت بنين 20 عملية توغل منذ عام 2021 بينما عانت توجو من خمس هجمات على الأقل، بما في ذلك هجومان منذ نوفمبر 2021، وتُشير بيانات مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2022 إلى اعتبار منطقة غرب أفريقيا بؤرة رئيسية للإرهاب والتطرف العنيف مع وجود أربع دول ضمن أكثر 10 دول في العالم تضررًا من الإرهاب. كما اعتُبرت بوركينا فاسو حاجزًا ضد انتشار التطرف العنيف إلى الدول الساحلية، لكن منذ سلسلة الهجمات في شرق البلاد، بعضها قريب من الحدود مع الدول الساحلية في خليج غينيا، مع تفاقم انعدام الأمن في منطقة الحدود الثلاثية بين والنيجر وبوركينا فاسو(منطقة ليبتاكو-جورما)، بوتيرة غير مسبوقة منذ انسحاب القوات الفرنسية.

• توجو جبهة جديدة للتطرف العنيف: على الرغم من قربها من البلدان المتضررة من الجماعات الإرهابية شهدت سلامًا وأمنًا نسبيًا حتى وقت قريب، وفي 10 و11مايو 2022 هاجمت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين التابعة لتنظيم القاعدة موقعًا عسكريًا في توجو وقتلت ثمانية جنود، لم تكن هذه المرة الأولى التي تتعرض فيها لهجوم على قوات الأمن. كان الهجوم الأول في نوفمبر 2021، عندما تمت مهاجمة نقطة أمنية في قرية بشمال البلاد، في ظل تردى الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي تجعلها هدفًا رئيسيًا لازدهار التطرف العنيف في شمال البلاد، واستفادة الجماعات الإرهابية من خلال تجنيد المواطنين، والاقتراب من بوركينا فاسو لتوطيد وتعزيز التعاون عبر الحدود والهجمات مع الجماعات الأخرين في المنطقة. وعليه، أعلنت توجو حالة الطوارئ الأمنية في منطقة “سافانس” بشمال شرق البلاد في 13 يونيو 2022، ويتصاعد الخوف في مدينة دابونج أكبر مدن المنطقة، والتي تشهد أيضًا تدفقًا للنازحين الفارين من العنف في بوركينا فاسو، ومدد برلمان توجو حالة الطوارئ حتى مارس 2023.

مخرجات نوعية 

تعتبر مبادرة أكرا ركيزة أساسية من الناحية الاستراتيجية لبوركينافاسو نتيجة هدفها تأمين أربع مناطق حدودية على الأقل في البلاد. وكذا، من مصلحة الدول الساحلية أن تجعل من بوركينا فاسو جسرًا لا يمكن عبوره من قبل الجماعات الإرهابية، ويمكن توضيح أهم مخرجات القمة، كما يلي:

• تعزيز الإدارة المتكاملة للحدود: تعتبر نقطة أساسية في مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف، وأصبح تنفيذ مبادرة أكرا أولوية بسبب زيادة الهجمات في المناطق الشمالية من الدول الساحلية، وأُجريت عدة عمليات عسكرية عبر الحدود في إطار المبادرة بين عامي 2018 و2019، كانت عمليات “كودالجو” الثلاثة التي أسفرت عن اعتقال ما يقرب من 700 شخصًا وضبط أسلحة يدوية. كما تعمل وكالة إدارة الحدود في بنين على معالجة نقاط الضعف في المناطق الحدودية من خلال تنفيذ مشاريع تنموية، وفي مايو 2019، أنشأت توجو لجنة مشتركة بين الوزارات لمنع التطرف العنيف ومكافحته جزئيًا لتعزيز صمود المجتمعات المحلية، واعتمدت السلطات الوطنية في ساحل العاج بالتعاون مع الزعماء الدينيين مجموعة أدوات تعليمية كأداة تساعد على تتبع أنشطة التطرف العنيف وتعزز الممارسات الدينية السلمية. وخلال الفترة 2021-2024، تم تخصيص الاتحاد الأوروبي 135 مليون يورو لأمن واستقرار المناطق الشمالية من الدول الساحلية (ساحل العاج، وغانا، وتوجو، وبنين) لمراقبة الحدود، وتعزيز القدرات الاستخباراتية، ومنع النزاعات، وتعزيز البنية التحتية، وهذا يُمثل زيادة بنسبة تزيد عن 150٪ مقارنة بالفترة السابقة.

• ترتيب الأولويات والدعم المشترك: اتفقت الدول الأعضاء في المبادرة على أهمية التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المناطق الشمالية، حيث تُعاني هذه الدول من مشاكل التنمية المتعلقة بالزراعة والطاقة والبيئة، حيث التزام الشركاء الأوروبيون بدعم مبادرة أكرا، وتحديدًا فيما يتعلق بتمويل الدول المتضررة من التداعيات السلبية لظاهرة الإرهاب، وتعزيز قدرات قوات الاستطلاع بعيدة المدى، ومُعالجة الفجوات التنموية في المجتمعات الضعيفة من خلال عمل مبادرة محلية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية للتغلب على الأسباب الجذرية المتعلقة بنشاط الجماعات الإرهابية.

• تفعيل القوة المشتركة: أعلنت دول المبادرة عن نشر 2000 جنديًا من سبع جنسيات مختلفة خلال شهر واحد في إطار القوة المشتركة متعددة الجنسيات التابعة لمبادرة أكرا (MNJTF/ AI)لتعزيز مكافحة الإرهاب، تتكون من 10 آلاف جندي، وسيكون المقر الرئيسي للقوة في تامالي بشمال غانا وأجهزة المخابرات في واجادوجو عاصمة بوركينا فاسو، وستركز هذه القوة على الشراكة والدعم المتبادل بين الدول الأعضاء، فيما يتعلق بالعمليات المشتركة والتدريب وتبادل المعلومات الاستخباراتية، وقررت نيجيريا الالتزام بتعبئة الموارد والدعم الجوي واللوجستي لهذه القوة . فضلًا عن تأكيد رؤساء دول وحكومات الدول الأعضاء في المبادرة التزامهم بتعبئة الموارد المحلية اللازمة لتفعيل هذه القوة.

ختامًا، أصبح لزامًا على دول منطقة غرب أفريقيا التأكد من أن العمليات والتدابير الأمنية لا تؤثر سلبًا على سُبل عيش المواطنين، في ظل تفاقم المشاعر المناهضة للحكومات والتضامن مع الجماعات الإرهابية، وضرورة إدراج الخدمات الاجتماعية في الخطط الأمنية وخاصة في المناطق الحدودية، ومتابعة برامج شاملة لتعزيز مبادرات التدخل الاجتماعي في الدول الأعضاء، والمساعدة في معالجة فجوات التنمية في المجتمعات الضعيفة، ومكافحة الفوضى الأمنية وانتشار الجماعات الإرهابية، وبناء أنظمة دفاعية لردع التهديدات المشتركة، لضمان عدم عودة أعمال العنف إلى المربع الأول، وضمان استجابة متسقة تجمع بين النهج العسكري والتدخلات طويلة المدى لمعالجة أوجه القصور في الحوكمة في هذه المجتمعات، مع تعدد الترتيبات الأمنية في المنطقة مثل عملية نواكشوط، ولجنة خليج غينيا، واتحاد نهر مانو، وسلطة ليبتاكو جورما، ومجموعة الساحل الخمس (G5)، ومبادرة أكرا.

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/31837/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M