كورونا في الولايات المتحدة الامريكية: ازمة تلو ازمة

عبد الامير رويح

ازمة كبيرة تعيشها الولايات المتحدة الامريكية، في ظل استمرار التظاهرات الاحتجاجية على مقتل المواطن الأمريكي ذي الأصول الإفريقية جورج فلويد، والتي اسهمت وبحسب بعض المراقبين في ارتفاع عدد الإصابات بفيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) في العديد من الولايات الامريكية، والتي سجلت زيادة كبيرة في عدد إصابات اليومية. وهو ما اثار قلق ومخاوف العديد من الجهات التي دعت الى اعادة تشديد القيود وسط تحذيرات من عدم قدرة المستشفيات على استيعاب المرضى.

وقال حاكم ولاية “مينيسوتا” الأمريكية تيم فالز – حسبما ذكرت شبكة “سي إن إن” الأمريكية – إنه يتوقع زيادة الإصابات بفيروس كورونا بشكل كبير في ولايته مع استمرار تظاهر مجموعات كبيرة من المحتجين على ارتكاب انتهاكات بحق أصحاب البشرة السمراء. وقالت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي أن سجّل الولايات المتحدة في عدد الإصابات بالفيروس هو الأسوأ بين دول العالم. وشهدت الولايات في جنوب الولايات المتحدة وغربها ارتفاعاً في عدد الحالات بعد رفع قيود الإغلاق في الأسابيع الأخيرة.

ويرى بعض المراقبين ان الرئيس الامريكي دونالد ترامب الذي يسعى للفوز بولاية ثانية ومع تصاعد اعداد الاصابات الذي اقترب من 3 مليون اصابة، يمكن ان يواجه جملة من الازمات والمشكلات الجديدة التي قد تؤثر سلباً على نتائج الانتخابات القادمة، خصوصاً وانه يواجه ايضاً انتقادات متزايدة بخصوص تعامله مع ملف فايروس كورونا واستخفافه المتواصل بالإجراءات الصحية وعدم التزامه بشروط السلامة العامة و ارتداء أقنعة الوجه. يضاف تنظيم التجمعات انتخابية الضخمة والتي قد تسهم بتفشي فيروس كورونا في البلاد.

ورجّحت مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها إصابة نحو 20 مليون أمريكي بالفيروس. وقال مدير الهيئة الدكتور روبرت ريدفيلد إن معظم المصابين خاصة في الولايات الغربية والجنوبية هم من فئة الشباب وتترواح أعمارهم بين 18 و34 عاماً. وتأتي التطورات في الوقت الذي أعلن فيه البيت الأبيض أن الوضع في طريقه للاستقرار في معظم أنحاء البلاد.

100 ألف إصابة يومياً

وفي هذا الشأن قال كبير خبراء الأمراض المعدية في الولايات المتحدة، الدكتور أنتوني فاوتشي، لأعضاء الكونغرس إنه لن “يفاجأ” إن ارتفع عدد الإصابات الجديدة بفيروس كورونا في البلاد إلى 100 ألف حالة يومياً. وحذّر فاوتشي خلال الادلاء بشهادته أمام لجنة في الكونغرس من عدم التزام عدد كاف من الأميركيين بارتداء الكمامة وبالتباعد الاجتماعي. وقال:” واضح أننا لسنا مسيطرين الآن”، وإنّ نحو نصف إجمالي الإصابات الجديدة، مصدره أربع ولايات. وقصد بذلك ولايات تكساس، فلوريدا، أريزونا وكاليفورنيا وهي الولايات الأكثر تضرّراً حالياً.

وتخطى عدد الإصابات 40 ألفاً في يوم واحد، للمرة الرابعة خلال الأيام الماضية. ودفع ارتفاع عدد الإصابات خاصة في الولايات الجنوبية والغربية، 16 ولاية أخرى إلى وقف أو تغيير خطط رفع الإغلاق، بحسب قناة سي أن أن. وفرضت بعض الولايات تدابير جديدة بعد شهر على بداية عودة حياتها الاقتصادية. وأضاف حاكم ولاية نيويورك، أندرو كومو، عددا من الولايات التي يفترض على الوافدين منها عزل أنفسهم 14 يوماً. لتصبح القائمة مؤلفة من 16 ولاية، وهو ما يعني 48 في المئة من مجمل السكان الولايات المتحدة، بحسب صحيفة “يو أس آي توداي”.

وخلال جلسة استماع لجنة في الكونغرس حول جهود إعادة فتح المدارس والأعمال، انتقد دكتور فاوتشي بعض الولايات لعدم التزامها بالمعايير المطلوبة لرفع الإغلاق، وقال إن هذا سيؤدي إلى زيادة الإصابات.

وتوجّه للسيناتور إليزابت وارين قائلاً :”لا أستطيع أن أتوقع بدقة، لكن الأمر سيكون مثيرا للقلق للغاية، أؤكد لكِ ذلك”. وأضاف إنه في حال تفشي الوباء في جزء واحد من البلاد، تبقى الأجزاء الأخرى معرّضة للخطر وإن كان وضعها جيّداً الآن: “لا يمكننا التركيز فقط على تلك المناطق التي تشهد ارتفاعاً في عدد الحالات. هي تعرّض كامل البلاد للخطر”.

ودعا فاوتشي الحكومة الأميركية إلى انتاج الكمامات وتوزيعها مجاناً على الأميركيين، وأدان البعض الذي تجاهل تماماً تدابير التباعد الاجتماعي. وقال روبرت ريدفيلد ، مدير معاهد السيطرة على الأمراض والحماية منها (سي دي سي) للمشرعين خلال الادلاء بشهادته أيضاً، إن هناك ارتفاعا في عدد الإصابات التي تحتاج إلى العلاج في المستشفى في 12 ولاية، وإن أريزونا سجّلت نسبة مرتفعة في عدد الوفيات.

وأضاف ريدفيلد :”المرض يؤثر علينا جميعا، وسيتطلب وقفه العمل معاً جميعاً”. ودعا إلى تحمّل المسؤولية الشخصية لإبطاء انتشار الفيروس، وأبدى دعمه لتعميم فرض استخدام الكمامات. وقبل بدء الجلسة، ناشد السيناتور الجمهوري لامار ألكساندر، الرئيس دونالد ترامب ارتداء الكمامة، وهو الأمر الذي لم يقم به بعد في حدث عام. وقال حليف الرئيس: “للأسف، أصبحت هذه الممارسة البسيطة لإنقاذ الحياة جزءاً من الجدل السياسي”. وأضاف :”للرئيس الكثير من المعجبين الذي سيتبعون خطوته”.

وحذرت الدكتورة آن شوشات، نائب مدير “سي دي سي” في مقابلة مع دورية تصدر عن الجمعية الطبية الأميركية، من عدم اتباع الولايات المتحدة نموذج الدول الأخرى التي أظهرت نجاحاً في احتواء الفيروس. وأشارت إلى نيوزيلندا، سنغافورة وكوريا حيث يتم التعرف سريعا على الإصابة الجديدة ويجري تتبع جميع المتصلين بالحالة. وحيث يعزل المرضى والمعرضين للإصابة أنفسهم ويبقون الأمور تحت السيطرة. وقالت “لدينا انتشار واسع للفيروس في أنحاء البلاد، لذا إنه أمر محبط للغاية”.

وكانت نيوزيلندا قد أعلنت إنها خالية من العدوى في 8 يونيو/حزيران، وتعمل منذ ذلك الوقت على احتواء الحالات التي ظهرت بين المسافرين إليها. ولجأت جنوب كوريا بقوة إلى أجهزة التتبع، وسجّلت بدءا من الأول من شهر أبريل/نيسان أقل من مئة إصابة في اليوم. وفي سنغافورة، بلغ الانتشار ذروته في منتصف أبريل حين أعلن عن 1400 إصابة في يوم واحد. بينما سجّلت الولايات المتحدة في وقت سابق 2,682,897 حالة مؤكدة و129,544 وفاة، بحسب جامعة هوبكينز. وقالت الدكتورة شوشات :”إنها البداية فقط”. بحسب بي بي سي.

واستبعد الدكتور فاوتشي أن تطوّر الولايات المتحدة مناعة القطيع حتى بعد توفر اللقاح، والذي توقع فاوتشي سابقاً إنه لن يكون متوفراً قبل عام 2021. وقال إن هذا سببه أن اللقاح قد يكون فعالاً بشكل جزئي فقط، بالإضافة إلى رفضه من قبل عدد كبير من الأميركيين. ودعا إلى المزيد من التوعية لتعزيز الثقة باللقاحات:” هناك شعور عام مناهض للعلم وللسلطة وللّقاح لدى نسبة مخيفة من الناس في هذا البلاد”.

وأضاف أنه سيكون سعيداً بالحصول على لقاح فعّال بنسبة 70 إلى 75 في المئة. وبحسب موقع “سي دي سي”، يمكن اكتساب مناعة القطيع فقط عندما تكون نسبة كافية من السكان محصّنة ضد المرض المعدي، إما بسبب اللقاح أو بسبب إصابة سابقة بالمرض، ما يجعل انتقاله من شحص إلى آخر مستبعداً.

منعطف خطير

من جانب اخر قال حاكم ولاية تكساس الأمريكية غريغ ابوت إن انتشار فيروس كورونا سلك “منعطفا سريعا وخطيرا وجداً”. وأوضح أبوت أن عدد الإصابات تراوح ما بين “2000 و5000 في اليوم الواحد خلال الأسابيع الماضية”. وسجّلت ولايات غربية وجنوبية ارتفاعاً في عدد الإصابات بعد تخفيف قيود الإغلاق. ودفع ارتفاع عدد الإصابات المسؤولين في تكساس وفلوريدا إلى تشديد الاجراءات. وقال حاكم تكساس الأحد إن ما يقارب 5000 شخص يدخلون يومياً إلى المستشفى للعلاج.

وقال نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس إن تكساس ستوفر المزيد من أدوات اختبار كشف فيروس كوفيد-19. وأكد أن الإدارة الأمريكية تحرص أن تمد تكساس ونظام الرعاية الصحية فيها بالموارد والإمدادات والأفراد لمواجهة الفيروس. وحثّ نائب الرئيس سكان ولاية تكساس على ارتداء أقنعة الوجه في الأماكن التي تتطلب ذلك قائلاً: “نعلم من التجربة إنّ هذا سيبطئ من انتشار فيروس كورونا”.

وقالت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي في المؤتمر الصحفي المشترك مع أبوت إن فرض ارتداء قناع الوجه على صعيد البلاد “تأخر كثيراً”. وقوبل طلب ارتداء قناع الوجه في بعض الحالات مثلما حدث في تكساس باحتجاجات في الشارع من قبل رافضي هذا الإجراء. كذلك سجّلت ولاية أريزونا رقماً جديد غير مسبوق في عدد الإصابات خلال يوم واحد إذ تخطت الإصابات 3800 حالة. بحسب بي بي سي.

وفي إطار مكافحة زيادة انتشار الفيروس طلب حاكم تكساس من الحانات الإغلاق ومن المطاعم تخفيض عدد المقاعد في صالاتها إلى النصف. وأعاد حاكم فلوريدا رون ديسانتيس فرض القيود. وبلغ عدد الإصابات في أوروبا والولايات المتحدة نصف عدد الإصابات الإجمالي في العالم، لكن وتيرة الانتشار حالياً، تزيد سرعة في القارة الأمريكية.

التجمعات الانتخابية

في السياق ذاته وعلى عكس منافسه دونالد ترامب، أكد المرشح الديمقراطي للرئاسة الأمريكية جو بايدن أنه لن ينظم تجمعات انتخابية، وذلك بسبب تفشي فيروس كورونا في البلاد. وأعلن المرشح الديموقراطي للرئاسة الأميركية جو بايدن أنه لن ينظم تجمعات انتخابية بسبب جائحة كوفيد-19، ما يشكّل تباينا صارخًا مع منافسه الرئيس الجمهوري دونالد ترامب، الذي عقد بالفعل تجمعات كبيرة في إطار حملة إعادة انتخابه.

وقال نائب الرئيس السابق خلال جلسة أسئلة وأجوبة نادرة مع الصحافيين في ولاية ديلاوير لمناقشة موضوع الوباء وسبل تخفيف انتشاره: “برأيي أن هذه أكثر حملة غير اعتيادية في التاريخ الحديث”، مضيفاً: “سأتبع أوامر الأطباء، ليس من أجلي فقط بل من أجل البلاد، وهذا يعني أنني لن أنظم تجمعات”. وأوضح بايدن أنه لم يخضع بعد لفحص كورونا لأن أي أعراض لم تظهر عليه ولأنه “لا يريد أن يحل محل شخص آخر”. لكنه أكد أنه سيجري الفحص “قريباً”، خصوصاً وأنه بات يلتقي مزيداً من الناس ضمن اجتماعات عامة.

ويتعرض ترامب لانتقادات شديدة بعدما نظم تجمعاً في مدينة تولسا في أوكلاهوما جمع في العشرين من حزيران/ يونيو آلاف المشاركين في هذه الولاية الجنوبية التي يزداد فيها تفشي فيروس كورونا المستجد. ويهزأ ترامب وفريق حملته من بايدن لملازمته منزله في ولمينغتون من دون تنظيم أي تجمعات مباشرة بعد التوقف المفاجئ لحملته منتصف آذار/ مارس بسبب الوباء. ويشكك فريق ترامب في القدرات الذهنية لبايدن مؤكداً أنه “يختبىء” تحت الأرض حيث أقام ستوديو تلفزيونياً لتجنب أي مواجهة مباشرة. بحسب فرانس برس.

وعلق بايدن على ذلك قائلاً: “ليس عليكم سوى مراقبتي وأتطلع بفارغ الصبر إلى مقارنة قدراتي الذهنية مع القدرات الذهنية للرجل الذي أترشح في مواجهته”. وأكد أنه يعتزم المشاركة في المناظرات الثلاث المقررة ضد ترامب في الخريف، وقال “أتطلع إلى ذلك”. وأظهر استطلاع للرأي أن الديموقراطي جو بايدن يتقدم بفارق 14 نقطة على الرئيس الأميركي الجمهوري دونالد ترامب، وذلك قبل أشهر من الانتخبات الرئاسية المقرر إجراؤها في الثالث من تشرين الثاني/نوفمبر المقبل.

وذكر الاستطلاع الجديد أنّ بايدن حقق تقدما كبيرا بين النساء والأميركيين السود واللاتينيين. وقالت صحيفة نيويورك تايمز: أنه انتزع أيضا من ترامب أصوات الناخبين الذكور والبيض والأشخاص في منتصف العمر أو أكبر الذين يميلون عادة إلى التصويت للجمهوريين. وقالت الصحيفة المعروفة بانتقاداتها لترامب إن الرئيس الجمهوري يفقد الدعم بين شريحة واسعة من الناخبين بعد أن تخبطت إدارته في تعاملها على الوباء الذي شلّ الاقتصاد. ويبدو أن موقف ترامب المتشدد حول “القانون والنظام” خلال الاحتجاجات الوطنية بشأن الظلم العنصري ووحشية الشرطة ضد الأقليات بعد مقتل الأمريكي الأسود جورج فلويد كلّفه الكثير أيضا.

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M