كيف يمكن أن تؤثر الأزمة الأوكرانية على الأوضاع الإنسانية؟

رحمة حسن 

 

تتعدى ويلات الحروب حدود الأطماع السياسية والأجندات الدولية لتخلق أزمات إنسانية كفيلة بأن تحيل الصراعات إلى كوارث إنسانية لا تنعكس آثارها فقط على الدولة المستهدفة وإنما أيضًا على دول الجوار. ولعل أكبر أزمة إنسانية من الممكن أن يخلفها الصراع الروسي/ الأوكراني هي أزمة زيادة معدل تدفق اللاجئين وخاصة لدولة بولندا الحدودية مع أوكرانيا، وهي الدولة التي كثيرًا ما اتهمت بيلاروسيا بتصدير المهاجرين إلى حدود الدول الأعضاء واقترحت بناء جدار حدودي تبلغ كلفته 350 مليون يورو، واتهمتها منظمة العفو الدولية بتنفيذ عمليات الإعادة القسرية للاجئين القادمين من منطقة الصراع الأفغانية على حدود بيلاروسيا؛ فكيف يمكن لدولة بولندا الحدودية أن تقدم مزيدًا من الدعم للاجئين من أوكرانيا على خلفية النزاع، والدعم الدولي المتوقع من الأمم المتحدة وبعد الإعلان الفرنسي والأمريكي باستقبال اللاجئين، وكيف يمكن أن تلعب المواءمات السياسية دورًا في تلك الأزمات الإنسانية؟

الوضع الإنساني في أوكرانيا

من المتوقع أن تشهد أوكرانيا والواصل عدد سكانها إلى 44,13 مليون نسمة وفقًا لتقديرات البنك الدولي والتي تعاني من أزمات نزوح داخلية وانتشار عمال الإغاثة الإنسانية في الشرق الأوكراني مزيدًا من موجات النزوح والتي ستؤثر على الدول المحيطة وخاصة (بولندا والمجر ورومانيا ومولدوفا). فقد أدى الصراع الدائر على مدار 8 سنوات قبل الهجوم الروسي الأخير منذ عام 2014 في شمال شرق أوكرانيا بين القوات المدعومة من روسيا والقوات الحكومية الأوكرانية إلى عدة أزمات إنسانية، تمثلت في:

– الضحايا المدنيين: قُتل ما يقرب من (14-16) ألف شخص في الخط الفاصل البالغ طوله 427 كيلومترًا، بين القوات المدعومة من روسيا والقوات الحكومية الأوكرانية، فيما تنفي روسيا كافة التصريحات بشأن استهداف البنية التحتية خلال هذا الصراع وخاصةً التصريحات الهولندية بشأن إسقاط صاروخ بوك روسي في 2014 لطائرة ركاب ماليزية مدنية راح ضحيتها ما يقرب من 300 شخص، في هجوم زعموا أنه مرتبط بروس على صلة بوكالات استخبارات حكومية، إلى جانب القصف الذي نفذه الانفصاليون أثناء عملية الانسحاب في “إيلوفايسك” وراح ضحيته 368 جنديًا أوكرانيًا.

– السكان على خط التماس: يعاني المدنيون وفقًا للمتحدث باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في أوكرانيا من العيش في منطقة مليئة بالألغام، فتعد أوكرانيا من الدول الأكثر تلوثًا في العالم بوجود الذخائر غير المنفجرة (UXO) ومخلفات الحرب (ERW) بعد أفغانستان وسوريا، فوفقًا لحكومة أوكرانيا إن ما يقدر بنحو 2703 ميل مربع من منطقتي دونيتسك ولوهانسك ستتأثر بوجود تلك الذخائر، مما يجعل مما يسمى بالمناطق العازلة على جانبي خطوط التماس مصدر قلق خاص.

– المتضررين من الصراع: واجهت أوكرانيا أزمة إنسانية في منطقتي دونيتسك ولوهانسك الشرقية منذ عام 2014، على خلفية الصراع في المنطقة. فوفقًا لمنسق الإغاثة في حالات الطوارئ التابعة للأمم المتحدة فإن 3 ملايين شخص بحاجة إلى مساعدة إنسانية، على جانبي خط التماس، قامت الأمم المتحدة بتنسيق قوافل إنسانية بتسليم أكثر من 150 طنًا من المساعدات إلى الأشخاص الأكثر ضعفًا في المناطق التي لا تسيطر عليها الحكومة في إقليم دونباس، وذلك بحسب تصريحات مارتن جريفيثس وكيل الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية.

– اللاجئين من خارج أوكرانيا: يوجد في أوكرانيا لاجئون وطالبو لجوء من أكثر من 60 دولة مختلفة، بما في ذلك أفغانستان وسوريا والصومال ودول الاتحاد الروسي، متمثلين في “الأمهات العازبات والنساء المستضعفات والقصر غير المصحوبين بذويهم والأشخاص ذوي الإعاقة وآخرين”، وتوفر لهم أوكرانيا نوعين من الحماية وضع اللاجئ والحماية التكميلية.  ووصفت مفوضية الأمم المتحدة للاجئين وضعهم بالمتردي. وقد تقدم ما معدله 1500 شخص سنويًا بطلبات لجوء في أوكرانيا حتى بداية النزاع في عام 2014، ودخلوا البلاد بشكل غير قانوني عبر الحدود الشرقية مع الاتحاد الروسي، وانخفض الرقم بشكل حاد بعد بدء الصراع، وكذلك إغلاق الحدود وتعطيل العمل المرتبط بـ COVID-19، ووصل عدد اللاجئين إلى 2255 لاجئ خلال يناير 2021.

– النزوح الداخلي: تعاني أوكرانيا بالفعل من موجات من النازحين داخليًا وهي حقيقة مهمة وجديدة نسبيًا في أوكرانيا، ظهرت عقب النزاع في إقليم دونباس منذ عام 2014، ففر النازحون من منازلهم بحثًا عن الأمان دون عبور الحدود الدولية ويظل النازحون داخليًا قانونيًا تحت حماية حكومتهم، فأبلغت حكومة أوكرانيا مفوضية الامم المتحدة لشؤون اللاجئين عن وجود حوالي 1.5 مليون نازح داخلي حتى عام 2021، فكان هناك 1.47 مليون نازح داخليًا مسجلين من قبل وزارة السياسة الاجتماعية الأوكرانية. وجاءت أوكرانيا ضمن أكبر دول تشهد نزوحًا داخليًا على مستوى العالم، وشهد شرق أوكرانيا وحده أكبر تجمع للنازحين داخليًا بنحو 54%، وهي منطقة بؤرة الصراع؛ ففي المناطق المحلية الكبرى في منطقة دونيتسك (35%) ومنطقة لوهانسك (19%)، حيث انتقل العديد من النازحين من المنطقتين من أماكن لا تسيطر عليها الحكومة (NGCAs) إلى مناطق ذات سيطرة حكومية GCAs في تلك المناطق، بينما انتقل آخرون إلى وسط أوكرانيا، وانتقل عدد أقل إلى المناطق الغربية، وموزعة على الخريطة التالية.

– إجلاء رعايا الدول: مع اشتعال الصراع في الداخل الأوكراني واعتبارها مسرح عمليات للحرب بالوكالة بين الدول الكبرى، ومع تصاعد المخاوف من تفاقم الأوضاع اتخذت الدول عدة إجراءات لإجلاء رعاياها عبر فتح ممرات آمنة والاتفاق مع الدول الحدودية مع غلق المجال الجوي الأوكراني.

– اللاجئين على الحدود الدولية: منذ الهجوم الذي بدأ في 24 فبراير الماضي، والذي أعقب اعتراف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بجمهوريتي دونيتسك ولوهانسك ونشر قوات روسية لحفظ السلام في المنطقة، عبر  أكثر من 150 ألف لاجئ أوكراني إلى البلدان المجاورة، نصفهم إلى بولندا، والكثير منهم إلى المجر، ومولدوفا، ورومانيا وخارجها، وفقًا لآخر بيان معلن من فيليبو جراندي المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR. وتتوقع المفوضية وصول تلك الأعداد إلى نحو 4 مليون نازح، فيما نشرت وسائل الإعلام تصريحات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين يوم الأحد إن أكثر من 360 ألف شخص فروا من أوكرانيا في الأيام الثلاثة منذ أن بدأت روسيا غزوها.

وسط تضارب في الأرقام المعلنة، منذ بداية الصراع الحالي، فقد أعلن في البداية عن هجرة نحو 368 ألفا إلى الدول المجاورة، فيما أفادت السفارة البولندية في فرنسا نحو عبور 187 ألف شخص الحدود إلى بلادهم منذ بدء العمليات العسكرية الروسية، وعبور قرابة 63 ألف شخص وفقًا للشرطة المجرية.

مواقف دولية من الصراع الإنساني:

أدى الصراع الدائر في أوكرانيا إلى تدفق حدودي قد ينذر بتكرار أزمة الهجرة عام 2015، حيث تقدم 1.3 مليون مهاجر من الصراع في الشرق الأوسط وأفريقيا بطلب لجوء، ولكن الأمر مختلف مع أوكرانيا والتي تسمح الدول الأوروبية لمواطنيها بالعبور دون الحاجة لتأشيرة لدخول منطقة شنجن وهو ما ينطبق على دول “بولندا وسلوفاكيا والمجر” المجاورين لأوكرانيا.

وصرحت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أن الاتحاد الأوروبي يستعد “لاستقبال واستضافة” اللاجئين الأوكرانيين المحتملين بالتنسيق مع الدول الأعضاء في خط المواجهة؛ وربما يعود تغير الموقف الأوروبي إلى الموقع الجيوسياسي والإجراءات السياسية التي تنتهجها الدول الأوروبية؛ فما هي الإجراءات التي اتخذتها الدول المجاورة منذ اندلاع الأزمة عام 2014:

– فرنسا: بصفتها رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي، أعلنت عن سياسات تخص الاتحاد من خلال تفعيل توجيه “الحماية المؤقتة” لعام 2001 للكتلة للتعامل مع ملايين اللاجئين الأوكرانيين الذين يتوقعهم الاتحاد الأوروبي في الأسابيع المقبلة؛ وفقًا لإعلان وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانين عقب الاجتماع غير العادي في بروكسل، والذي سيتم اقتراحه خلال اجتماع وزراء الداخلية ووزراء العدل في الاتحاد الأوروبي في 3 مارس، وينص على الحماية والتوزيع في حالة التدفق الجماعي للنازحين من مناطق النزاع المسلح، ويستند إلى رغبة الدولة المضيفة التي تمنحهم تصريح إقامة ساري المفعول لمدة عام على الأقل مصحوب بالحق في العمل والحصول على السكن والحصول على المساعدة الاجتماعية والمالية والرعاية الطبية، وقررت فرنسا أيضًا التفعيل الكامل لآلية الاتحاد الأوروبي المتكاملة للاستجابة للأزمات السياسية (IPCR) لمراقبة الوضع وتنسيق تدابير التضامن.

– ألمانيا: وضعت ألمانيا سيناريو للتعامل مع الأزمة، وفقًا لتصريحات وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر متمثلة في دعم دول الجوار الأوكراني وعلى رأسها الجارة البولندية قبل استقبال النازحين، خاصةً في ظل التحرك للأوكرانيين بدون تأشيرة داخل الاتحاد الأوروبي.

–  روسيا: شهدت روسيا أكبر معدلات طلب لجوء عقب تفاقم النزاع في منطقتي دونيتسك ولوهانسك عام 2014 بمعدل 300 طلب يوميًا ما بين لجوء مؤقت ووضع لاجئ إلى سانت بطرسبرج بحسب “مفوضية الأمم المتحدة للاجئين“، وخصصت موسكو مساعدات مالية لدعم طلبات اللاجئين، فمنحت وضع اللجوء لنحو 90% من الأوكرانيين الذين تقدموا بطلبات خلال عام 2014، وتلاها ألمانيا وبولندا وإيطاليا وفرنسا.

ووفقًا لبيانات منظمة “المساعدة المدنية الروسية” غير الحكومية لمساعدة اللاجئين والمهاجرين، استقبلت روسيا حوالي 60 ألف لاجئ، ورحب الشعب الروسي بالمهاجرين الأوكرانيين، وقدمت حكومة روسيا الفيدرالية تسهيلات متعلقة بتبسيط إجراءات اللجوء، وإصدار تصاريح العمل بدون حصص، وإدماج الأطفال في المدارس.

ويعود ذلك إلى وجود تعليمات صريحة من الكرملين عقب اندلاع الحرب للفرار إلى روسيا، حيث تمثل نسبة من المواطنين الروس في منطقتي دونيتسك حيث يمثل الروس 38.2% مقابل 56.8% أوكران من عدد السكان المقدر بنحو 7 ملايين نسمة، وتتوزع القوميات الأخرى بين التترية والأرمنية وغيرها، وتنتشر اللغة الروسية كلغة رسمية بهما، أما في منطقة لوهانسك فوفقًا لإحصاء عام 2014 بلع عدد سكانه نحو 2.2 مليون نسمة، 39% منهم من القومية الروسية ويشكل فيه الأوكرانيون نحو 57.9%، وتتمثل النسبة الباقية في قوميات مثل “المنتسبين إلى روسيا البيضاء والتتار والأرمن والأذريين والمولدافيين.”

وترى روسيا أن المقاطعتين جزء من حدودها، ولعل خطاب الرئيس الروسي بوتين الأخير حول نقد “لينين” صاحب فكرة نقل التبعية الإدارية إلى أوكرانيا، بمثابة محاولة لإعادة تشكيل الحدود الجغرافية وفقًا للعقيدة التاريخية الروسية واستعادة حدود الاتحاد السوفيتي.

– بولندا: من المتوقع أن تشهد أعلى نسبة لجوء لقربها الحدودي مع أوكرانيا، وتوجد حاليًا تسعة نقاط استقبال على طول كل معبر حدودي، متوافر بها المساعدات الغذائية والطبية ومعلومات اللجوء مع توافر وسائل انتقالات،  وقالت السلطات البولندية إن البلاد استقبلت ما يقرب من 100 ألف أوكراني منذ بدء الحرب، وأن 90% منهم يقصدون البلاد للجوء في أماكن محددة من خلال منازل أقارب وأصدقاء، بينما 10% فقط يقصدون مراكز الاستقبال الحدودية، ويوجد في بولندا  1,5 مليون أوكراني يقيمون على أراضيها قبل بدء العمليات العسكرية في أوكرانيا، وذلك وفقًا لرئيس وحدة حرس الحدود البولندي توماش براجا.

وعلى النقيض يعاني المهاجرون وطالبو اللجوء من الفارين من الوضع الأمني المتردي من أفغانستان وسوريا والعراق من حالة إنسانية متردية على الحدود البولندية البيلاروسية، والتي تتهم فيها حكومة بولندا بيلاروسيا بتهجير قسري لطالبي اللجوء عبر أراضيها، أو حتى الوصول للأراضي الألمانية، فيما تنفي مينسك ذلك، في وضع وصفته “دويتش فيله” بأنه جوانتانامو جديد.

ويعود هذا الاضطراب إلى الخلافات السياسية بين دولتي بولندا المنتمية لحلف الناتو، وبيلاروسيا الحليف الروسي، وتبادل الاتهامات بين الطرفين باستخدام العنف على الحدود، وظل الاتحاد الأوروبي على مدى أشهر، إضافة إلى حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة الآن، يتهم زعيم بيلاروسيا، ألكسندر لوكاشينكو، بإثارة أزمة جديدة للاجئين في أوروبا، واتهمته المفوضية الأوروبية بإغراء المهاجرين بوعد كاذب بالدخول بسهولة إلى الاتحاد الأوروبي، كجزء من “نهج غير إنساني على غرار العصابات”.

واقترحت بولندا مشروع قانون بناء جدار على الحدود لإبعاد المهاجرين ومنع أي شخص الاقتراب من مسافة 200 م من الجدار الحدودي، وعززت ألمانيا الوجود الشرطي عبر الحدود مع بولندا، وسط نفي لوكاشينكو الاتهامات بدعوة المهاجرين إلى الدخول، ثم إرسالهم إلى حدود بلاده مع بولندا، وليتوانيا، ولاتفيا انتقامًا من عقوبات الاتحاد الأوروبي؛ مما يعمق من الاتهامات المتبادلة بين الطرفين لارتكاب جرائم ضد الإنسانية ويعاقب عليها القانون الدولي متمثلة في عمليات التهجير القسري، وتهديد الأمن القومي للدول المجاورة.

– المجر: اتخذت المجر منحىً مختلفًا مع اللاجئين الأوكرانيين فقد تعهدت بفتح حدودها أمام الفارين من أوكرانيا، فيما كانت قد أصدرت في السابق مع أزمة اللاجئين التي تعرضت لها أوروبا عام 2015، قوانين تجرم دعم طالبي اللجوء وتحد من حقهم في اللجوء وسمحت للشرطة بطرد أي مهاجرين غير مصرح لهم تلقائيًا. مع صعود الأحزاب الشعبوية المناهضة للهجرة والمتشككة في أوروبا واليمين المتطرف في جميع أنحاء أوروبا؛ فصرح رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، الذي سبق أن وصف المهاجرين الذين يصلون إلى أوروبا بأنهم “سم” “نحن على استعداد لرعايتهم، وسنكون قادرين على مواجهة التحدي بسرعة وكفاءة”.

–  رومانيا: أقامت مجموعات إنسانية خيامًا على الحدود لتقديم المساعدات الأساسية، ووجود لجنة ترحيب مؤقتة مكونة من السلطات الرومانية والمنظمات غير الحكومية والجماعات الكنسية والمواطنين العاديين لمقابلة اللاجئين الأوكرانيين، ويتخذ الأوكرانيون من رومانيا معبرًا لوجهات أخرى نهائية مثل “ليتوانيا وألمانيا وبولندا وإيطاليا”.

– سلوفاكيا: أعلنت أن الوضع في البلاد “استثنائي”، بما يسمح للحكومة اتخاذ إجراءات حماية مدنية خاصة بشكل سريع، دون أن تضطر أولًا إلى إحالة القضية إلى البرلمان، وعرضت التشيك بوصفها غير مشتركة حدوديًا مع أوكرانيا نشر قوات الشرطة التابعة لها على الحدود الشرقية لسلوفاكيا للمساعدة في إدارة تدفق المهاجرين.

– اليونان: تعهدت بتقديم الدعم والمساعدات التقنية والإنسانية للمواطنين الأوكرانيين في الدول جوار أوكرانيا، بعد أن تقدمت باقتراحات لاستضافة اللاجئين الأوكرانيين، وكانت اليونان نقطة دخول آلاف الهاربين من الاضطرابات في سوريا وافغانستان، وواجهت انتقادات شديدة في عمليات صد موثقة بشدة لطالبي اللجوء من حدودها البرية والبحرية.

– صربيا: أعربت عن استعدادها لقبول اللاجئين، ووفقًا لقدراتها سترسل مساعدات إنسانية وطبية إلى أوكرانيا، وفق تصريحات وزير الشؤون الخارجية نيكولا سيلاكوفيتش، وصرح الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش إنها “تدعم وحدة أراضي أوكرانيا” ومستعدة للمساعدة في أي جهود إنسانية.

– ألبانيا: رحبت باستقبال اللاجئين، وقال رئيس الوزراء الألباني إيدي راما “سنرحب بالناس وأفراد الأسرة والذين يغادرون أو يغادرون أوكرانيا”.

– كرواتيا: فتحت أبوابها أمام استقبال اللاجئين الأوكرانيين، وأفادت وسائل إعلامية أن الصليب الأحمر الكرواتي وسلطات أخرى بصدد وضع خطط لاستضافة اللاجئين القادمين في زغرب وأوسيك.

كيف يمكن أن تساعد الأمم المتحدة الولايات المتحدة في أزمة اللاجئين في أوروبا؟

ينعكس الموقف الأمريكي السياسي على التنسيق في الأوضاع الإنسانية وخاصةً في أوروبا الوسطى وفقًا لموقعها الجيوسياسي ولكونها ستكون بؤرة أزمة اللاجئين الأوكرانيين من حيث إظهار الدعم ومحاولة تعميق شكل الأزمة الحالية، وتمثل موقفها وفقًا لتصريحات المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية بأن الولايات المتحدة تنسق مع حكومة أوكرانيا والحلفاء الأوروبيين والمنظمات الدولية وغير الحكومية بشأن التخطيط للطوارئ وجهود التأهب، والانخراط دبلوماسيًا لضمان إبقاء البلدان المجاورة على حدودها مفتوحة لمن يسعون إلى الحصول على الحماية الدولية، مع الوعد بالتخطيط لزيادة الدعم الإنساني الأمريكي المستمر في أوكرانيا” ردًا على ما أسماه العدوان الروسي، دون توضيح شكل هذا الدعم.

يمكن للولايات المتحدة أن تدعم الاستجابة الإنسانية، فلا يمكن أن تقع مسؤولية دعم اللاجئين وطالبي اللجوء في أوروبا بشكل مباشر أو حصري على عاتق الأوروبيين”، ويجب أن تظهر الولايات المتحدة دعمها وتضامنها، فيمكن أن يعمل الكونجرس أيضًا على تمرير مشروع قانون تكميلي طارئ من شأنه أن يوفر مزيدًا من الموارد لسفارات الولايات المتحدة في البلدان المتضررة، وكذا توجد بعض الإجراءات المتمثلة في زيادة أعداد الأوروبيين في برنامج قبول اللاجئين في الولايات المتحدة، وهي تصدر بقرار تنفيذي من الرئيس بايدن، في ظل محدودية قدرات برنامج اللاجئين الأمريكي في الخارج بسبب عمليات الإغلاق من ناحية وخفضه في إدارة ترامب، وتفعيل برامج الحماية للأوكرانيين الذين وصلوا بالفعل إلى الولايات المتحدة؛ فوفقًا لمعهد سياسة الهجرة، هناك ما يقدر بنحو 30000 أوكراني يعيشون بالفعل في الولايات المتحدة ممن لا يحملون الجنسية الأمريكية من الوضع الدائم.

ولكن هل ستسمح إدارة بايدن في إطار الإفراج المشروط لأسباب إنسانية للأوكرانيين إثر الوضع الإنساني المعلن بالدخول للولايات المتحدة والبقاء فيها دون تأشيرة؟ أم ستقتصر المساعدات على تقديم الدعم الفني والمادي للدول المستقبلة فقط؟

وعلى الصعيد الأممي، عزمت الأمم المتحدة تقديم المساعدة من خلال المنظمات الدولية التابعة له لمجابهة الأبعاد الإنسانية المتعددة للنزاع وتمثلت في التالي:

– الاستجابة الطارئة للمجال الإنساني: فقد عد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش ما حدث انتهاكًا لميثاق الأمم المتحدة، واستمرار تكثيف الامم المتحدة لعملياتها الإنسانية في أوكرانيا والتي بدأتها منذ عام 2014، وأعلن “تخصيص 20 مليون دولار من الصندوق المركزي للاستجابة للطوارئ لتلبية الاحتياجات العاجلة”، على أن يقدم العاملون في المجال الإنساني الإغاثة الإنسانية المنقذة للحياة للأشخاص المحتاجين “بغض النظر عن مكان وجودهم”.

وستطلق الأمم المتحدة نداءين طارئين لتلبية الاحتياجات الإنسانية المتصاعدة في أوكرانيا وبطلب من الأمين العام ورئيس أوكرانيا “فلوديمير زيلينسكي”، ومنها زيادة النزوح الداخلي، واحتياجات الأشخاص الذين يلتمسون اللجوء في البلدان المجاورة لأوكرانيا.”، ومطالبة الجهات المانحة بحشد الموارد المالية لمساعدة اللاجئين، وتضمين الحل في تسهيل عمل موظفي الإغاثة الإنسانية وتنقلهم.

– حماية المدنيين وحماية حقوق الإنسان: التأكيد على أن “حماية المدنيين يجب أن تكون الأولوية رقم واحد”، والدعوة لضرورة التمسك بالقانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان؛ فقد أصدرت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشليت بيانًا أوضحت أن ما حدث هو تهجير قسري نتج من هروب العديد من منازلهم خوفًا من العملية العسكرية، وبالتالي اعتباره انتهاكًا للقانون الدولي ولا سيما اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 وبروتوكولها الإضافي الأول لعام 1977 إلى جانب القانون الدولي لحقوق الإنسان، وخاصةً أن التقارير الإعلامية أشارت بضرب عسكري بالقرب من المدن الرئيسة ذات الكثافة السكانية العالية مثل “خاركيف وكراماتورسك وأوديسا وماريوبول وكييف”.

– حماية التراث الإنساني: دعت منظمة اليونسكو إلى احترام اتفاقية لاهاي لعام 1954 لحماية الممتلكات الثقافية في حالة النزاع المسلح وبروتوكوليها، والالتزام بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2222 بشأن حماية الصحفيين والإعلاميين والأفراد المرتبطين بهم في حالات النزاع، لتعزيز وسائل الإعلام الحرة والمستقلة والنزيهة كأحد الأسس الأساسية لمجتمع ديمقراطي، والتي يمكن أن تسهم في حماية المدنيين، ودعت إلى ضبط النفس ضد الهجمات أو الإضرار بالأطفال أو المعلمين أو العاملين في مجال التعليم أو المدارس، ودعم الحق في التعليم”.

– حماية الأطفال: دعت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) جميع الأطراف إلى احترام التزاماتها الدولية لحماية الأطفال من الأذى، وضمان وصول العاملين في المجال الإنساني بأمان وبسرعة إلى الأطفال المحتاجين، والامتناع عن مهاجمة البنية التحتية الأساسية التي يعتمد عليها الأطفال.

– الأمن الغذائي: أعرب برنامج الأغذية العالمي عن قلقه العميق “من تأثير الأعمال العدائية على حياة وسبل عيش المدنيين”، وقالت مارجوت فان دير فيلدين مديرة الطوارئ في برنامج الأغذية العالمي، “مع تطور الوضع، هناك حاجة إلى ضمان استمرار وصول المجتمعات المتضررة إلى أي دعم إنساني قد تحتاجه وضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني على الأرض”.

– الوضع في تشيرنوبل: لفتت الوكالة الدولية للطاقة الذرية الانتباه إلى محطة تشيرنوبيل للطاقة النووية، قائلة إن “أوكرانيا قد أبلغت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن” قوات مسلحة مجهولة الهوية “قد سيطرت على جميع مرافق المؤسسة الحكومية المتخصصة تشيرنوبل والواقعة داخل المنطقة المحظورة. وأضافت أنه لم تقع إصابات أو دمار بالموقع الصناعي، وقال المدير العام رافائيل ماريانو غروسي في بيان “من الأهمية بمكان ألا تتأثر العمليات الآمنة والآمنة للمنشآت النووية في تلك المنطقة أو تتعطل بأي شكل من الأشكال”، هذا إلى جانب إعلان بوتين التأهب لاستخدام الردع النووي.

سيناريو تدهور الوضع الإنساني

  • من المتوقع أن يؤدي النزاع الحالي إلى طول أمد برامج الاستدامة التي تهدف إلى إعادة اندماج النازحين والمهاجرين محليًا أو عودتهم لمنازلهم، أو الانتقال لموقع آخر، ومع تزايد التوترات السياسية والعسكرية والعرقية فسيتجه المجتمع الأوكراني نحو مزيد من الانقسامات، وسيتطلب تعزيز النطاق المالي للاستجابة الإنسانية الطارئة من تقديم خدمات غذائية وصحية ودعم بنية تحتية في مناطق النزاع والمناطق الحدودية والذي كان يبلغ نحو 168 مليون دولار/سنويًا، والتي قد تصل ملياري دولار خلال الأشهر الثلاثة القادمة.
  • يتطلب الوضع الحالي زيادة برامج دعم الحكومات الأوروبية المستقبلة للاجئين الأوكرانيين، ومع استمرار القتال سيحيل تقديم أرقام صحيحة للمساعدات الإنسانية المطلوبة والتي ظهرت في تضارب تصريحات وتوقعات مفوضية الأمم المتحدة للاجئين بأن يصل أعداد النازحين من (4-7) مليون نازح، لتؤثر تكلفة الحرب على 18 مليون مواطن أوكراني داخل الحدود أو خارجها.
  • يواجه الأوكرانيون حالة نزوح طويلة الأجل، وبالتالي تتجاوز احتياجاتهم الإمدادات المؤقتة من الاحتياجات الأساسية التي يمكن أن تحافظ على قوتهم خلال الطقس البارد. وبالتالي فهم بحاجة إلى مسارات رسمية للحصول على الوضع القانوني، والوصول إلى خدمات إعادة التوطين، والسكن الدائم، والتعليم، والرعاية الصحية، وخاصة التطعيم ضد Covid-19، حيث تم تطعيم حوالي 36% فقط من الأوكرانيين.
  • قد تؤدي زيادة أعداد النازحين إلى ازدهار أحزاب اليمين المتطرف، وهو ما حدث في أزمة المهاجرين من صراعات الشرق الاوسط عام 2015، خاصةً في دول “ألمانيا والنمسا وفرنسا”، ويمكن اعتبارها أحد أهم أسباب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي “بريكست Brexit” وفقًا لاستفتاء 2016، واحتلت قضية اللاجئين مساحة في أجندة الناخبين، وهو ما يختلف جزئيًا مع التشابه الثقافي للمجتمع الأوكراني والمجتمعات المضيفة مما يقلل من حدة تلك الأزمة، ولكنها ستحتاج لسياسات دعائية كما حدث من وزيرة الخارجية الالمانية بتصوير الحرب بأنها ضد أوروبا لضمان عدم انقسام داخل تحالف دول الناتو، وسياسات إدماج قد تمثل ضغطًا اقتصاديًا على الدول المستقبلة.
  • تزيد أزمات المهاجرين منذ 2015 من اضطرابات الأمن القومي للدول وهو ما يعكس تصريح نائب وزير الشؤون الداخلية والإدارة البولندي بأنه يجب الموازنة بين “ضمان أمننا القومي، وضمان أفضل الظروف للمواطنين الأوكرانيين الذين سيبحثون عن ملجأ في بولندا من الحرب.”
  • العمل العسكري من المرجح أن يتسبب في تدهور اقتصادي حول العالم خاصة لدول مثل اليمن التي تعتمد على واردات القمح من أوكرانيا وروسيا، وهو ما سيؤثر على ارتفاع الأسعار كذلك، خاصة وأنه وفقًا لبيانات الأمم المتحدة فإن 50% من القمح الذي يستخدمه برنامج الغذاء العالمي يأتي من أوكرانيا وحدها.
  • مع تزايد الاضطرابات السياسية وتغير مشهد التحالفات الدولية؛ فتزايد الأخبار غير الدقيقة حول الأعداد وأوضاع اللاجئين لشحذ الغضب الدولي وذريعة لاتخاذ إجراءات عقابية جديدة من الغرب ضد روسيا وبيلاروسيا.
  • تعميق مشاعر العداء قد يزيد من احتمالية التحول لحرب أهلية في أوكرانيا مع مطالبة الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي للشعوب الأوروبية الوقوف ضد ما أسماه مجرمي الحرب الروس ضد  الديمقراطية والقانون الدولي وحقوق الإنسان وضد أوروبا والهياكل الأوروبية، وأعلن عبر موقع الرئاسة الأوكرانية وفقًا لصحيفة “الجارديان” فتح باب لتشكيل فيلق أجنبي من المتطوعين الدوليين وفقًا للمرسوم الصادر عام 2016، ودعم  وزيرة الخارجية البريطانية ليز تروس في حديثها مع “بي بي سي” مواطني بريطانيا الراغبين في الذهاب إلى أوكرانيا للانضمام إلى تلك القوة الدولية لقتال ما اسمته “حرب ضد الديمقراطية”. مع انتشار ما يُعرف إعلاميًا بحرب الشوارع في بعض المدن فوفقًا لتصريحات الحاكم المحلي لمدينة خاركيف الأوكرانية أوله سينجوبوف، إن القوات الأوكرانية تقاتل القوات الروسية في شوارع المدينة الواقعة في شمال شرق أوكرانيا، إلى جانب صور المواطنين الأوكرانيين وهم يعدون زجاجات المولوتوف في زجاجات بلاستيكية ويتعلمون كيفية استخدام الأسلحة الخفيفة كدفاعاتهم الوحيدة؛ مما قد يعمق من الأزمة الإنسانية ويعيق وصول المساعدات الإنسانية إلى أماكن تجمع النازحين داخليًا، وخلق أماكن نزاعات جديدة.
  • انحسار غالبية المهاجرين في النساء والأطفال وكبار السن بعد أن منع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الرجال في سن التجنيد من 18 إلى 60 من المغادرة.
  • صعوبة مراقبة الاوضاع الحدودية في منع تدفق النازحين من عدة دول، خاصة في ظل الاضطرابات الحدودية في أماكن النزاع والحدود الدولية بين بولندا وبيلاروسيا.

يضعنا الوضع الإنساني أمام مزيد من تكاليف الحرب التي تتصاعد على عدة مستويات بدءًا من أزمات اللاجئين إلى الأمن الغذائي وحقوق الإنسان، ويبقى التساؤل حول ازدواجية المعايير في التعامل مع تلك الأزمات في المناطق النامية والدول الأوروبية في إطار تحقيق مكاسب سياسية على حساب الجانب الإنساني، ولكن هل سيستطيع هذا الجانب الإنساني أن يفتح باب التفاوض بين الجناح الروسي والغربي حول فتح الممرات الآمنة وسهولة انتقال المواطنين، أم أنها ستكون بمثابة اعتراف روسي بإلحاق أضرار مدنية قد تزيد من فرض العقوبات عليه؟

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/67793/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M