لماذا ترتفع درجات الحرارة ويزداد الجفاف في أوربا؟

أكد تقرير مشترك صادر عن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية وعلماء من الاتحاد الأوروبي أن أوروبا شهدت أكثر فصول الصيف حرارة على الإطلاق العام الماضي مما أودى بحياة الكثيرين، مشيرا إلى أن ارتفاع الحرارة على هذا النحو ربما يصبح أمرا عاديا.

وذكر التقرير المناخي أن أوروبا تشهد أسرع وتيرة لارتفاع درجات الحرارة على كوكب الأرض إذ أنها زادت بما يعادل مثلي زيادة متوسط درجات الحرارة عالميا منذ الثمانينات.

وجاء في التقرير أن موجات الحر الشديد أدت إلى 16 ألف وفاة إضافية العام الماضي في أوروبا.

وقال كارلو بوانتمبو مدير خدمة كوبرنيكوس لمراقبة تغير المناخ التابعة للاتحاد الأوروبي “للأسف لا يمكن اعتبار أنها المرة الوحيدة” التي سنشهد فيها مثل هذه الموجة من الحر الشديد.

وأضاف “وفقا لفهمنا الحالي لنظام المناخ وتطوره، فإن مثل هذه الأحداث جزء من نمط سيجعل حالات الإجهاد الحراري الشديدة أكثر تكرارا وشدة في جميع أنحاء المنطقة”.

كما حذر العلماء من أن العالم سيشهد في المستقبل ارتفاعات قياسية في درجات الحرارة بسبب الاحتباس الحراري الناتج عن التغير المناخي إلى جانب الاقتراب أكثر من ظاهرة النينيو.

وقال العلماء إن السبب وراء كون أوروبا أكثر القارات ارتفاعا في درجات الحرارة يعود إلى حقيقة أن جزءا كبيرا منها يقع في القطب الشمالي وجنوبي القطب الشمالي مباشرة، وهما أكثر منطقتين تشهدان تسارعا لوتيرة ارتفاع درجات الحرارة على الأرض، فضلا عن الآثار الناتجة عن التغير المناخي.

أسرع القارات احترارا

يتسبب تغير المناخ في وقوع خسائر بشرية واقتصادية وبيئية كبيرة في أوروبا، وهي أسرع قارات العالم احتراراً. وتميز عام 2022 بالحرارة الشديدة والجفاف وحرائق الغابات. فقد وصلت درجات حرارة سطح البحر في جميع أنحاء أوروبا إلى مستويات قياسية جديدة، مصحوبة بموجات حر بحرية. وشهدت الأنهار الجليدية معدلات ذوبان غير مسبوقة.

ويبين التقرير كيف أن أوروبا ما برحت تتعرض لاحترار يساوي ضعفي المتوسط العالمي منذ ثمانينيات القرن العشرين، وخلف ذلك تأثيرات بعيدة المدى على النسيج الاجتماعي والاقتصادي والنظم الإيكولوجية في الإقليم. وفي عام 2022، سجلت أوروبا درجة حرارة أعلى بحوالي 2.3 درجة مئوية من متوسط ما قبل الحقبة الصناعية (1900‑1850) المستخدم كخط أساس لاتفاق باريس بشأن تغير المناخ.

ولكن في بادرة تحمل بشائر الأمل في المستقبل، ولدت الطاقة المتجددة كمية من الكهرباء تجاوزت ما يولده الغاز الأحفوري الملوِث وذلك لأول مرة في العام الماضي. وولدت طاقة الرياح والطاقة الشمسية 22.3 في المائة من الكهرباء في الاتحاد الأوروبي في عام 2022، متجاوزة بذلك ما يولده الغاز الأحفوري (20 في المائة).

وقال الأمين العام للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO)، البروفيسور بيتيري تالاس: “لأول مرة، تم توليد كمية من الكهرباء بواسطة الرياح والطاقة الشمسية أكثر مما ينتجه الغاز الأحفوري في الاتحاد الأوروبي. وتكتسي زيادة استخدام مصادر الطاقة المتجددة ومصادر الطاقة الخفيضة الكربون أهمية بالغة لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري”. وأضاف: “إن الخدمات المناخية تؤدي دوراً رئيسياً في ضمان قدرة نظم الطاقة على الصمود في مواجهة الصدمات المرتبطة بالمناخ، وفي إثراء التدابير الرامية إلى زيادة كفاءة الطاقة”.

ويركز التقرير تركيزاً خاصاً على الطاقة ويسلط الضوء على الآثار المتزايدة التي خلفتها أشد ظواهر الطقس تطرفاً، بما في ذلك الحرارة الشديدة وهطول الأمطار الغزيرة والجفاف، على العرض والطلب والبنية التحتية لنظام الطاقة في أوروبا.

وقال الدكتور Carlo Buontempo، مدير خدمة كوبرنيكوس لمراقبة تغير المناخ: “إن الإجهاد الحراري القياسي الذي عانى منه الأوروبيون في عام 2022 هو أحد الدوافع الرئيسية للزيادة الكبيرة في حالات الوفاة المرتبطة بالطقس في أوروبا. وللأسف، لا يمكن اعتبار هذه الظاهرة حدثاً يقع لمرة واحدة أو حالة مناخية شاذة. وتخبرنا فكرتنا الحالية عن النظام المناخي وتطوره أن هذه الأنواع من الظواهر تشكل جزءاً من نمط من شأنه أن يجعل الإجهاد الحراري الشديد أكثر تواتراً وشدة في جميع أنحاء الإقليم”.

واستناداً إلى المعلومات الواردة في قاعدة البيانات الدولية للكوارث (EM-DAT)، أسفرت الأخطار المتصلة بالأحوال الجوية والهيدرولوجية والمناخية في أوروبا في عام 2022 عن وقوع 16 365 حالة وفاة تم الإبلاغ عنها وألحقت أضراراً مباشرة بما عدده 156 000 شخص.

وارتبطت نسبة تقدر بنحو 67 في المائة من الظواهر بالفيضانات والعواصف، المسؤولة عن معظم الأضرار الاقتصادية الإجمالية التي بلغت حوالي 2 مليار دولار أمريكي. وكانت موجات الحر أشد من ذلك بكثير، من حيث الوفيات، حيث تفيد التقارير إلى أنها أدت إلى وقوع زيادة كبيرة في حالات الوفاة تجاوزت 16000 حالة وفاة.

وقال البروفيسور تالاس: “في عام 2022، شهد العديد من البلدان في غرب وجنوب غرب أوروبا أحر عام لها على الإطلاق. وكان فصل الصيف هو الأحر على الإطلاق: فقد أدت درجات الحرارة المرتفعة إلى تفاقم ظروف الجفاف الشديدة والواسعة النطاق، وأججت حرائق الغابات العنيفة التي أسفرت عن منطقة احتلت المرتبة الثانية كأكبر منطقة محترقة على الإطلاق، وأدت إلى زيادة كبيرة بالآلاف في حالات الوفاة المرتبطة بالحرارة”.

موجة الحرّ سببها تغير المناخ

وفي سياق متصل أفادت دراسة علمية دولية أنّ الحرارة الشديدة التي سيطرت على شبه الجزيرة الأيبيرية وأجزاء من شمال إفريقيا مؤخرا كانت “لتكون شبه مستحيلة بدون تغيّر المناخ”.

وأفاد التقرير الصادر عن الأكاديمية العالمية التابعة للرابطة الدولية لمعينات الملاحة البحرية وسلطات المنائر التي يدرس علماؤها العلاقة بين الظواهر المناخية المتطرفة وتغير المناخ، أنه “خلال موجة الحرّ المبكرة الاستثنائية” سجّلت “درجات حرارة محلية أعلى من المعتاد بمقدار 20 درجة مئوية، وكسرت المعدلات القياسية لشهر نيسان/أبريل بما يصل إلى 6 درجات”.

ووصلت كتلة من الهواء الدافئ الحار والجاف من شمال إفريقيا إلى شبه الجزيرة الأيبيرية مطلع الأسبوع الماضي، ما أدى إلى ارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات قياسية في نيسان/أبريل مع تسجيلها 38,8 درجة مئوية في جنوب إسبانيا و36,9 درجة مئوية في وسط البرتغال.

وعادة ما تسجّل درجات حرارة مماثلة في تمّوز/يوليو.

وسجّل المغرب درجات حرارة قياسية مع أكثر من 41 درجة مئوية في بعض الأماكن، فيما تجاوزت درجات الحرارة في الجزائر 40 درجة مئوية.

وخلص التقرير إلى أنّ “تغيّر المناخ الناجم عن النشاطات البشرية جعل حدوث موجة الحرّ غير المسبوقة في إسبانيا والبرتغال والمغرب والجزائر أكثر احتمالا بمئة مرة على الأقل وكانت هذه الحرارة لتكون شبه مستحيلة بدون تغير المناخ”.

مدارس المدن ومستشفياتها في خطر

بدورها قالت وكالة الاتحاد الأوروبي المعنية بالبيئة إن ما يقرب من نصف المدارس والمستشفيات في المدن الأوروبية يقع ضمن ما يعرف “بالجزر الحرارية” الحضرية، الأمر الذي يجعل السكان الأكثر ضعفا معرضين لدرجات حرارة تهدد صحتهم في ظل تفاقم تداعيات تغير المناخ.

وذكرت الوكالة الأوروبية للبيئة، في تحليل حول كيف يمكن أن تتكيف أوروبا للتعامل مع تغير المناخ، أن حوالي 46 بالمئة من المستشفيات و43 بالمئة من المدارس تقع في مناطق ترتفع درجة حرارتها بدرجتين مئويتين على الأقل عن متوسط محيطها، مما يؤدي إلى تداعيات أكثر شراسة لموجات الحرارة مقارنة بالمناطق الريفية.

ويرجع السبب في ذلك إلى تأثير الجزر الحرارية الحضرية، حيث تمتص التكتلات الكثيفة من المباني والبنية التحتية مثل الطرق المزيد من الحرارة وتحتفظ بها أكثر من المناطق الخضراء.

ويؤدي تغير المناخ، الناجم عن استمرار حرق الوقود الأحفوري في الصناعة، إلى جعل موجات الحرارة أكثر ارتفاعا وتكرارا. ويشكل هذا المسار عند اقترانه بظاهرة الجزر الحرارية الحضرية مخاطر تتضمن زيادة الوفيات الناتجة عن الإجهاد الحراري بين السكان الأضعف مثل كبار السن.

وحثت وكالة البيئة الحكومات على اتخاذ تدابير لتقليل تأثير الجزر الحرارية في المدن، مثل نشر المزيد من المساحات الخضراء والمسطحات المائية.

إسبانيا بين الاحترار والجفاف

بدورها قالت وزارة البيئة وهيئة الأرصاد الجوية في إسبانيا إن البلاد تشهد أكثر فصول الربيع حرارة وثانيها جفافا منذ بدء الاحتفاظ بسجلات درجات الحرارة عام 1961، ومن المرجح أن تستمر درجات الحرارة أعلى من المتوسط هذا الصيف.

ولا تزال إسبانيا تعاني من جفاف دام لفترة طويلة وأهلك الإنتاج الزراعي بما في ذلك قطاع زيت الزيتون الذي يشكل نحو نصف الإنتاج العالمي.

ويزيد الطقس الحار والجاف المخاطر الإضافية، إذ تُظهر الدراسات أن التغير المناخي يزيد مخاطر نشوب حرائق الغابات.

وقالت الوزارة في بيان إن متوسط درجات الحرارة في أنحاء إسبانيا، باستثناء جزر البليار والكناري، بلغ 14.2 درجة مئوية في الفترة ما بين أول مارس آذار وأول يونيو حزيران.

ويزيد ذلك المتوسط 1.8 درجة مئوية عنه في الفترة ما بين عامي 1991 و2020، و0.3 درجة مئوية عن درجة الحرارة القياسية المسجلة عام 1997.

وأضافت الوزارة أن الحرارة في قرطبة بجنوب إسبانيا سجلت مستوى قياسيا جديدا في شهر أبريل نيسان بلغ 38.8 درجة مئوية.

وقال روبن ديل كامبو، المتحدث باسم هيئة الأرصاد الجوية في إسبانيا “اعتدنا تسجيل أرقام قياسية جديدة”، وأضاف أن ثلاثة من بين المواسم الأربعة الماضية، صيف وخريف 2022 وربيع 2023، سجلت أكثر الفصول حرارة.

وأضاف أن ربيع هذا العام سجل ثاني أكثر فصول الربيع جفافا إذ لم تهطل أمطار تقريبا حتى منتصف مايو أيار.

وأردف أن المشكلة ما زالت بعيدة عن الحل على الرغم من تراجع توقعات الجفاف على المدى الطويل قليلا بفضل الأمطار الغزيرة في النصف الثاني من مايو أيار.

وتتوقع نماذج التنبؤ بهيئة الأرصاد الجوية بنسبة تتراوح بين 50 و 70 بالمئة أن يكون هذا الصيف واحدا من أكثر خمسة فصول صيف حرارة في العقود الثلاثة الماضية رغم احتمال بنسبة تتراوح بين 40 و50 بالمئة أن تشهد البلاد هطول أمطار أكثر من المعتاد.

وأظهرت بيانات عام 2022 أنه الأشد حرارة منذ بدء الاحتفاظ بسجلات درجات الحرارة عام 1961.

وشهدت إسبانيا موجة حر مبكرة بشكل استثنائي، وهو وضع يقلق السلطات في هذا البلد الذي يعتبر في مقدمة الدول التي تعاني من ظاهرة الاحتباس الحراري في أوروبا.

وقال خوان بينيتو النادل البالغ من العمر 33 عاما في عاصمة الاندلس “الحر شديد جدا، نبحث عن الظل والماء في كل لحظة”.

في فالنسيا (شرق)، بينما كان بعض السياح سعداء بالذهاب إلى الشاطئ، أبدى السكان على العكس من ذلك قلقهم. وقال رامون كابانيال (66 عاما) إنه يريد جعل أوساطه “يدركون ان ما نعيشه هو شيء يجب وقفه”.

في هذا الإطار، تضطر السلطات الإسبانية إلى التكيف واقترحت وزارة الصحة على المناطق التي تملك صلاحيات واسعة، ان تفعّل خطتها للحر المقررة في 1 حزيران/يونيو اعتبارا من 15 أيار/مايو.

تحدد هذه الخطط المستويات المختلفة للمخاطر بالنسبة للسكان خاصة المعرضين لمخاطر، بحسب درجات الحرارة.

فقد أعلنت سلطات مدريد تفعيل خطتها التي تنص خصوصا على احتمال تكييف ساعات المدرسة، والتي عادة ما تطبق اعتبارا من حزيران/يونيو.

تكثفت موجات الحر الاستثنائية في السنوات الماضية في اسبانيا، الدولة الاوروبية الواقعة في مقدمة الدول التي تواجه تداعيات الاحتباس الحراري مع حوالى 75% من أراضيها تواجه مخاطر التصحر بحسب الأمم المتحدة.

طيور الفلامنجو تهجر بحيرة إسبانية

شهد العام الماضي وصول الآلاف من طيور الفلامنجو (النُحام) إلى أراضي فوينتي دي بيدرا الرطبة الشهيرة في إسبانيا لتفقس فراخها، لكن هذا المشهد الذي يمثل أحد أكبر تجمعات هذه الطيور في أوروبا اختفى هذا العام.

وأمكن مشاهدة بضع عشرات فقط من هذه الطيور في المكان بسبب استمرار الجفاف منذ فترة طويلة في إسبانيا والذي أدى إلى جفاف بحيرة المياه المالحة ودفع معظم الطيور المهاجرة إلى الابتعاد عن تلك الأهوار.

وقال أحد سكان المنطقة، ويدعى ألبيرتو جونزاليس سانتشيث (53 عاما)، لرويترز “إنه لأمر مخز إذ يأتي السائحون والناس إلى هنا في مثل هذا اليوم. عادة ما تمتلئ البحيرة بطيور الفلامنجو والعديد من الطيور الأخرى. يبدو أن تغير المناخ هو السبب”.

كان المسؤول عن منطقة فوينتي دي بيدرا الطبيعية أبلغ محطة كادينا سير الإذاعية في فبراير شباط بأن مستوى هطول الأمطار بلغ أدنى مستوياته منذ عام 1995.

وتم إعلان المنطقة محمية طبيعية في عام 1984، ومنذ ذلك الحين تجاوز عدد صغار الفلامنجو التي خرجت من البيض عند البحيرة الواقعة في ملقة 200 ألف، بحسب بيانات من الإدارة المعنية بالزراعة والثروة الحيوانية ومصائد الأسماك والاستدامة في إقليم الأندلس.

قيود على استهلاك المياه في إنجلترا

كما أعلنت شركة توزيع مياه إنجليزية عن حظر مؤقت لاستخدام خراطيم ورشاشات المياه في منطقتي كنت وساسكس جنوب شرق البلاد، وذلك في أعقاب موجة جفاف أدت إلى نقص الإمدادات.

وقالت شركة ساوث إيست ووتر إنها اتخذت الخطوة بعد ارتفاع درجات الحرارة في الأسابيع القليلة الماضية وارتفاع الطلب على مياه الشرب في ساسكس وكنت المتاخمتين للندن.

وواجهت إنجلترا العام الماضي خطر الجفاف لأول مرة منذ 2018 حيث تجاوزت درجات الحرارة 40 درجة مئوية للمرة الأولى، مما أدى إلى فرض قيود على استهلاك المياه، بما في ذلك حظر خراطيم المياه بهدف تقييد الاستخدام غير الضروري للمياه.

وقال ديفيد هينتون الرئيس التنفيذي للشركة في بيان “تطور الوضع بشكل أسرع من العام الماضي”.

وتابع “ومن الواضح، أننا شهدنا زيادة في طلب العملاء على المياه مع الطقس الحار مما أثر على قدرتنا على إمداد جميع العملاء (بالمياه) في كل الأوقات”.

وقالت الشركة، وعملاؤها 2.3 مليون، إن الطلب على المياه ازداد في الأيام القليلة الماضية متجاوزا كل المعدلات السابقة رغم أن الشركة تنتج 120 مليون لتر إضافي يوميا وهو ما يكفي لإمداد أربع بلدات كبيرة.

وسيدخل فرض القيود حيز التنفيذ اعتبارا من 26 يونيو حزيران، حيث سيحظر على الأسر استخدام خراطيم المياه في ري حدائق المنازل أو غسل السيارات والقوارب أو ملء حمامات السباحة.

الرسائل الرئيسية

وهذه رسائل رئيسية يقدمها التقرير الذي أصدرت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية بالاشتراك مع خدمة كوبرنيكوس لمراقبة تغير المناخ تقرير حالة المناخ في أوروبا لعام 2022، وهو التقرير الثاني في سلسلة من التقارير السنوية.

درجات الحرارة:

شهدت أوروبا أحر صيف لها على الإطلاق. وشهدت عدة بلدان، منها بلجيكا وفرنسا وألمانيا وأيرلندا وإيطاليا ولكسمبرغ والبرتغال وإسبانيا وسويسرا والمملكة المتحدة أحر عام لها على الإطلاق.

وتراوح المتوسط السنوي لدرجات الحرارة لعام 2022 في أوروبا بين ثاني ورابع أعلى درجات الحرارة على الإطلاق، واقترن بذلك بمعدل شذوذ يتجاوز متوسط الفترة 1991-2020 بنحو 0.79 درجة مئوية. ويستخدم خط الأساس المذكور كمرجع قياسي لمقارنة التغيرات في درجات الحرارة وهطول الأمطار وما إلى ذلك بمتوسط 30 عاماً ومن ثم توفير معلومات للقطاعات التي تتأثر بالمناخ. وكان هطول الأمطار أقل من المتوسط في معظم أنحاء الإقليم في عام 2022. وكانت هذه هي السنة الجافة الرابعة على التوالي في شبه الجزيرة الآيبيرية، والسنة الجافة الثالثة على التوالي في المناطق الجبلية في جبال الألب وجبال البرانس.

وسجلت فرنسا أجف فترة لها من كانون الثاني/ يناير إلى أيلول/ سبتمبر، وشهدت المملكة المتحدة وأوكلي (بلجيكا) أجف فترة لهما من كانون الثاني/ يناير إلى آب/ أغسطس منذ عام 1976، وخلف ذلك عواقب بعيدة المدى على الزراعة وإنتاج الطاقة. وانخفض احتياطي المياه في إسبانيا إلى 41.9 في المائة من قدرتها الكلية بحلول 26 تموز/ يوليو، وسجلت بعض الأحواض قدرة أقل.

وفقدت الأنهار الجليدية في أوروبا حجماً قدره حوالي 880 كيلومتراً مكعباً من الجليد في الفترة من عام 1997 إلى عام 2022. وكانت جبال الألب هي الأشد تضرراً، حيث بلغ متوسط انخفاض سمك الجليد 34 متراً. وفي عام 2022، شهدت الأنهار الجليدية في جبال الألب الأوروبية فاقداً قياسياً جديداً في الكتلة في عام واحد، بسبب كميات الثلوج الشتوية البالغة الانخفاض، والصيف البالغ الدفء وترسب غبار الصحراء الكبرى.

وفقدت الصفيحة الجليدية في غرينلاند 362 5 ± 527 غيغاطن من الجليد بين عامي 1972 و2021، وهو ما أسهم بنحو 14.9 ملم في المتوسط العالمي لارتفاع مستوى سطح البحر. وما برحت تفقد كتلة خلال عام 2022، وفقاً للتقييمات العلمية.

وكان متوسط درجات حرارة سطح البحر في جميع أنحاء منطقة شمال المحيط الأطلسي هو الأدفأ على الإطلاق، وتأثرت أجزاء كبيرة من بحار المنطقة بموجات حر بحرية قوية أو حتى شديدة ومتطرفة.

وكانت معدلات الاحترار السطحي للمحيطات، ولا سيما في شرق البحر الأبيض المتوسط وبحر البلطيق والبحر الأسود وجنوب القطب الشمالي أكثر من ثلاثة أضعاف المتوسط العالمي.

وتؤدي موجات الحر البحرية إلى هجرة الأنواع والانقراض الجماعي، ووصول الأنواع الغازية، وتعطل النظم الإيكولوجية والتنوع البيولوجي.

الطاقة

تؤثر التقلبية المناخية وتغير المناخ على المدى الطويل على كل جانب من جوانب قطاع الطاقة: الطلب والعرض، والبنية التحتية التي تضمن عمليات آمنة وموثوقة (“الشبكة”). وتكتسي الخدمات المناخية وبيانات التأثير أهمية حيوية.

ويلتزم الاتحاد الأوروبي بزيادة إنتاج الطاقة المتجددة إلى ما لا يقل عن 42.5 في المائة من إجمالي الاستهلاك بحلول عام 2030 – أي ما يقرب من ضعف مستويات عام 2019.

وفي عام 2022، ولدت الرياح والطاقة الشمسية في أوروبا 22.3 في المائة من الكهرباء في الاتحاد الأوروبي، متجاوزة بذلك لأول مرة الوقود الأحفوري (20 في المائة) وطاقة الفحم (16 في المائة)، ويرجع بعض السبب في ذلك إلى الزيادة الكبيرة في قدرة الطاقة الشمسية، وفقاً لما أفادت به مجلة الكهرباء الأوروبية الصادرة عن مركز EMBER.

وبالإضافة إلى ذلك، سجل الإشعاع الشمسي السطحي السنوي في عام 2022 أعلى مستوياته منذ بداية السجلات في عام 1983، أي أعلى من متوسط الفترة 1991-2020 بنسبة 4.9 في المائة.

وهذا يؤكد أهمية متغيرات الأرصاد الجوية: الإشعاع الشمسي السطحي في حالة الطاقة الكهروضوئية، وسرعة الرياح في حالة طاقة الرياح، وهطول الأمطار والجريان السطحي في حالة الطاقة الكهرومائية.

وعموماً، تتوفر كمية أكبر من الإشعاع الشمسي السطحي في جنوب أوروبا بسبب الزاوية الشمسية وانخفاض تغطية السحب. وتسجل طاقة الرياح الكامنة مستويات أعلى فوق المحيطات، خاصة قبالة سواحل أيرلندا والبرتغال وبحر إيجه. وترتبط الطاقة الكهرومائية ارتباطاً مباشراً بتضاريس أوروبا.

وتتعرض عوامل الأرصاد الجوية التي تدفع إمكانات الطاقة المتجددة لتقلبات موسمية كبيرة. وقد يختلف المتوسط الشهري لسرعة الرياح من -40 في المائة إلى +80 في المائة في المتوسط وهطول الأمطار ±30 في المائة، والإشعاع الشمسي السطحي حوالي ±15 في المائة.

والطاقة الشمسية وطاقة الرياح تكملان بعضهما البعض عادة على مدار العام: فالإشعاع الشمسي يسجل مستويات أعلى في النصف الصيفي من العام أما شدة الرياح فتكون عادة أعلى في الشتاء.

وعلى مدى الفترة 1991-2020 التي تبلغ 30 عاماً، زاد الإشعاع الشمسي السطحي، بينما لا تظهر سرعة الرياح وهطول الأمطار اتجاها كبيراً.

الطاقة النووية

على الصعيد العالمي، ازدادت حالات تعطل العمليات التي تستخدم الطاقة النووية بسبب الظروف المناخية السلبية على مدى العقود الثلاثة الماضية، رغم أنها لا تزال تشكل حصة صغيرة للغاية من إجمالي حالات انقطاع الطاقة النووية. وفي عام 2021، شكلت خسائر الإنتاج المرتبطة بالطقس حوالي 0.33 في المائة من توليد الطاقة النووية على الصعيد العالمي. وتتمثل العوامل الرئيسية في انخفاض تدفقات الأنهار وزيادة درجات الحرارة وموجات الحر المتطرفة.

وفي ظل سيناريوهات المناخ المتدهورة على المدى الطويل، قد يشهد جنوب أوروبا بعضاً من أكبر الزيادات العالمية في النسبة المئوية لدرجات الحرارة القصوى التي تتجاوز 40 درجة مئوية وفي عدد أيام الجفاف المتتالية. وتؤكد هذه النتيجة، وخاصة بالنسبة لمواقع المحطات النووية المحتملة في جنوب أوروبا، على ضرورة وضع أحكام للتكيف ترتبط بمراجعات صارمة للسلامة، إذا ما اتخذ قرار بضرورة استمرار تشغيل المحطات.

الخدمات المناخية

تؤدي الخدمات المناخية – توفير واستخدام المعلومات المناخية في اتخاذ القرار، بما يشمل جمع البيانات والرصد والتحليل والتنبؤات وتوقعات المتغيرات المناخية – دوراً رئيسياً في دعم التحول في قطاع الطاقة على الصعيد العالمي لتحقيق الصفر الصافي.

والخدمات المناخية مهمة لاختيار المواقع وتقييم الموارد والتمويل؛ وتشغيل نظم الطاقة وصيانتها وإدارتها؛ ودمج الكهرباء في الشبكة؛ وتقييم أثر نظم الطاقة.

وهي ضرورية أيضاً لضمان قدرة نظم الطاقة على الصمود في مواجهة الصدمات المتصلة بالمناخ، ولإثراء التدابير الرامية إلى زيادة كفاءة استخدام الطاقة.

 

.

رابط المصدر:

https://annabaa.org/arabic/environment/35443

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M