مؤتمر بغداد الثاني بين السياسة والأمن والشراكات الاقتصادية.. نحو حل أزمات المنطقة

رامي شفيق

 

ثمة محاولات عديدة تسعى إلى استعادة العراق لمحيطه الإقليمي الحيوي والعربي، هذه المحاولات لها أهمية قصوى في ظل جملة التحولات التي شهدتها بغداد منذ عام 2003، مع سقوط نظام الرئيس الراحل صدام حسين، وكذا تنامي النفوذ الإيراني الذي تمدد بصورة مؤثرة ونجح في تمتين وجوده السياسي والأمني، فضلًا عن تأثيرات واضحة ومباشرة في جملة أحداث منها تشكيل الحكومة أو التحركات التي تقوم بها الميلشيات الولائية المدعومة من الحرس الثوري.

هذه الكيانات السياسية المسلحة تضغط لجهة تحقيق مصالح طهران، وتقوم بتعبئة الشارع أحيانًا بما يؤدي لظهور شبح الاحتراب الأهلي، كما حدث في شهور ما قبل اختيار محمد شياع السوداني رئيسًا للحكومة عند احتدام الصراع بين الكتل السياسية والانسداد الذي بلغ مراحله النهائية بين زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر والإطار التنسيقي للقوى الشيعية المدعوم من إيران، وخروج أتباع ومؤيدي الطرفين للاحتجاج والاعتصام في المنطقة الخضراء التي توجد فيها مقرات البعثات الأممية والسفارة الأمريكية والحكومة العراقية.

مع الأخذ في الحسبان أن منزل رئيس الحكومة السابق مصطفى الكاظمي قد تعرض لاستهداف بطائرة مسيرة مفخخة في منتصف نوفمبر العام الماضي، بالتزامن مع فشل المصادقة على نتائج الانتخابات البرلمانية المبكرة التي فاز فيها الصدر بأغلبية، بينما تصدى له منافسه أو بالأحرى خصمه السياسي المتمثل في الإطار التنسيقي الذي يضم مجموعة من التيارات التابعة لفصائل الحشد الشعبي والذي تعرض لهزيمة سياسية وانتخابية فادحة ورفض مشروع الأول الذي أعلن تشكيله حكومة ذات “أغلبية وطنية”.

إذًا، نحو مقاربة عربية لفض الاشتباكات والتعثرات التي تحيط بالوضع الداخلي في العراق، يستضيف الأردن مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة كنسخة جديدة تتصل وترتبط بمؤتمر بغداد الأول الذي عقد خلال نهاية شهر أغسطس العام الفائت.

تختلف قمة بغداد الثانية عن الأولى في مجمل السياق الدولي وما طرأ عليه من تناقضات عميقة تشتبك مع لهيب الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها على كافة المستويات. الأمر الذي يفضي إلى فرض أعباء متزايدة نحو توازن منسوب الاستقرار، وضبط مفهوم الأمن الإقليمي، خاصة أن القمة سواء في نسختها الأولى أو الحالية تضع جل ثقلها حول تهيئة الوضع في العراق صوب الاستقرار السياسي، لا سيما أن بغداد تجاوزت مشهد الانتخابات واستقر رئيس الوزراء الجديد محمد شياع السوداني.

بيد أن مفهوم الاستقرار الذي يمثل سؤال القمة وركيزته يواجه الكثير من المخاطر، خاصة في ظل الهجمات التركية والايرانية التي تعرضت لها الأراضي العراقية خلال الأشهر الماضية. وستناقش القمة التي يشارك فيها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خمسة ملفات بارزة يأتي قمتها “الأوضاع في العراق ولبنان وسوريا، ومكافحة الإرهاب، وأمن الغذاء والطاقة، والملف النووي لإيران”. وهي تضم القمة المرتقبة عضوين جديدين هما سلطنة عمان والبحرين. وذلك إلى جانب مشاركة كل من الإمارات ومصر والسعودية وقطر وتركيا وإيران.

وفي قمة بغداد الأولى، لعبت فرنسا دورًا مؤثرًا حيث سبق لماكرون أن لمّح إلى التهديدات التي تطوق بغداد، بينما عرج على الهجمات الصاروخية لفصائل شيعية مدعومة من إيران. فضلًا عن التدخلات العسكرية التركية. وقال، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الحكومة العراقية السابقة مصطفى الكاظمي: “سنظل ملتزمين لأن المعركة ضد داعش مستمرة. لكن ذلك يجب أن يكون في سياق اتفاق وبروتوكول يحترم سيادة العراق”. فباريس تسعى لإعادة تأسيس علاقاتها من جديد مع بغداد في ظل التحولات الجيوستراتيجية الجارية.

وتؤدي باريس دورًا لافتًا على المستوى الاقتصادي مع العراق، تحديدًا في ما يتصل بحل أزمة الكهرباء، ومجالات الطاقة المتنوعة، ناهيك عن دعم تدشين خط مترو أنفاق في بغداد. وتضمنت المبادرة الفرنسية كذلك مجموعة من الإشارات السياسية الموسعة والمقصودة تجاه ملف مكافحة الإرهاب والتدخلات العسكرية الخارجية، وضرورة “توفيق أوضاع” المجموعات المسلحة والعسكرية؛ لضمان “مسيرة السيادة العراقية”، بما يعني إنهاء أي حالة ولائية خارجية أو تبعية مفروضة على بغداد.

وعليه، تمركز الهدف من مؤتمر بغداد الأول مساندة العراق أمنيًا واقتصاديًا، بما يحقق له استقراره وسيادته ووحدة أراضيه. ووفقا لذلك دعت بغداد دول الجوار للتعامل مع تحديات المنطقة على أساس التعاون والمصالح المتبادلة وحسن الجوار. بجانب ذلك، فإن قادة الدول الثلاث مصر والأردن والعراق اتفقوا على مواصلة التنسيق حول عدد من الملفات الإقليمية وعلى صياغة رؤية مشتركة حول هذه القضايا من خلال التعاون والتنسيق.

يقينًا؛ تستهدف قمة بغداد الثانية التي يستضيفها الأردني، مناقشة الأوضاع في العراق وتهدئة الحدود الملتهبة، بيد أن ثمة قضايا اقليمية تشتبك مع محيط الأمن العربي ستضحى على رأس أولويات القمة في مركز الحسين بن طلال بمنطقة البحر الميت.

من الصعوبة بمكان النجاح في المضي قدمًا نحو نزع فتيل الأزمات التي تحيط بالمنطقة العربية عن بعضها البعض رغم تفاوت درجتها من محيط لآخر أو بلوغ درجة الاستقرار الأمثل دون تصور التناقضات والاشتباكات التي تتقاطع بين دول إقليمية -تركيا وإيران- والدول العربية خاصة العراق واليمن وليبيا وسوريا ولبنان .

تدرك الدول العربية الحاضرة في قمة بغداد الثانية أن العراق يحتاج إلى لتحصين وضبط استقراره الداخلي، وأن ذلك غير بعيد عن ملفات إقليمية حاضرة في المحيط العربي، مما يفرض تحديات بالغة الدقة على مجريات القمة وعلى شكل المشاورات ونتائجها.

تبعًا لذلك وارتباطًا بمحددات الأوضاع الدولية وما طرأ عليها من تطورات الحرب الروسية الأوكرانية واضطلاع طهران بدعم القوات الروسية في الحرب من خلال الطائرات المسيرة، وكذا الجانب التركي الذي يعمل على تعظيم حضوره الدولي كنتيجة مباشرة لتموضع الجغرافيا السياسية الخاصة به، فضلًا عن الأوضاع الداخلية في كلا البلدين وما يراكمه من أعباء صوب تطور القرار السياسي داخليًا وإقليميًا ودوليًا؛ تبدو قمة بغداد الثانية تموج وسط تيارات ثقيلة بغية الوصول صوب الحدود المعقولة لبسط التهدئة وتخفيف التوتر ورفع الثقة نحو تطوير آليات التعاون في محيط الشرق الأوسط الكبير.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/74643/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M