يستغل وزير المالية الإسرائيلي “بتسلئيل سموتريتش” ظروف الحرب الجارية على قطاع غزة ليدعو كلًا من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف جالانت، ليس فقط لمنع الفلسطينيين في الضفة الغربية من ممارسة أعمالهم بشكل طبيعي، وعلى رأسها حصاد محصول الزيتون وهو النشاط الرئيس لمعظم السكان في هذه الفترة من العام، بل ولتكريس ما هو قائم فعليًا من تضييق بقرارات حكومية.
ففي رسالة بعثها إلى رئيس الحكومة ووزير الدفاع، دعا “سموتريتش” إلى إقامة مناطق أمنية “مطهرة” (أي خالية تمامًا من الفلسطينيين) في المناطق التي تقع حول المستوطنات، والطرق الموصلة إليها. مستهدفًا بذلك منع دخول المواطنين الفلسطينيين إليها، حتى لو كان ذلك من أجل الوصول الى حقول زيتونهم، متهمًا في رسالته قيادة المنطقة الوسطى الإسرائيلية بـ”التساهل” في السماح للمزارعين بقطف ثمار حقولهم، المزروعة بأشجار الزيتون.
رسالة “سموتريتش” تنضح بالتطرف والمزايدة على إجراءات الجيش الإسرائيلي، فهو باعتباره وزيرًا للاستيطان في أكثر الحكومات الإسرائيلية يمينية وتطرفًا يصف هذا السماح المحدود ـوالضيق للغايةـ الذي يقوم به الجيش تجاه المزارعين الفلسطينيين باعتباره جنونًا وتساهلًا لا يمكن الموافقة عليه. ويروج طوال الوقت في تلك الرسالة الحكومية وغيرها لأن هناك دروسًا مستفادة يجب استخلاصها من أحداث “بهجة التوراة” التي يعني بها هجوم حماس على غلاف غزة في السابع من أكتوبر.
لذلك وبخلاف رسالته المشار إليها إلى رئاسة الحكومة، طالب وزير الاستيطان المجلس الوزاري المصغر “الكابينيت” الأسبوع الماضي بضرورة بحث استعدادات قوات الجيش في الضفة الغربية بشكل مفصل لسيناريو “قلب الأوضاع” من جانب السلطة الفلسطينية. في الوقت الذي تستشعر فيه الحكومة بالحرج البالغ أمام الإدارة الأمريكية، فيما يخص ضرورة ضبط ممارسات المستوطنين بحق أهالي الضفة من الفلسطينيين من أجل ضمان عدم اتساع دائرة الانفلات، وانتقال أحداث غزة إلى مدن الضفة الغربية.
هذا النوع من تداعي أحداث الحرب بدا من اللحظة الأولى كخط أحمر أمريكي، ضمن خطوط عديدة تحاول الحكومة الإسرائيلية طوال الوقت الالتفاف حولها، أو في أفضل الأحوال الموازنة بين متطلبات الإدارة الأمريكية والانحناء قليلًا أمام تيار اليمين الكاسح بداخلها.
في إطار تلك الموازنة؛ لم يستجب نتنياهو لطلب الوزير “سموتريتش” بإدراج رسالته على جدول أعمال الحكومة العاجل، ويحاول حتى الآن تجاهل مطالبته للمجلس السياسي والأمني المصغر “الكابينيت”؛ فهو يعلم كما وزير الدفاع أن المطبّق واقعيًا على الأرض أن الأراضي التي تشكل (160 مستوطنة) وضعفها تقريبًا من البؤر الاستيطانية، تصنف كـ”مناطق أمنية” يحظر على الفلسطينيين في ظروف الحرب الاقتراب منها.
لذلك فالغرض من رسالة وزير الاستيطان ومطالباته هو ترسيم وتحصين ما هو قائم بالفعل، بقرار حكومي في حال صدوره سيجد طريقه إلى الكنيست كي يتحول لأحد قوانين الدولة الإسرائيلية، وهو ما يعني صب مزيد من الزيت على النار وسيدفع لا محالة لإشعال مباشر فيما تبقى من مدن الضفة الغربية وقراها. هذا لا يعره بتسلئيل سموتريتش التفاتًا؛ فهو، كوزير استيطان عقائدي بامتياز، يستهدف استغلال ظروف الحرب للمضي قدمًا في مشروع “التطهير العرقي” للمنطقة المصنفة (ج) من الفلسطينيين، والشروع في تنفيذ مخطط توسيع المستوطنات القائمة مع إضفاء الشرعية على كافة البؤر الاستيطانية.
وزير الاستيطان الإسرائيلي ممثل لتيار كبير وقاعدته الانتخابية قوية وتتمدد باطراد، فهو يعمل لصالحها طوال الوقت ووفق منهج متطرف وعنصري ممزوج بالأساطير الدينية، ولديه في جعبته أسلحة التطهير والرغبة في تمكين للدولة اليهودية يشرعها بوجه منافسيه. يستخدم “سموتريتش” أدوات نافذة من مجالس المستوطنات، الأشهر منها “شلومو نئمان” رئيس مجلس المستوطنات (يشع)، و”يوسي داغان” رئيس مجلس مستوطنات شمال الضفة الغربية، من أجل المضي في إضفاء شرعية الاحتلال على ما يتجاوز (150 بؤرة استيطانية) دفعة واحدة.
فهو وتياره يرون في زمن الحرب فرصة سانحة كي يتجاوزوا التباطؤ الحكومي في تنفيذ هذا المخطط المتفق عليه مسبقًا وقت تشكيل الحكومة، وموافقتهم على دخول الائتلاف مع رئيس “الليكود” كي يمنحوه منصب رئيس الوزراء أمام منافسيه. هذا كان أحد شروطهم الرئيسة، لذلك لم يكن هناك بد أيضًا من الإصرار على استحواذ بتسلئيل سموتريتش على حقيبة وزير الاستيطان، ليظل خلال عمره الوزاري يهاجم الحكومة، متهمًا إياها بانتهاج آلية “التقسيط” وإبقائها على بعض الترتيبات التي ظل معمولًا بها فيما يخص وصول الفلسطينيين إلى حقولهم وأراضيهم.
هناك إجراءات إدارية وأمنية معقدة كانت متبعة خلال الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة فيما يخص أراضي الفلسطينيين، سواء تلك الواقعة خلف جدار الفصل العنصري أو -وهي الأهم- التي تقع في محيط أكثر من (120 مستوطنة) في الضفة الغربية، فقد ظل لعقود يتطلب الوصول إلى هذه المناطق تنسيق مسبق مع السلطات الإسرائيلية يستغرق بضعة أيام، عادة ما كانت تتراوح بين ثلاثة وخمسة أيام في أحسن الأحوال في مواسم الزراعة أو قطف الثمار.
ما يستهدفه هذا المعسكر الأشد يمينية داخل الجمهور الإسرائيلي هو الإسراع بسرقة وضم أكبر مساحة من الأراضي الفلسطينية تحت أي من الذرائع الأمنية، وتحصين الضم بالقرارات الحكومية التي تجعل استردادها مستحيلًا. الشبكة القوية التي باتت تدير مجمل أعمال الدولة الإسرائيلية بما فيها حكومتها تضم وزراءً نافذين وأعضاء أقوياء في الكنيست قادرين على وضع كثير من تفاصيل هذا المخطط موضع التنفيذ، أبرزهم: إيتمار بن غفير، وسمحا روتمن، واوريت ستروك، وآفي ماعوز، وتسفي سوكوت، وليمور سون هارميليخ، وتالي جوتليف، وشلومو نئمان، ويوسي داغان، وبنتسي غوفشتاين.
شبكة عنكبوتية شديدة الدقة والتنظيم يرتبط أعضاؤها ببعض ارتباطًا وثيقًا ويجمعهم الإعجاب وتقديس رموز من أمثال الحاخام “مائير كاهانا” والمتطرف “باروخ غولد شتاين”. وتقوم تلك الشبكة بدفع أعضائها لتولي المناصب التي تمكنهم من إنفاذ ما يستلزم القيام به؛ لتحقيق الخطوات الرئيسة الفعالة لخطة هذا التيار اليميني. النموذج الأبرز لذلك واستغلالًا أيضًا لزمن الحرب الجارية، جرى خلال أسابيعها الأولى بتعيين عضو الكنيست الإسرائيلي “تسفي سوكوت” رئيسًا للجنة الفرعية لشؤون (يهودا والسامرة)، بمعنى إشرافه الكامل على شؤون المستوطنات في الضفة الغربية، وهي إحدى اللجان الرئيسة التابعة للجنة الدائمة للشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست.
تسفي سوكوت أحد الأعضاء البارزين لتلك الشبكة يعد من عتاة المستوطنين وعضوًا قياديًا في حزب “الصهيونية الدينية” الذي يتزعمه بتسلئيل سموترتش. بحسب منصبه الجديد ورئاسته لتلك اللجنة أصبح معنيًا بالإشراف على كافة أنشطة الحكومة، التي تتعامل بشكل عام مع القضايا الأمنية في الضفة الغربية، ليس فيما يخص الأراضي والإجراءات الخاصة بالفلسطينيين وحدهم، بل وجميع إجراءات عمل الجيش الإسرائيلي في كل ما يتعلق بالمستوطنين أيضًا!