ما بعد قمة جدة للأمن والتنمية

د. أحمد سيد أحمد

 

وضعت قمة جدة للأمن والتنمية العلاقات الأمريكية العربية على مسار جديد‪،‬ ليس فقط ترميم وتفعيل الشراكة التقليدية بين أمريكا وعدد من الدول العربية المركزية مثل مصر والسعودية والإمارات وتصحيح التشوهات التى أصابتها بفعل سياسة إدارة بايدن، وإنما أيضا وضعت سياقا جديدا لهذه العلاقات يرتكز على الندية والاستقلالية فى إطار تنوع وتعدد شراكات الدول العربية مع القوى الكبرى ويقوم على التوازن فى تلك العلاقات وعدم الانحياز لقوى على حساب القوى الأخرى أو استبدال شراكة مع دولة كبرى بشراكة مع دولة أخرى. وقد جاء الرئيس بايدن ليصحح الخطأ فى سياسة إدارته خلال العام ونصف العام الماضى عندما انسحب جزئيا من المنطقة ليترك فراغا سعت القوى الكبرى المنافسة مثل روسيا والصين لملئه، وهو ما دعا بايدن إلى إعادة الوجود الأمريكى فى المنطقة وترميم الشراكات التقليدية مع الدول المركزية والمفتاحية مصر والسعودية والإمارات، كما انتهجت إدارة بايدن منطق الواقعية السياسية فى تعظيم المصالح الأمريكية مع دول المنطقة والتخلى عن التوظيف السياسى لقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان التى استخدمتها لتحقيق أجندات خاصة أدت لتداعيات كارثية على المنطقة وعلى المصالح الأمريكية ذاتها.

القاسم المشترك فى خطابات زعماء الدول العشر التى شاركت فى القمة وضمت أمريكا ودول مجلس التعاون الخليجى الست إضافة إلى مصر والعراق والأردن، هو الحرص على تعزيز الشراكة الإستراتيجية العربية الأمريكية، ولذلك فإن مستقبل تلك العلاقات يظل مرهونا بحدوث تغيير حقيقى فى السياسة الأمريكية على أرض الواقع وألا تختزل إدارة بايدن العلاقة مع دول المنطقة فى قضية أمن الطاقة وزيادة إنتاج النفط فى السوق العالمية لتخفيض أسعاره، أو مجرد العودة للمنطقة لعدم ترك الفراغ لروسيا والصين، وإنما الأهم تعزيز العلاقات مع الدول العربية المركزية لترتكز على التحالف الإستراتيجى الذى يفرض وقوف أمريكا إلى جانب دول المنطقة فى مواجهة التهديدات المختلفة. كذلك ترسيخ التعاون فى مجالات الطاقة النظيفة والتكنولوجيا والغذاء، خاصة بعد إعلان بايدن أثناء القمة تقديم مليار دولار للمنطقة لدعم الأمن الغذائى. كذلك مواجهة التهديدات الإقليمية والتوصل لاتفاق نووى مع إيران يراعى المخاوف العربية من خطر امتلاك السلاح النووى. كما أن مستقبل العلاقات العربية الأمريكية مرهون أيضا بترجمة خطاب بايدن المتعلق بحل الدولتين إلى خريطة طريق على أرض الواقع تقود بالفعل إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية ووقف كل أشكال الاستيطان الإسرائيلى، باعتبار أن ذلك هو الذى سيحقق الأمن والاستقرار فى المنطقة ويتيح المجال أمام تحقيق الاندماج الإقليمى والتعايش والتعاون بين كل شعوب المنطقة.

القاسم المشترك أيضا فى قمة جدة هو تعزيز الأمن وتحقيق التنمية وهو شعار القمة، وذلك للترابط الكبير بين الأمن والتنمية، فغياب الأمن بمفهومه الشامل فى المنطقة العربية خلال العقد الماضى أعاق عملية التنمية ومنع توظيف الموارد العربية الطبيعة والبشرية الضخمة، نتيجة لتصاعد خطر الإرهاب والتنظيمات الإرهابية والطائفية وبسبب التدخلات الخارجية، الإقليمية والدولية، والتى كرست الاستقطاب وغذت الصراعات الداخلية العربية، إضافة لتعرض الأمن القومى العربى لمخاطر عديدة. وفى المقابل فإن تحقيق التنمية من شأنه أن يعزز تحقيق الأمن والاستقرار لأن تحقيق التنمية الشاملة ومحاربة البطالة والفقر وتوفير فرص العمل وتوفير الخدمات الأساسية ورفع مستوى معيشة شعوب المنطقة يمثل مدخلا مهما لتجفيف بيئة العنف والإرهاب والتطرف والهجرة غير المشروعة، كما أنه يزيد من صلابة ومناعة الدولة الوطنية العربية فى مواجهة التهديدات المختلفة.

الأمن العربى لن يتحقق من خلال ما يسمى ناتو شرق أوسطى أو هيكل أمنى إقليمى، وإنما من خلال تدعيم التعاون والتنسيق العسكرى والأمنى العربى العربى فى مواجهة التهديدات المختلفة مثل التهديدات الإقليمية خاصة التهديدات الإيرانية وتدخلاتها فى الشئون العربية ودعم أذرعها العسكرية فى عدد من دول المنطقة. فمن مصلحة دول المنطقة أن تكون هناك علاقات تعاون مع دول الجوار خاصة إيران قائمة على الاحترام المتبادل ووقف كل أشكال التدخلات فى الشئون الداخلية، كذلك وقف الانتشار النووى ودعم الميليشيات المختلفة. كما أن مواجهة الإرهاب والفكر المتطرف تحقق بالفعل بفعل التعاون بين الدول العربية خاصة مصر والسعودية والإمارات والتى نجحت فى القضاء على خطر الإرهاب. كما أن الأمن الشامل سواء الأمن القومى العربى وأمن الطاقة والأمن المائى والأمن الغذائى يتحقق أيضا من خلال إستراتيجية عربية موحدة.

قمة جدة بالفعل أرست لمرحلة جديدة فى الشرق الأوسط وللعلاقات العربية الأمريكية بفعل التنسيق العربى المسبق الذى سبق القمة وقادته مصر وأدى إلى توافق المواقف والرؤى العربية وهو ما زاد من قوة العرب التفاوضية فى مواجهة الولايات المتحدة، حيث جاء بايدن بسياسة مختلفة عما انتهجها فى السابق لشرق أوسط مختلف، وهو ما يؤكد أن المنطقة العربية تحولت من موقع المفعول به إلى موقع الفاعل القادر على أخذ زمام المبادرة والتعاون مع القوى الكبرى فى النظام الدولى بما يعظم المصالح العربية ويقلل التداعيات السلبية للأزمات العالمية، وبما يسهم فى تعظيم الدور العربى فى تشكيل ملامح النظام الدولى الجديد، وهذه أهم المكاسب العربية للقمة.

نقلا عن جريدة الأهرام بتاريخ 18 يوليو 2022 

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/20151/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M