ما هي السيناريوهات الثلاثة التي تنتظر المباحثات النووية الإيرانية؟

 علي عاطف

 

بدأ مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية في العاصمة النمساوية فيينا يوم الاثنين 6 يونيو الجاري اجتماعاته المتتالية للنظر في مشروع قرار قدّمته الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا يوجّه اللوم لإيران في أعقاب العثور على مواد نووية مخصبة في ثلاثة مواقع نووية غير معلن عنها في البلاد. ويدعو هذا المشروع إيران إلى “التعاون الكامل” مع الوكالة الدولية بشأن تقديم إيضاحات حول تلك المواد النووية التي عُثر عليها في مواقع سرية. وهو ما يجيء في توقيت حساس للغاية من عمر المفاوضات النووية المتعثرة بالأساس منذ مارس 2022، ويُعد المشروع من ناحية أخرى ذا أهمية كبرى؛ نظرًا إلى نتائجه المستقبلية المؤثرة على مسار المباحثات النووية التي استغرقت حتى الآن أكثر من عام.

توقيت حرج: لماذا يستحوذ اجتماع مجلس محافظي الوكالة الدولية على أهمية كبرى؟

قبل التطرق إلى حيثيات مشروع القرار المُقدَّم من واشنطن، تنبغي الإشارة في البداية إلى هُوية “جهاز مجلس محافظي الوكالة”.

مجلس المحافظين و”المؤتمر العام السنوي”

يتولّى مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية مهام “تقرير السياسات” جنبًا إلى جنب مع “المؤتمر العام السنوي” للدول الأعضاء بها. حيث يختص المجلس بدراسة برامج الوكالة وميزانيتها وبياناتها المالية، ثم يقوم بعمل توصيات إلى المؤتمر العام بشأنها.

وتسند الوكالة إلى المجلس أمور الموافقة على اتفاقات الضمانات، وتحديد معايير الأمان الصادرة عنها، وهو مسؤول كذلك عن تعيين المدير العام للوكالة بالتعاون مع المؤتمر العام. ويبلغ عدد أعضاء المجلس 35 دولة، من بينها خلال الفترة الحالية (2021-2022) إسبانيا وألمانيا وكندا والولايات المتحدة.

ويعقد المجلس اجتماعاته 5 مراتٍ في العام، من بينها اجتماع دوري في شهر يونيو من كل عام. بينما يعقد “المؤتمر العام” دورة سنوية في شهر سبتمبر من كل عام؛ للنظر في ملفات عدة، من بينها القضايا التي يثيرها مجلس المحافظين والدول الأعضاء والمدير العام. ويتولى الدبلوماسي الأرجنتيني رافائيل جروسي في الوقت الراهن، ومنذ ديسمبر 2019، منصب المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، ليصبح بذلك المدير السادس لها، وأول دبلوماسي من قارة أمريكا الجنوبية يشغل هذا المنصب.

خطوة غير مسبوقة منذ انطلاق المفاوضات النووية 

يعقد مجلس محافظي الوكالة الدولية حاليًا اجتماعات متتالية للنظر في العثور على مواد نووية مخصبة في 3 مواقع سرية إيرانية، حيث تجري هذه الاجتماعات بدءًا من يوم الاثنين 6 يونيو وحتى الجمعة 10 يونيو 2022. وتحظى هذه الاجتماعات بأهمية كبيرة؛ نظرًا إلى سببين:

الأول- تعثر المفاوضات: إذ تنعقد الاجتماعات في وقت تمر فيه المباحثات النووية بين الغرب وإيران بأزمة غير مسبوقة منذ بدئها العام الماضي. فقد توقفت في مارس 2022؛ بعدما قدّمت إيران طلبًا لرفع الحرس الثوري من قائمة المنظمات الإرهابية شريطة مواصلة تلك المفاوضات. وجاء هذا الطلب في الساعات الأخيرة من المحادثات النووية وبعدما أعلنت مختلف الأطراف قرب الإعلان عن الاتفاق بشكل نهائي.

الثاني- النتائج المستقبلية لاجتماع المحافظين: إذا ما توصلت الأطراف المشاركة في اجتماعات مجلس المحافظين إلى إدانة إيران واتهامها بعدم التعاون الكامل مع الوكالة الدولية للطاقة، فإنها ستكون المرة الأولى التي تُدان فيها إيران بعدم إقدامها على خطوة كهذه منذ يونيو 2020 حينما كانت العقوبات الخارجية على أشدها ضد طهران في عهد إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.

من فيينا إلى مجلس الأمن الدولي: ما هي السيناريوهات الثلاثة الأكثر خطورة؟

إذا ما أدان مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية إيران بعدم التعاون معه ومع المعنيين بشأن أنشطتها النووية المحلية -خاصة وأن المواد المخصبة المعلنة تم العثور عليها في 3 مواقع سرية لم تخبر بها إيران أحدًا من قبل- فإن مفاوضات فيينا النووية ستكون إذًا أمام أحد السيناريوهات التالية:

  1. تقوية جبهة معارضي الاتفاق النووي وتأجيل المحادثات: 

إن الإعلان عن العثور على المواد النووية المخصبة في إيران قد عزز من وجهات نظر معارضي التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران، أو على وجه الدقة الفاعلين غير الراضين عن صيغة ومعادلات المحادثات النووية ونتائجها المتوقعة مستقبلًا؛ إذ إن المعارضين يشككون في التزام إيران ببنود الاتفاق النووي، خاصة فيما يتعلق بأنشطة التخصيب النووي الداخلية، ويؤكدون أنها لم توقف هذه الأنشطة، حتى منذ العام التالي للتوصل للاتفاق الأساسي في 2015. ويأتي هذا التقرير وذلك الاجتماع الدولي الأخير ترجيحًا لوجهة نظرهم.

وفي الوقت الذي لم يوقف هؤلاء الفاعلون ضغوطهم بشأن الحصول على ضمانات أخرى مختلفة من إيران تجعل من الصعب عليها استئناف أنشطتها النووية في أي وقت لاحق، فإن دورهم سيقوى حتمًا خلال الأيام المقبلة ضمن معارضي “صيغة” المحادثات النووية الراهنة بعد التأكد من وجود مواقع نووية جديدة في إيران.

ولعل من الجدير الإشارة إلى أن النواب الجمهوريين وبعض الديمقراطيين في الولايات المتحدة كانوا أحد أهم الأسباب وراء عدم إقدام إدارة بايدن على رفع الحرس الثوري الإيراني من قائمة المنظمات الإرهابية حتى الآن.

ومن الجدير بالذكر كذلك أنه في اليوم التالي لاجتماع مجلس محافظي الوكالة الدولية، الثلاثاء 7 يونيو، قال مسؤول إسرائيلي بارز إن إيران “تمتلك كمية كافية من اليورانيوم المخصب لإنتاج 3 قنابل نووية”. مضيفًا خلال تصريحات في القناة السابعة الإسرائيلية أن “أحد التقريرين اللذين قدمهما رئيسُ الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل جروسي، إلى مجلس المحافظين تحتوي على معلومات تفصيلية خاصة بنطاق تخصيب اليورانيوم في إيران”، واصفًا كميات إنتاج اليورانيوم في إيران بـ”المقلقة”.

إن هذه التصريحات لم تأتِ عشوائيةً مطلقًا، بل إنها جاءت في توقيت اجتماع مجلس المحافظين؛ من أجل الدفع قدمًا لفرض ضغوط أقوى على الأنشطة النووية الإيرانية، علاوة على المحاولات الإسرائيلية المتواصلة والرامية إلى “تعديل صيغة” الاتفاق النووي القديم مع إيران في إطار محادثات النمسا.

  1. الإحالة إلى مجلس الأمن عبر الوكالة الدولية للطاقة الذرية: 

إذا ما قرر مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية إدانة إيران، ورأى على وجه الخصوص ضرورة عودة ملفها إلى مجلس الأمن الدولي؛ فإن القضية سوف تُحال بالفعل إلى الأخير. وسوف تأخذ مثل هذه العملية فترة زمنية من 3 إلى 6 أشهر. وهنا، فعند إحالة الملف لمجلس الأمن، سنكون أمام عودة شبه حتمية للعقوبات الدولية الواسعة ضد إيران.

ولكن العقوبات هنا ستختلف عن العقوبات الأمريكية من حيث النطاق؛ فعقوبات مجلس الأمن الدولي سوف تكون ملزمة بشكل مباشر لعدد أكبر من الدول بضرورة اتخاذ إجراءات عقابية معينة ضد إيران. وهنا، سوف نعود بالتالي إلى الحالة السابقة للملف النووي الإيراني برمته؛ أي تلك الحالة التي سبقت التوصل إلى اتفاق 2015، والتي اتسمت بفرض عقوبات شاملة من المجتمع الدولي ضد إيران، على النقيض من أغلب العقوبات التي طُبِّقت خلال السنوات القليلة الماضية، والتي كانت من جانب الولايات المتحدة. ولكن في الوقت نفسه، من المستبعد –في ظل معادلات وتوازنات الوضع الدولي القائم في الوقت الحالي- أن يذهب مجلس الأمن إلى خيار عسكري ضد إيران.

ج- مجلس الأمن عن طريق “آلية الزناد”:

تنص خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) على إجراء يُطلق عليه “آلية الزناد”، وهي طريق آخر لرفع ملف إيران إلى مجلس الأمن الدولي؛ إذ تنص المادتان 36 و37 من الاتفاق النووي لعام 2015 على أنه إذا ما رفعت إحدى الدول المشاركة في الاتفاق المذكور دعوى ضد إيران إلى اللجنة المشتركة للاتفاق النووي ولم تقتنع تلك الدولة بالنتائج التي توصلت إليها اللجنة، فإن من حق الدولة الطرف في الاتفاق النووي أن تحيل ملف إيران إلى مجلس الأمن الدولي، وهو ما يقبله الأخير. وتُعد هذه الطريقة أسرع نسبيًا من إحالة الملف إلى مجلس الأمن عن طريق مجلس محافظي الوكالة الدولية، لأنها تستغرق حوالي 65 يومًا. ومن المتوقع أن تنتهي هذه الحالة أيضًا بفرض عقوبات ضد إيران.

الخلاصة    

قد تخلص اجتماعاتُ مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى اتخاذ خطوات تصعيدية ضد إيران لم يكن لها مثيلٌ منذ انطلاق المفاوضات النووية في أبريل 2021. ولكن، ومع ذلك، فإنه من غير المتوقع في الوقت نفسه أن تنهار المحادثات النووية الإيرانية تمامًا مع القوى الكبرى؛ بسبب الإعلان عن العثور على مواد نووية في مواقع سرية، أو اجتماع مجلس محافظي الوكالة الدولية، بل إن فرص تحقق السيناريوهين الثاني والثالث هنا ضئيلة؛ نظرًا إلى أنها يمكن أن تعود بالمحادثات النووية مرة أخرى إلى نقطة الصفر.

وعليه، فإن سيناريو تأجيل استئناف المحادثات النووية طبقًا للتطورات الأخيرة المُشار إليها يُعد الأقرب للواقع؛ لأنه على الرغم من تقديم بعض الدول المشاركة في الاتفاق النووي لعام 2015 مشروع القرار الأخير لمجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلا أن هذه الدول تريد بالفعل إنجاح المحادثات والتوصل سريعًا إلى اتفاق نووي يمنع إيران مستقبلًا من إنتاج سلاح نووي.

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M