محاربة التطرف في ألمانيا ـ هل الإسلام جزء من ألمانيا ؟

إعداد : داليا عريان ـ  باحثة في المركز الأوروبي

 

محاربة التطرف في ألمانيا ـ هل الإسلام جزء من ألمانيا 1 ؟

تعد ألمانيا نموذجا للتعدد الديني الذي يكفله الدستور والقانون ما جعلها مساحة آمنة للكثيرين من المهاجرين المسلمين في الاستقرار والعمل على مدار العقود الماضية، وكان الأتراك والمغاربة هم أول القادمين للعمل في المدن الألمانية الكبيرة في الفترة ما بين ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وتدريجيا استقبلت ألمانيا المهاجرين اللبنانيين والفلسطينيين لظروف الحرب في بلادهما.

وبالتوازي نشأت الجمعيات الخيرية والمراكز الإسلامية في برلين وفرانكفورت وشتوتغارت وماربورغ وميونيخ وآخن، بهدف العمل الإنساني والخدمي لهؤلاء المهاجرين، الأمر الذي سهل لقيادات جماعة الإخوان المسلمين التغلغل داخل المجتمع الألماني لاسيما مع تمدد عمل المؤسسات التابعة للتنظيم الدولي للإخوان في عدد من العواصم الأوروبية في الوقت نفسه، ما وضع ألمانيا اليوم أمام معضلة محاصرة نشاط هذه الجماعة وجمعياتها التي باتت تهدد أمن المجتمعين الألماني والأوروبي معاً.

الجاليات المسلمة في ألمانيا

رغم توافد المهاجرين المسلمين إلى ألمانيا منذ سنوات طويلة، إلا أن عام 2015 كان نقطة تحول باستقبال ألمانيا مليون ونصف المليون لاجئ أغلبهم قادمين من سوريا، ما أدى لارتفاع أعداد الجاليات المسلمة بنسبة (20%)، وفي الوقت نفسه تراجعت نسبة المسلمين الأتراك من (67%) إلى (50%) مقابل زيادة أعداد المسلمين القادمين من منطقة الشرق الأوسط.

وقدرت أعداد المسلمين في ألمانيا خلال عام 2020، ما بين (5.3) إلى (5.6) مليون مسلم ما يمثل نسبة (6.4%) إلى (6.7%) من إجمالي عدد السكان ويتمركز ثلثهم في ولاية شمال الراين وستفاليا غرب ألمانيا، ويمثل عدد المسلمين المنحدرين من تركيا (45.1%)، وتتساوى نسبة المسلمين المنحدرين من جنوب شرق أوروبا بنسبة القادمين من منطقة الشرق الأدنى وتبلغ (19.2%) ، وتصل نسبة المسلمين المنحدرين من الشرق الأوسط  (8.8%)، وتصل نسبة المسلمين القادمين من شمال أفريقيا (7.6%).

وساعدت الهجرة من الشرقين الأوسط والأدنى على تنوع الطبيعة السكانية للمسلمين بألمانيا، وتشير التقديرات إلى تراوح أعداد المسلمين في العاصمة الألمانية برلين ما بين (250) ألف إلى (300) ألف مسلم ما يمثل (9%) من سكانها، بينما يقيم نحو (120) ألف مسلم في كولونيا الواقعة غرب ألمانيا.

ممارسة الشعائر الدينية

تنص المادة الرابعة من الدستور الألماني على حرية المعتقد الديني ما يضمن حرية ممارسة الشعائر الدينية، وتؤكد القوانين الاتحادية على أنه لا يجوز إكراه أحد على المشاركة في الخدمة العسكرية بما يتعارض مع معتقداته. وحرصت السلطات الألمانية على تشييد المساجد بمختلف طرازها المعماري ووصلت أعدادها إلى (2800) مسجد، وتنوعت بين (350) مسجد مشيد بمئذنة أو قبة وفقا للتصميم المعماري التركي لكثرة أعداد المسلمين الأتراك، ومساجد أخرى كبيرة تتسع لأكثر من (1000) شخص في كبرى المدن مثل بريمن ودويسبورغ وكولونيا إضافة إلى مساجد مصممة تصميم بسيط في المدن الصغيرة.

ولا تخضع فقط المساجد لمواصفات بناء محددة، بل تطبق تلك الشروط على كافة دور العبادة بألمانيا، نظرا لأن حقوق الأقليات محفوظة وتعد حقوق أساسية غير مسموح للأغلبية إلغائها أو المساس بها. وسمح لبعض المساجد رفع صوت الأذان بصوت مسموع خارجها، وكانت كولونيا واحدة من المدن التي طبقت تجربة رفع الأذان بصوت مسموع أثناء الصلاة أيام الجمعة عبر مكبرات الصوت، وفي 13 أكتوبر 2021 أطلق عمدة المدينة المشروع بشرط ألا يتعدى الأذان خمي دقائق مع وضع ضوابط لمستوى علو الصوت وفقاً لموقع المسجد في المدينة التي تضم (45) مسجداً.

وبهذه التجربة المطروحة للتقييم خلال عاميين من إطلاقها، تسعى كولونيا نشر مفاهيم التسامح والتنوع وتقبل الآخر بالسماح لسماع صوت الأذان بجانب أجراس الكنائس بالمدينة، مستندة على القوانين الألمانية التي تنص على أن نداء الصلاة بمكبرات صوت حق من الحقوق الأساسية للفرد وضمن الحريات الدينية، وتراعي القوانين في الوقت نفسه تجنب أي أضرار تلحق بالمجتمع جراء تطبيق هذه الحقوق بناء على قانون ” الحرية الدينية السلبية” لذا تضع ضوابط لممارسة الشعائر الدينية في الأماكن العامة.

ولم تكن تلك القواعد حديثة بل يعود تاريخ رفع الأذان بصوت عالي إلى منتصف الثمانينيات من القرن الماضي في مدينة دورن الواقعة غرب ألمانيا وسمحت وقتها بإسماع صوت الأذان ثلاث مرات من اليوم بمسجد الفاتح، وبالمثل سمحت مدينة غلزنكيرشن سماع صوت المؤذن بمسجد حي هاسل كل يوم جمعة خلال عام 2001.

مواقف الأحزاب السياسية الألمانية من المسلمين والإسلام السياسي

يبدو أن الخلاف داخل الحكومة الائتلافية التي تضم ” الحزب الاشتراكي الديمقراطي والحزب الديمقراطي الحر وحزب الخضر” لا يتعلق فقط بالسياسة المالية، بل يمتد إلى التعامل مع قضايا المسلمين الألمان من ناحية ودرجة التقارب مع تيار الإسلام السياسي من ناحية أخرى.

ويصبح ملف الجاليات المسلمة في كل انتخابات بألمانيا أهم النقاط التي تركز عليها الأحزاب لاسيما وأن نصف المسلمين لهم حق التصويت بالانتخابات. وفي الانتخابات البرلمانية لعام 2021 وعد الحزب الاشتراكي بتقديم سياسات تضامنية مع قضايا المهاجرين ومكافحة العنصرية، وبالمثل أعلن حزبا الخضر واليسار نفس التوجه رغم الانتقادات الموجهة لهما بشأن التعاون مع الجماعات المتطرفة التي تهدد أمن المجتمع الألماني وفي مقدمته المسلمين، وطالب الحزب الليبرالي الحر بأهمية دمج المسلمين بالمجتمع.

وتقوم برامج حزبي الاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي على تطبيق سياسة الاندماج والتحذير من التطرف، وتعود سياسيات الحزبين إلى فترة حكمهما بزعامة المستشار الألمانية السابقة أنغيلا ميركل لألمانيا باتباع توجه مناهض للجماعات الداعمة للإسلام السياسي، وفي 13 أبريل 2021 طرحت الكتلة المحافظة مقترحا لقطع جميع الإعانات المقدمة للجماعات الإسلامية، الأمر الذي يفسر انقسام مواقف أعضاء الحزب الاجتماعي المسيحي بشأن رفع الأذان، ما بين مؤيد للقرار لتحقيق انسجام المسلمين بالمجتمع ومعارض للأمر لاعتباره دخيل على تقاليد المجتمع الغربي.

بينما وقف حزب البديل من أجل ألمانيا على الجانب الآخر من باقي الأحزاب، برفضه استقبال المهاجرين ومعارضته لتدريس الدين الإسلامي بالمدارس ورفع صوت الأذان في مكبرات الصوت، ويبرر مواقفه بأن تزايد أعداد المسلمين يهدد وجود دولة القانون.

وأثارت قضية تدريس مادة التربية الإسلامية بولاية بافاريا جنوب ألمانيا في 6 يوليو 2021 الجدل بين السياسيين، وانتقد حزب الخضر القانون مستندا على أنه مجرد درس أخلاقي بتوجيه إسلامي ولن يقدم تعليما دينيا للتلاميذ المسلمين، ويعود هجوم الخضر لعلاقته بالتيار الإسلامي خاصة وأن القانون لم يسمح للجمعيات الإسلامية بالتدخل في المنهج أو اختيار المعلمين.

الإسلام جزء من ألمانيا

مازال تصريح ” المسلمون والإسلام جزء من ألمانيا” الذي أدلت به المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل في 16 مارس 2018 محط نقاش بين الأحزاب الألمانية. وقالت ميركل إن “البلاد تريد إسلاماً قائماً على أساس الدستور، ويتعين علينا بذل الجهود لصياغة حياة مشتركة على نحو جيد بين الأديان”، وتوافقت تصريحات ميركل مع كلمات الرئيس الألماني الأسبق كريستيان فولف خلال عام 2010 الذي أكد فيها على أن الإسلام جزء من بلاده.

وجاءت تصريحات ميركل تعقيبا على تصريح وزير الداخلية الألماني وقتها هورست زيهوفر حول الإسلام، والتي أشار فيها إلى أن” بلاده تتميز بشدة الطابع المسيحي واليهودي، وهناك 4 ملايين مسلم يعيشون فيها وهذا لا يعني تخلي ألمانيا عن تقاليدها”.

وانتقد الساسة من أحزاب الاشتراكي والمسيحي الديمقراطي والخضر واليسار موقف زيهوفر، وأرجعه البعض إلى محاولة لكسب أصوات انتخابية من حزب البديل المعروف بمواقفه المتشددة ضد المسلمين، مؤكدين على أن دعم التكاتف بالمجتمع سياسة دولة يحميها الدستور.

المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا ZMD.. مهامه وعلاقته بالداخلية

يعود تاريخ إنشاء المجلس الأعلى للمسلمين بألمانيا إلى عام 1994 تحت رئاسة ” نديم إلياس” بهدف متابعة شؤون الجالية المسلمة في ألمانيا، حتى أنه تبنى منذ عام 1997 يوم 3 أكتوبر من كل عام يوم ” المسجد المفتوح” للحد من التحيز ضد الإسلام، ويشارك في عضويته نحو (10) آلاف شخص أغلبهم من المسلمين الأتراك. ويضم نحو (4) اتحادات إسلامية كبرى بألمانيا و(20) منظمة متعددة الانتماءات يتبعها نحو (300) مسجد.

ورغم محاولات المجلس للبعد عن شبهة التورط مع جماعة الإخوان المسلمين، لكن مازالت الانتقادات توجه ضده بشأن اختراق الجماعة لأنشطته، لذا وجه دعوة لمنظمات ألمانية وأئمة وسياسيين ورجال دين للمشاركة في أسابيع مناهضة العنصرية خلال الفترة من 14 إلى 17 مارس 2022 للتأكيد على موقفه المناهض للتطرف والعنصرية والتزامه بقيم المجتمع الألماني من الاحترام والتسامح.

وفي 31 يناير 2022 أنهى المجلس علاقته بأهم أعضائه المؤسسين ” التجمع الإسلامي الألماني DMG” والذي عرف في السابق باسم ” الجمعية الإسلامية في ألمانيا” باستبعاده رسميا بعد أن علق عضويته خلال عام 2019، وجاءت الخطوة لنفي أي علاقة تربطه بجماعة الإخوان بعد تصنيف جهاز حماية الدستور ” الاستخبارات الداخلية” التجمع الإسلامي جزء من الشبكة العالمية للإخوان ومنظمتهم المركزية في ألمانيا.

ويعد التجمع الإسلامي أضخم جمعية تضم الإخوان في ألمانيا ومنحته العضوية بالمركز الإسلامي فرصة للتواصل مع بعض القنوات السياسية، لذا شهد مؤتمر الإسلام في ألمانيا لعام 2007 واقعة غريبة بحضور رئيس التجمع آنذاك إبراهيم الزيات مع وفد المجلس رغم عدم توجيه الداخلية دعوة للأول.

ومنذ هذه اللحظة وقعت الداخلية في مأزق لعلاقتها القوية بالمركز الإسلامي الذي نجح في الحصول على أموال لتمويل مشروعاته والتواجد سنويا في ” مؤتمر الإسلام في ألمانيا” تحت رعاية وزارة الداخلية بهدف دمج المسلمين في المجتمع، واتجهت الأنظار إلى علاقة التجمع الإسلامي بالإخوان ما دفع الاستخبارات لاتخاذ إجراءات مباشرة ضده.

تقييم واقع المسلمين وعمل المجلس الإسلامي بألمانيا

تنعكس التركيبة السكانية للمسلمين بألمانيا على درجة تأثيرهم في المجتمع والحياة السياسية، فالنسبة الأكبر من المسلمين من أصول مهاجرة، ويحمل (2.6 )مليون مسلم الجنسية الألمانية وتتراوح أعمار نصفهم ما بين 18 و29 عاماً، بينما تبلغ نسبة من هم ستون عاماً أو أكثر أقل من (5%) . وطوال السنوات الماضية لم يكن هناك تأثير مباشر من المسلمين في المجتمع الألماني، ويعود الأمر إلى تراجع المستوى التعليمي لبعضهم لطبيعة ظروف الهجرة وبالتالي تراجع المستوى الاجتماعي وظروف الإقامة، وبالرغم من هذا لمس المسلمون بألمانيا تحسن في مستوى المعيشة مقارنة بحياتهم السابقة لذا يشعرون بالرضا تجاه أداء الحكومات نظرا للثقة في تطبيق القانون داخل المجتمع. أما على المستوى السياسي يميل المسلمون إلى الحزب الاشتراكي ومن بعده حزبي الخضر واليسار بينما تتراجع لديهم شعبية حزب البديل، ورغم صغر أعمار الناخبين المسلمين لكن لا يقبلون بالشكل المتوقع على التصويت.

وينقسم عمل المجلس الأعلى للمسلمين إلى جانبين، الجانب الأول يرتبط بدوره كحلقة وصل بين المسلمين والمؤسسات بألمانيا كونه الصوت الإعلامي الأكثر تواجداً بين باقي المنظمات الإسلامية والأكثر تواصلاً مع وزارة الداخلية، ويرغب المجلس في أن يصبح له تواجد بشكل فعلي بين المسلمين خاصة وأن (16%)  فقط يدركون دوره ما يشير إلى فجوة كبيرة في الدور المتوقع منه حول دمج المسلمين في السياسة. أما الجانب الثاني تثار حوله الشكوك نظراً للعلاقات التي ربطته بالتجمع الإسلامي وجماعة الإخوان من ناحية، والاتحاد الإسلامي التركي للشؤون الدينية من ناحية أخرى، لاسيما مع تقارب الأفكار الإيدلوجية في مدينة آخن غرب ألمانيا بين قيادات المجلس المتأثرين بإخوان سوريا وقيادات التجمع المتأثرين بإخوان مصر، لذا يتحفظ المجلس الإعلان عن أعضائه ويعتمد على هيكل غير مركزي للبعد عن المراقبة الأمنية.

التقييم

تظل قضية المسلمين بألمانيا معضلة كبيرة يصعب احتواء أبعادها على المدى القريب، نظرا لتزايد أعدادهم السنوات الأخيرة وتعقد الأزمات المصاحبة لهذه الزيادة، بداية من مواجهة الأفكار المتطرفة من جانب السياسيين اليمنيين وتحجيم أنشطة الجمعيات الإسلامية ذات الصلة بجماعة الإخوان المسلمين وصولا إلى دمج هؤلاء المسلمين داخل المجتمع والحياة السياسية بشكل فعال.

وربما أساءت بعض المؤسسات الألمانية تقديرها لقدرة المجلس الأعلى للمسلمين على تحقيق التوازن بين طرح مشاكل المسلمين على الدولة وعرض الواجبات المفروضة عليهم تجاه المجتمع، حتى أن قرار استبعاده للتجمع الإسلامي لا ينفي بقاء إخوان مسلمين بداخله ولا يعيد الثقة كاملة من جديد في قياداته. وتبقى أمام الحكومة الألمانية أمور جدلية معلقة ترتبط برفع الأذان بمكبرات صوت وتدريس التربية الإسلامية بالمدارس وسط مخاوف من تدخلات جمعيات الإخوان المسلمين واعتراضات من قبل الأحزاب ذات الصلة بالإسلام السياسي.

 

الهوامش

صوت آذان مساجد مدينة كولونيا يثير جدلا واسعا في ألمانيا!
https://bit.ly/3AkVgO3

Muslims in Germany: Religion not a good gauge of integration
https://bit.ly/3QgUx5L

ZMD Asks Islamic Associations to Participate in Int’l Weeks Against Racism
https://bit.ly/3pdQECW

ميركل معارضةً وزيرَ داخليتها.. الإسلام جزء من ألمانيا
https://bit.ly/3PuUYbK

باحث ألماني: ممارسة شعائر الإسلام لا علاقة لها بالإسلام السياسي
https://bit.ly/3pgSEKx

دراسة: ارتفاع عدد المسلمين بشكل ملحوظ في ألمانيا
https://bit.ly/3PyDsDc

 

.

رابط المصدر:

 

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M