مخيم الهول.. ألغام «داعش» المرعبة

د. وفاء صندي

 

أعاد تقرير، بثته قناة إخبارية عربية، الأسبوع الماضى، من داخل مخيم الهول السورى، النقاش حول الخطر القادم من المخيم، والوضعية الإنسانية لآلاف النساء والأطفال المرتبطين بتنظيم داعش، والذين تم احتجازهم داخل المخيم منذ سقوط الباغوز، آخر معاقل التنظيم فى سوريا.

انخفض عدد المحتجزين داخل المخيم من 74000 فى نهاية مارس 2019، الى نحو 56 ألفا، فى حدود يونيو 2022. تشير تقديرات الى ان 94%منهم نساء وأطفال، 86%عراقيون وسوريون. بالإضافة الى أزيد من 11000 امرأة وطفل أجنبى من 51 دولة. تم تنظيم مخيم الهول على أنه نظام من مستويين: واحد أكثر صرامة يضم المقاتلين الارهابيين الأجانب، والآخر اقل تشددا وهو يؤوى العراقيين والسوريين.

فى قسم الأجانب، مظاهر التطرف والولاء لـداعش تبقى اكثر حدة، بحيث ترفع أعلام التنظيم السوداء، وتطبق قواعد سلوك صارمة، وتتصرف بعض النساء كما لو أنهن لا يزلن جزءا من كتيبة الخنساء. وعلى الرغم من بعض القيود المفروضة، يتمتع المحتجزون فى هذا القسم بفرصة الاجتماع والاتفاق والتشاور والتخطيط والتأثير فى باقى المقيمين، وفرض قوانين التنظيم على المخيم. فى هذا القسم أيضا يوجد نساء أصبن بخيبة أمل ويردن فقط العودة إلى بلدانهن بعد أن أدركن أن قيادة داعش استخدمتهن فقط لتعزيز أهداف التنظيم الأيديولوجية.

الحياة فى القسم الآخر من المخيم المخصص للعراقيين والسوريين هو أقل صرامة، على الرغم، من أن معظمهم من عائلات مرتبطة بـداعش. هم يسمح لهم بمزيد من حرية الحركة داخل المخيم وان كانوا لا يستطيعون مغادرته الا فى بعض الحالات.

بعد خسارته للأرض وفى ظل غياب القيادة الذكورية، لم يتوان التنظيم عن استخدام النساء داخل الهول، كأحد موارده، وكسلاح مهم فى إطار ايديولوجيته التوسعية. وتقوم النساء داخل المخيم بإدارة حسابات على مجموعة من منصات التواصل الاجتماعى اما لنشر دعاية او جمع التبرعات،كما انخرطن فى عمليات التهريب بجميع أنواعها. بعض الخلايا النسائية المرتبطة بالتنظيم تفرض قسرا أيديولوجية داعش على نساء أخريات فى المخيم من خلال ما يعرف بوحدات الحسبة أو الشرطة الدينية، أحيانا تفرض هذه الوحدات عقوبات قاسية تشمل الجلد والتعذيب والحرمان من الطعام وحرق الخيم والقتل.

الأخطر أن بعض نساء المخيم حولته إلى مركز لتعليم التطرف، يتلقى فيه الأطفال تعاليم وشروط وقواعد وضوابط دينية على يد أمهاتهم. هناك قسم كبير من الأطفال المقيمين فى المخيم، قتل آباؤهم أثناء الحرب ضد داعش، وهؤلاء زادت المدة الزمنية التى يقيمونها فى المخيم، زادت الروح الثأرية لديهم.

فى الغالب، هناك اتصال دائم بين عناصر داعش وبعض المحتجزين داخل المخيم. نشط التنظيم بعد هزيمته العسكرية فى جمع الأموال لهم عبر الانترنت. غالبا ما تساعد هذه الأموال فى الحفاظ على أنشطة التنظيم داخل المخيم، ومنها التلقين، والخدمات الأساسية لعناصره من النساء، تلبية الاحتياجات التى لا يقدمها عمال الإغاثة وسلطات المخيم، شراء مستلزمات التواصل مثل الهواتف المحمولة، خطوط الاتصال والأسلحة وغيرها، رشوة المسئولين، شراء المستندات المزورة، ودفع المال للمهربين لنقل بعض العائلات خارج المخيم.

مخيم الهول هو بيئة معقدة لا يستهان بخطورة الخارجين منه، ولا بخطورة إبقاء المخيم على الوضع الذى هو عليه. ما يشهده من حالات استقطاب وعنف هو نتيجة متوقعة لتجمع بقايا عناصر داعش فى بقعة واحدة. حتى فى زمن قوة التنظيم، لم يكن هذا العدد الكبير من حاملى الفكر المتطرف مجتمعين فى بقعة جغرافية واحدة. جمع مخيم الهول بين المتطرفين من مختلف المناطق التى كان يسيطر عليها داعش، وما تفعله قوات سوريا الديمقراطية أنها تراقبهم عن بعد. ربما هى واعية بالخطر الذى يشكلونه، لكن دون أن تتخذ أى إجراءات وقائية لمنع حدوثه.

فشل الحكومات فى استعادة النساء والأطفال وحل المخيم يمكن أن يؤدى إلى تسهيل نشوء تهديدات أمنية كبيرة فى المستقبل.تجربة الحرب والهروب والمخيمات مقترنة بالشعور بالظلم والاقصاء والرغبة فى الانتقام وعدم توافر الفرص، كلها أسباب ستجعل دعوات التنظيمات الارهابية والجماعات الاجرامية اكثر تقبلا لدى هذه الفئات.إذا ربح تمرد داعش معركته فى صحراء العراق وشرق سوريا ووضع موطأ قدم فى هذه المنطقة، فإن النساء والأطفال الذين تم احتجازهم لسنوات طويلة فى الهول سيصبحون، على الأرجح، عنصرا أساسيا لتحقيق أهداف داعش الإقليمية.

نقلا عن جريدة الاهرام الخميس 9 مارس 2023

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/33023/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M