مركزية سوريا: دوافع الجولة الخارجية لوزير الخارجية الإيراني

علي عاطف

 

بعد حوالي 120 يومًا من الاحتجاجات المستمرة، يبدو أن الحكومة الإيرانية قد تأقلمت مع حالة المظاهرات الجارية في البلاد منذ منتصف شهر سبتمبر 2022. ويمكن الاستدلال على هذا بتوجه طهران مؤخرًا إلى تنشيط دوائر سياستها الخارجية مرة أخرى بعد أشهر من الخمول، وذلك عبر الزيارات المتواصلة التي قام بها –ولا يزال– وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان. فقام عبد اللهيان بزيارة إلى لبنان الأسبوع الماضي، تلتها رحلة أخرى إلى دمشق يوم 14 يناير الجاري، ثم لقاءات في أنقرة مع المسؤولين الأتراك، وذلك في الوقت الذي يعتزم فيه الوزير الإيراني كذلك زيارة روسيا خلال الأيام المقبلة.

وقد جاءت هذه الزيارات في الواقع متأخرة عند النظر إلى أهدافها الرئيسة، ولكن يمكن تفهم أسباب هذا التأخر عند الأخذ في الحسبان موجة الاحتجاجات العارمة المناهضة للنظام في طهران والمستمرة منذ أشهر. وعلى الرغم من أن هذه الرحلات الخارجية لعبد اللهيان لا تحمل هدفًا واحدًا، إلا أن دوافعها الرئيسة تكاد تتركز في أربع نقاط هي: محاولة إيران مجددًا منع تركيا من القيام بعملية عسكرية واسعة في الشمال السوري، وتعزيز التعاون مع الحكومة اللبنانية والاستعداد والتنسيق مع “حزب الله” لكيفية التعامل مع حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد، بنيامين نتنياهو، إلى جانب التشاور مع موسكو بشأن كيفية استنئاف المفاوضات النووية في وقت قريب؛ منعًا لموتها.

ومع ذلك، فإن الهدف الأكثر أهمية لإيران فيما يتعلق بهذه الزيارات الإقليمية يتمحور حول سوريا التي تشهد سياستُها الخارجية تحولاتٍ رئيسة خلال السنوات القليلة الماضية، لعل أبرزها وأحدثها مسألة التقارب مع تركيا تحت رئاسة رجب طيب أردوغان، الخصم الاستراتيجي للحكومة السورية منذ عام 2011.

فزيارة وزير الخارجية الإيراني إلى سوريا وتركيا قد ركزت بشكل أساسي على تناول هذا الملف، ولم تخلُ كذلك أجندة زيارة عبد اللهيان إلى لبنان من تسليط الضوء على الملف السوري والإشارة إلى أن تهدئة الأوضاع في سوريا ستلقي بظلالها على لبنان. ومع ذلك، فإنه وبرغم حيوية ملفات أخرى عند الحديث بشأن أهداف زيارة عبد اللهيان المرتقبة إلى روسيا، فإن الملف السوري سيكون حاضرًا وبقوة إلى جانب قضايا أخرى؛ خاصة في ظل الانشغال الروسي عن التطورات في سوريا منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية في فبراير الماضي. وفي ضوء ذلك، نسلط الضوء فيما يلي على أبرز الأهداف السياسية والأمنية الإيرانية من وراء زيارة حسين أمير عبد اللهيان إلى تركيا التي وصلها في 17 يناير الجاري.

التفاوض مع تركيا لمنع شن عملية عسكرية شمالي سوريا

يحاول وزير الخارجية الإيراني عبد اللهيان التوسط ما بين روسيا وتركيا لتلبية الأخيرة مطالب موسكو بشأن عدم القيام بعملية عسكرية برية جديدة شمالي سوريا ضد الوحدات الكردية المتمركزة هناك. وكانت مصادر تركية قد كشفت مؤخرًا عن عزم الجيش التركي شن مثل هذه العملية في الشمال السوري، وهو ما أكده المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن، يوم 14 يناير الجاري حين قال إن “شن عملية عسكرية برية في سوريا ممكن في أي وقت”، مضيفًا أن بلاده “تواصل دعم العملية السياسية التي بدأت نهاية شهر ديسمبر 2022، مع لقاء وزيريّ الدفاع التركي والسوري في موسكو”.

ويفسر لنا هذا دوافع قيام عبد اللهيان بزيارة دمشق ثم أنقرة إلى جانب رحلته المرتقبة إلى العاصمة الروسية موسكو. وفي هذا الصدد، لفت الوزير الإيراني خلال حضوره في سوريا إلى أن بلاده “منعت” في السابق هجومًا تركيًا محتملًا في الشمال السوري عبر الحوار مع أنقرة، إلا أنه لم يكشف المزيد من التفاصيل حول ذلك.

أما في أنقرة، فقد أعلن وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، يوم 17 يناير الجاري أن المحادثات مع نظيره الإيراني قد سلّطت الضوء على الملف السوري، قائلًا “إننا بحثنا الملف السوري بشكل موسّع، ونؤكد احترام ودعم الوحدة السياسية والأراضي السورية، ولكن منذ 11 عامًا هناك أزمة دائرة هناك (في سوريا) أدت للكثير من المشاكل”، في إشارة إلى تواجد جماعات مناهضة لتركيا في سوريا. وأوضح المسؤولون الأتراك أنهم أطلعوا الوزير الإيراني عبد اللهيان بشأن المحادثات التي جرت بينهم وبين نظرائهم السوريين خلال الأيام الماضية.

لذا، استحوذت قضية العمل العسكري التركي في سوريا على أهم ما تناولته لقاءات وزير الخارجية الإيراني مع المسؤولين السوريين في دمشق وعلى رأسهم الرئيس السوري بشار الأسد ووزير الخارجية فيصل المقداد الذي شدد على أنه “لا يمكن الحديث عن إعادة علاقات طبيعية مع تركيا دون احترام سيادة سوريا وإنهاء الاحتلال”، على حد تعبيره، وهو ما ذهبت إليه أيضًا تصريحات مماثلة سابقة من جانب الرئيس الأسد، مثلما كانت القضية نفسها من بين أبرز ما تطرق إليه حسين أمير عبد اللهيان في تركيا خلال لقائه بنظيره التركي أوغلو الذي أشار إلى قضية العمل العسكري ضمنيًا حينما قال إن “إيران وتركيا تدعمان وحدة الأراضي السورية كلها، ويجب اتخاذ خطوات ملموسة لتحقيق الاستقرار في سوريا”، مؤكدًا على “دور إيران في ذلك”.

هندسة مرحلة جديدة في العلاقات السورية التركية

بدأت خلال الأشهر الأخيرة صفحة جديدة في العلاقات بين تركيا وسوريا بعد أعوام طويلة من العداء، وهو ما يندرج بالأساس في إطار محاولة أنقرة تعزيز مصالحها الخارجية والأمن القومي. فقد عبّر الرئيس التركي أردوغان أواخر شهر نوفمبر 2022 عن عدم رفضه لقاء نظيره السوري الأسد قائلًا “من الممكن أن ألتقي مع الأسد، حيث لا توجد خصومة دائمة في السياسة، وسنتخذ خطوتنا هذه في النهاية”.

وكانت هذه التصريحات مفاجِئة لكثيرين في ذلك الوقت؛ إذ كانت إشارة واضحة على دخول علاقات البلدين مرحلة جديدة مختلفة ستحقق سوريا من ورائها أيضًا مكاسب سياسية وعسكرية جديرة بالاهتمام. وقد تحولت هذه التصريحات التركية إلى واقع ملموس في 28 ديسمبر 2022، حينما التقى وزيرا دفاع تركيا وسوريا في روسيا لأول مرة منذ عام 2011. لذا، باتت هنالك مؤشرات قوية على بدء مرحلة جديدة في العلاقات بين دمشق وأنقرة، ستحاول طهران حتمًا لعب دور قوي في هندستها وتشكيلها بتعاون روسي واسع. ويجدر القول هنا إن دور إيران في إعادة صياغة العلاقات بين هذين البلدين سيكون ملحوظًا خلال الفترة المقبلة؛ لأسباب عدة أهما ما يلي:

● الحضور الإيراني العسكري الواسع في سوريا.

● تطور العلاقات السياسية بين إيران وسوريا إلى ما يشبه التحالف شبه المكتمل.

● تأثير الحرب الأوكرانية على معادلات التوازن العسكري في سوريا، بحيث تسعى إيران إلى تعزيز قواتها العسكرية هناك وتعميق النفوذ السياسي في سوريا في الوقت الذي تستحوذ فيه الأزمة الأوكرانية على اهتمام روسي أكبر.

● الرؤية الإيرانية المحلية لدى الساسة في طهران والتي تخشى من حدوث تحولات خارجية جذرية في السياسة السورية، وعلاقاتها مع مختلف الدول، يمكن لها أن تؤثر على مصالح طهران ليس فقط في سوريا ولكن داخل منطقة الشرق الأوسط.

ومن أجل هذا، تسارع إيران إلى إعادة هيكلة جزء مفقود في علاقاتها مع سوريا كانت قد فقدته خلال السنوات التي سبقت الحرب الأوكرانية مباشرة، منذ عام 2019 تحديدًا، والتي تراجع فيها النفوذ السياسي والعسكري الإيراني في سوريا لصالح روسيا، بينما بقي الحضور التركي والأمريكي واضحًا.

ويفسر لنا هذا الأسبابَ التي دفعت –ولا تزال- الإيرانيين إلى تكثيف اتصالاتهم مع السوريين منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية في أوروبا العام المنصرم. ومن خلال تعويض ذلك الغياب النسبي عن التأثير في المشهد السوري داخليًا وخارجيًا، تعتزم إيران إحداث تأثير ملموس في سياسة سوريا الخارجية خلال الفترة المقبلة عبر آلية التعاون المشترك بين البلدين، وهو ما يقودنا إلى ملف التقارب السوري التركي مؤخرًا والذي شكلّ محور اهتمام إيراني خلال لقاءات وزير الخارجية الإيراني عبد اللهيان مع السوريين والأتراك على حدة.

فقد أكد حسين أمير عبد اللهيان خلال لقائه نظيره التركي تشاوش أوغلو في أنقرة يوم 17 يناير الجاري على أن بلاده “مسرورة جدًا بشأن التقارب بين تركيا وسوريا، وأن العلاقات بين دمشق وأنقرة باتت تتغيّر”. وأضاف حسين عبد اللهيان “نعتقد أن أي تطور إيجابي بين البلدين سيكون مفيدًا لمنطقتنا ولبلدنا”. وفي هذا تشجيع إيراني على حدوث تقارب حقيقي بين تركيا وسوريا تتوقع طهران أن يخدم بعض مصالحها.

لماذا تفضل إيران الحوار بين تركيا وسوريا ؟

ترى إيران أن الحوار بين أردوغان والأسد قد يقود إلى تهدئة الأوضاع في سوريا خلال الأيام المقبلة، وهو تحتاجه طهران في ظل الانشغال الروسي وتوقعها تطور الصراع مع إسرائيل خلال الفترة المقبلة، ما يعني أنها ستحتاج إلى التركيز على عدد من الملفات الرئيسة ومحاولة تجنب انفجار ملفات أخرى قد تضر بمصالحها في سوريا والمنطقة. لذا، تحاول إيران منع شن أنقرة عملية عسكرية في شمال سوريا ضد الأكراد؛ خوفًا من عودة العنف الشامل إلى سوريا والذي قد يقود إلى إعادة إحياء تنظيم “داعش” الإرهابي من جديد، وهو ما قد يشكل بالتالي تهديدًا للنفوذ الإيراني في سوريا.

وعلى الرغم من أن إيران قد شنت حربًا ضد التنظيم الإرهابي في سوريا قبل سنوات، إلا أن ذلك كان بمساعدة جوية حيوية للغاية من جانب روسيا أدت في النهاية إلى هزيمته، وهو ما قد يعني أن تفجر مثل هذه الصراعات على ذلك النحو مرة أخرى في سوريا في الوقت الذي تنصب فيه أغلب الجهود الروسية حاليًا على الأزمة الأوكرانية قد يهدد الحضور والنفوذ الإيراني هناك.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/75099/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M