مستقبل الإرهاب ما بعد الظواهرى

خالد عكاشة

 

ظل أيمن الظواهرى زعيم تنظيم القاعدة؛ يتمتع بأهمية رمزية واسعة خلال الفترة التى تولى فيها منصب القيادة، استنادا إلى دوره التاريخى فى بلورة نشاط العنف المسلح الذى كان يجرى فى أفغانستان، ونقله من عشوائية تنظيم الجهاد المحلى المباشر ضد الاتحاد السوفيتى، إلى آفاق تأسيس «الجبهة الإسلامية العالمية» 1998 التى مثلت حينها اندماجا بين تنظيم «الجهاد» المصرى، وبين المتطوعين الذين انخرطوا تحت راية سماها «عبد الله عزام» قاعدة المجاهدين. من تلك التسمية احتفظ الرعيل الأول الذى عاصر ما جرى على الأراضى الأفغانية بـ«القاعدة»، كمسمى لـ «التنظيم العالمي» الذى بذل فيه أيمن الظواهرى جهدا تنظيريا وحركيا تمكن خلاله من ضم جميع الفصائل…

ظل أيمن الظواهرى زعيم تنظيم القاعدة؛ يتمتع بأهمية رمزية واسعة خلال الفترة التى تولى فيها منصب القيادة، استنادا إلى دوره التاريخى فى بلورة نشاط العنف المسلح الذى كان يجرى فى أفغانستان، ونقله من عشوائية تنظيم الجهاد المحلى المباشر ضد الاتحاد السوفيتى، إلى آفاق تأسيس «الجبهة الإسلامية العالمية» 1998 التى مثلت حينها اندماجا بين تنظيم «الجهاد» المصرى، وبين المتطوعين الذين انخرطوا تحت راية سماها «عبد الله عزام» قاعدة المجاهدين. من تلك التسمية احتفظ الرعيل الأول الذى عاصر ما جرى على الأراضى الأفغانية بـ«القاعدة»، كمسمى لـ «التنظيم العالمي» الذى بذل فيه أيمن الظواهرى جهدا تنظيريا وحركيا تمكن خلاله من ضم جميع الفصائل داخله، وتحت قيادة الشخصية الملهمة آنذاك «أسامة بن لادن» واحتفظ لنفسه بموقع الرجل الثاني.

انتقلت القاعدة فعلا بعد تلك الخطوة إلى مرحلة الانتشار الخارجى، حيث شهدت السنوات الثلاث التالية لهذا التاريخ أكبر عمليات التنظيم خارج أفغانستان. أولاها الهجوم على سفارتى الولايات المتحدة فى كينيا وتنزانيا، ثم الهجوم الانتحارى على المدمرة الأمريكية «كول» بسواحل ميناء عدن، وأخيرا ذروة العمليات الكبرى باختطاف الطائرات المدنية الأمريكية فى 11 سبتمبر 2001. على الأقل فى مسيرة أيمن الظواهرى الطويلة والمتشابكة لاحقته السلطات الأمريكية كمتهم رئيسى بالتخطيط، والإشراف على تنفيذ تلك الهجمات الإرهابية الكبرى، وجاءت مهاجمته بالمسيرة وقصف ملاذه الآمن فى كابول تحت تلك الذريعة. ويبقى تفسير الصورة الباهتة التى لازمت الظواهرى منذ توليه قيادة التنظيم، لها ارتباط بعديد من العوامل حرمته من الظهور بالكاريزما المطلوبة.

أبرز هذه العوامل، والذى سيكون له تأثير فى مستقبل ما ينتظر القاعدة وساحة الإرهاب العالمى، هو ظهور تنظيم الدولة الإسلامية على مسرح الأحداث بانشقاق من داخل صفوف أفرع القاعدة بمنطقة الشام. فيما جاءت الطبعة الجديدة بأداء يتسم بقدر أكبر من الوحشية المصحوبة بالمبادرة وركوب أحداث الإقليم، فى حين كانت القيادة القاعدية تترنح تحت وطأة اغتيال قيادتها التاريخية بن لادن، ومن ثم دخول الظواهرى كقيادة عليا فى فصل التأمين الذاتى لحياته. لكن تظل تلك الفترة الشاحبة من عمر الإدارة المركزية للتنظيم، لا تنفى عن الرجل مهارته فى الإدارة الاستراتيجية العليا لحركة الجهاد العالمى ربما بأفضل كثيرا، من مباشرة الأحداث اليومية الجارية للتنظيم التى ارتبكت فى الكثير من تفاصيلها وقراراتها. إنما الثابت أن كبار قادة الأفرع الرئيسية للقاعدة الموجودين فى إفريقيا وآسيا، يحملون للظواهرى قدره ويدركون أن نجاحهم على الأرض وتطور مساحات نفوذهم، للقيادة المركزية العليا دور بارز فيها.

عبر هؤلاء وطبيعتهم وأوزانهم الفعلية سيتشكل المستقبل فيما يخص خلافة الظواهرى وما يمكن استشرافه، كماستتغير لا محالة خريطة تهديدات النشاط المسلح على المستوى الدولي. هناك ثلاثة أسماء برزت سريعا كخلفاء محتملين للظواهري؛ الأول «سيف العدل» المصرى اسمه الكامل محمد صلاح الدين زيدان، ويقيم فى إيران، له أدوار تاريخية بارزة فى الجناح العسكرى لسنوات القاعدة الأولى بأفغانستان، ويعد مهندس انشاء الفروع الإفريقية الخارجية للتنظيم، خاصة تنظيم حركة شباب المجاهدين فى الصومال. الثانى يزيد مبارك العنابى الملقب بـ«أبوعبيدة يوسف العنابى»، جزائرى الجنسية يتولى إمارة فرع القاعدة فى المغرب الاسلامى منذ 2020، من قدامى المحاربين فى الحرب الأهلية الجزائرية فى التسعينيات. الثالث «عبد الرحمن المغربي» صهر أيمن الظواهرى مغربى الجنسية من مواليد 1970، يحمل شهادات متقدمة فى دراسة البرمجيات من ألمانيا قبل أن ينتقل إلى أفغانستان لإدارة الجناح الإعلامى الرئيسى للقاعدة «مؤسسة السحاب».

هذه الارتكازات الجغرافية للخلفاء المحتملين، وخريطة انتشار المناطق التى يمارسون فيها أدوارهم تعطى ملامح للمستقبل القاعدى، ومن ثم لنشاط الإرهاب العالمى بشكل عام. فإيران التى وفرت الملاذ الآمن للعدل وغيره من قيادات القاعدة بعد غزو الولايات المتحدة لأفغانستان 2001، سيكون لها قدر من الاسهام فى صياغة مستقبل التنظيم خاصة وهى تعاملت مع أفرع عديدة منه وجها لوجه، مثلما الحال فى سوريا واليمن والعراق قبيل ظهور نسخة «داعش». والمرجح بقوة فى هذا المستقبل أنه بعيدا عن إشكالية حسم خلافة الظواهرى، سيدخل هذا الجيل الجديد بأى من ممثليه وسيبقى الآخرون فى مناطقهم ومناصبهم، لينقلوا التنظيم إلى مرحلة «تعافى» جديدة طالت المطالبة بها خلال السنوات الأخيرة من عمر الظواهرى، الذى وصف استنادا إلى سنه وحالته الصحية بالفشل فى إدارة التنافس مع تنظيم «داعش». ولدى هذه الشريحة القيادية الجديدة الطموح وقدرات الأفرع فى مناطقها، إلى الانخراط فى بعث جديد للقاعدة التى صار لها من التغلغل فى تفاعلات هذه المناطق وغيرها، ما لا يمكن تجاوزها. أحد مؤسسى «حركة الشباب» الصومالية القاعدية، والمتحدث السابق باسمها «مختار روبو» قبل أن ينشق عن الحركة عام 2017، تولى فى الحكومة الجديدة منصبا وزاريا. وأحد القادة البارزين «إياد أغ غالى» فى مالى، يمسك بقبضة من حديد على مفاصل نفوذ القاعدة فى الساحل الإفريقى، يطمح ويتحرك بهدوء وثقة لاستنساخ سيناريو محتمل فى مالى مشابه لحد كبير لتجربة طالبان فى أفغانستان. ويبقى الظهور المفاجئ للظواهرى فى منزل فاخر بكابول، تحت رعاية «شبكة حقانى» حلفاء القاعدة التاريخيين، ليرجح تقاطع أفغانستان مرة أخرى مع مسارات النشاط الإرهابى القادم، خاصة بعد ثبوت استعانة طالبان بالظواهرى فى حربها ضد «ولاية خراسان» أقوى فروع داعش فى آسيا الوسطى.

نقلا عن جريدة الاهرام بتاريخ 6 أغسطس 2022

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/20349/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M