مستقبل العلاقات الإسرائيلية في ضوء التعاون الروسي-الإيراني

شادي محسن

 

كشفت وزارة الخارجية الإسرائيلية أن دبلوماسيين إسرائيليين كبيرين سافروا إلى روسيا في مايو الجاري في زيارة نادرة. وبحسب ما ورد التقى كبار الدبلوماسيين الإسرائيليين بنائب وزير الخارجية الروسي لمناقشة تسليح موسكو لإيران وقضايا أخرى.

وفقًا لوسائل الإعلام الإسرائيلية، يعد هذا أول لقاء وزاري رفيع المستوى منذ الحرب الروسية الاوكرانية في فبراير 2022. وقالت وزارة الخارجية الروسية إن الجانبين أجريا مناقشة شاملة حول القضايا الإقليمية.

لذلك يدور السؤال حول المتغيرات التي طرأت على العلاقات الإسرائيلية الروسية، ومستقبل هذه العلاقة.

أولا: متغيرات الموقف الإسرائيلي من واقع العلاقات الروسية الإيرانية

يتحدد الموقف الإسرائيلي بتطورات الموقف الإيراني في الإقليم والعالم، التي تعتبرها إسرائيل العدو الاستراتيجي الأول في المنطقة في الوقت الراهن.

يتعرض الموقف الإسرائيلي لمجموعة ضخمة من التحديات الهيكلية التي تعرض أمن إسرائيل القومي للخطر، يمكن تقديرها على النحو التالي:

  1. الوجود الإيراني في سوريا

تعتزم روسيا الانسحاب العسكري من سوريا، ويتبدى في مجموعة من المؤشرات وهي: (أ) سحب بطاريات الدفاع الجوي إس-300 من جنوبي سوريا (في أغسطس 2022). (ب) إعلان سوريا تجنيد متطوعين سوريين في منظمات شبه عسكرية على غرار “فاجنر”. (ج) تسريع عجلة التسوية السياسية في سوريا ومباركة التطبيع السوري-العربي.

وعليه، ترى إسرائيل أن احتمالات الانسحاب الروسي العسكري من سوريا يهدد أمن إسرائيل؛ نتيجة لعملين مهمين وهما: (أ) تزايد احتمالات اعتزام إيران سد الفراغ الأمني بتكثيف وجودها العسكري، الذي يظهر في زيادة عدد المقاتلين المنتسبين لوكلائها في سوريا. وهو ما انعكس في زيارة وزير دفاع سوريا إلى طهران وتصريحات المسؤولين الإيرانيين التي توضح نية طهران بإعادة تأهيل الجيش السوري وعقد مناورات عسكرية مشتركة.

(ب) انخفاض وتيرة الضربات الإسرائيلية في سوريا. فعلى الرغم من منطقية الفرضية القائلة بأن سحب روسيا لبطاريات دفاعها الجوي سيقابلها ضربات إسرائيلية مكثفة، ولكن في الواقع هذه الفرضية ليست صحيحة، إذ أن قبل سحب الإس-300 وصلت الضربات الإسرائيلية إلى 24 ضربة في العام، ولكن بعد سحب البطارية وصلت الضربات إلى 17 مرة فقط بالإضافة إلى تزايد ظاهرة التحرشات العسكرية بين الدفاع الجوي الروسي والسوري التقليدي للطائرات الإسرائيلية.

  1. فشل تطويق إيران

تتبنى إسرائيل استراتيجية تطويق إيران من عدة جهات جغرافية متعددة، من بينها الهند، ودول الخليج، ودول آسيا الوسطى (مثل تركمنستان)، ودول القوقاز (مثل أذربيجان). ويبدو أن جميعها يؤول إلى فشل استراتيجي على نحو ما.

فعلى سبيل المثال: اتفقت موسكو وطهران على مذكرة تمويل خط سكك حديدية لربط أذربيجان بإيران، الذي يعد مرحلة أولى ومهمة لمشروع “ممر الشمال الجنوب” الذي سيربط روسيا بالهند عبر إيران، وسيربط روسيا بالخليج العربي عبر الموانئ الإيرانية.

تمول روسيا مشاريع ربط سكك حديدية، ومشاريع ممرات نقل برية، وإعادة تأهيل وتطوير البنية التحتية السككية في الأراضي الروسية ذاتها، والإيرانية كذلك، بالإضافة إلى الأذرية. ومن المتوقع أن يحدث الأمر ذاته في بعض دول آسيا الوسطى المطلة على بحر قزوين.

يمنح هذا الأمر للاقتصاد الإيراني متنفسا استراتيجيا ضخما، ليس فقط يعمل على إفشال استراتيجية إسرائيل في التطويق، بل يضيف لإيران هوامش حركة مع دول متماسة مع المصالح الإسرائيلية القومية.

  1. تطوير المنظومة العسكرية الإيرانية

تحولت الحرب الروسية الأوكرانية إلى متغير أساسي في التقارب الروسي الإيراني ومن ثم أن تحول إلى تعاون استراتيجي في مجالات عسكرية، وصفته الولايات المتحدة بـ “المهدد والخطير”.

ورّدت إيران طائرات مسيرة (400 طائرة في التقديرات الرسمية، و3000 في بعض التقديرات الإسرائيلية) إلى الجيش الروسي لاستخدامها ضد أهداف أوكرانية. سبّب الأمر في سعي طهران لتطوير وتعزيز قدرات طائراتها المسيرة لإكسابها قدرة أكثر مناورة أمام نشاط الدفاع الجوي الغربي في أوكرانيا.

تطور الأمر ليشمل اتفاقا غير رسمي بين موسكو وطهران لتمويل صفقة توريد طائرات سوخوي 35 الروسية إلى إيران مقابل الحصور على الطائرات المسيرة. بالإضافة إلى تسريبات تفيد بنية روسية لمنح إيران تكنولوجيا نووية وصاروخية باليستية تزيد من قدرات الجيش الإيراني.

وصلت إلى إسرائيل أنباء تفيد بإمكانية توريد روسيا لبطاريات إس 400 المتقدمة، وهو ما دفع المسؤولين الإسرائيليين في الجيش للتأكيد على ضرورة تنفيذ ضربة استباقية جوية على البرنامج النووي الإيراني قبل حصول الأخيرة على منظومات دفاع جوي يستحيل معها تنفيذ أي ضربات إسرائيلية.

ثانيا: سياسة حكومة “نتانياهو”

قبل صعود نتانياهو مرة أخرى إلى السلطة في إسرائيل في يناير 2023، كانت حكومة بينيت-لابيد تتوائم مع الرسائل الأمريكية بضرورة تكثيف الدعم المقدم إلى كييف في مواجهة روسيا. لم تنجح هذه الحكومة في موازنة العلاقات بين روسيا من جهة والولايات المتحدة وكييف من جهة أخرى إذ تعرضت الهجمات الإسرائيلية لاعتراضات ولو بسيطة من الدفاع الجوي السوري المدار روسيًا.

بعد صعود نتانياهو، انتهجت إسرائيل مجموعة من السياسات، وهي:

  1. صد الضغط الأمريكي

حاولت الولايات المتحدة الضغط على حكومة نتانياهو لتعزيز دعمها إلى كييف، عبر: (أ) فتح مستودعات الصواريخ تشمل قذائف هوك (250 ألف قذيفة) التي تعود لحرب أكتوبر 73. حاولت تل أبيب صد هذه المحاولات وإقناع المسؤولين الأمريكيين بعدم جدوى القذائف القديمة. (ب) إقناع إسرائيلي لمسؤولي البنتاجون بعدم جدوى إرسال القبة الحديدية إلى أوكرانيا، حتى وصل الأمر إلى عدم وضوح موقف إسرائيلي إيجابي من الموافقة على الطلب الأمريكي. (ج) اقتصار الدعم الإسرائيلي العسكري على منظومة باراك 8، وتعليق تسليم منظومة مقلاع داوود.

  1. الموازنة الاستراتيجية

تحاول إسرائيل تحقيق توازن استراتيجي من خلال زيادة مساعدتها لأوكرانيا مع الحفاظ على علاقاتها مع روسيا. تنبني العلاقة الإسرائيلية مع روسيا على الاتصال المباشر وإرسال الوفود رفيعة المستوى إلى موسكو.

كما انعكس في توتر العلاقات الإسرائيلية الأوكرانية على نحو ما إذ تعرض وزير الخارجية الإسرائيلي ايلي كوهين لموجة انتقادات لاذعة في الأيام الأولى من ولايته على خلفية موافقته على الرد على اتصال هاتفي من نظيره الروسي سيرجي لافروف قبل التحدث إلى وزير الخارجية الأوكراني. قابلها الأخير بالإعداد لزيارة إلى كييف في 16 فبراير الماضي.

  1. تصدير أسلحة نوعية للتجربة

تجد إسرائيل أن اشتراك الطائرات المسيرة الإيرانية في الحرب الأوكرانية يقع ضمن العوامل الأكثر خطورة على أمنها القومي.

لذلك تسعى إسرائيل لضبط تصديرها العسكري المقدم إلى كييف عبر استهداف وسائل الحرب الإيرانية فقط أي إرسال منظومات حرب الكترونية تستهدف التشويش على حركة الطائرات المسيرة بمدى حوالي 40 كيلومترًا.

قال المسؤولون الأوكرانيون إن وزارة الدفاع الأوكرانية مهتمة بالأنظمة الإسرائيلية الجديدة، لكن يُنظر إليها على أنها أقل أهمية لأن أوكرانيا تمكنت من اعتراض الطائرات بدون طيار بين 75-90 ٪ من الوقت. وهو ما يؤشر على أن إسرائيل ترغب في اختبار تلك المنظومات في ساحة الحرب للوقوف على مدى قدرتها.

مستقبل العلاقات الإسرائيلية الروسية

من الواضح أن روسيا تَحذَر من تعزيز العلاقات مع إيران في المجالات التي قد تثير الاستياء من دول ذات أهمية خاصة لموسكو بشكل عام، وفي الوقت الحاضر بشكل خاص مثل السعودية والدول الخليجية، بالإضافة إلى إسرائيل.

ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى حقيقة أن السعودية ترفض الاستجابة للطلبات الأمريكية للمساعدة في خفض أسعار النفط، وإسرائيل ترفض الطلبات الأوكرانية لتزويدها بأنظمة دفاع جوي استراتيجية.

لذلك، وعلى الرغم من ورود أنباء عن طلبات إيرانية للمساعدة في شراء مواد نووية وإنتاج وقود نووي، فإن روسيا تمتنع، وتظل هذه الأنباء (عن تقديم المساعدة لطهران في تطوير المشروع النووي العسكري) تنحصر (حتى الآن) في مربع المساومة والمناورة.

ينبع هذا الموقف من مجموعة مختلفة من الأسباب: (1) على رأسها الخوف من العواقب الاستراتيجية والأمنية طويلة المدى لها إذا كانت إيران ستمتلك أسلحة نووية (على سبيل المثال، زيادة هامش المناورة الإيرانية تجاه دول في آسيا الوسطى). (2) إلى جانب الفهم بأنه إذا حصلت إيران على مثل هذه القدرات، فقد تؤدي إلى زعزعة استقرار الشرق الأوسط وتسريع سباق التسلح النووي من جانب السعودية ومصر، وتركيا.

أما بالنسبة للساحة السورية، فإن روسيا تمتنع عن تغيير خصائص نشاطها تجاه إسرائيل لسببين رئيسيين. الأول، أن النشاط ضد الأهداف الإيرانية في سوريا يخدم أيضًا المصالح الروسية الاستراتيجية لإضعاف الوجود الإيراني في البلاد. والثاني، فهم روسي أنه طالما تم الحفاظ على حرية عمل القوات الجوية الإسرائيلية في سوريا، ستستمر إسرائيل في الردع عن تزويد أوكرانيا بأنظمة دفاع جوي.

ختاما، يمكن القول إن مستوى العلاقات الروسية الإيرانية سيظل في مربع الاقتصاد وإنشاء البنية التحتية، بينما ستدرس موسكو مرة أخرى فكرة نقل تكنولوجيا نووية وصاروخية باليستية إلى إيران. سيعد ذلك نجاحا بامتياز يُنسب لحكومة نتانياهو ولكن سيعرضها إلى توتر غير محدود مع الإدارة الأمريكية.

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/34236/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M