مقتل أيمن الظواهري وتداعياته على تنظيم القاعدة في جزيرة العرب

أعلن الرئيس الأمريكي، جو بايدن، في الثاني من أغسطس 2022، عن مقتل زعيم تنظيم القاعدة، أيمن الظواهري، في غارة بطائرة من دون طيار استهدفت مقر إقامته في العاصمة الأفغانية كابُل، ويُثير هذا التطور أسئلةً بشأن مدى ارتداداته على فروع التنظيم وعلاقاته بها، وردود أفعالها المحتملة، وفي مقدمتها القاعدة في جزيرة العرب، الذي يظل واحداً من أهم فروع التنظيم العالمي وأكثرها خطورة.

تُلقي هذه الورقة الضوء على ما يعنيه مقتل الظواهري لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وطبيعة الارتدادات المحتملة لهذا التطور عليه، وتستكشف ردود أفعاله المحتملة.

 

تنظيمٌ أقل قوة، لكنه لا يزال خطيراً

مع أن الضعف قد لحق تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، الناشط في الجغرافيا اليمنية وتراجعت قدراته ونشاطاته نتيجة الحرب الدولية على الإرهاب، وبالذات نتيجة الحملة الأمريكية التي استنزفت قادته المخضرمين وذوي الكفاءات العالية (أكثر من 120 غارة أمريكية في عام 2017 فقط)، وكذلك نتيجة الحملات التي قادتها ضده دول تحالف دعم الشرعية في اليمن، ونتيجة صراعه مع مقاتلي كلٍ من جماعة “أنصار الله” الحوثية وتنظيم الدولة الإسلامية، إلا أن التنظيم يبقى -رغم كل هذا- من أهم فروع القاعدة وأكثرها خطورة، وهذا ما تعترف به الولايات المتحدة نفسها. وتعود هذه الأهمية، وتلك الخطورة، إلى أسباب عديدة، أهمها:

 

  • ينشط هذا التنظيم في بيئة صديقة؛ فهو مُتجذِّر في المناطق القبلية واستطاع نسج علاقات قوية مع أبناء بعض القبائل الذين باتوا يشكلون له حاضنة مهمة، وما يزال يسيطر على عدة مناطق ريفية، خصوصاً في محافظات مثل أبين، كما أنه يمتلك العديد من الخلايا النائمة في مختلف مناطق البلاد ومدنها.
  • استمرار الصراع في اليمن؛ فهذا الصراع أضعف جهود مكافحة الإرهاب، كما تعترف وزارة الخارجية الأمريكية، إذ ترك أجهزة الأمن وقوات مكافحة الإرهاب المحلية تعاني من اختلالات خطيرة، ومازال يؤمن للتنظيم وأنشطته بيئة ملائمة؛ فأطراف الصراع وقوى إقليمية، مثلاً، ما برحت تستخدم التنظيم ومقاتليه في خدمة أهدافها وتصفية حساباتها. وحتى الآن، يبقى المشهد اليمني، بما يعتمل فيه من صراعات وانقسامات، مُتغيراً وعُرضة للتقلبات، الأمر الذي يُمثِّل فرصة مستمرة لاستعادة التنظيم أنفاسه كلما تعرَّض لانتكاسة وأصبح وضعه حرجاً، ولذلك فقد اختبر فترات متبادلة من الصعود والهبوط، خلال سنوات الحرب.
  • يمنح البُعدان الجغرافي والعاطفي التنظيم أهمية خاصة، فعدا عن كونهِ أكثر فروع القاعدة عراقةً، فإن نطاق عمله يشمل منطقة جغرافية مهمة، تموج بالرمزيات والإيماءات الإسلامية التي تُستحضَر بين الحين والآخر، وتُمثل من ناحية أخرى منطقة بالغة الحساسية بالنسبة للولايات المتحدة وللغرب. ولليمن، بدوره، رمزية خاصة ومكانة مهمة أعطته إياهما النصوص والمرويات الإسلامية، وإلى اليمن أيضاً تعود أصول عائلة مؤسس القاعدة، أسامة بن لادن.

 

تداعيات مقتل الظواهري على التنظيم

على رغم أن العديد من المراقبين استبعدوا أن يكون لمقتل أيمن الظواهري تداعيات مهمة على تنظيم القاعدة وفروعه العالمية، أو أن يترك تأثيراً مهماً على عملياتها، إلا أن رأياً كهذا يبدو غير دقيق، بالنظر إلى ما لهذا التطور من دلالات عملياتية لا يمكن تجاهلها، وما قد يخلفه ذلك من إشكالات وأزمات ذات أبعاد مختلفة. لكن من السابق لأوانه وضع جردة واضحة بهذه التداعيات؛ فهناك قضايا لم تتضح الصورة حولها بعد، واستحقاقات لا يُعرف حتى الآن طريقة التعامل معها.

وبالتركيز على تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، الذي ينشط حالياً في الجغرافيا اليمنية، يمكن القول إنه رغم احتفاظه بحدٍّ أدنى من القوة التنظيمية وتَمتُّعه ببعض المزايا العملانية، لا يزال يختبر وضعاً غير مريح مقارنة بحالته السابقة الأكثر ازدهاراً وزخماً؛ فهو من بين أكثر فروع القاعدة معاناة من خسارة القادة والكوادر المخضرمين نتيجة استمرار الحرب الأمريكية على الإرهاب، كما يعاني من خلافات عديدة، ولأسباب مختلفة. وهذا الوضع يجعل التنظيم أكثر قابلية للتأثُّر بمقتل الظواهري، وما ينتج عنه من تداعيات.

 

1. التداعيات المعنوية: يمثل مقتل أيمن الظواهري ضربة معنوية للتنظيم يفترض أن تنعكس في إضعاف ثقة مُنتسبيه وقياداته بأنفسهم وبالتنظيم العالمي وبقيادته. ونتيجة كهذه تأتي، أولاً، بسبب ما يمثله لظواهري من مكانة قيادية ورمزية تاريخية في ما يسمى “الحركة الجهادية”. وثانياً، ولعل هذا الأهم، بسبب ما يحمله هذا الحدث من دلالات عملية؛ فهو مؤشر على التآكل المستمر للقاعدة، وعلى أن الحرب على الإرهاب تكتسب فعالية متزايدة، وهذه الفعالية تظهر أيضاً في كون مقتل الظواهري حدث بعد مقتل مُنافسِهِ، زعيم تنظيم الدولة الإسلامية، إبراهيم الهاشمي القرشي، في إدلب بسوريا، وكل هذا يثير مخاوف مُنتسبي التنظيم وقياداته الذين ما برحوا عرضة للاستهداف بصورة متوالية. وكما حصل مع تنظيم القاعدة الأم، فقد سبق وأن خسر الفرع اليمني زعيميه المؤسسين، ناصر الوحيشي وقاسم الريمي، نتيجة هذه الحرب.

 

2. التداعيات التنظيمية: مع أن أيمن الظواهري، بحكم وضعه الحركي المقيَّد وتعرُّضه للملاحقة الدولية المستمرة، لم يكن مُنخرطاً في القرارات اليومية لأفرع التنظيم العالمية، وسبق أن لعب دوراً محورياً في تبنِّي التنظيم وفروعه آلية لامركزية ساعدتهم على أن يكونوا أكثر مرونة وأقل تأثراً بالأحداث والضربات المتلاحقة، فضلاً عن عدم امتلاكهِ تلك الكاريزما والحضور اللذان كان يتمتع بهما سلفه، أسامة بن لادن، إلا أن الرجل، في نهاية المطاف، كان يحوز على رمزية قيادية وتاريخية مهمة، بحكم امتلاكه خبرة ثلاثة عقود من الذاكرة المؤسسية، ومعرفة عميقة بكل شؤون القاعدة تقريباً، ولهذا فإن مقتله يمثل خسارة تنظيمية كبيرة للقاعدة وفروعه في شتى أنحاء العالم.

وهذه الخسارة تزيد بالنسبة للفرع اليمني، الذي بدا أن ثمة علاقة خاصة تجمعه بالظواهري، كما تشي سجالات الخلافات التي اختبرها التنظيم مؤخراً؛ فالجميع من قياداته وكوادره، مثلاً، ظل يُعلن القبول بالاحتكام إلى الظواهري والقبول برأيه في المواضيع الخلافية والامتثال لحكمه في خلافاتهم. وبسبب المخاوف التي يثيرها، خصوصاً لدى قيادة التنظيم، فإن مقتل الظواهري سيتسبب بتراجع الفعالية التنظيمية، على الأقل إلى أن تتضح معالم هوية القيادة الجديدة للتنظيم العالمي وتوجهاتها الحركية.

 

لا يُقدِّم مقتل زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري فرصاً ذات أهمية لفرعه في اليمن، لكن لهذا الحدث، في المقابل، تداعيات سالبة متدرجة تبدأ بالتأثير على معنويات التنظيم ومُنتسبيه، وتصل حد التسبب له بإرباك تنظيمي وتشريع الباب لتهديد تماسكه الأيديولوجي

 

وفي حال مبايعة زعيم جديد للقاعدة يتحلى بالكاريزما والديناميكية، فإن من شأن ذلك أن ينعكس بالإيجاب على وضع التنظيم؛ إذ إن صعود زعيم كهذا سيكون أمراً باعثاً للثقة ويخفف من الآثار النفسية والمعنوية، ومن المخاوف التي تسبب بها هذا الحدث، وسيساعد التنظيم على التغلب على مشكلاته أو بعضها، من قبيل الخلافات التي يُعاني منها.

وتبقى هوية الزعيم الجديد، وخلفياته، وطبيعة علاقاته مهمة في تحديد طبيعة ردود الأفعال والنتائج المستقبلية؛ ففي حال مبايعة سيف العدل، على سبيل المثال، وهو رجلٌ تقول التقارير إنه أكثر كاريزما وسيطرة من الظواهري، فإن ثمة احتمالاً، ولو بعيداً، بأن ينعكس توليه في خلق أو زيادة التعاون والصلات المفترض وجودها بين التنظيم وجماعة الحوثي، وذلك بحكم علاقة العدل المُفترَضَة بإيران التي يقال إنه أمضى غالبية سنوات العقدين الأخيرين فيها. لكن صعود الرجل، واحتمال تبنيه نهج مُهادنة إيران، قد يتسببا بإشكالات وردود فعل قوية من عناصر الفرع اليمني وغيره من الفروع الدولية للتنظيم، فمن الوارد أن يثير ذلك معارضة جزء من قيادات ومُنتسبي التنظيم الأكثر حماساً لمواجهة “المد الشيعي” ومقاومة النفوذ الإيراني، وقد يصل الأمر ربما حد التسبب بانشقاقات داخل التنظيم.

مع هذا، فإن ثمة من يُرجِّح أن يكون زعيم التنظيم اليمني، خالد باطرفي، مرشحاً قوياً لقيادة التنظيم العالمي خلفاً للظواهري، كونه يقود الفرع الإقليمي الأهم، وكونه من قدامى المحاربين، ومتحدثاً جيداً، هذا على الرغم من كونه يفتقر إلى دراية كافية بالشريعة والمسائل الدينية. وإذا أُختيرَ باطرفي، فإن ذلك بقدر ما يضفي أهمية على مكانة التنظيم بين فروع القاعدة، إلا أنه قد يتسبب له ببعض التعقيدات الداخلية، إذ إن التنظيم قد يواجه صعوبة في إيجاد بديل لباطرفي يحظى بالإجماع؛ فهو بدوره يعاني من أزمة قيادات، وضعفت قدرته على تدريب وتصعيد جيل جديد من القيادات كما سبقت الإشارة.

 

ومن غير المُستبعد، كذلك، أن يتم تنصيب قائد فرع إقليمي آخر زعيماً للقاعدة، وهو أمرٌ قد لا يستقبله التنظيم اليمني وقيادته بالرضا، وذلك انطلاقاً من وجهة نظر تعتبر أن تاريخ هذا التنظيم وأهميته يجعلان قيادته أولى بتولي قيادة القاعدة. وفي حال تم تصعيد شخصية مثيرة للجدل ولا تحظى بالإجماع أو ضعيفة، فإن ذلك سيخلق إرباكاً لعلاقة التنظيم بالقاعدة الأم، وكلما اتسع الخلاف حول شخصية الزعيم الجديد والاختلاف معها، دفع ذلك التنظيم إلى تبني سياسات أكثر راديكالية ومواقف أكثر استقلالاً، وقد يدفع الأمر بعض قياداته ومنتسبيه، على الأقل، إلى إعادة النظر في ولائهم للقيادة الجديدة، وهو ما يُهدد بحدوث انشقاقات داخل التنظيم.

 

وفي حال تأزُّم العلاقة مع حركة طالبان الأفغانية، ستدفع المخاوف أعضاء القاعدة إلى التوجه نحو أماكن أخرى أكثر أماناً، وبسبب الحالة الأمنية المنفلتة ووجود أحد أعرق أفرع القاعدة هناك، تقف اليمن على رأس الوجهات المرشحة لاستقبال الوافدين الجدد، وتلعب الاعتبارات الجغرافية والعاطفية أيضاً دوراً في جعل اليمن كذلك. وسيتسبب توافد هؤلاء ببعض الإرباك للتنظيم نتيجة ما سيفرضه الأمر من أعباء تنظيمية ولوجستية.

من جهة أخرى، وعلى الرغم مما تُجادل به بعض التحليلات من كون رحيل الظواهري سيمثل فرصة لتنظيم داعش لتعزيز أدواره واستقطاب عناصر القاعدة، إلا أن فرص حصول ذلك ضعيفة بالنظر إلى أن “داعش” يُعاني من ذات الأوضاع والأزمات التي تعاني منها القاعدة، بما في ذلك أزمة الخلافة بعد مقتل قياداته، وأيضاً بالنظر إلى أن “داعش” لم يعد له وجود فاعل وقوي في اليمن تقريباً.

وثمَّة من يعتقد أن مقتل الظواهري قد يشكل حافزاً للتنظيم (ولبقية فروع القاعدة عموماً) لإعادة رص صفوفه، في مواجهة المخاوف من دخول القاعدة في مرحلة انحسار، حتى أن البعض يتوقع أن يشهد النشاط الجهادي القاعدي عموماً توسُّعاً لا انكماشاً. مع ذلك، وبالنظر إلى الانحدار المستمر للخط البياني الخاص بنشاط القاعدة وفروعها، وإلى الفعالية المتزايدة للحرب الدولية على الإرهاب، فإن احتمال توسُّع هذا النشاط يبدو ضئيلاً.

 

3. التداعيات الأمنية والعملياتية: من المتوقع أن تدفع المخاوف الأمنية التي أثارها مقتل الظواهري التنظيم إلى الحد من اتصالات قياداته بكوادره المنتشرين في العديد من المناطق، حيطةً وتحسُّباً، وبما يضعف من حركته في هذه المرحلة، وسيُعيد هذا الحدث تذكير التنظيم بأزمة الاختراق التي يُعانيها في اليمن، خصوصاً وأن شكوك التنظيم من عمليات التجسس عليه واختراق اتصالات هيكله القيادي كانت قد تصاعدت بعد مقتل الكثير من قيادات التنظيم بالطائرات الأمريكية المسيرة، وانتهت بتنفيذ عمليات تصفيه أو إعدامات لعناصر داخل التنظيم بتهمة التجسس، وهو ما تسبب بخلافات داخلية انتهى بعضها بانشقاق بعض قيادات التنظيم ومنتسبيه.

 

وفي حال توافد أعضاء أجانب من القاعدة الأم إلى الأراضي اليمنية، وهذا مرجحٌ في حال تأزمت علاقته بحركة طالبان كما أشرنا أعلاه، فإن ذلك سيتسبب بإثارة المزيد من تلك المخاوف والشكوك لدى التنظيم اليمني، ويتسبب ببعض الإشكالات الأمنية والعملية المتضاربة؛ إذ إن وجود عناصر أجنبية ضمن صفوفه قد يُعرِّض التنظيم لمزيد من الانكشاف بحكم أن هؤلاء سيكونون أكثر عرضة للملاحظة في بلد يندر فيه وجود الأجانب. لكن، في المقابل، من المتوقع أن قدوم أعضاء من الخارج سيجلب معهم الخبرة والمؤهلات التي اكتسبوها في المناطق التي نشطوا فيها سابقاً، وربما بعض مصادر التمويل المفيدة لأنشطة التنظيم.

 

مع أن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب يظل يتمتع بالمرونة والتصميم والقدرة على الاندماج في لعبة الرهانات الطويلة، إلا أن مقتل الظواهري يشكل إضافة إلى جملة الأحداث التي تدفع باتجاه إضعاف الطبيعة الاستراتيجية للتهديد الذي يشكله التنظيم بصفة عامة

 

الردود المتوقعة للتنظيم 

لم يُعلِّق التنظيم، حتى تاريخ إعداد الورقة، على مقتل الظواهري، ولم تُشِر التقارير والمعلومات المتاحة إلى أي تحركات لافتة له على الأرض تعكس استجابة لهذا الحدث، بيد أنَّهُ على الصعيد العملياتي، يتوقَّع أن يعمد تنظيم القاعدة إلى تنفيذ عمليات انتقامية بهدف حفظ ماء الوجه ولإثبات تمتعه بالقوة اللازمة للاستمرار. ومن جهتها، توقَّعت الولايات المتحدة حدوث أعمال عنف واستهداف منشآت وأفراد أمريكيين بعد مقتل الظواهري، وتحدَّث بيان لوزارة الخارجية عن معلومات تؤكد مواصلة “المنظمات الإرهابية” التخطيط لهجمات ضد المصالح الأمريكية حول العالم.

بالنسبة للتنظيم اليمني، ومع أن قدرته على شنّ هجمات مهمة وبعيدة في الخارج قد ضعفت إلى حدٍّ كبير، إلا أنه يظل يتمتع بقوة نسبية رغم الضربات العديدة التي تلقَّاها، وما زالت واشنطن تعتبره الأخطر من بين فروع القاعدة، كما سلفت الإشارة، ولا يزال يمتلك القدرة على تنفيذ عملياته في الداخل وفي الجوار اليمني، على الأقل، لكنه سيلزم على الأرجح جانب الحذر، ولن يكون على عجلة من أمره؛ فهو يعي أن الجميع يتوقَّع تحركه ومُتأهِّب لمواجهته والإيقاع به. وهذا موقف مفهوم بالنظر إلى مخاوفه القائمة، وضغوط عمليات مكافحة الإرهاب، والقيود التي تواجهها أنشطته وتجعل تحركات منتسبيه عموماً أكثر صعوبة من السابق، وكلها عوامل تدفعه إلى التركيز على قضية الأمن التنظيمي وكسب ثقة وقبول المجتمعات المحلية التي يتحرك فيها عناصره ويختبئون ويتدربون.

وإذا ما قرر التنظيم تنفيذ عمليات انتقامية، ورأى أن الوقت مناسب لذلك، فيتوقع أن يقوم بذلك في اليمن والجوار الإقليمي الأقرب، ومن غير المُستبعَد أن يتعاون التنظيم مع “حركة الشباب المجاهدين” في الصومال، ويمثل وضعه المالي غير الموات سبباً إضافياً يدفعه للتعاون مع هذه الحركة التي تتمتع بوضع مالي أفضل، حتى أنها كانت تمد القاعدة الأم بالأموال، وفقاً لتقارير الأمم المتحدة. وعلى كلٍ، سيبقى هناك غموض حول ما يمتلكه التنظيم من خيارات، فلا أحد يعرف كل شيء عنه.

 

الاستنتاجات

لا يُقدِّم مقتل زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري فرصاً ذات أهمية لفرعه في اليمن المسمَّى “قاعدة الجهاد في جزيرة العرب”، لكن لهذا الحدث، في المقابل، تداعيات سالبة متدرجة تبدأ بالتأثير على معنويات التنظيم ومُنتسبيه، وتصل حد التسبب له بإرباك تنظيمي وتشريع الباب لتهديد تماسكه الأيديولوجي، غير أن حصول هذه التداعيات يقتضي بعض الشروط التي يحتاج تحقُّقها أو تَبَيُّن عدم تحقُّقها إلى بعض الوقت، وأهمها: فشل القاعدة في اختيار زعيم جديد يحظى بالتوافق بين مختلف القيادات الفرعية، ويتمتع بالكفاءة اللازمة لانتشال التنظيم من كبواته التي تكاثرت مؤخراً. ومع أن التنظيم، كما هو حال غيره من الجماعات المتطرفة، يظل يتمتع بالمرونة والتصميم والقدرة على الاندماج في لعبة الرهانات الطويلة، إلا أن هذا التطور يشكل إضافة إلى جملة الأحداث التي تدفع باتجاه إضعاف الطبيعة الاستراتيجية للتهديد الذي يشكله التنظيم بصفة عامة.

 

.

رابط المصدر:

https://epc.ae/ar/details/featured/maqtal-ayman-al-zawahiri-watadaeiatuh-ala-tanzim-alqaida-fi-shibh-jazirat-alarab

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M