من الشرق إلى الشرق الأوسط.. هل تنفتح روسيا والصين على ارتباطات أوثق بقضايا المنطقة؟

بدأ وفد وزاري عربي وإسلامي منبثق عن القمة العربية الإسلامية المشتركة التي استضافتها العاصمة السعودية الرياض يوم 11 نوفمبر 2023 جولة يوم 20 نوفمبر 2023 تشمل الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي (الولايات المتحدة، والصين، وروسيا، وفرنسا، والمملكة المتحدة)؛ بهدف بلورة تحرك دولي لوقف الحرب على غزة. وبدأ هذا الوفد جولته بزيارة بكين وموسكو قبل التوجه إلى الدول الغربية الثلاث.

وفي هذا السياق، أعربت بكين موسكو عن تمسكهما بالحل السياسي للصراع، وهو ما يظهر عدم انحراف الدولتين عن موقفهما الأول بشأن القضية، والذي أظهر دعمًا محسوبًا لوقف إطلاق النار وعدم إدانة حماس أو تصنيفها كجماعة إرهابية، وتُرجم ذلك في مشروع القرار الذي قدمته روسيا بمجلس الأمن لوقف إطلاق النار، وتصويت الصين الداعم لذات الأمر سواء على مشروع القرار الروسي أو مشروع القرار البرازيلي.

وعليه، هل من الممكن أن تعطي بداية جولة الوفد بروسيا والصين مؤشرات لانفتاح موسكو وبكين على ارتباط أوثق بالشرق الأوسط؟

الوفد بين موسكو وبكين: حصيلة الزيارتين

أعرب وزير الخارجية المصري سامح شكري لنظيره الصيني خلال زيارة الوفد إلى بكين عن تطلعهم لدور أقوى من قبل القوى السياسية العظمى، والتي تشمل الصين، في محاولات لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، بعد أن أعرب عن أسفه لوجود دول كبرى تنحاز للجانب الإسرائيلي. وأظهرت بكين تفهمًا للوضع ووصفت الدول العربية والإسلامية بكونها “صديق جيد وشقيق” وأعلنت عن دعمها القوي لحصول الشعب الفلسطيني على حقوقه ومصالحه الوطنية المشروعة. إضافة إلى ذلك، تعهدت الصين، بحسب ما قاله وزير الخارجية الصيني وانغ يي، بقمع القتال في القطاع في أقرب وقت ممكن مع دعم تقليص الكوارث الإنسانية والعمل على تدعيم “تسوية مبكرة وشاملة وعادلة ودائمة” للقضية الفلسطينية.

ومن ناحية موسكو، دعا الرئيس الروسي إلى حل سياسي للصراع القائم، وأشار إلى إمكانية مشاركة أعضاء مجموعة البريكس في محاولات التوصل إلى هذه التسوية، ولكنه لم يعلن عن كيفية تنظيم هذه الجهود المشتركة. ودعا “بوتين” المجتمع الدولي إلى العمل على تهدئة الوضع وليس تفاقمه. وتمسك بموقفه منذ بداية التصعيد، على ربط هذه الحرب بفشل دبلوماسية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وهو ما أكد عليه خلال قمة افتراضية لمجموعة البريكس.

علاوة على ذلك، أوضح وزير الخارجة الروسي سيرجي لافروف دعم موسكو لأي جهود تهدف إلى وقف “فوري” لإطلاق النار في غزة. وأدان بشدة “العقاب الجماعي” الذي تنتهك من خلاله إسرائيل القانون الدولي الإنساني، وناشد بضرورة إيصال مساعدات إنسانية كافية لغزة، إضافة إلى إدانة إسرائيل لتطبيقها ما وصفه بـ “الانتقائية” للقانون الدولي.

موقف داعم: مسار ترسمه المصالح

على الرغم من الموقف المتوازن التي أبدته الدولتان، وجدت الصين وروسيا نفسيهما في موقف يتطلب منهم القيام بحسابات استراتيجية تضمن لهم المكاسب التي يطمحان إليها؛ إذ يتطلع البلدان إلى توسيع نفوذهما الاقتصادي والجيوسياسي في الجنوب العالمي الغني بالموارد والذي يعد أيضًا منطقة رئيسة مستوردة للأسلحة، والتي تأتي ضمنها دول الشرق الأوسط، خاصة مع التراجع الملحوظ للولايات المتحدة في المنطقة، وأن كلًا من بكين وموسكو يجمعهما هدف استراتيجي واحد وهو تحول النظام العالمي إلى نظام متعدد الأقطاب. وفي هذا السياق، تعمل الدولتان على الخروج من دائرة التأثير إلى دائرة المبادرة في المنطقة.

من ناحية روسيا، يعد الشرق الأوسط مجالًا لتحقيق مصالحها الاقتصادية من مبيعات الأسلحة وبناء المحطات النووية وصادرات الحبوب، وعليه، يتم، من خلال التجارة المتنامية بينهم، بناء ممرات نقل جديدة إلى روسيا. فنجد أنه مع بداية الحرب الروسية الأوكرانية تحول الشرق الأوسط من مجرد واحد من العوامل المؤثرة في سياسة روسيا الخارجية إلى كونه في المرتبة الثانية بعد الصين من حيث الأهمية ارتباطًا بمجموعة من العوامل، منها كون منطقة الشرق الأوسط ساحة مهيأة للتنافس مع الولايات المتحدة، فضلًا عن أنها تحتوي على القاعدة العسكرية الروسية في المياه الدافئة وهي قاعدة طرطوس البحرية بسوريا. ويحاول الرئيس الروسي تصعيد ما وصفه بـ”الحرب الوجودية مع الغرب” من أجل خلق النظام العالمي الجديد وفرضه.

ومن ناحية الصين، فهي تتمتع بمصالح متنامية في الشرق الأوسط، وهو ما دفعه إلى تبني دورًا دبلوماسيًا أكثر نشاطًا، مثلما لعبت دور الوسيط في استعادة العلاقات الإيرانية السعودية. هذا وزادت الصين مبيعاتها من الأسلحة المتقدمة إلى المنطقة. فضلًا عن أهمية الشرق الأوسط في مبادرة الحزام والطريق التي ترتبط بها العديد من روابط النقل والطاقة والتجارة. كما تستغل الصين موقف الولايات المتحدة في المنطقة للصعود على حسابها بحيث تستند إلى ادعاء أن دورها الدبلوماسي في الشرق الأوسط يتناقض مع “النهج العدواني والعسكري” الأمريكي. وعليه، قد ترى بكين في الحرب الجارية في قطاع غزة فرصة لتعزيز أوراق اعتمادها داخل الجنوب العالمي بوجه عام ومنطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص.

هل تؤثر أوضاع البلدين الداخلية على تحركاتهما؟

تتعرض روسيا والصين إلى بعض الاضطرابات والتحديات الداخلية التي قد تلعب دورًا في تحركاتها الخارجية، والتي تأتي على رأسها الأزمة الاقتصادية في كلتا الدولتين. فروسيا تواجه أزمة اقتصادية جراء العقوبات الغربية المفروضة عليها بعد حرب أوكرانيا، مما أدى إلى ارتفاع معدلات التضخم وضعف قيمة الروبل. أما الصين فتواجه أزمة اقتصادية مدفوعة بتباطؤ النمو، ما كسر الأسطورة التي تسعى الصين إلى تحقيقها، والتي كانت محور استراتيجيتها بحلول ٢٠٤٩، وهي أن تصبح الاقتصاد الأول في العالم، متفوقة على الولايات المتحدة.

لم تكن هذه الأزمة في الصين وليدة اللحظة بل ترتبت على صدمة سياساتها الرامية إلى القضاء على جائحة كورونا، وتراجع العولمة، بما في ذلك التدفقات المالية وتدفقات المعلومات والعمالة، إضافة إلى الحرب التجارية مع الولايات المتحدة وتدفق صافي لرأس المال من البلاد إلى الخارج في السنوات الأخيرة.

بناءً على هذه التطورات في الأوضاع الاقتصادية للدولتين، من المتوقع أن تحاولا تعزيز مكانتهما في الشرق الأوسط، خاصة روسيا التي لا تزال تعاني من العقوبات الغربية فليس من المرجح أن تضعف الأوضاع الداخلية من موقفها الداعم لوقف إطلاق النار والتوسط لإيجاد حل سياسي مناسب، بل على العكس من ذلك، سيحاول “بوتين” استغلال أزمة غزة لمصلحته الجيوسياسية في إطر استراتيجية لجذب الحلفاء في الدول النامية وبناء نظام عالمي جديد لمواجهة الهيمنة الأمريكية.

أما الصين، فعلى العكس من روسيا، قد تجد من مصلحتها خفض التوترات مع الولايات المتحدة وتحسين العلاقات الثنائية، لتستطيع الوصول إلى حل بشأن القيود التي تضعها واشنطن على ضوابط التصدير والاستثمار والعقوبات أحادية الجانب، لتتمكن من إنعاش اقتصادها مرة أخرى، علاوة على رغبتها في إحجام دعم الولايات المتحدة لتايوان مع اقتراب انتخاباتها. وعلى هذا الغرار، ربما تجد الصين نفسها في وضع تضطر فيه الحياد بشأن بعض الأمور التي من الممكن أن تستغلها واشنطن لمساومة بكين والضغط عليها لتبني موقفًا معاكسًا.

ولكن ليس من المتوقع أن تخضع الصين فورًا وبهدوء إلى أي محاولات ابتزازية ممكنة من الولايات المتحدة، نظرًا لعلاقاتها الوطيدة مع روسيا وموقفها المعادي للولايات المتحدة والذي ليس من المرجح أن يتحول من المنافسة إلى التعاون. فضلًا عن ذلك، تلعب رغبة بكين في عدم الخضوع لواشنطن بل الصعود كقوة مساوية لها على الساحة الدولية دورًا في تحركاتها المستقبلية، وهو ما دفعها للقيام بإطلاق حملة دبلوماسية بغرض مواجهة الغرب وعلى رأسهم الولايات المتحدة، إضافة إلى بعض التحالفات التي أقامتها مع دول من الجنوب العالمي والدول غير الغربية في تكتلات مثل مجموعة “البريكس”، فضلًا عن تعزيز علاقاتها في الشرق الأوسط.

في الختام، من المتوقع أن يكون الوفد العربي قد بدأ بزيارة الصين وروسيا قبل الانتقال للدول الغربية الثلاث الأخرى نظرًا لموقفهم الداعم لوقف إطلاق النار والذي يتماشى مع الغرض الأساسي لهذه الجولة. آملين في حشد الأصوات المؤيدة لموقفهم لاستخدامها في الاسترشاد بها لتوجيه الدول المتبقية والضغط عليها، خاصةً مع بداية التحول في سياسة الاتحاد الأوروبي نحو تبني موقفًا مماثلًا لذلك الذي تتبناه الدول العربية بخصوص القضية من رفض التهجير القسري أو عودة إسرائيل للاحتلال الدائم للقطاع أو فصل قطاع غزة عن بقية الأراضي الفلسطينية.

وكذلك قد تشير البداية بروسيا والصين إلى الأهمية التي توليها دول المنطقة لهما وللمكانة المتنامية لهاتين الدولتين في الشرق الأوسط على حساب الرهان على الولايات المتحدة ودورها خاصة في القضية الفلسطينية استنادًا إلى موقفها الداعم لإسرائيل. هذا ومن المتوقع، وإثر التصريحات التي أعلنتها بكين وموسكو خلال هاتين الزيارتين، أن يحاولا تعزيز دورهما كدعاة للسلام حريصين على مصالح دول الجنوب العالمي التي تغفل عنها الولايات المتحدة.

المصدر : https://marsad.ecss.com.eg/79973/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M