مواجهة محتدمة بأسلوب الحملة الدعائية في الخليج

 فرزين نديمي

 

أظهرت الحوادث البحرية خلال العام الماضي أن «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني يعمل بجرأة متزايدة في منطقة الخليج على الرغم من وجود تحالفات بحرية دولية. وعلى الرغم من الإجراءات الأمنية الأكثر تنظيماً لهذه التحالفات، فإن المواجهة الأخيرة بين القوات البحرية الإيرانية والأمريكية أكدت احتمال سوء التقدير، لا سيما في ظل قيام حكومة أكثر صرامة في طهران.

في 3 تشرين الثاني/نوفمبر، أي قبل يوم واحد من الذكرى السنوية للاستيلاء على السفارة الأمريكية في طهران عام 1979، أصدرت “قوات البحرية التابعة لفيلق «الحرس الثوري الإسلامي»” الإيراني بياناً وقامت بتنقيح مقطع فيديو بشكل كبير حول مواجهة قريبة بين السفن الإيرانية والأمريكية. وقد أظهر الفيديو، الذي أفادت بعض التقارير أنه تم تصويره في 24 تشرين الأول/أكتوبر في المياه الدولية قبالة خليج عُمان جنوب قاعدة “جاسك” البحرية في إيران، سفينة القيادة “الشهيد محمد ناظري” التابعة لـ “قوات البحرية لفيلق «الحرس الثوري الإسلامي»”، وسفينة الدعم “الشهيد سياوشي”، وعدداً كبيراً من الزوارق الحربية السريعة التي تجمعت بالقرب من عدة سفن أمريكية، هي: المدمرتان البحريتان “يو أس أس مايكل ميرفي” (DDG-112) و”ذي سوليفانز” (DDG-68)، وثلاثة سفن قاطعة للاستجابة السريعة من فئة “سنتينيل” التابعة لخفر السواحل. ووفقاً للرواية الإيرانية، تمكّنت “قوات البحرية لفيلق «الحرس الثوري الإسلامي»” من إبعاد السفن الأمريكية بينما صعدت قواتها الخاصة على متن ناقلة نفط إيرانية وصادرت النفط الخام الإيراني الذي كانت البحرية الأمريكية قد “نقلته بطريقة غير شرعية إليها من ناقلة أخرى”. وأفادت بعض التقارير أن وجهة السفينة – ناقلة النفط الخام التي ترفع العلم الفيتنامي وتصل حمولتها إلى 107123 طناً باسم “سوثيس” – كانت ميناء صحار العماني، الواقع على بعد حوالي 170 كيلومتراً جنوب غرب ميناء جاسك [على بحر عُمان جنوب شرقي إيران].

وسارع المتحدث باسم البنتاغون الأدميرال جون كيربي إلى نفي الرواية باعتبارها مزيفة. ووفقاً لمصادر عسكرية تمت استشارتها من قبل موقع “يو أس أن أي نيوز”، كانت المدمرتان تحققان “بجريمة مشتبه بها” عندما اقتربت منها “قوات البحرية لفيلق «الحرس الثوري الإسلامي»”. وعلى الرغم من أن اللقطات المصورة تُظهر سفناً إيرانية وأمريكية تبحر جنباً إلى جنب وتقطع مسار بعضها البعض بين الحين والآخر، إلا أنه لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت ناقلة النفط الخام “سوثيس” قد أرسلت أي إشارة استغاثة، ولماذا استجابت المدمرتان الأمريكيتان بصورة مشتركة لـ “مراقبة” وضع لم يعد نادراً في منطقة الخليج العربي.

وفي وقت لاحق، عرض التلفزيون الرسمي الإيراني نسخة مختلفة للرواية، مدعياً أن عملية الاستيلاء كانت استعادة لأحد الأصول رداً على حادثة سابقة. ووفقاً لهذه الرواية، أعاقت القوات الأمريكية عملية نقل من سفينة إيرانية إلى أخرى شملت ناقلة النفط الخام “سوثيس” “قبل عدة أشهر”، والتي من المفترض أنها سمحت للناقلة بالإبحار بشحنة إيرانية غير مدفوعة الثمن: 750,000 برميل من النفط. وزعمت طهران أن العملية كانت متعمّدة ومرتبطة بتنفيذ العقوبات الأمريكية على إيران. لكن وفقاً لوكالات تعقب الناقلات، كانت السفية الفيتنامية مجرد تعيد شحنة من النفط الخام الإيراني المرفوض من الصين (في تشرين الأول/أكتوبر، أفادت بعض التقارير أن إيران صدّرت حوالي 1.1 مليون برميل يومياً من النفط الخام، ذهب نصفها تقريباً إلى الصين).

وتزعم إيران أن المواجهة انتهت بعد عدة ساعات عندما تراجعت السفن الأمريكية؛ لكن المسؤولين الأمريكيين عارضوا هذا التفسير من دون الدخول في تفاصيل. وفي مطلق الأحوال، تمّ تسيير الناقلة “سوثيس” إلى شمال جزيرة قشم، وتم تفريغ النفط الخام إلى ناقلة مخطوفة أخرى تحمل اسم “ريما” كانت تعرف سابقاً باسم “غلف سكاي”. وتم الإفراج عن “سوثيس” في 10 تشرين الثاني/نوفمبر. وبعد الحادثة، صرح القائد العام لـ «الحرس الثوري الإيراني»، اللواء حسين سلامي بأنه تمّ كسر شوكة العقوبات الأمريكية بشكل سافر.

ما الذي يكشفه الفيديو؟

بغض النظر عن خلفية الروايتين المتناقضتين، يبدو أن محتوى الفيديو بحد ذاته توجيهياً. فحيث إنه مزيج من التصوير بدرجة وضوح عالية من الأعلى بواسطة طائرة بدون طيار وصور التقطتها سفية القيادة الإيرانية، يُظهر الفيديو ما بدا أنه مواجهة متوترة في المياه الدولية. وقد تمكن الطرفان من تجنب التصعيد، حيث حرص الجانب الأمريكي بشكل خاص على هذه النقطة. ولكن، كما حصل خلال مواجهة أخرى جرت هذا العام، أظهرت “قوات البحرية لفيلق «الحرس الثوري الإسلامي»” المزيد من التركيز والجرأة. فقد اقتربت زوارقها الحربية من السفن الحربية الأمريكية إلى درجة كبيرة، وحاصرتها وأعاقت مسارها بينما كان المسلحون يشهرون أسلحتهم. وخلال حادثتين مماثلتين في نيسان/أبريل وأيار/مايو، أعاقت سفينة هجوم سريع مسار سفن قاطعة تابعة لخفر السواحل من مسافة قريبة، مما دفع بالسفن الأمريكية إلى إطلاق طلقات تحذيرية. والجدير بالذكر أن كلاً من هاتين الحادثتين حصلت عندما أفادت بعض التقارير أن إيران والغرب كانا على استعداد لاستئناف المحادثات النووية.

ويبدو أيضاً أن تصرف إيران خلال حادثة 24 تشرين الأول/أكتوبر كان محدداً ومرسوماً بدقة من خلال سلسلة القيادة في جاسك وبندر عباس، وذلك انطلاقاً من طبيعة التصوير من الأعلى بواسطة طائرة بدون طيار واللقطات التي تظهر قيادة “قوات البحرية لفيلق «الحرس الثوري الإسلامي»” وهي تراقب الوضع. وفي 12 تشرين الثاني/نوفمبر، صرح قائد “قوات البحرية لفيلق «الحرس الثوري الإسلامي»”، الجنرال علي رضا تنكسيري، أن إيران خططت للعملية آخذة في الاعتبار مواجهة كبيرة محتملة مع الولايات المتحدة.

التداعيات على الأمن البحري

تشارك البحرية الأمريكية حالياً إلى جانب ست دول أخرى في “التحالف الدولي لأمن الملاحة البحرية” (“آي إم إس سي”) وذراعه العملياتي، “حرس فرقة عمل التحالف”، بالإضافة إلى “القوات البحرية المشتركة التي تتألف من “فرقة العمل المشتركة 150″ و”فرقة العمل المشتركة 151″ و”فرقة العمل المشتركة 152”. وتتمثل إحدى المهام الرئيسية لفرق العمل هذه في ضمان حرية الملاحة في المنطقة الخاضعة لإشراف “القيادة المركزية الأمريكية”، والتي تضم المياه الدولية حيث أفادت بعض التقارير أن قوات «الحرس الثوري الإسلامي» شاركت في عمليات اختطاف مختلفة للناقلات.

ووفقاً للمواقع الإلكترونية الخاصة بالتعقب، صادرت إيران الناقلة “وينسوم” في حزيران/يونيو من هذا العام بعد أن حصلت على حمولة من سفينة أخرى “عمان برايد” في صحار. وفي تموز/يوليو 2020، صادرت إيران ناقلة النفط “غولف سكاي” في المياه الإماراتية، وغيّرت اسمها إلى “ريما”، وأضافتها إلى “الأسطول الشبحي” التابع لـ «الحرس الثوري الإسلامي» الذي يضم أكثر من 142 سفينة يلف الغموض هوية مالكيها والجهة المشغلة لها. يُذكر أن كل حادثة من هذا القبيل تعزز فرص دخول السفن البحرية الغربية في مواجهات مع «الحرس الثوري الإسلامي».

وفي حادثة مهمة أخرى جرت في آب/أغسطس 2020، صادرت “البحرية الأمريكية” أكثر من مليون برميل من البنزين الإيراني بمساعدة شركاء آخرين. ووفقاً لبعض التقارير، تمّت مصادرة الشحنة التي كانت متجهة إلى فنزويلا على متن 4 ناقلات، “بالقرب من مضيق هرمز” بموجب أمر صادر عن محكمة جزائية أمريكية ضد «الحرس الثوري الإسلامي» والحكومة الفنزويلية. وبدلاً من استخدام القوة العسكرية أو احتجاز السفن بشكل فعلي، أقنعت السلطات مالكي السفن وقباطنتها بوضع حمولتهم في عهدة الولايات المتحدة. وفي ذلك الوقت، نفت إيران أي صلة لها بالناقلات وحمولتها؛ ومع ذلك، قامت في وقت لاحق بمحاولة فاشلة للاستيلاء على ناقلات أخرى أثناء عبورها انتقاماً لذلك.

وفي المستقبل، يمكن أن يؤدي استخدام الحلفاء لمنصات غير مأهولة تعمل بالذكاء الاصطناعي إلى التخفيف من المخاطر البشرية الملازمة لمثل هذه العملياتومع ذلك، يجب استخدام هذه المنصات بشكل مستمر وبقوة لإحداث التأثيرات المرجوة المتمثلة بزيادة الردع ومنع إيران من الإنكارعلاوةً على ذلك، من الضروري وضع خطط في حال بدأت إيران بتدمير مثل هذه الأصول.

الخاتمة

أظهرت الحوادث البحرية خلال العام الماضي أن «الحرس الثوري الإسلامي» يعمل بجرأة متزايدة في منطقة الخليج على الرغم من وجود تحالفات بحرية دولية. وتوضح النتائج المتباينة لهذه الحوادث أيضاً كيف أنها تتحدّد من خلال مستوى عزم الولايات المتحدة على مواجهتها. وبالتالي، على الولايات المتحدة مراجعة قواعد الانخراط الخاصة بها إذا أرادت فرض نمط متسق والحفاظ على وجود عسكري آمن وموثوق في المنطقة.

على سبيل المثال، كان يمكن استخدام حاملة الطائرات والسفينة “يو إس إس إسكس” البرمائية والأصول الجوية-البرية في نطاق حادثة 24 تشرين الأول/أكتوبر، لكن ليس من الواضح ما إذا كانت الولايات المتحدة مستعدة لاستخدامها في إطار رد قوي إذا خرج الوضع عن السيطرة. ويمكن أن تؤثر حالة عدم اليقين هذه على مصداقية الولايات المتحدة بين الخصوم والحلفاء على حد سواء – وهو احتمال محفوف بالمخاطر إذا أصبحت الولايات المتحدة أكثر انخراطاً في أنشطة إيران المعقدة والغامضة لخرق العقوبات.

كذلك، على الولايات المتحدة إبلاغ عامة الناس بشكل استباقي بالمواجهات العسكرية التي تحصل في الخليج، على غرار حادثة 24 تشرين الأول/أكتوبر – وإلّا بإمكان إيران أن تدّعي انتصارات في مجال الدعاية من خلال إصدار روايات مشوّهة للقصة تعزز هدفها المتمثل في نزع الشرعية عن الوجود البحري الغربي وإقصائه. إنها حرب إعلامية لا تستطيع الولايات المتحدة تحمّل خسارتها. ومع استمرار التوترات في الارتفاع إلى مستويات قد تكون خطيرة، من الضروري أن تضع الحكومة الأمريكية وجيشها سياسة متسقة حول هوية أولئك الذين يبعثون الرسائل، وكيفية إيصال هذه الرسائل إلى إيران.

أخيراً، بينما تواصل الولايات المتحدة تأكيدها المعتاد على حرية الملاحة عبر مضيق هرمز كممر مائي دولي، يجب الضغط على طهران لتوضيح تشريعاتها السابقة المتعلقة بالمضيق على وجه الخصوص وبالخليج العربي بصورة عامةومن الأمور ذات الأهمية الخاصة تلك الحالات التي تتناقض فيها القوانين الإيرانية مع القواعد البحرية الدولية مثل “اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار”.

 

.

رابط المصدر:

https://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/mwajht-mhtdmt-baslwb-alhmlt-aldayyt-fy-alkhlyj

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M