وَضَعَ الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، في أواخر أغسطس 2023، إطاراً زمنياً جديداً للقضاء على حركة الشباب المجاهدين الموالية لتنظيم القاعدة، حدَّدهُ بـ 5 أشهر مقبلة، ونَقَلَ مركز قيادة حملته العسكرية ضد الحركة إلى مدينة طوسمريب، عاصمة ولاية جلمدغ الإقليمية، وسط البلاد. وجرى العدول عمَّا كان مُخططاً له من توسيع المواجهة مع الشباب عبر ملاحقتها في معاقلها الرئيسة جنوبي الصومال، بحيث تغير اتجاه المرحلة الثانية من العمليات العسكرية، التي انطلقت مؤخراً، لتتركز في إقليمَي جلجدود وشبيلي الوسطى، في محاولة لطرد مسلحي الشباب كُلياً من وسط البلاد، في وقت يُظهِر عناصر الحركة قدرة كبيرة على التكيُّف والاندماج في المجتمعات المحلية بالاستفادة من الروابط العشائرية والدينية.
تتناول هذه الورقة واقع جهود مكافحة الإرهاب في الصومال، وتعقيدات المواجهة المفتوحة ضد حركة “الشباب المجاهدين”.
مسار حملة الحكومة الصومالية ضد حركة الشباب
عُدَّت المرحلة الأولى من عمليات مكافحة الإرهاب، التي أطلقها الرئيس شيخ محمود في أغسطس 2022، ناجحة، إذ حقَّقت مكاسب كبيرة على صعيد تحجيم حركة الشباب، لاسيما في إقليمي شبيلي الوسطى والسفلى وسط البلاد، بما في ذلك انحسار نطاق سيطرة الجماعة المتطرفة بنحو الثلث، وتكبُّدها نحو ثلاثة آلاف قتيل (أي ثلث إجمالي مقاتليها البالغ قوامهم قرابة تسعة آلاف مقاتل تقريباً)، واعتقال واستسلام نحو 700 آخرين، بينهم قادة ميدانيون، وانخفاض حجم هجماتها بنسبة 70%، وفقاً لرئيس الوزراء حمزة عبدي بري، الذي أكد في 4 مايو الماضي، تحرير أكثر من 80 قرية وبلدة من سيطرة الحركة، وتحسُّن أمن العاصمة بشكل كبير، عقب تَولِّي قوات جديدة باسم الشرطة العسكرية أمن المدينة.
بيد أنَّ الحملة العسكرية تباطأت منذ يناير الماضي، وتراجع زخم الحرب على الشباب وسط وجنوب البلاد، نتيجة للعديد من العوامل التي سيأتي التطرق إليها بشيء من التفصيل، الأمر الذي أتاح لمسلحي الحركة مساحةً لإعادة التعبئة وتنفيذ عشرات الهجمات المميتة، كان أكثرها دموية الهجوم على قاعدة للقوات الأفريقية في منطقة شبيلي السفلى في 26 مايو، أسفر عن مقتل 54 جندياً أوغندياً؛ والهجوم على فندق “بيرل بيتش” الواقع على شاطئ الليدو في جنوب مقديشو في 10 يونيو، والذي راح ضحيته تسعة قتلى، بينهم أحد موظفي منظمة الصحة العالمية، وإصابة 10 آخرين. وليس آخرها الهجوم على فندق “الحياة” وسط العاصمة في 19 أغسطس، والذي استمر لأكثر من 30 ساعة، وأدى إلى مقتل 30 شخصاً وجرح 117، بينهم مدير أمن مخابرات العاصمة محيي الدين شطور.
وفي مسعى لتسريع العملية واستكمال تحرير ولايتَي جلمدغ وهيرشبيلي، نقل الرئيس حسن شيخ محمود في 5 أغسطس مركز قيادة الحملة إلى عاصمة الأولى “طوسمريب”، وعمل على تعبئة العشائر والمجتمعات المحلية، في عودةٍ إلى استراتيجيته السابقة التي تُعطي المليشيات العشائرية المعروفة بـ”أصحاب الإزارات” دوراً محورياً ضمن المجهود الحربي، على نحوٍ أحدث تحولاً لافتاً في مسار المعارك بين أغسطس 2022 ويناير 2023. وفي اليوم التالي أعلن رئيس وزرائه حمزة عبدي بري انطلاق المرحلة الثانية، التي ستتركز في إقليمَي جلجدود وشبيلي الوسطى وسط البلاد، بدلاً من جنوبها كما كان يجري الإعداد له، وهو تغيُّر يعكس طبيعة التعقيدات والتحديات التي تواجه فعالية المعركة ليس فقط في جنوب البلاد وإنما في مناطق الوسط أيضاً، لاسيما بعد تزايد تحرُّكات الشباب التي تُهدّد بتقويض ما أُنجِز خلال المرحلة الأولى في تلك المناطق.
وبعد أسبوع من إعلان شيخ محمود في 17 من الشهر نفسه من “طوسمريب”، إطاراً زمنياً للقضاء على الحركة “خلال الأشهر الخمسة المقبلة”، شنَّ مسلحوها هجوماً مُميتاً على قاعدة عسكرية في قرية “كوزوين” بإقليم جلجدود، وزعمت أنَّها قتلت 178 جندياً وجرح العشرات غيرهم. وكان الهجوم هو الأكثر فداحة بحيث تسبب في ترويع العشائر، التي أمرت أفرادها، بمن فيهم المنتسبون للجيش والأمن، بمغادرة الخطوط الأمامية، ليسقط عددٌ من المواقع الاستراتيجية بيد الشباب، بينها مدينتا “عيل بور” و”عيل دير” (اللتين استعادتها القوات الحكومية لاحقاً)، و”جلعاد” و”مساجاوي” و”بُدبُد”، بعد انسحابات وُصفت بالتكتيكية للجيش وأفراد العشائر، فيما جرى اعتقال عدد من الضباط لمحاكمتهم بتهمة التواطؤ مع الحركة. وبَذَل المسؤولون الحكوميون جهوداً لمنع الجنود ورجال العشائر من التخلي عن مواقعهم، وتقول الحكومة الصومالية إنّها تخطط لتغيير التكتيكات العسكرية ضد حركة الشباب بعد تلك الانتكاسة.
تعقيدات المعركة: لماذا يصعُب القضاء على حركة الشباب؟
لا تزال العوامل المحفِّزة لتنامي نشاط الإرهاب في الصومال والمنطقة موجودة، بما فيها توافر الحاضنة والبيئة الصديقة، وتفاقم ظروف المعيشة، وقصور الاستراتيجيات الحكومية في مواجهة الجماعات المتشددة، وبخاصة في ضوء استمرار الصعوبات التي تواجهها الحكومة لبناء جيشها، وترسيخ نفسها وفرض هيبة الدولة والحفاظ على مكاسبها، عبر إيصال الخدمات والمعونات إلى المناطق المحررة، وتوفير الأمن والحماية للمواطنين لضمان امتناعهم عن التعاون مع حركة الشباب و”داعش” الإرهابيين. ومن أبرز العوامل التي تعقِّد جهود مكافحة الإرهاب في هذا البلد ما يأتي:
1. تفاقُم الخلافات السياسية
على رغم النهج التصالحي للرئيس الصومالي، وما يحظى به من قبول وإجماع داخلي وخارجي، فإن بعض سياساته، بما فيها تلك المتعلقة بمحاربة الإرهاب، تُثير حفيظةَ بعض زعماء الولايات والنخب والمكونات السياسية والعشائرية. فمثلاً تستمر ولاية بونتلاند الشمالية الشرقية منذ 9 يناير الماضي في مقاطعة مقديشو، وتتهم شيخ محمود بمواصلة نهج الحكومات الفيدرالية السابقة في إملاء السياسات المركزية عليها. كما يَعيب عليه متمردو “خاتومو” في منطقة لاسعانود الواقعة جنوب شرقي “أرض الصومال” (صوماليلاند) موقفه شبه المحايد إزاء طموحهم الوحدوي في الانضمام إلى الدولة الفيدرالية، وعدم دعمه حراكهم العشائري الرامي إلى فك الارتباط عن صوماليلاند (الانفصالية من طرف واحد منذ ثلاثة عقود). وفي الأثناء تفيد الأنباء بتزايد تحركات عناصر الشباب وداعش للتسلل إلى لاسعانود، والتموضع في الولايتين الشماليتين الشرقيتين الأكثر استقراراً في البلاد.
وفي مثال آخر على تفاقم النزاعات السياسية التي تُقوّض الحملة العسكرية ضد الشباب على مستوى الولايات، عادت أخيراً التوترات إلى ولاية جلمدغ، جراء إقالة نائب رئيس الولاية وزير الداخلية في الولاية، والذي أعاده رئيس الولاية لاحقاً إلى منصبه مُلغياً قرار نائبه. وفي يوليو الماضي، احتدم نزاع مماثل في ولاية هيرشبيلي عندما عُزِلَ حاكم إقليم هيران السابق علي جيتي عثمان من منصبه، مما أدى إلى تمرده. ويبدو أن الرئيس الصومالي ومسؤولين بارزين في حكومته يقودون جهوداً لتخفيف تلك التوترات، باعتبارها جزءاً من التزامهم بتوحيد الصفوف والجهود المحلية في مواجهة الجماعة المتطرفة، وعلى سبيل المثال استعان شيخ محمود بزعيم عشيرة “هوادلي” للتوصل إلى تهدئة مع حاكم هيران المقال في أواخر أغسطس، تمهيداً للمصالحة واستعادة الاستقرار والتعاون في المهام الأمنية في تلك الولاية الاستراتيجية.
2. تراجُع الدعم الإقليمي
ضمن محاولات الرئيس شيخ محمود وحكومته لإكساب الحملة العسكرية الشاملة ضد الحركة زخماً أكبر، قاما بتحركات كبيرة لاستجلاب مزيد من الدعم الخارجي، وتوحيد وتوجيه الجهود والضغوط المحلية والإقليمية والدولية ضد الشباب، بما في ذلك استضافة مقديشو مطلع فبراير 2023 “قمة دول خط المواجهة” للأمن ومكافحة الإرهاب، والتي أكدت فيها دول الجوار الثلاث للصومال (كينيا، وجيبوتي، وإثيوبيا) أنها ستُضاعِف جهودها لشن “عملية مخططة” كبرى للقضاء على حركة الشباب جنوبي الصومال، و”تشكيل آلية أمنية مشتركة لمنع التهديدات الأمنية العابرة للحدود”.
وفي حين عاد الدعم الخارجي، لاسيما مع عودة الجنود الأمريكيين، ومشاركة الطائرات المسيرة الأمريكية والتركية في تقديم غطاء جوي واستخباري للقوات والمليشيات المحلية، لم تَفِ دول الجوار الثلاث حتى الآن بتعهداتها بشأن إرسال المزيد من الجنود من خارج بعثة الاتحاد الأفريقي “أتميس”، للمشاركة في المرحلة الثانية التي كان يفترض بها ملاحقة الشباب في معاقلها الرئيسة بولايتي جنوب الغرب وجوبالاند جنوب البلاد. ولتعويض النقص الحاصل، والذي يزيده بدء انسحاب “أتميس” من هذا البلد (منذ أواخر يونيو الماضي، حيث تم سحب 2000 جندي كدفعة أولى من قواتها المنتشرة في الصومال)، تلجأ الحكومة بشكل متزايد إلى الاعتماد على المليشيات العشائرية وتقوم بتسليحها، في خُطة يكتنفها بعض المخاطر وتُثير حفيظة الداخل والخارج.
3. الوضع العشائري المُتقلِّب
تقف الأوضاع العشائرية المتقلبة على رأس العراقيل التي تواجه مساعي الحكومة لاستئناف العمليات العسكرية ضد الشباب في معاقلها الجنوبية بولايتي جنوب الغرب وجوبالاند، حيث تتسم الولايتان بنسيج اجتماعي أقل تجانساً يتكون من عدد أكبر من القبائل المتداخلة والمتنافسة، ما يجعل نخبها الحاكمة أكثر تحفُّظاً إزاء ما تَعتبرها طموحات لعشيرة “هوية” (أكبر العشائر الأربع الكبرى التي تتقاسم السلطة في الصومال، والمنتشرة في معظم مناطق الوسط، وينحدر شيخ محمود من أحد فروعها “أبقال”)، لفرض المركزية والهيمنة على الأطراف؛ إذ تخشى الولايتان استضافة مزيد من القوات الفيدرالية، وخُطط مقديشو لتجنيد رجال العشائر ودمجهم في قوات الشرطة الإقليمية، باعتبار أن ذلك قد يُغيِّر التوازنات القائمة، ويُقوّض سلطات الحكام المحليّين ونفوذهم.
ويُمثِّل التنافس بين المكونات القبلية على الأدوار القيادية والتسليح ومغانم الحرب، فضلاً عن الدوافع الأخرى كالثارات وتصفية الحسابات والنزاعات على الأراضي والموارد، أبرز العقبات أمام اندماج رجال العشائر بشكل فعال في جهود موحدة لمحاربة الإرهاب، حيث يتوجس بعض القبائل من مساعي أخرى للتمدد نحو مناطقها بذريعة تحريرها من الشباب. وظهرت الانقسامات حتى بين فروع عشيرة “هوية” التي توترت علاقة الحكومة ببعض زعمائها، لاسيما المشكوك في تعاونهم مع الشباب المجاهدين، على نحو أعاق الحملة العسكرية ضد الحركة. وفي المقابل، تعمل الأخيرة على الالتفاف على الجهود الحكومية لتحشيد العشائر، عبر أساليب الترهيب والترغيب، حيث تتفاوض الحركة مع زعماء العشائر والتجار لاستمالتهم أو تحييدهم عن المجهود الحربي لخصومها، وتحاصر المناطق التي تخرج عن سيطرتها أو ترفض إيواء مقاتليها، كما تلعب على الوتر القبلي لتأجيج الصراعات العشائرية، والترويج للسردية الجهادية للدفاع عن الأرض والسيادة والدين لترسيخ مشروعها الجهادي.
4. قدرات حركة الشباب وتكتيكاتها القتالية
تُمثِّل حركة الشباب المجاهدين دولةً داخل الدولة، حيث تمتلك حكومةً موازية للحكومة الفيدرالية الصومالية، تتَّخذ من مدينة “جيليب” جنوب غربي الصومال عاصمةً فعلية لها، وتُدِير شؤون المواطنين في المناطق التي تسيطر عليها، لاسيما الريفية منها. وتُنفِق الحركة ما يقارب 24 مليون دولار سنوياً – أي نحو ربع ميزانيتها – على الأسلحة والمتفجرات، وبشكل متزايد على الطائرات من دون طيار. كما أنَّ لديها أجهزة أمنية واستخباراتية متعدّدة، أبرزها جهاز “أمنيَّات” الذي يُدير شبكة خلايا سرّية في العاصمة مقديشو وعواصم الولايات ومعظم المناطق، بما فيها الحدودية مع كينيا وإثيوبيا، لجمع المعلومات عن خصوم الحركة ومسرح العمليات.
وفضلاً عن القُدرات المالية واللوجستية والاستخباراتية، تتَّبِع الحركة تكتيكات قتالية متنوعة بحسب طبيعة المعركة ونوع الهدف، أبرزها “الكَرّ والفَرّ” وأسلوب حرب العصابات، بما فيها الكمائن والعمليات الانتحارية والاغتيالات، ما يمنحها الأفضلية في ضرب أهداف عالية الدّقة واستنزاف خصومها وإرباكهم، وقطع الخطوط الرئيسية، وتحقيق مكاسب مهمة بأقل التكاليف، ويُصعِّب على الجيش ملاحقتها وإيصال الإمدادات العسكرية لنقل عملياته إلى عمق المناطق النائية، وتأمين مكاسبه في تلك المناطق.
5. رفض حركة الشباب الدخول في حوار مع الحكومة
على خلفية تزايد الدعوات المُطالِبة بإجراء محادثات مع حركة الشباب المجاهدين، وتزايد الجدل حول إمكانية المصالحة معها ودمجها في الحياة السياسية، لإنهاء سنوات من الحرب وعدم الاستقرار في البلاد، كان الرئيس شيخ محمود بعد أقل من شهر على عودته لرئاسة البلاد في مايو 2022، قد أفصح عن نِيَّته التحاوُر مع الحركة، لكن بعد تحرير المناطق التي تُسيطر عليها. وهو ما رفضته الحركة بشكل قاطع في ذلك الحين، وجدَّدت على لسان نائب زعيمها عبد الرحمن أحمد ورسمي، المعروف بـ”مهد كرتاي”، مساعيها لإطاحة الحكومة الصومالية.
وبعد عام على انطلاق الحملة العسكرية ضد الحركة، والتي أدت إلى إلحاق بالحركة هزائم عدة، وبخاصة وسط البلاد، حيث انحسر نطاق سيطرتها بنحو الثلث، لم تظهر إشارات على أن الحوار مع الحركة مُمكِن، فلم تُحدِث الحرب الشاملة تصدعات و/أو مراجعات داخل الهيكل القيادي للحركة على نحو يُمهِّد لجنوحها نحو الخيار السلمي التفاوضي. ومؤخراً في 17 أغسطس الماضي، عاد الرئيس شيخ محمود ليؤكد أن حكومته منفتحة على الدخول في محادثات مع الشباب، وأنها “بذلت محاولات عدة لبدء حوار معها، لكن تلك المحاولات باءت بالفشل”.
ويبدو أن لدى حركة الشباب حسابات مختلفة، يُحفِّزها -من بين عوامل أخرى- نجاح حركة طالبان الأفغانية في إسقاط الحكومة المدعومة غربياً وإجبارها الولايات المتحدة على الانسحاب من أفغانستان بعد عشرين سنة (في أغسطس 2021)، وهو أمر يُكسِبها دافعاً قوياً، ونفساً طويلاً لخوض حرب استنزاف مماثلة، وطويلة الأمد، ضد الحكومة الصومالية وحلفائها المحليين والدوليين، وفي تقديرها أنَّها بما تتمتَّع به من قدرات متنامية وتكتيكات متنوعّة، ستكون قادرة في نهاية المطاف على فرض أمر واقع وبناء حكم إسلامي في الصومال، وأداء دور حاسم في أسلَمة الحكم في القرن الأفريقي ومواجهة نفوذ الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة. وهو ما يُفسِّر تصعيدها المتزايد للعمليات في الداخل الصومالي، وباتجاه الأراضي الكينية والإثيوبية.
الاستنتاجات
في ضوء ما سبق، يبدو أن الاستمرار في إعطاء المواجهة الشاملة مع حركة الشباب زخماً أكبر ومنسَّقاً ومتواصلاً، يُمثِّل الخيار الوحيد المتاح حتى الآن أمام الحكومة الصومالية، ودول الجوار الإقليمي. وذلك على الرغم من حقيقة أن دحر الحركة من أغلب المناطق الحيوية، وإحداث تغيُّر حاسم في خريطة النفوذ والسيطرة، سيستغرق على الأرجح وقتاً أطول، وقد لا يكون في المتناول في المديين القريب والمتوسط. في حين أنَّ تراجع وتيرة الهجوم ضد الحركة سيُبقي المشهد الصومالي قاتماً، مع استمرار الحرب سجالاً في هذا البلد، وبقائه ساحة للاقتتال والتنافس الجهادي البيني، وهو ما سيعني تفاقم الوضع الأمني والاضطرابات المترتبة عن ذلك في القرن الأفريقي وشرق أفريقيا.
وعليه، قد يتطلب تطوير وتفعيل استراتيجية شاملة وناجعة لهزيمة حركة الشباب واجتثاث الإرهاب من الصومال، تبني جملة من التدابير والجهود، أهمها الآتي:
- تطوير قُدرات الجيش الوطني والأجهزة الأمنية والاستخباراتية؛ بمساعدة أصدقاء الصومال وجواره، إذ أحرزت الحكومة الصومالية نجاحات ملموسة على صعيد محاربة الإرهاب، واستعادة الأمن والاستقرار في العاصمة مقديشو وربوع البلاد. وتمتلك الحكومة خطة أشمل تسير على نحو جيد لاستقرار البلاد، بما في ذلك عبر إرسال الآلاف من مجنديها إلى دول الجوار مثل إريتريا وأوغندا ومصر وإثيوبيا لتلقي التدريب، في مسعى لاستكمال تجهيز 24 ألف جندي بحلول أواخر العام المقبل 2024، لتولي المهام الأمنية عقب مغادرة القوات الأفريقية (أتميس)، وأيضاً الإيفاء بمعايير مجلس الأمن الدولي لرفع حظر الأسلحة المفروض عليها، ومن ذلك شروعها مؤخراً في تطبيق قانون الحد من حمل الأسلحة الثقيلة في العاصمة مقديشو، لتخفيف مخاطر تسرُّب الأسلحة إلى أيدي الجماعات المتطرفة والمتمردة. وعليه، يتعين على المجتمع الدولي رفع حظر الأسلحة والاسهام في رفع قدرات القوات الصومالية على مواجهة الشباب بمفردها، فمن شأن ذلك أنْ يقلل اعتمادها على مليشيات العشائر، ويُعفِي المجتمع الدولي بما فيه الولايات المتحدة والاتحاد الأفريقي من المشاركة المباشرة في الحرب على الإرهاب في الصومال، وهو ما يُفنِّد المسوِّغات التي يسُوقها المتطرفون بأنَّهم يحاربون الكفَّار والغزو الأجنبي للصومال.
- تعزيز الحوكمة الرشيدة؛ بما في ذلك محاربة الفساد في أجهزة الدولة، ورأب التصدُّعات الداخلية، واستعادة ثقة الولايات الإقليمية والعشائر المحلية ببعضها بعضاً وبالحكومة الفيدرالية. وعليه، يتعين تطوير آلية المشاركة السياسية ودبلوماسية المصالحات، للمواءمة بين طموحات النخب وضرورات المرحلة، فمثلاً يتعين عدم الاقتصار على المجلس التشاوري، وبحث إمكانية إطلاق مؤتمر حوار وطني شامل يضم مختلف الأطراف، بما في ذلك المجتمع المدني، وبرعاية الشركاء الدوليين، للتوافق حول القضايا العالقة التي تعيق خطط بناء الدولة الصومالية، وتقوض توحيد الجهود المحلية للقضاء على الإرهاب.
- زيادة التركيز على محاربة “الشباب” مالياً وفكرياً؛ من خلال تطبيق قواعد وأنظمة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتعزيز وجود وانتشار الأجهزة والمؤسسات والمشاريع والخدمات الحكومية، وتوفير الحماية للمواطنين لضمان امتناعهم عن التعاون مع عناصر الشباب و”داعش” ورفض دفع الضرائب والزكاة لهما، وإصلاح منظومة التعليم ودعم البرامج التوعوية لنشر الفكر المعتدل وثقافة التسامح والتعايش في مختلف المناطق وفي أوساط التجمُّعات الحضرية والقبلية.
- دعم استعادة التعافي الاقتصادي للصومال؛ ففي حين يستمر تعويل هذا البلد على شركائه الدوليين على مختلف الصعد، بما فيها التنموية والإنسانية لمواجهة أزمات المجاعة والجفاف، وإعادة إعمار البنية التحتية المتضررة من الصراعات والحروب المتلاحقة، وتحمُّل نفقات الخدمات الأساسية للمواطنين؛ يجب على الحكومة والجهات المعنية في الصومال بذل مزيد الجهود الحثيثة لتطوير المؤسسات والأنظمة الوطنية والسيادية، وتحسين إدارة الموارد واستكشاف فرص التنمية واستغلال الثروات الطبيعية، وصولاً إلى تحسين الوضع المعيشي للشعب الصومالي وتقليل الاعتماد على المساعدات الخارجية. ولكن حتى ذلك الحين، يتعين على أصدقاء هذا البلد، في المنطقة والعالم، بذل المزيد من العون من أجل مساعدة الصومال على الوقوف على قدميه، وبناء دولة قادرة على تأمين أراضيها، وتحسين أوضاع شعبها.
.
رابط المصدر: