نافذة مفتوحة لسلامٍ مُمكِن: آفاق الحل السياسي في السودان بعد «إعلان أديس أبابا»

  • يسود قوات الدعم السريع في السودان اعتقادٌ بأنها نجحت عملياً في حسم الحرب مع الجيش بسيطرتها على الجبهات الاستراتيجية، باستثناء الشرق، الذي يبدو أنه منطقة مؤمنة للحكومة العسكرية السودانية بتوافقات دولية وضمانات إقليمية.
  • على رغم تصاعد موجة الحرب الداخلية في السودان، يبدو أن آفاق الحل السياسي السلمي متاحة عملياً، بتوفر إطار إقليمي ودولي للحل في نطاق المبادرة الأفريقية التي حظيت بإجماع واسع، وتوفر حاضنة سياسية داخلية قوية من خلال تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية.
  • من المُرجَّح توصل طرفا الصراع إلى اتفاق أولي لوقف إطلاق النار دون أن يصل إلى صيغة مكتملة للحل السياسي، في الوقت الذي تتواصل المبادرات الداخلية والإقليمية الساعية إلى الخروج من الأزمة السياسية السودانية.

 

شكَّلت زيارة قائد قوات الدعم السريع في السودان، الفريق محمد حمدان دوقلو (حميدتي)، لثلاث من دول الجوار الجغرافي (جيبوتي وأوغندا وإثيوبيا)، فرصة مهمة لدفع العملية السلمية لحل الأزمة السودانية، وشفعت بلقائه في 1 يناير 2024 بممثلين عن تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدُّم)، وفي 2 يناير وقَّع الطرفان إعلاناً مهماً “إعلان أديس أبابا” يُكرِّس الأجواء الإيجابية الجديدة في السودان.

 

مستجدات الوضع الداخلي السوداني

لعلّ التحوُّل الأساسي الذي حدث على الساحة العسكرية هو سيطرة قوات الدعم السريع على إقليم الجزيرة في وسط البلاد على بعد 100 كيلومتر من الخرطوم، بعد أن سيطرت هذه القوات على أهم المراكز الحيوية في غرب السودان. ففي 18 ديسمبر 2023 استولت قوات الدعم السريع على عاصمة ولاية الجزيرة مدينة ود مدني التي يطلق عليها تسمية “قلب السودان”، بما اعتبُر نقطة تحوُّل كبرى في النزاع المسلح، خصوصاً أن الجيش السوداني لم يقاتل في المعركة وانسحب من الميدان في ظروف غامضة.

 

وفي ضوء هذا التطور، يسود قوات الدعم السريع، كما أظهرت تصريحات قياداتها، اعتقادٌ بأنها نجحت عملياً في حسم الحرب بسيطرتها على الجبهات الاستراتيجية، باستثناء الشرق، الذي يبدو أنه منطقة مؤمنة للحكومة العسكرية السودانية بتوافقات دولية وضمانات إقليمية. ومن هنا فإن خطة قوات الدعم السريع تتمثل في الاحتفاظ بالأوراق العسكرية القوية التي في يدها والاستفادة من الزخم الدبلوماسي الإقليمي، بالتجاوب مع المبادرة الأفريقية التي تبنتها قمة الايغاد المنعقدة في جيبوتي في 9 ديسمبر والمدعومة دولياً، وفي نفس الوقت التجاوب مع مبادرة القوى المدنية السودانية للحل السياسي.

 

أما الجيش الذي ذاق هزائم عسكرية متكررة في الآونة الأخيرة، فلا يزال يرفع شعار حسم الصراع ضد “المليشيات المتمردة”، مع استغلال ورقة “الشرعية الدولية”، ونقل الصراع إلى الأطراف الخارجية التي يَعتبرها منحازة في الحرب الدائرة للطرف المعادي له.

 

ومع أن اللقاء المباشر كان مقرراً بين رأسي الصراع الداخلي السوداني يوم 28 ديسمبر بترتيب من مجموعة الإيغاد، إلا أنه تأجَّل إلى موعد لاحق في شهر يناير. وتباينت أسباب وخلفيات هذا اللقاء، الذي لا يبدو أن مقومات نجاحه المسبق قد اكتملت، وإن كان لا يزال مطروحاً في الأفق القريب.

 

وأظهر الخطابان اللذان تقدَّم بهما الفريق البرهان والفريق حميدتي بمناسبة ذكرى عيد الاستقلال الوطني(1 يناير 2024) حجم الاختلاف الواسع في الموقف والرؤية بين الرجلين. ففي حين ركَّز الفريق البرهان على أن الحل السلمي مرهون بخروج قوات الدعم السريع من المدن ومن ولاية الجزيرة، وإخلاء مساكن المواطنين ومقار الحكومة، اعتَبَر حميدتي أن الجيش خسر المعركة فعلياً وطالب بإعادة بناء الجيش الوطني والتوصل إلى حل سلمي بالتجاوب مع المبادرات الوطنية والإقليمية.

 

واعتبر محللون سودانيون أن خطاب الفريق حميدتي كان أكثر واقعية وانسجاماً مع حقائق الوضع السياسي السوداني، في حين خلا خطاب البرهان من أي تصور إيجابي عملي للخروج من الأزمة السياسية السودانية.

 

اقرأ أيضاً:

 

آفاق الحل السياسي

على رغم تصاعد موجة الحرب الداخلية في السودان، يبدو أن آفاق الحل السياسي السلمي متاحة عملياً، بتوفر إطار إقليمي ودولي للحل في نطاق المبادرة الأفريقية التي حظيت بإجماع واسع، وتوفر حاضنة سياسية داخلية قوية من خلال تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية. أما الخطة الأفريقية التي دمجت بين توافقات منبر جدة ومبادرة مجموعة الإيغاد، فتتمثل في النقاط الست الآتية:

 

  1. وقف إطلاق النار الدائم وتحويل الخرطوم لعاصمة منزوعة السلاح.
  2. إخراج قوات طرفي القتال إلى مراكز تجميع تبعد 50 كيلومتراً عن الخرطوم.
  3. نشر قوات أفريقية لحراسة المؤسسات الاستراتيجية في العاصمة.
  4. معالجة الأوضاع الإنسانية السيئة الناجمة عن الحرب.
  5. إشراك قوات الشرطة والأمن في عملية تأمين المرافق العامة.
  6. البدء في عملية سياسية لتسوية الأزمة بشكل نهائي.

 

وفي حين لا يبدو أن جناح الفريق البرهان متحمس لهذه الخطة، واعترض في السابق على نشر قوات تدخُّل أفريقية في مسرح الصراع، كما رفض المساواة بينه مع قوات الدعم السريع في ترتيبات الحل السلمي، يبدو أن قوات الدعم السريع أكثر استعداداً لقبول بنود الخطة. كما أن تنسيقية القوى المدنية التي يشرف عليها رئيس الوزراء الأسبق عبد الله حمدوك تفاعلت إيجاباً مع جوهر المبادرة الأفريقية، وضمَّنتها في أساس مقترحاتها المطروحة على قائد قوات الدعم السريع والتي تود طرحها وفق التوجه نفسه على الفريق البرهان.

 

وبحسب الاتفاق الموقع بين قوات الدعم السريع وتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية في أديس أبابا بتاريخ 2 يناير الجاري، اتفق الطرفان على جملة من التفاهمات من أهمها: السعي لوقف إطلاق النار بالتفاوض مع الجيش، وفتح ممرات آمنة لوصول المساعدات الإنسانية للمواطنين وتمكين هيئات الإغاثة من ممارسة أنشطتها في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع، وتشكيل لجنة مستقلة لتقصي الحقائق في الحرب مع التحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان المرتبطة بالصراع، والشروع في حل سياسي ضمن معايير دولة المواطنة المتساوية والحقوق المدنية المشتركة والتوافق الشامل الذي لا يستثني إلا النظام الذي أزاحته انتفاضة 2019.

 

وتسعى تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية إلى توقيع اتفاق مماثل مع الجيش السوداني، وعلى أن يتوصل زعيما الصراع إلى نفس التوافقات في لقائهما المرتقب. غير أن عوائق كثيرة لا تزال مطروحة من أهمها: حرص جناح البرهان على أن يكون الممثل الشرعي الوحيد للدولة السودانية في مقابل “مليشيات متمردة ” خارجة على طاعته، كما أنه لا يزال يراهن – ولو لفظياً – على إمكانية حسم الصراع المسلح، بما تمثَّل مؤخراً في إنشاء حركات “المقاومة الشعبية المسلحة” التي تنذر بتأجيج الحرب الأهلية الشاملة في السودان. وقد حذَّرت شخصيات سياسية سودانية كبرى من هذا المنزلق الخطير الذي قد يجر السودان إلى مستنقع الفتنة الداخلية المعممة.

 

وفق هذه المعطيات، فإن من المُرجَّح توصل طرفا الصراع إلى اتفاق أولي لوقف إطلاق النار دون أن يصل إلى صيغة مكتملة للحل السياسي، في الوقت الذي تتواصل المبادرات الداخلية والإقليمية الساعية إلى الخروج من الأزمة السياسية السودانية. إلا أن احتمال استفحال الصراع الداخلي وتمدُّده إلى مناطق جديدة يظل مطروحاً في حال فشل المحاولات الدائرة للتقريب بين جناحي الحرب الدائرة في السودان.

 

الخلاصة 

بعد خروج الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي) من السودان وزياراته لثلاث من بلدان تكتل الإيغاد، توصَّل مع تنسيقية القوى المدنية السودانية بزعامة رئيس الحكومة السابق عبد الله حمدوك إلى وثيقة مهمة تُكرِّس مبادئ التسوية السياسية للأزمة السودانية، في أفق اللقاء المرتقب بين حميدتي والفريق البرهان، ولقاء التنسيقية مع البرهان. هذه المعطيات تُولِّد أملاً قوياً باتفاق أولي بين طرفي الصراع، قد يُفضي إلى وقف إطلاق النار والشروع في مسار تفاوضي معقد لا تزال العوائق التي تعترضه عديدة، وفي مقدمتها الوضع العسكري والأمني المتفجر، والتباين الواسع في الرؤية والتوجه بين الفريقين المتصارعين.

المصدر : https://epc.ae/ar/details/brief/afaq-alhal-alsiyasi-fi-alsuwdan-baed-ielan-adis-ababa

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M