نظام الكفالة في الخليج… عُبوديّةٌ حديثة؟

كريم الهاني

 

تصل بعض الإحصائيات بعدد من يُدعون بالوافدين في الخليج؛ أي غير المواطنين، إلى أكثر من ثُلثي إجمالي الطبقة العاملة هناك.

يُشكل الوافدون 88.5 بالمائة من سُكان الإمارات مثلا، و87.3 بالمائة من سكان قطر…[1] نسبٌ مرتفعة يتبوّؤها المواطنون في الحالات العادية.

الذي شَجّع هؤلاء على الهجرة إلى الخليج، ومعظمهم من الدول النامية في آسيا، التفاوتُ الديمغرافي بين بلداهم وحيث قَدِموا… خاصة بعدما أخذ النفط، سبعينيات القرن الماضي، يأتي على فاقعِ الصحراء!

لا تُقيّد دول الخليج العربي، أو ما يُعرف بـ”دول مجلس التعاون الخليجي”، الهجرة إليها… لكنها، تُقيّد حق الجنسية/المواطَنة.

كانت صفقةً رابحة للطرفين معاً… فتلك الطفرةُ، التي لم يَكن لتخطر يوما على بال شعوب بدوية، أخذت هذه البلدان على التفكير في ارتياد الحضارة (بالمعنى التحديثي).

لكن القوة العاملة الوطنية، المحدودة، كانت تُقيّد هذا المسعى… حتى تدفقّت العمالة الأجنبية، غير المكلفة، وغيّرت موازين ديموغرافيا هذه البلدان رأسا على عقب.

على أن معظم هؤلاء عُمالٌ ذكور ولا يمتلكون مهارات مهنية يُعتدّ بها… ويشتغلون في وظائف ذات إنتاجية منخفضة كالعَمالة المنزلية، أو في قطاعات أخرى مثل الفنادق والبنوك والتعليم.

بينما، في حالات أخرى، تستقطب هذه الدول الكفاءاتِ وذوي الثروات، وتمنحهم وضع إقامة خاص…

لكن…

لا تُقيّد دول الخليج العربي، أو ما يُعرف بـ”دول مجلس التعاون الخليجي”، الهجرة إليها… لكنها، تُقيّد حق الجنسية/المواطَنة.

نظامٌ لا نجده في غيرها أينما هاجرتَ في العالم.

من يُفكّر في الهجرة إلى أوروبا مثلا، سيُواجه متاعب بيروقراطية عديدة قبل أن يطأ أرض أي دولة هناك… لكنه يُعامَل بعد ذلك كأي مواطن من الناحية القانونية، وبعد فترة قد يصبح مواطنا حتى.

كانت قوانين الكفالة هذه تستثني الوافدين من العرب في البداية.

الهجرة إلى الخليج غير ذلك؛ سهلةٌ نسبياً. كل ما يحتاج إليه المرء أن يعثر على شخص يكفله، مواطنا كان أو مؤسسة (شخص اعتباري)… (في حالات دبي والبحرين، يُمكن للمرء أن يكفل نفسه باستثمار بضعة آلاف من الدولارات).

غير أنّ الوافدَ هذا، ولو شبّ وشابَ هناك، لن يحصل على حقوق ومزايا الجنسية التي تُمنح للمواطن.

المواطن في دول الخليج، بالمناسبة، هو الذي كانت عائلته (من جهة الأب) توجد على تراب الدولة قبل اكتشاف النفط. يختلف تحديد هذه السنة من دولة إلى أخرى؛ 1926م في السعودية مثلا، 1925م في الإمارات…

نظام الكفالة

فكرةُ الكفالة بريطانيةٌ تعود إلى أيام استعمار المنطقة… استحدثتْ هذا النظام قبل اكتشاف النفط لتنظيم عمل الغواصين الذين كانوا يبحثون عن اللؤلؤ في البحرين.

ثم ما لبثت الفكرة أن انتشرت في الخليج كلّه… كانت قوانين الكفالة هذه تستثني الوافدين من العرب في البداية.

غير أنّ الوافدَ هذا، ولو شبّ وشابَ هناك، لن يحصل على حقوق ومزايا الجنسية التي تُمنح للمواطن.

يُمكن فهم العلاقة بين الكفيل والمكفول باللغة العربية قبل لغة القانون… كفلَ في لسان العرب، ضَمن. الكفيلُ بهذا المعنى هو الضّامن، العائلُ أيضا.

أمّا في تشريعات بلدان الخليج، فالكفيل هو المسؤول القانوني عن الوافد إلى أن يعود إلى وطنه…

أي أنّ الدولةَ فوّضت للكفيل (المواطنون والشركات) سلطة دخول أي كان إلى أراضيها!

ما الذي يعنيه ذلك؟

لا يحتاج الأمر إلى عميق تفكير… يعني، ببساطة، أن يضع المكفول رقبَتَه (إن جاز التعبير) في يد الكفيل.

في هذه المعادلة، واضحٌ أن ميزان القوة يميلُ إلى الكفيل. فالمكفول ليس، والحال هذه، سوى تابعاً.

لا يُمكن للمكفول أن يُغيّر عملَه، ولا أن يستقيل… والسّفر أيضا ممنوع دون إذن مكتوب من الكفيل.

لا يحقّ لهم تشكيل نقابات حتّى ليناضلوا من أجل حقوقهم كعمال!

المواطن في دول الخليج هو الذي كانت عائلته (من جهة الأب) توجد على تراب الدولة قبل اكتشاف النفط.

وقائع الاضطهاد التي تكشف عنها الصحافة والمنظمات الحقوقية أكثر من أن تُحصى… كثير من الوافدين، كما أشرنا، يشتغل في العمالة المنزلية؛ سبعةَ أيام في الأسبوع، ولأكثر من عشر ساعات في اليوم.

من ذلك، أنّ رئيس الفليبين، رودريغو دوتيرتي، سبق أن أمر بمنع مواطنيه من السفر إلى الكويت للعمل بعد بروز تقارير عن إساءة معاملة الفليبينيات هناك.

منظمة “هيومن رايتس ووتش” أيضا سبق أن أعدّت تقريرا بعنوان “لقد اشتريتُك سلفا” ينبش في خبايا الانتهاكات التي تعرفها العمالة المنزلية في الإمارات.

قطر أيضا ووجهت بانتقادات عديدة تخصّ عمالة الإعداد لكأس العالم لكرة القدم… منظمة العفو الدولية وصفت عمل هؤلاء بـ”القسري”، وأشارت، في هذا الصدد، إلى انتهاكات جمّة.

مُتجذّر…

منذ سنوات طويلة تُواصل المنظمات الدولية التي تُعنى بحقوق الإنسان (بما فيها الهجرة والعمل) إلى الضغط على دول الخليج لتغيير هذا النظام.

نظام الكفالة، بحسبها، لا يتفق مع مبادئ حقوق الإنسان وأنظمة العمل الحديثة التي تستند في مرجعيتها إلى الاتفاقية الدولية الخاصة بحقوق المهاجرين.

معظم هذه الدول قد صدّقت على هذه الاتفاقية في الواقع، لكن… “لقد أسمعتُ لو ناديتُ حيا”!

هذا النظام أصبح مُتجذّراً، ذلك أنه ارتبط ببنيات اجتماعية ومصالح اقتصادية على مدى عشرات السنين.

على أنه ثمّةَ استثناءات… فقطر أدخلت، في شتنبر 2020، إصلاحات واسعة على نظام الكفالة، على نحو نال إشادة منظمة هيومن رايتس ووتش، التي اعتبرت نجاح هذه التعديلات رهينا بمدى تنفيذها ومراقبتها كما ينبغي من قبل الحكومة.

السعودية أيضا أعلنت عن نهاية العمل بنظام الكفيل مع نهاية عام 2020.

لكن من استقصوا ملف نظام الكفالة، وقلّبوه على شتى وجوهه، يعتقدون أن عملية إصلاحه في الخليج كافة بحاجة إلى وقت…

هذا النظام، يقولون، أصبح مُتجذّراً، ذلك أنه ارتبط ببنيات اجتماعية ومصالح اقتصادية على مدى عشرات السنين. لذلك، فإضافة إلى تغيير القوانين، يحتاج تغيير العقليات لسنوات طويلة حتى يتماشى مع مفهوم حقوق الإنسان واحترام حقوق العمال.

 

رابط المصدر:

https://marayana.com/laune/2021/05/01/24581/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M