هل أدت العقوبات إلى إضعاف الاقتصاد الروسي؟

محمد صبري

 

العقوبات الاقتصادية هي عقوبات تفرضها دولة أو مجموعة دول على دولة أو مجموعة دول أخرى لمنعها من التصرف بعدوانية أو خرق القانون الدولي، وهي من أصعب الإجراءات التي يمكن أن تتخذها الدول، ما عدا خوض الحرب، وتكون العقوبات أو القيود الاقتصادية متعلقة بقطاعات معينة من النشاط الاقتصادي، بما في ذلك حظر الاستيراد أو التصدير من سلع معينة، وحظر الاستثمار، وحظر تقديم خدمات معينة، إلخ.

العقوبات التي تم فرضها على روسيا

فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مجموعة من العقوبات على روسيا كان أهمها ما يلي:

اولاً: التدابير المالية

قيدت الدول الغربية وصول روسيا الي الأموال، حيث منعت الولايات المتحدة روسيا من سداد مدفوعات الدين باستخدام العملات الأجنبية الموجودة في البنوك الأمريكية، كما تمت إزالة البنوك الروسية من نظام سويفت (هو نظام مركزي عالمي لتنفيذ الحوالات المالية المتبادلة بين البنوك العالمية الكترونياً وذلك باعتماد مقاييس دولية ومن خلال رمز محدد لكل بنك يسمى سويفت كود) للرسائل المالية الدولية، مما أدى الي تأخير المدفوعات لروسيا مقابل صادراتها من النفط والغاز، بالإضافة الي استبعاد المملكة المتحدة للبنوك الروسية الرئيسية من النظام المالي البريطاني، بالإضافة الي تجميد جميع الأصول المملوكة للبنوك الروسية، كما منعت الشركات الروسية من اقتراض الأموال، بالإضافة الي وضع قيود علي الودائع التي يمكن للروس إيداعها في البنوك البريطانية، بهدف اضعاف الاقتصاد الروسي.

ثانياً: النفط والغاز

فرضت الولايات المتحدة حظر كامل علي واردات النفط والغاز الروسي، بالإضافة الي تخطيط الاتحاد الأوربي الي الاعتماد علي الطاقة النظيفة لحظر جميع واردات الطاقة من روسيا بشكل كامل بحلول عام ٢٠٣٠، بدء الاتحاد الأوربي بالفحم الروسي حيث توقف عن استيراده، كما جمدت ألمانيا خططها لافتتاح خط أنابيب الغاز Nordstream 2 من روسيا، كما قامت كل من بولندا وألمانيا بوقف استيراد النفط الروسي الواصل إليهما عبر خطوط الأنابيب بحلول نهاية هذا العام، وهي الخطوة التي أوقفت 90 بالمئة من واردات النفط الروسي إلى الاتحاد الأوروبي قبل الحرب.

كما تعهدت المملكة المتحدة بانها ستقوم بالتخلص التدريجي من النفط الروسي، بالإضافة الي انها لم تعد تستورد الغاز الروسي، وشملت الحزمة الأحدث من العقوبات الأوروبية على موسكو حظر واردات النفط الروسي المصدر إلى أوروبا بحرا، وهو ما يستثني النفط المنقول لأوروبا عبر الأنابيب نظرا لاعتماد دول كالمجر وسلوفاكيا والتشيك عليه، ووضع حد أقصى لأسعار النفط الروسي بنحو 60 دولارًا للبرميل أو أقل حيث يتم اخبار مستوردي النفط الخام الروسي أن شركات التأمين الغربية لن تغطي شحنات النفط إذا دفعوا أكثر من الحد الأقصى.

كما يبحث الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة حالياً فرض عقوبات جديدة ضد روسيا يُفترض تطبيقها، بمناسبة مرور عام على الحرب تشمل قيوداً تجارية تزيد قيمتها على 10 مليارات يورو، بما في ذلك فرض حظر على واردات الاتحاد الأوروبي من المطاط الروسي، بالإضافة الي منع صادرات التكتل إلى روسيا من المعدات التقنية وقطع الغيار التي قد تستخدمها في معركة أوكرانيا.

ثالثاً: استهداف الأفراد

فرضت كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة ودول أخرى عقوبات على الأفراد الذي يطلق عليهم حكم القلة وتم فرض العقوبات علي أكثر من ١٠٠٠ فرد وشركة روسية، من بينهم الرئيس بوتين ووزير الخارجية سيرجي لافروف حيث تم تجميد أصولهم وتم فرض عقوبات علي رجال اعمال روس مثل ما حدث مع مالك نادي تشيلسي السابق رومان أبراموفيتش، الذي تم التضييق عليه حتي ارغم علي بيع النادي الي رجل الأعمال الأمريكي تود بولي، كما تم الاستيلاء على اليخوت الفاخرة المرتبطة بالروس الخاضعين للعقوبات، في نيويورك، بالإضافة الي إيقاف المملكة المتحدة بيع “التأشيرات الذهبية”، التي سمحت للأثرياء الروس بالحصول على حقوق الإقامة في بريطانيا.

رابعاً: سلع وخدمات

حظرت كل من المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة تصدير السلع ذات الاستخدام المزدوج، والعناصر ذات الأغراض المدنية والعسكرية، مثل قطع غيار المركبات، كما حظرت جميع الرحلات الجوية الروسية من المجال الجوي لكل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي وكندا، بالإضافة إلى حظر استيراد الذهب الروسي، وحظر تصدير السلع الكمالية إلى روسيا، كما تم فرض ضريبة بنسبة 35٪ على بعض الواردات من قبل المملكة المتحدة، وقامت العديد من الشركات الدولية إما بتعليق التداول في روسيا أو الانسحاب كليًا.

كما يبحث الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة حالياً فرض عقوبات جديدة ضد روسيا يُفترض تطبيقها، بمناسبة مرور عام على الحرب تشمل قيوداً تجارية تزيد قيمتها على 10 مليارات يورو، بما في ذلك فرض حظر على واردات الاتحاد الأوروبي من المطاط الروسي، بالإضافة الي منع صادرات التكتل إلى روسيا من المعدات التقنية وقطع الغيار التي قد تستخدمها في معركة أوكرانيا.

تأثير العقوبات على الاقتصاد الروسي

بدأ تأثير الحرب في أوكرانيا والعقوبات الاقتصادية غير المسبوقة في التأثير على وضع الاقتصاد الروسي، إذ تراجعت عائدات الطاقة بنسبة 46.5 في المئة، بالرغم من تحول صادرات الطاقة الي دول آسيا، لكن السوق الأسيوي لا يضاهي حجم السوق الأوروبي كما هبطت العائدات الروسية إجمالاً في شهر يناير من العام الحالي بنحو 35.1 في المئة، ليرتفع العجز في الميزانية الروسية إلى مستوى غير مسبوق مسجلاً 25 مليار دولار، مع زيادة الإنفاق بنسبة 60 في المئة بمعدل سنوي في شهر يناير، كما انهار سعر صرف العملة الروسية “الروبل” مقابل الدولار الأميركي مع تجميد الغرب نحو نصف الاحتياطات الروسية من العملة الأجنبية البالغة 600 مليار دولار، لكن الروبل عاد وارتفعت قيمته لتصل في مرحلة ما من النصف الثاني من العام الماضي إلى أعلى مستوياتها منذ عام 2018.

وتتعدد الآثار الناجمة عن العقوبات على الاقتصاد الروسي يمكن التعرض لأهمها فيما يلي:

اولاً: التضخم

ارتفع التضخم بشكل ضخم جدا بعد شن الهجوم العسكري الروسي، على أوكرانيا لكن سرعان ما استطاعت روسيا خفض معدل التضخم شيئاً فشيئاً، فبالرغم من العقوبات الاقتصادية التي فرضت على روسيا إلا أن معدل التضخم السنوي في روسيا انخفض إلى 11.8٪ في يناير 2023 من 11.9٪ في ديسمبر، مخالفاً توقعات السوق البالغة 11.5٪. ومع ذلك، فهو الشهر التاسع على التوالي الذي يشهد تباطؤًا في التضخم إلى أدنى مستوياته منذ فبراير من العام الماضي. خفضت تكلفة المنتجات الغذائية (10.2٪ إلى 10.3٪ في ديسمبر) والمنتجات غير الغذائية (12.2٪ مقابل 12.7٪) بينما تسارع تضخم الخدمات (13.5٪ مقابل 13.2٪). على أساس شهري، ارتفعت أسعار المستهلك بنسبة 0.8 في المائة، كما كانت في ديسمبر، وهو ما تشير اليه البيانات في الشكل التالي:

الشكل ١: معدل التضخم الروسي من شهر فبراير من عام ٢٠٢٢ الي شهر يناير من عام ٢٠٢٣

Chart, line chartDescription automatically generated

(Russia Inflation Rate, 2023)

ثانياً: البطالة

بالرغم من العقوبات بلغ معدل البطالة في روسيا 3.6٪ في يناير 2023، وهو أدنى مستوى على الإطلاق، منخفضًا من 3.7٪ في ديسمبر وأقل من توقعات السوق عند 4٪. ويعكس الاتجاه التنازلي للبطالة بشكل أساسي النقص المستمر في العمالة لأن الكثير من المواطنين تركوا روسيا أو تم حشدهم للمشاركة في الحرب. وانخفض عدد العاطلين عن العمل بمقدار 41 ألفًا عن الشهر السابق إلى 2.734 مليون شخص، بينما ارتفع عدد العاطلين عن العمل المسجلين رسميًا إلى 0.666 مليون في يناير من 0.645 مليون في الشهر السابق. في يناير 2022، كان معدل البطالة أعلى بنسبة 4.4٪، وهو ما يوضحه الشكل التالي:

الشكل ٢: معدل البطالة من عام ٢٠٢٢ الي عام ٢٠٢٣

(Russia Unemployment Rate, 2023)

كيف صمد الاقتصاد الروسي أمام تلك العقوبات؟ صممت العقوبات المفروضة على الاقتصاد الروسي على أنها طويلة المدي وليست قصيرة، بالتالي ستصبح آثار العقوبات والقيود الأخرى أكثر وضوحًا مع استمرار الحرب خلال الشهور المقبلة، كما أن بعض الدول لا تزال تسمح بالتجارة في الخدمات ومنتجات الطاقة مع روسيا، كما استطاعت روسيا إيجاد سوق بديل للسوق الأوروبي خاصة للنفط ومنتجاته والغاز الطبيعي وهو السوق الآسيوي رغم أن الأسواق الآسيوية لن تحل محل الأسواق الأوروبية بالكامل، وكثير من صادرات النفط الروسية إلى آسيا تم بخصم كبير على السعر.

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/33074/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M