الوسيط المحايد… هل تشكل عُمان بوابة الانفتاح العربي على سوريا؟

مارى ماهر

 

في أول زيارة خارجية له عقب الزلزال العنيف الذي ضرب تركيا وسوريا يوم 9 فبراير، وثاني زيارة لدولة عربية خليجية عقب زيارته للإمارات في مارس 2022، أجرى الرئيس السوري بشار الأسد زيارة عمل استغرقت بضع ساعات لسلطنة عُمان يوم 20 فبراير الماضي عاقدًا سلسلة مباحثات رسمية في قصر البركة بمسقط شملت السلطان هيثم بن طارق بمشاركة مسؤولي البلدين، تناولت العلاقات الثنائية بين البلدين واستكشاف مجالات التعاون المشترك، والمستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية والجهود المبذولة لدعم وتعزيز الأمن والاستقرار الإقليميين، وقد أكد السلطان أن سوريا دولة عربية شقيقة وأنه يتطلع إلى تطبيع العلاقات بين سوريا وجميع الدول العربية الأخرى، مجددًا تعازيه للرئيس والشعب السوري في ضحايا الزلزال ومؤكدًا استمرار دعم بلاده لسوريا لتجاوز آثار الزلزال المدمر وتداعيات الحرب والحصار المفروض على السوريين، بينما أوضح الرئيس الأسد عُمان حافظت على سياساتها المتوازنة ومصداقيتها، والمنطقة بحاجة الآن إلى المزيد من دور هذه الدولة من أجل تعزيز العلاقات بين الدول العربية على أساس الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، معربًا عن امتنانه لدعم السلطان والسلطنة في حرب سوريا على الإرهاب وتقديم مساعدات الإغاثة في أعقاب الزلزال المدمر.

ركائز التقارب

ساهمت مجموعة من العوامل السياسية والتاريخية في جعل سلطنة عُمان أحد البوابات الرئيسية للانفتاح العربي على سوريا، والتي يُمكن توضحيها كالتالي: 

• الإرث التاريخي: منذ تأسيس سلطنة عُمان عام 1970 اتسمت العلاقات السورية العُمانية بالإيجابية والاستقرار والحوار والدعم المتبادل بصرف النظر عن المتغيرات الإقليمية والأوضاع السياسية المضطربة والضاغطة التي مرت بالشرق الأوسط مما أدى إلى مزيد من توطيد العلاقات وفهم أكبر لمصالح الطرفين؛ ومنذ وقتًا مبكرًا وتحديدًا عندما عارض البعض محاولات السلطنة الانضمام إلى جامعة الدول العربية وبخ ممثل سوريا آنذاك عبد الحكيم خدام المعارضين مؤكدًا أن “عُمان دولة عربية”، وبالمقابل ظلت السلطنة دائمًا داعمة للموقف السوري المطالب بعودة مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل في كافة المحافل الإقليمية والدولية.

• غياب البُعد الأيدلوجي عن السياسية العُمانية تجاه سوريا: دعمت الأطراف الإقليمية والدولية أطراف متعارضة في الصراع السوري وفق أسس أيديولوجية وطائفية مما زاد خطوط الصدع الجيوسياسية، لكن عُمان دولة ليست ذات أغلبية سنية ولا شيعية، بل أغلبية إباضية، وبالتالي لم يكن لديها مصلحة في الانحياز لطرف في هذا الصراع ولم تدعم أي فصيل سياسي أو عسكري مُعارض، كما تعتبر عُمان إيران أقل تهديدًا وتعتقد أنه من الأفضل إقامة علاقات أكثر انفتاحًا وتعاونًا بين إيران والدول العربية، وتعمل كجسر دبلوماسي بين إيران من جهة والدول العربية والغربية من جهة ثانية، بعكس الدول الخليجية الأخرى التي تنظر لإيران باعتبارها تهديدًا وجوديًا.

• سياسة عدم التدخل العُمانية: حافظت عُمان منذ استقلالها عام 1970 على سياسة خارجية براجماتية تركز على مبادئ عدم التدخل والموازنة بين المصالح المتنافسة للدول الأخرى في المنطقة، والنأي بالنفس عن الصراعات بدول الجوار، بهدف الحفاظ على العلاقات الودية مع جيرانها وتطوير دورها كوسيط دبلوماسي إقليمي، وبما يضمن مصالحها الأمنية كدولة صغيرة في موقع مهم استراتيجيًا. وهي السياسة التي انصرفت إلى الأزمة السورية، فرغم اعتراف عُمان بالائتلاف الوطني السوري عام 2011، كجزء من اعتراف مجلس التعاون الخليجي بالائتلاف كممثل شرعي للسوريين، إلا أنها تدريجيًا عادت إلى سياستها التقليدية القائمة على عدم التدخل والمحافظة على نهجها الإنساني والدبلوماسي تجاه الحرب السورية وعدم تمول الفصائل المعارضة أو الميليشيات المسلحة، كما حافظت على علاقات دبلوماسية مع الحكومة السورية، ورأت أن الأزمة السورية شأن داخلي ولا ينبغي تدخل الآخرون فيها، والسوريون فقط هم من يقررون مسارهم المستقبلي وهم وحدهم من يقرر كيف يتم حل قضاياهم الداخلية بالطريقة التي تناسبهم، ففي أكتوبر 2012، قال وزير الخارجية العُماني السابق يوسف بن علوي إن قتل المدنيين السوريين وتدميرهم وتهجيرهم أمر غير مقبول، وأن دور السلطنة في الصراع السوري سيقتصر على توفير المساعدات الإنسانية وليس تسليح الجماعات.

• دور الوسيط الإقليمي: حاولت السلطنة لعب أدوار وسيطة مبكرة لتقريب وجهات النظر بين الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة في الأزمة السورية وتطبيع العلاقات العربية-السورية، ففي مطلع أغسطس 2015 عُقد اجتماع ثلاثي بين وزراء خارجية سوريا والسعودية وإيران في مسقط بطلب من طهران، وجاءت تحركات الوساطة ضمن نتائج التقارب الأمريكي الإيراني على خلفية نجاح جهود الوساطة العمانية في الملف النووي الإيراني. كما التمست روسيا الوساطة العُمانية لإنهاء تجميد عضوية سوريا في جامعة الدول العربية خلال زيارة وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إلى مسقط في مايو 2022. وقد جاءت زيارة الأسد الأخيرة في أعقاب اجتماعات بين المسؤولين السوريين والعُمانيين لدفع عملية إعادة ادماج سوريا إقليمية، وفي ظل تقارير تُفيد بنقل عُمان رسائل سورية لبعض الدول العربية والخليجية.

• استمرار التواصل الدبلوماسي والاقتصادي: أخذت مسقط زمام المبادرة العربية للانفتاح على دمشق مبكرًا عندما زار وزير الخارجية العماني السابق يوسف بن علوي دمشق عام 2015 لمناقشة سبل حل الأزمة السورية، واستمرت المحادثات عام 2018 عندما وصل وزير الخارجية السوري الراحل وليد المعلم إلى مسقط لإجراء مزيد من المفاوضات مع نظيرة آنذاك بن علوي، وكانت زيارة المعلم – التي جاءت تلبيةً لدعوة مسقط – الأولى له إلى إحدى دول مجلس التعاون الخليجي منذ 2011، وأظهرت اهتمام عُمان بالمساهمة في حلحلة الأزمة السورية، وقد اتفق الدبلوماسيان على مواصلة التعاون والتنسيق لتحقيق الأهداف المشتركة لشعبيهما وحكومتيهما. وشهد عام 2020 انفراجة أوسع عندما أصبحت السلطنة أول دول عربية تعيد سفيرها إلى سوريا حيث قدم السفير تركي بن محمود البوسعيدي أوراق اعتماده لوزير الخارجية السوري آنذاك ليكون أول ممثل من دولة عربية خليجية يعود إلى منصبه في دمشق. وتكرر التواصل الدبلوماسي بزيارة المعلم للسلطنة للتعزية بوفاة السلطان الراحل قابوس بن سعيد، وتهنئة السلطان هيثم بن طارق الأسد بإعادة انتخابه في 2021، ثم زيارة وزير الخارجية السوري الحالي فيصل المقداد لمسقط في مارس 2021 لمدة ثلاثة أيام لدعم آمال دمشق في استعادة مقعدها بالجامعة العربية وتسريع التطبيع مع الدول العربية، وقد شهدت توقيع اتفاقيات بشأن السفر بدون تأشيرة للدبلوماسيين وغيرهم من حاملي جوازات السفر الخاصة. فزيارة وزير الخارجية العماني بدر البوسعيدي لدمشق ولقائه بالأسد في يناير 2022.

وامتد التعاون إلى الجانب الاقتصادي حيث وقع البلدان مذكرة تفاهم لتوسيع آفاق التعاون المشترك في مجالات النفط والغاز، خلال زيارة لوزير النفط والثروة المعدنية السوري علي غانم إلى السلطنة خلال نوفمبر 2017. وفي أغسطس 2022، قرر وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية السوري محمد سامر الخليل تشكيل مجلس الأعمال السوري العُماني، بهدف تعزيز دور القطاع الخاص والاستفادة من إمكانياته في تطوير العلاقات الاقتصادية بين الدولتين في مختلف مجالات التجارة والاستثمار والصناعة والزراعة والسياحة.

سياق مُحفز

جاءت زيارة الرئيس الأسد إلى عُمان في ظل سياق إقليمي ودولي انعكست تداعياته على تفاعلات الأزمة السورية مما قدم مبررًا لانفتاح أكبر على الحكومة السورية، وهو ما يُمكن الوقوف عليه تاليًا:

• الانفتاح العربي على سوريا: تأتي الزيارة بينما تسارعت وتيرة التواصل العربي السوري خلال العامين الأخريين معبرًا عن نفسه من خلال مظاهر وتحركات عدة تضمنت إعادة الإمارات والبحرين فتح سفارتيهما في دمشق وإرسال سفرائهما، وإرسال الأردن قائمًا بالأعمال إلى دمشق بالتزامن مع طرحة مبادرات على الطرفين الأمريكي والروسي لدفع الحل السياسي للأزمة السورية، وتصاعد المطالب العربية والروسية والإيرانية لاستعادة سوريا موقعها داخل الجامعة العربية، وتخفيف حدة الموقف السعودي المتشدد تجاه الاندماج السوري عربيًا متجليًا في تصريح وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، على هامش قمة ميونخ للأمن، بشأن وجود إجماع عربي حول ضرورة إنهاء عزلة سوريا. ويُمكن إيعاز تحولات الموقف العربي والخليجي لتزايد ونضوج الإدراك والوعي السياسي العربي بخطورة استمرار العزلة السورية وترك تقرير مصير الملف السوري للمشاريع الإقليمية والدولية بما يشكل خطورة على منظومة الأمن القومي العربي. وتكشف هذه الرؤية استفادة من استقراء دروس السياق العربي في التاريخ الحديث وبالأخص الوضع العراقي، فأبرز أهداف الحراك العربي تجاه سوريا هو محاصرة النفوذ الإيراني في الساحة السورية باعتبار أن تعريضها للعزلة مثَّل فرصة لإيران على مدى السنوات الماضية لتعزيز وجودها هناك.

• المتغيرات الإقليمية والدولية: لا ينفصل الانفتاح العربي المتسارع على سوريا عن إعادة التموضع الاستراتيجي الإقليمي فيما يتعلق بإعادة الدول العربية حساباتها الاستراتيجية، لاسيمَّا في ظل المتغيرات الدولية والإقليمية والتحول المستمر في النظام الدولي، والتغيرات التي طرأت على السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط من تراجع اهتمامها بالمنطقة لصالح التركيز على الوجود الأمريكي في منطقة الإندوباسيفيك لمواجهة التهديد الصيني الناشئ. وتدرك الدول العربية أهمية صياغة موقف عربي موحد وسد ثغرات النظام الإقليمي العربي لمواجهة المتغيرات الدولية الأمر الذي يتطلب تسكين الصراعات الإقليمية. كما أن تراجع أولوية الملف السوري على الأجندة الإقليمية للولايات المتحدة، والتوترات التي خيمت على العلاقات الأمريكية العربية ارتباطًا بتطورات الحرب الأوكرانية واتجاه الأخيرة نحو تبني سياسات أكثر استقلالية وتوازنًا وإعطاء الأولوية للسياسات البرجماتية على العوامل الأيديولوجية، وضع معارضة الولايات المتحدة لإعادة دمج سوريا في العالم العربي ضمن سياق إعلان المواقف دون نية اتخاذ خطوات عقابية ضد الدول العربية. علاوة على أن التقارب العربي-التركي الذي عبر عن نفسه بزيارتين للرئيس التركي رجب طيب أردوغان للإمارات والسعودية ومحاولات تخفيض التوترات مع القاهرة يُمكنه فتح طريق أمام تفاهم عربي تركي بشأن سوريا.

• التوظيف السياسي لزلزال 9 فبراير: شكلت المقاربة الإنسانية مدخلًا ملائمًا لدفع العلاقات السياسية العربية مع الحكومة السورية ومحاولة فك عزلتها الإقليمية وإعادة دمجها ضمن محيطها العربي، ضمن مسار التهدئة الذي بدأت إرهاصاته قبل عامين تقريبًا وشهد خطوات فعلية، بحيث عمل الزلزال كعامل محفز وليس ناشئ مقدمًا ذريعة إنسانية لتنحية الخلافات السياسية، فقد حفزت الكارثة الاتصالات السياسية بالحكومة السورية، حيث تلقى الرئيس بشار الأسد أول اتصال هاتفي من نظيره المصري منذ 2011، والتقى بوفد لبناني برئاسة وزير الخارجية المؤقت عبد الله بو حبيب في دمشق، كما استضاف وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي في زيارة هي الأولى من نوعها منذ 2011، كما استقبل وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان في ثالث زيارة من نوعها خلال عام تقريبًا، وكررت الحكومات العراقية والإماراتية والبحرينية واللبنانية والعمانية والجزائرية دعواتها لعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، وظهرت فرق الإنقاذ الجزائرية والفلسطينية كعربون للتضامن القومي العربي، وقررت تونس رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي مع دمشق، وضمن هذا السياق يُمكن قراءة زيارة الأسد لعُمان.

• التقارب التركي-السوري: تتزامن زيارة الأسد مع مسار التقارب التركي السوري بضغط روسي وترحيب إيراني، وسط تقديرات بتحفيز دبلوماسية الكوارث مسار التواصل السياسي بين الحكومتين، لاسيمَّا مع إفادة تقارير بنشر مراكز البحوث والدراسات الروسية رسائل تحث أردوغان على اغتنام هذه الفرصة لتجديد المحادثات المباشرة مع الأسد، وقد أعلنت روسيا عن الإعداد لاجتماع مرتقب يجمع وزراء خارجية سوريا وتركيا وإيران وروسيا بهذا الخصوص، ولا شك أن تلك الترتيبات ستسفر عن تغير أنماط التفاعلات بين الأطراف المنخرطة بالصراع وبالتالي تغير معادلات موازين القوة السياسية والعسكرية على الأرض، كما أن نجاح المصالحة سيؤدي لإعادة تأهيل النظام السوري وتراجع الرفض الإقليمي له، ومن ثم تهيئة الطريق أمام قبوله إقليميًا وإعادة العلاقات العربية السورية.

ختامًا؛ يرجح أن تحمل المرحلة المقبلة انفراجةً في العلاقات العربية السورية، مدفوعة بتبدل الحسابات الاستراتيجية للطرف العربي انطلاقًا من المتغيرات الدولية والإقليمية الراهنة، لكن تظل هناك تحديات أمام عودة سوريا الكاملة إلى الحاضنة العربية بقرار عربي جماعي، في مقدمتها معارضة الولايات المتحدة أي تطبيع مع الحكومة السورية خاصة أنه يتزامن مع جهود موسكو الحالية للتوسط في التقارب التركي السوري كما يبدو أن الاتحاد الأوروبي ليس لديه أي نية لدعم التطبيع مع دمشق أيضًا، كذلك تمثل العقوبات الغربية المفروضة على سوريا خاصة قانون قيصر الأمريكي عقبة كبيرة أمام بناء علاقات عربية طبيعية مع سوريا لاسيمَّا على الصعيدين الاقتصادي والتجاري، كما لا يُمكن إغفال الدور الإيراني فرغم إبداء طهران ترحيبها بتطور العلاقات السورية العربية، بحسب وزير خارجيتها حسين أمير عبد اللهيان، فإن تدرك جيدًا أن التحرك العربي تجاه دمشق يستهدفها بالدرجة الأولى وبالتالي لن تسمح بتجاوز العلاقات العربية السورية الحد المسموح لها وبما لا يهدد مصالحها ونفوذها في سوريا التي تعتبرها أحد أهم ركائزها الاستراتيجية في المنطقة، وذلك عبر تفعيل أدواتها للتأثير في سوريا التي عملت على بنائها خلال السنوات الماضية. علاوة على ذلك لايزال الاجماع العربي بشأن استعادة دمشق مقعدها بالجامعة العربية غائبًا، فعلى سبيل المثال، ترفض قطر إنهاء تعليق عضوية سوريا وترى أن أسبابها مازالت قائمة وتتحدث فقط عن التعاون بشأن اللاجئين، بينما تظل السعودية مترددة عندما يتعلق الأمر بإعادة قبول سوريا في الجامعة العربية. وأخيرًا، فإن محاولات الوساطة العُمانية لم تجد صداها لدى الولايات المتحدة بعكس وساطتها بين واشنطن وطهران كما لم تقدم مسقط مبادرة متفق عليها من قبل جميع الأطراف الدولية والإقليمية المنخرطة في الأزمة السورية.

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/33054/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M